مقدمة: واصل الحلف السوري/الروسي تصعيده العسكري على معظم مدن وبلدات الغوطة الشرقية، وذلك بالتزامن مع إعلان حركة أحرار الشام الإسلامية عن بدء المرحلة الثالثة من معركة "بأنهم ظلموا"[1] بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2018. ففي يوم 2 شباط/فبراير 2018، تعرضت كل من مدن وبلدات (مسرابا ودوما[2] وحمورية وبيت سوى وعربين ومديرا[3]) إلى القصف بصواريخ أرض-أرض محملة بذخائر عنقودية. وبحسب مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد تمّ استهداف الأحياء السكنية في هذه المناطق ب (14) صاروخ محمل بذخائر عنقودية في اليوم ذاته، وهو ما تسبّب في وقوع العديد من الضحايا المدنيين بينهم أطفال، فضلاً عن الأضرار المادية التي لحقت بممتلكاتهم.
ومن اللافت الإشارة إلى أنّ هذه الهجمات هي الأولى من نوعها مع بداية العام 2018 والتي يتمّ استخدام ذخائر عنقودية فيها، وقد سبق للقوات النظامية السورية استخدام الذخائر العنقودية على عدد من مدن وبلدات الغوطة الشرقية في العام 2017، وذلك بحسب تقرير أعدته منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
الذخائر العنقودية والنزاع السوري:
"الذخائر العنقودية هي أسلحة تتكون من "حاوية" تفتح في الهواء وتنثر أعدادًا كبيرةً من "القنابل الصغيرة" أو الذخائر الصغيرة المتفجرة، وذلك على مساحة واسعة. وعلى حسب الطراز، يمكن أن يتراوح عدد الذخائر الصغيرة من عدة عشرات إلى ما يربو على 600. ويمكن إلقاء الذخائر العنقودية عن طريق الطائرات أو المدفعية أو القذائف. الجزء الأعظم من الذخائر الصغيرة معدٌّ للانفجار عند الاصطدام. ويتسم أغلبها بميزة السقوط الحر، بمعنى أنها لا تـُوجه بصفة فردية نحو أي هدف ما. الذخائر العنقودية استُخدمت للمرة الأولى في الحرب العالمية الثانية، ونسبةٌ كبيرةٌ من الذخائر العنقودية المخزَّنة في الوقت الحالي صُممت للاستخدام في الحرب الباردة. وتمثل المقصد الأساسي منها في تدمير الأهداف العسكرية المتعددة المنثورة على مساحة واسعة، مثل تشكيلات الدبابات أو المشاة، وفي قتل المحاربين أو إصابتهم[4]."
"إنّ غالبية الذخائر العنقودية لا تنفجر كما هو متوقع بل تبقى خطرا على الحياة حتى يتم تحريكها. ويزيد خطرها على المدنيين بسبب المساحة الشاسعة (المعروفة باسم "البقع المشبوهة") التي تستطيع قنابل عنقودية متأتّية من ذخيرة واحدة أن تغطيها [5]."
"حظرت 118 دولة الذخائر العنقودية بسبب الضرر الذي تسببه وقت الهجوم، إلاّ أنّ الحكومة السورية والروسية إلى الآن لم تنضما إلى اتفاقية الذخائر العنقودية، التي تحظر الذخائر العنقودية حظرًا شاملاً وذلك بحظر استخدامها وإنتاجها وتخزينها ونقلها. وهي أيضـًا تحظر على الدول الأطراف مساعدة أي شخص على القيام بأي نشاط تحظره أحكام الاتفاقية أو تشجيعه أو حثه على ذلك.
إن الذخائر العنقودية تعتبر أسلحة عشوائية بطبيعتها، وبالتالي ينبغي عدم استخدامها في أية ظروف. إذ أن كل قنبلة عنقودية تنشر عشرات القنيبلات الصغيرة على مساحة أكبر من مساحة ملعب كرة القدم. ونظراً لارتفاع معدلات عدم انفجارها، فإنها تشكل خطراً على حياة المدنيين لسنوات قادمة. وإن الاستخدام المتكرر للقنابل غير الموجهة بالقرب من المناطق المدنية المكتظة بالسكان من شأنه أن يشكل انتهاكاً لمبدأ حظر الهجمات العشوائية [6]."
الغوطة الشرقية والذخائر العنقودية:
وفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ إجمالي عدد الصواريخ المحملة بالذخائر العنقودية والتي سقطت على عدد من مدن وبلدات الغوطة الشرقية في يوم 2 شباط/فبراير 2018، هي (14) صاروخ، وبحسب عدة مصادر فإنّ مصدر انطلاق تلك الصواريخ هو اللواء (122) الذي يقع على أطراف بلدة ميدعا، ويحاذي مدينة الضمير في ريف دمشق، وقد امتد وقت سقوطها من الساعة (1:00) ظهراً وحتى الساعة (3:00) عصراً، ليوقع العديد من القتلى والجرحى مابين صفوف المدنيين، لكن وبحسب مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة فإنّ الضرر الأكبر الذي تحدثه هذه القنابل يكمن بعدة نقاط:
-
سعة انتشار أماكن سقوط هذه القنابل، إذ أنها وبعد خروجها من الصاروخ الذي كان يحملها فإنها تنزل عبر مظلات الى الأرض فتتسع الرقعة التي تنتشر بها الصواريخ مما يضاعف من أضراراها .
-
إنّ بعض هذ القنابل لا ينفجر على الفور وانما يبقى لبضع دقائق في الأرض وهو الوقت الذي يمكن أن تصل فيه الطواقم الإسعافية الى المكان مما يعني تعمّد القوات النظامية السورية إعاقة عمليات الإسعاف.
-
إنّ بعض هذه القنابل لا ينفجر مطلقا لكنه يبقى في الأرض منتظراً ان يقوم أي أحد بملامسته أو التعرض لأي اهتزاز مستقبلي، ما يجعل من هذه القنابل نذيرا للموت في أي لحظة.
-
إنّ صغر حجم هذه القنابل يساعدها في الدخول الى الأماكن الضيقة والحساسة والانفجار داخلها.
تفاصيل الهجمات:
محمد العسلي وهو أحد عناصر الدفاع المدني الذين سارعوا إلى بلدة مسرابا، لحظة الهجوم الذي تعرضت له بصاروخ أرض-أرض محمل بذخائر عنقودية، وذلك بتاريخ 2 شباط/فبراير 2018، حيث تحدث قائلاً:
"في تمام الساعة (2:00) ظهراً، تمّ استهداف حي النحاس في بلدة مسرابا بصاروخ محمل بقنابل عنقودية، حيث انفجرت معظم هذه القنابل، وهو ماتسبّب في إصابة عدد من المدنيين بجروح بالغة بينهم طفل في العاشرة من عمره، إذ كانت قدماه بحالة يرثى لها، كما أدى انفجار تلك القنابل إلى مقتل مدني لم أستطع التعرف على اسمه، وماكاد يصل رجال الإسعاف إلى مكان انفجار الصاروخ حتى عاود النظام إسقاط صاروخ آخر ومحمل بقنابل عنقودية أيضاً."
صورة تظهر إحدى الذخائر العنقودية التي لم تنفجر، والتي سقطت على الأحياء السكنية في مدينة دوما بتاريخ 2 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: تنسيقية مدينة دوما.
وأشار العسلي إلى أنّ القوات النظامية السورية تعمدت قصف البلدة بصاروخ عنقودي آخر، من أجل عرقلة عمليات الإسعاف، موضحاً بأنّ بعض الذخائر العنقودية انفجرت فور سقوطها على الأرض، في حين انفجر بعضها الآخر عقب مرور أربع دقائق وهو ما ضاعف من عدد الإصابات بين المدنيين، كما أدى إلى إصابة أحد عناصر الدفاع المدني خلال قيامه بواجبه.
صورة تظهر أحد الأطفال الضحايا الذين أصيبوا جراء القصف الذي طال بلدة مسرابا بصواريخ محملة
بذخائر عنقودية وذلك بتاريخ 2 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: نشطاء من بلدة مسرابا.
وأظهر مقطع فيديو نشره الدفاع المدني بتاريخ 2 شباط/فبراير 2018، جانباً من إخلاء المصابين بعد القصف الذي استهدف الأحياء السكنية في بلدة مسرابا بصاروخ محمل بذخائر عنقودية، كما أظهر مقطع فيديو آخر نشره الدفاع المدني أيضاً بتاريخ 2 شباط/فبراير 2018، ما قال أنه لحظة استهداف فريق الدفاع المدني بصاروخ محمل بذخائر عنقودية أثناء قيامه بواجبه، إضافة إلى إصابة أحد عناصره نتيجة لذلك.
ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد تزامن القصف الذي تعرضت له بلدة مسرابا، مع قصف آخر طال الأحياء السكنية في مدينة حمورية، وهو الأمر الذي أكده عامر عيسى وهو أحد أبناء مدينة حمورية، حيث تحدث قائلاً:
"في تمام الساعة (3:00) ظهراً، تعرضت مدينة حمورية للقصف بصاروخ أرض-أرض محمل بقنابل عنقودية، وقد سقطت تلك القنابل مباشرة على الحي الشرقي من البلدة ووسط منطقة مأهولة بالسكان، وهو الأمر الذي تسبّب في مقتل ثلاثة مدنيين بينهم طفل وهم (الشاب محمد هيثم حمزة والحاج عثمان طعمة والطفل خالد أحد المصري)، كما أدى القصف إلى إصابة العديد من سكان الحي بجروح مختلفة."
وتابع عيسى بأنّ القوات النظامية السورية لم تكتفِ بقصف مدينة حمورية بصاروخ واحد فحسب، فعقب مرور سبع دقائق، سقط صاروخ آخر بالقرب من مكان سقوط الصاروخ الأول، وكان محملاً أيضاً بالذخائر العنقودية، مشيراً إلى أنّ الأهالي كانوا قد اختبأوا داخل الأقبية والمنازل فور سقوط الصاروخ الأول، وهو ماقلّل من وقوع الإصابات بين صفوفهم نتيجة سقوط الصاوخ الثاني، لكنه في المقابل سبب أضراراً مادية كبيرة في مملتكات المدنيين.
صورة تظهر أحد الأطفال الضحايا الذين أصيبوا نتيجة القصف الذي طال الأحياء السكنية في مدينة حمورية بصواريخ محملة بذخائر عنقودية، وذلك بتاريخ 2 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: مكتب حمورية الإعلامي.
كما أظهر مقطع فيديو نشره الدفاع المدني بتاريخ 2 شباط/فبراير 2018، جانباً من إخلاء المصابين بينهم أطفال، نتيجة القصف الذي طال مدينة حمورية بصواريخ محملة بذخائر عنقودية.
لم تسلم مدينة دوما هي الأخرى من القصف الذي طالها في اليوم ذاته، بثلاث صواريخ أرض-أرض محملة بذخائر عنقودية، ففي تمام الساعة (1:20) ظهراً من يوم 2 شباط/فبراير 2018، تعرضت الأحياء السكنية في مدينة دوما إلى القصف بصاروخ محمل بذخائر عنقودية، إذ انفجر جميعها فور سقوطها على الأرض، وهو ما تسبّب في إصابة عدد من المدنيين، وبعدها بعشر دقائق سقط صاروخ آخر انفجرت بعض ذخائره مباشرة وبعضها الآخر انفجر بعد مرور دقيقتين، وهو الأمر الذي ضاعف من الإصابات بين صفوف المدنيين، ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد أعقبت القوات النظامية السورية هذين الصاروخين بصاروخ ثالث محمّل بذخائر عنقودية أيضاً، إلا أنه لم يوقع العديد من الإصابات بين صفوف المدنيين نظراً لأن الأهالي كانوا قد اختبأوا داخل الملاجئ والأقبية.
وأظهر مقطع فيديو نشره الدفاع المدني في ريف دمشق بتاريخ 2 شباط/فبراير 2018، فرق الدفاع المدني وهي تعمل على إخلاء امرأتين جريحتين نتيجة القصف الذي طال الأحياء السكنية في مدينة دوما، بصواريخ محملة بذخائر عنقودية.
صورة تظهر إحدى الذخائر العنقودية التي لم تنفجر، والتي سقطت على مدينة دوما بتاريخ 2 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: تنسيقية مدينة دوما.
[1] أعلنت حركة أحرار الشام الإسلامية عن معركة "بأنهم ظلموا" بهدف السيطرة على إدارة المركبات العسكرية في مدينة حرستا، وكانت قد بدأتها على ثلاث مراحل، إذ بدأت المرحلة الأولى بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وأسفرت المعارك فيها عن مقتل عدد من عناصر القوات النظامية السورية إلى جانب سيطرة حركة أحرار الشام الإسلامية على أجزاء كبيرة من إدارة المركبات العسكرية في مدينة حرستا، أما المرحلة الثانية فقد بدأت بتاريخ 29 كانون الأول/ديسمبر 2017، وأدت المعارك فيها إلى فرض حصار على إدارة المركبات العسكرية من قبل حركة أحرار الشام الإسلامية، إضافة إلى السيطرة على كلٍ من "حي العجمي" و "الفرن الآلي" و "حي الحدائق" الممتدة على الطريق الواصل ما بين مدينتي حرستا وعربين من جهة غرب إدارة المركبات العسكرية. في حين بدأت المرحلة الثالثة بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2018، حيث قامت حركة أحرار الشام الإسلامية بتفجير نفق للقوات النظامية السورية داخل إدارة المركبات العسكرية في مدينة حرستا، وهو ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من عناصر القوات النظامية السورية.
[2] تخضع مدينة دوما وبلدة مسرابا إلى سيطرة جيش الإسلام.
[3] تخضع كل من بلدات حمورية عربين وبيت سوى ومديرا إلى سيطرة فيلق الرحمن.
[4] الذخائر العنقودية: ما هي؟ وما المشكلة؟ اللجنة الدولية للصليب الأحمر، آب/أغسطس 2013، للمزيد يرجى زيارة الرابط التالي:
https://www.icrc.org/ara/resources/documents/legal-fact-sheet/cluster-munitions-factsheet-230710.htm
[5] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 15 كانون الأول/ديسمبر 2016، للمزيد:
https://www.icrc.org/ara/resources/documents/feature/liban-stories-151206.htm
[6] منظمة العفو الدولية، سوريا: عدم اعتراف روسيا بمقتل مدنيين أمر مخجل، للمزيد: