خلفية: عاشت مدن وبلدات الغوطة الشرقية اعتباراً من يوم الأحد 18 شباط/فبراير 2018 واحدة من أسواء الهجمات العسكرية التي قادتها الحكومة السوريّة والروسيّة ضدّ مئات الأهداف والمرافق المدنية، والتي أدت إلى مقتل وإصابة مئات المدنيين بحسب باحثي سوريون من أجل الحقيقة والعدالة والمتواجدين في المنطقة.
وتقوم سوريون من أجل الحقيقة والعدالة جنباً إلى جنب مع شركاء آخرين (الأرشيف السوري – بيلنغكات)، بإجراء تحقيقات موسّعة ومفصلّة حول أبرز الهجمات وخاصّة تلك التي قُتل فيها مدنيون وتمّ استهداف مرافق طبّية وبُنى تحتية فيها. وسوف يتم نشر التحقيقات والتقارير المفصّلة تباعاً وعند الانتهاء منها.
- هجمات قاتلة تحصد حياة مئات المدنيين:
إنّ هذه العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية تأتي كجزء من التصعيد العسكري الذي بدأه الحلف السوري/الروسي بتاريخ 29 كانون الأول/ديسمبر 2017، والذي استمر عملياً حتى نهاية شهر كانون الثاني/يناير 2018، وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أصدّرت تقريراً مفصلاً عن هذا التصعيد تحت عنوان (مجازر مروّعة من قبل الحلف السوري/الروسي في الغوطة الشرقية عشية مؤتمر سوتشي "للحوار الوطني")، وبالفعل فقد جاء هذا التصعيد عشية عقد مؤتمر سوتشي "للحوار الوطني" بتاريخ 29 و 30 كانون الثاني/يناير 2018. في روسيا.
إلاّ أنّ هذا التصعيد ما لبث أن عاد مرة أخرى إلى الواجهة وتكرر في أيام 5 و 6 و 7 و 8 شباط/فبرير 2018، حيث استطاعت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة توثيق مقتل ما لا يقل عن (200) مدني إضافة إلى إصابة مئات آخرين، وفي هذا الصدد أصدرت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة تقريراً مفصلاً تحت عنوان (تصعيد عسكري غير مسبوق على الغوطة الشرقية في شباط/فبراير 2018 يحصد أرواح العشرات من المدنيين، أكثر من (200) قتيل مدني سقطوا خلال أيام 5 و6 و7و8 شباط/فبراير بسبب عمليات قصف انتقامية ضدّ السكان المحليين).
- مرضى في انتظار الموت على "قوئم الإخلاء الفوري":
لقد أدى الحصار المفروض على مناطق الغوطة الشرقية ومنع المواد الطبّية عنها منذ أكثر من أربع سنوات إلى ازدياد في عدد المرضى الذين يحتاجون إلى إخلاء فورري، وقد كانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أصدرت تقريراً مفصلاً تحت عنوان ("استخدام آخر لأطفال مرضى محاصرين ومدنيين كورقة مساومة في سوريا" – "صفقة إخلاء ما بين جيش الإسلام والحكومة السوريّة تفضي إلى إجلاء 29 حالة مرضية من الغوطة مقابل الإفراج عن 29 محتجزاً")، وتحدّث التقرير عن إخلاء (29) حالة مرضية من أصل (675) حالة تمّ إخلائهم من الغوطة مقابل إفراج جيش الإسلام المعارض عن (29) محتجزاً لديها.
وكمتابعة لملف الحصار و "وقوائم الإخلاء" أصدرت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة تقريراً مفصلاً آخراً تحت عنوان (أكثر من (600) حالة مرضية تنتظر الموت على "قوائم الإخلاء الفوري" من الغوطة الشرقية – تسجيل خمس حالات وفاة جديدة لمرضى في الغوطة الشرقية بعد عملية الإخلاء الأولى والوحيدة). حيث تحدّث التقرير عن وفاة عدد من الحالات التي تحتاج إلى إخلاء فوري من الغوطة الشرقية المحاصرة من أصل مئات الحالات الأخرى.
- استخدام مواد كيميائية/غاز الكلور:
لقد تخلّلت العمليات العسكرية الأخيرة في الغوطة الشرقية استخدام أسلحة محرمة دولية، مثل المواد الكيميائية السامّة، فقد وثّقت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة استخدام مادة يُعتقد أنها الكلور وذلك بتاريخ 13 كانون الثاني/يناير 2018 كأول عملية استخدام للأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية في العام 2018، وأصدّر تقريراً مفصّلاً عن الحادثة تحت عنوان (تعرّض ست مدنيين لمواد سامّة في الغوطة الشرقية – ريف دمشق – "هذا هو الهجوم الأول في العام 2018 والذي يتمّ فيه استخدام غاز الكلور كسلاح في الغوطة").
أمّا الاستخدام الثاني للمواد الكيميائية فقد وقع بتاريخ 22 كانون الثاني/يناير 2018، حيث قامت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بالتعاون مع شريكتها بيلنغكات بنشر تقرير مفصّل عن الحادثة، أظهر استخدام مواد ألمانية الصنع في الصاروخ الإيراني الذي تمّ القصف به. وقد جاء التقرير تحت عنوان (القوات النظامية السورية تعيد استخدام الغازات السامة على مدينة دوما للمرة الثانية على التوالي خلال شهر واحد).
وكان الاستخدام الثالث قد وقع بتاريخ 1 شباط/فبراير 2018، حيث قامت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بالتعاون مع شريكتها بيلنغكات أيضاً بنشر تقرير مفصّل عن الحادثة، أظهر استخدام مواد ألمانية الصنع مجدداً في الصاروخ الذي تمّ القصف به. وقد جاء التقرير تحت عنوان (مجدداً: مواد "ألمانيّة الصنع" داخل صواريخ محمّلة بغاز الكلور السام في الغوطة الشرقيّة).
- هجمات باستخدام أسلحة مقيّدة/محرمة مواد حارقة وقنابل عنقودية:
المواد الحارقة كانت أحد الأسلحة التي قامت القوات النظامية السّورية باستخدامها خلال عملياتها العسكرية في الغوطة الشرقية، فقد وثّقت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في تقرير تحت عنوان (ثلاث هجمات متتالية في أواخر شهر كانون الثاني/يناير 2018 بواسطة مواد حارقة على الأحياء السكنية في مدينة حرستا – الهجمات تزامنت مع إطلاق "المرحلة الثالثة" من معركة "بأنّهم ظُلموا" في إدارة المركبات العسكرية في حرستا)، تفاصيل استخدام هذه المواد).
كما قامت القوات النظامية السورية باستخدام صورايخ محملة بذخائر عنقودية على عدد من مدن وبلدات الغوطة الشرقية، وذلك في يوم 2 شباط/فبراير 2018، حيث أعدت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تقريراً تحت عنوان (14 صاروخ محمل بذخائر عنقودية يستهدف مدن وبلدات الغوطة الشرقية خلال يوم واحد– هجمات عنيفة في يوم 2 شباط/فبراير 2018 تقتل مدنيين في الغوطة الشرقية).
- تعليق العملية التعليمية في الغوطة الشرقية:
أدّت العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية إلى إيقاف كامل للعملية التعليمية في غوطة دمشق الشرقية، وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أصدرت بتاريخ 4 شباط/فبراير 2018، تقريراً تحت عنوان ("تعليق العملية التعلمية في الغوطة الشرقية نتيجة الهجمات العسكرية الأخيرة" – القصف الجوي والمدفعي والغازات السامّة تقتل وتصيب التلاميذ في مدن وبلدات الغوطة-ريف دمشق)، تشرح فيه حال العملية التعليمية بعد التصعيد الأخير.
- تصعيد متزامن في الغوطة الشرقية وريف إدلب وحماه وحلب:
من المهم الإشارة إلى أنّ التصعيد الذي وقع في مدن وبلدات الغوطة الشرقية (مع نهاية العام 2017 وبداية العام 2018)، قد تزامن مع تصعيد رهيب آخر في عدّة مدن وبلدات في محافظة إدلب وريف حماه الشمالي وريف حلب الغربي والجنوبي. وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قدّ أصدّر ت تقريراً مفصلاً تحت عنوان (مواد حارقة وبراميل متفجّرة وقنابل عنقودية وصواريخ فراغية من قبل الطيران السوري/الروسي تحصد حياة عشرات المدنيين في إدلب)، يغطي تلك الأحداث في الفترة الواقعة ما بين تاريخ 25 كانون الأول/ديسمبر 2017، وحتى تاريخ 20 كانون الثاني/يناير 2018. لقد كانت المشافي والمرافق الطبّية في الأماكن التي شهدّت تصعيداً عسكرياً أهدافاً للطيران الروسي والسوري مما حرم عشرات الآلاف من الخدمات الطبّية، وقد كانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة مع شركاء آخرين (الأرشيف السوري – بيلنغكات)، قد أصدرت تقريراً مفصلاً تحت عنوان (بعد ستّة أشهر! مرافق صحّية تحت النار)، حول استهداف عدد من المشافي وهي:
- مستشفى السلام في مدينة معرّة النعمان، والذي تمّ استهدافه بتاريخ 3 كانون الثاني/يناير 2018.
- مشفى عدي/مشفى الإحسان، في مدينة سراقب_إدلب، والذي تمّ استهدافه بتاريخ 29 كانون الثاني/يناير 2018.
- المشفى الوطني في مدينة معرّة النعمان، والذي تمّ استهدافه بتاريخ 4 شباط/فبراير 2018.
- مشفى أورينت/مشفى كفرنبل الجراحي، في مدينة كفرنبل-إدلب، والذي تمّ استهدافه بتاريخ 5 شباط/فبراير 2018.
ماذا يحدث في مدن وبلدات الغوطة الشرقية – ريف دمشق؟
نتيجة للأحدث الأخيرة، قامت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بإعداد هذه الورقة التي تشرح التصعيد الأخير، وذلك استناداً إلى أربع شهادات مفصّلة (اثنين من منهم من باحثي سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في الغوطة، وناشطين آخرين قاما برصد الأحدث).
وكانت القوات النظامية السورية والميليشيات التابعة لها قد قامت بتاريخ 17 شباط/فبراير 2018 بحشد عدد كبير جداً من الآليات والجنود في عدّة نقاط متاخمة للغوطة الشرقية، وبحسب مصادر عسكرية فإنّ هذه الحشود جاءت كجزء من تحضيرات للعمليات العسكرية التي تشارك فيها "قوات النمر" التابعة لسهيل الحسن من أجل السيطرة على عموم منطقة الغوطة الشرقية الخاضعة لفصائل المعارضة المسلّحة.
لقد تزامنت العمليات العسكرية مع تصريح وزير الخارجية الروسية "سيرغي لافروف" بتاريخ 19 شباط/فبراير 2018 والتي قال فيها أنّ "تجربة تحرير حلب قابلة للتطبيق في الغوطة الشرقية".
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الدمار الذي لحق بالأحياء السكنية في مدينة عربين، نتيجة استهدافها خلال الحملة العسكرية الاخيرة.
أولاً: استهداف المناطق الحيوية في الغوطة الشرقية:
اعتباراً من يوم الاثنين 19 شباط/فبراير 2018، (الحملة بدأت في يوم 18 شباط/فبراير 2018) بدأت القوات النظامية السورية/الروسية بقصف مدن وبلدات الغوطة الشرقية بشكل وحشي وعنيف لم يسبق له مثيل بحسب الأشخاص الذين تمّ الحديث معهم، وهو الأمر الذي أكده الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"بدأت القوات النظامية السورية بقصف مدن وبلدات الغوطة الشرقية بواسطة راجمات صواريخ جديدة من نوعها، ويتمّ استخدامها لأول مرة على الغوطة، وهو الأمر الذي تسبّب في وقوع العديد من الإصابات مابين صفوف المدنيين، وفي اليوم ذاته قام الطيران الحربي بشنّ غارات مكثفة على معظم مدن وبلدات الغوطة، مستخدماً أنواع جديدة من الأسلحة، حيث تمّ استهداف البنى التحتيه في هذه المناطق، مثل المشافي ومشاريع الثروة الحيوانية وعدة مدارس، كما قامت القوات النظامية السورية أيضاً باستهداف واحداً من أهم مستودعات الأغذية في الغوطة الشرقية، وهي مستودعات "المنفوش"، إضافة إلى الفرن الخاص به، وعلى إثر هذا الاستهداف اندلعت النيران في المستودع واحترقت العديد من البضائع الرئيسية التي كان يحويها.كما كان لبلدة مسرابا النصيب الأوفر من القصف في يوم 19 شباط/فبراير 2018، وهو ماسببّ نزوح العديد من أهالي مسرابا- والذين يقدر عددهم بحوالي (4000) عائلة- بشكل شبه كامل إلى مناطق مختلفة ومنها مدينة دوما، وقد نزح هؤلاء في ظل ظروف صعبة للغاية، إذ أنهم لم يتمكنوا حتى من ركوب الحافلات بهدف التوجه إلى أي مكان، وذلك بسبب استهداف النظام للطرقات الرئيسيّة في الغوطة، ولا سيما الطريق الواصل مابين مدينتي دوما ومسرابا."
وأظهر مقطع فيديو نشره مركز دمشق الإعلامي، جانباً من الدمار الذي حلّ في بلدة مسرابا نتيجة استهداف الأحياء السكنية فيها بتاريخ 19 شباط/فبراير 2018.
كما أضاف الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ معظم أهالي الغوطة الشرقية باتوا يعانون أوضاعاً إنسانية صعبة للغاية نتيجة الحملة العسكرية الأخيرة، حيث اضُطرّ غالبيتهم للعيش في أقبية غير مجهزة للاستخدام ولايمكنهم مغادرتها بسبب كثافة القصف الحاصل عليهم، كما أشار إلى أنّ معظم المحال التجارية والأسواق قد أغلقت، وهو ماجعل شراء المواد الغذائية أمراً غير ممكن. وحول سوء الأوضاع الطبية والتعليمية تابع قائلاً:
"تمّ استهداف العديد من المرافق الطبية في الغوطة الشرقية خلال هذه الحملة، إذ أصبح الوضع الطبي مأساوياً للغاية، ولا سيما أن الغوطة الشرقية كانت تعاني بالأصل من نقص كبير في المواد الطبية، أمابالنسبة للوضع التعليمي فقد قامت العديد من المدارس بتعليق الدوام الرسمي بسبب الحملة العسكرية، فضلاً عن أن بعض المدارس تعرضت للقصف، مثل مدرسة خاصة بالأيتام يطلق عليها اسم "دوحة الأمل" في بلدة مسرابا، ناهيك عن الارتفاع الكبير في أعداد الضحايا المدنيين الذين سقطوا منذ بدء القوات النظامية حملتها العسكرية الأخيرة على الغوطة الشرقية، ففي يوم 19 شباط/فبراير 2018، كان هنالك أكثر من (100) قتيل وأكثر من (300) جريح، وفي اليوم التالي وتحديداً بتاريخ 20 شباط/فبراير 2018، سقط ما لايقل عن (114) قتيل مدني، إلى جانب إصابة (400) مدني آخرين، فضلاً عن أنّ هنالك أشخاص قضوا تحت الأنقاض ولم يتمكن أحد من إخراجهم."
ثانياً: استهداف أحد الملاجئ في بلدة بيت سوى:
وفي شهادة أخرى أدلى بها (محمد خالد-اسم مستعار) لأحد نشطاء الغوطة الشرقية، إذ أكدّ لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة أيضاً، بأنّ العديد من مدن وبلدات الغوطة الشرقية شهدت يوماً دموياً لم تشهد مثله من قبل، وذلك بتاريخ 19 شباط/فبراير 2018، وفي هذا الخصوص تحدث قائلاً:
"كان يوم 19 شباط/فبراير 2018 هو الأكثر دموية، حيث بدأ النظام بقصف معظم مناطق الغوطة الشرقية بواسطة الطيران الحربي والمروحي، وتمّ إلقاء براميل متفجرة على كل مناطق الغوطة تقريباً، ووصل عددها حتى (25) برميل، كما تمّ استهداف أحد الملاجئ في بلدة بيت سوى وهو ما أدى إلى مقتل (28) مدنياً كانوا يحتمون داخل الملجأ، وفي بلدة بيت سوى كانت حصيلة القتلى في ذلك اليوم وحده (50) قتيل مدني، أما في عموم مدن وبلدات الغوطة فقد وصلت حصيلة القتلى إلى ما لايقل عن (100) قتيل، إلى جانب إصابة أكثر من (300) جريح. وفي يوم 20 شباط/فبراير 2018، بدأ النظام باستهداف المرافق الطبية، وهو ما أدى إلى خروج كثير منها عن الخدمة، حيث تمّ استهداف (12) مشفى ونقطة طبية في عموم الغوطة الشرقية، (لن أذكر أسماءها نظراً لحساسية الوضع) كما كان الطيران الحربي من نوع (حربي رشاش) يقوم باستهداف فرق الإسعاف خلال قيامهم بواجبهم."
وأظهر مقطع فيديو نشره الدفاع المدني في ريف دمشق بتاريخ 19 شباط/فبراير 2018، ماقال أنه استهداف لفرق الدفاع المدني خلال قيامهم بإخلاء المصابين من تحت الأنقاض في بلدة مسرابا.
وأضاف محمد بأنّ مايميز هذه الحملة العسكرية عن سابقاتها، هو كثافة القصف الذي تتعرض له الغوطة الشرقية من قبل الطيران الحربي والمروحي الذي لم يفارق سماءها، وهو ما أدى إلى شلل الحركة بشكل كامل في هذه المناطق، كما أشار أيضاً إلى الاستهداف الممنهج من قبل القوات النظامية السورية للمناطق الحيوية في الغوطة الشرقية، مثل مستودعات الأغذية والأسواق الشعبية ومستودعات المجلس المحلي، وحول صعوبة الوضع الحالي تابع قائلاً:
"منذ ثلاثة أيام والأهالي يحتمون داخل أقبية غير مجهزة للاستخدام، كما أنهم غير قادرين على الخروج منها لتأمين ماقد يسد رمقهم بسبب كثافة القصف، وإن بقي الوضع على حاله، فسوف نشهد كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة. ناهيك عن أنّ أعداد الضحايا المدنيين تجاوزت (200) قتيل، وأكثر من (1500) جريح منذ بدء الحملة العسكرية وحتى يومنا هذا."
ثالثاً: موجات نزوح كبيرة:
الباحثة الميدانية لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، وصفت الحملة العسكرية الأخيرة على أنها واحدة من أعنف الحملات التي تعرضت لها الغوطة الشرقية، مبررة ذلك بارتفاع حدة عمليات القصف والهجمات على الأحياء السكنية، مثل الأحياء الغربية في مدينة دوما، كحي البتوانة، حيث أشارت إلى أنّ تعرض هذا الحي لقصف القوات النظامية السورية المتواصل تسبّب في نزوح الأهالي بشكل كبير، فأصبح شبه خالٍ من السكان، وفي هذا الخصوص تحدثت قائلة:
"يمكننا القول بأنّ النظام يتبع سياسية تهجير تدريجية للمدنيين، وليس فقط في مدينة دوما حيث ينطبق الأمر على بقية المناطق، كما أنّ هنالك أمر من الملاحظ اتباعه في هذه الحملة، فمن المعروف أن ساعات الصباح الباكر من الساعة (9:00) صباحاً وحتى الساعة (10:00) صباحاً، هي ساعات هادئة نسبياً ولاسيما في الحملات العسكرية السابقة للنظام على الغوطة، حيث تعوّد الأهالي أن يقوموا بتأمين احتياجاتهم اللازمة من طعام وغيره خلال ذلك الوقت، لكن في هذه الحملة فإنّ القصف لم يهداً طيلة الوقت كما أنه كان بوتيرة عالية، وهو ما دفع العديد من الاهالي إلى عدم الخروج من الأقبية خوفاً من الموت تحت القصف، كما أنه ساهم في تضييق الخناق عليهم، كما من اللافت الإشارة إلى أنّ الأقبية التي يحتمي فيها الأهالي لاتتوافر فيها أدنى شروط الحياة، فهي أقبية خالية من الكهرباء والماء كما أنها غير مجهزة بوسائل تدفئة أو غيرها، يضاف إلى ذلك عدم قيام أي جهة بتفقد أوضاع الأهالي و تأمين احتياجاتهم في حال عجزوا عن الخروج من الأقبية بسبب شدة القصف."
كما أكدت الباحثة الميدانية لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ أبرز مايميز هذه الحملة هو استهداف المناطق الحيوية في الغوطة الشرقية، مثل المشافي والمدارس والأفران، إضافة إلى المرافق الطبية، على الرغم من قلة عددها وعدم توافر المواد الطبية اللازمة داخلها، ونوّهت إلى أن القوات النظامية السورية كانت تقوم باستهداف جميع المناطق في آن واحد، وهذا ماجعل فرق الدفاع المدني والإسعاف لا تستوعب ما يحصل من أضرار بشرية، وأضافت قائلة:
"هنالك حرب إعلامية ونفسية يشنها النظام على أهالي الغوطة الشرقية، مثل الأنباء التي وردت منذ أيام حول نية النظام استخدام غاز السارين على الغوطة الشرقية، إذ أنّ ذلك جعل الأهالي يشعرون بخوف وذعر كبير. كما كان من اللافت للانتباه خلال الايام القليلة الماضية، قيام النظام بتشغيل صفارات الإنذار في منطقة ضاحية الأسد القريبة من مدينة دوما، وذلك قبيل أي رشقة صواريخ كان يتم إطلاقها على أحياء دوما الغربية، وكأن الهدف من ذلك هو تحذير الأهالي في تلك المنطقة، وأيضاً كان يلجأ النظام إلى استخدام القنابل الضوئية في ساعات الليل، حتى يقوم بكشف تجمعات المدنيين والأحياء السكنية في الغوطة الشرقية ومن ثم يقوم استهدافها، رغم أنّ هذه التجمعات بعيدة عن جبهات القتال، وهذا يدل على أنّ القصف الذي يقوم به النظام ليس قصفاً عشوائياً وإنما قصف ممنهج ومتعمد على تلك المناطق."
رابعاً: أوضاع إنسانية مزرية:
في ظل الحملة العسكرية الأخيرة، لجأ معظم أهالي الغوطة الشرقية إلى أقبية غير مجهزة بمساحات مختلفة تحت الأرض، وهو الأمر الذي أكده "هيثم بكار" وهو أحد نشطاء الغوطة الشرقية، حيث أشار إلى أنّ تلك الأقبية غير محصنة وقد تكون عرضة للقصف، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:
"لايتوافر في هذه الأقبية أي ماء أو كهرباء أو فتحات تهوية، كما أننا أمضينا أربع ليالٍ متواصلة في هذه الأقبية التي لايوجد فيها حتى مكان لقضاء الحاجة. وفي يوم 21 شباط/فبراير 2018، تمّ قصف إحدى هذه الأقبية وهو ما أدى إلى مقتل خمسة أطفال كانوا يحتمون داخلها. إنّ قصف الطيران الحربي والمروحي لم يهدأ على الغوطة منذ بداية الحملة، فهذه أول مرة تعجّ فيها سماء الغوطة بهذا الكم من الطيران الحربي والمروحي، إلى جانب الغارات المتواصلة التي سببّت سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين ودمرت منازلهم خلال فترة قياسية من الزمن. لقد أصبح الخروج لمجرد الحصول على ما يسدّ رمقنا هو بمثابة انتحار، فهنالك احتمال بأنك قد لا تتمكن من العودة نتيجة القصف الشديد، كما أنّ هنالك بعض أماكن السكن العشوائية التي لا يوجد فيها أي أقبية، ويلجا الأهالي في هذه الأماكن إلى حفر حفر أو أنفاق بعمق (7-8) أمتار تحت الارض من أجل البقاء على قيد الحياة."
صور خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، زودنا بها الناشط "هيثم بكّار" تظهر مدى سوء الأوضاع في أحد الأقبية التي يحتمي بها أهالي الغوطة الشرقية، نتيجة الحملة العسكرية الأخيرة.