مقدمة: مع تصاعد حدّة العمليات العسكرية التي شهدتها محافظة دير الزور[1] ضد تنظيم “داعش”[2]، وعقب السيطرة على مدينة الرقة من قبل قوات سوريا الديمقراطية[3] وانتزاعها من قبضة التنظيم في يوم 20 تشرين الأول/أكتوبر 2017، استطاعت العديد من النساء الأيزيديات الفرار من قبضة التنظيم والوصول إلى مناطق مختلفة ومنها المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، بعدما كنّ محتجزات لدى التنظيم على مدار أعوام طويلة، كالناجية “وداد داؤود” من قرية كوجو شمال العراق، والتي تبلغ من عمرها (33) عاماً وهي أم لأربعة أولاد ، إذ أنها استطاعت الهروب من قبضة عناصر تنظيم “داعش” عقب أربعة أعوام طويلة من الاحتجاز، ونجحت في الوصول إلى مدينة القامشلي/قامشلو بتاريخ 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، حيث أفادت ودواد ل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017، بأنها نسيت قسماً كبيراً من قصتها نظراً لكمية العذاب الذي ذاقته على أيدي عناصر تنظيم “داعش”، إلا أنها استهلّت بالقول:
“تعرضت لشتّى أنواع التعذيب على يد عناصر التنظيم، إذ أنهم قاموا بسحلي خلف السيارات كما قاموا بكهربة رأسي وضربي بالكابلات على ظهري، كما أذكر أنهم قاموا بتقييدي إلى عامود ورشوا علي مادة “الكاز”، هذا ما أذكره من عمليات تعذيبهم لي.”
أولاً: دخول عناصر تنظيم “داعش” إلى قرية “كوجو”:
قبيل دخول تنظيم “داعش” إلى قرية كوجو بتاريخ 3 آب/أغسطس 2014، كانت وداد متزوجة من “شاكر محمود جلو” الذي يكبرها بثلاث سنوات ويعمل كمعلم للغة الكردية في مدرسة القرية، وكان لوداد أربعة أولاد وهم صابر (20) عاماً، وجابر (19) عاماً وسامر (14) عاماً، وريزان (12) عاماً.
الولدان الكبيران كانا قد أنهيا تعليمهما الابتدائي والمتوسط وكان ينوي الابوين إرسالهما إلى مدينة “دهوك” العراقية لاستكمال تعليمهما، إلا أنّ دخول عناصر التنظيم إلى القرية ضرب مخططات الأبوين عرض الحائط، وفي هذا الخصوص تحدثت وداد قائلة:
“قبل دخول تنظيم “داعش” إلى القرية، جاء ثلاثة من عناصرهم إلى مختار قريتنا “نايف جاسو”، وكنا قد علمنا مسبقاً بأنّ عناصر التنظيم ينوون السيطرة على قريتنا، فجلس رجال القرية مع أولئك العناصر لمعرفة مطالبهم، وفي هذه الأثناء قامت بعض العائلات بالفرار من القرية بينما بقي البعض الآخر لحماية مملتكاته، وكانت قوات البيشمركة[4] المكلفة بحمايتنا قد هربوا أيضاً.”
وتابعت وداد بأنّ أهالي القرية فهموا من عناصر تنظيم “داعش” الثلاثة أنهم أخوة ومن أسرة واحدة، وبأنهم لن يتعرضوا لهم بسوء أو يقتلوا منهم أحداً، وبأنهم لا يريدون سوى “أسلمة” القرية، وخلال ثلاثة عشر يوماً كانت المباحثات تجري مابين رجال القرية وعناصر التنظيم الثلاثة، وفي هذه الأثناء كان التنظيم قد وضع نقاطاً له حول القرية ومن ثمّ دخلوها واستولوا على أسلحة الأهالي، وأكملت وداد قائلة:
“في أحد الأيام وبينما كنا نحضّر طعام الغداء، جاء رجالنا وأخبرونا بأنّ عناصر التنظيم طلبوا من أهالي القرية الحضور والتجمع في مدرستها، وإحضار كل أموالنا وهواتفنا المحمولة، بداية كنا نظن بأنهم سوف يطلبون منا أن نعتنق الإسلام وأن نبقى في بيوتنا، فلم نكن نعلم بنواياهم المخفية حينها، وبالفعل حضرت غالبية العائلات إلى مدرسة القرية، وتوسط مختار القرية جموع الناس، وطلب منهم رمي ما بحوزتهم من مال وذهب وغيره على الأرض، وإلا فإنّ عناصر التنظيم سيقومون بقطع رؤوسنا، خفنا كثيرا ورمينا ما بحوزتنا، ومن ثمّ قام عناصر التنظيم بتفريق النساء والأطفال عن الرجال، ومن ثمّ اقتادوا الرجال إلى جهة مجهولة بواسطة سيارات، وبعدها قال لنا عناصر التنظيم لنا نحن النساء “لقد قتلنا أزواجكم” لكننا لم نصدق ذلك، ثمّ علمنا لاحقاً أنهم قاموا بتوزيع الرجال في عدة مدن عراقية منها الموصل وسنجار وبعاج وغيرها.”
وقالت وداد بأنّ عناصر تنظيم “داعش” قاموا في اليوم ذاته، باقتياد النساء إلى معهد في بلدة سنجار، حيث مكثوا هناك حتى الصباح، وفي هذه الأثناء كان عناصر التنظيم يقومون بسوق الأولاد البالغين إلى مكان مجهول وكان من بينهم أولاد وداد، كذلك الأمر بالنسبة إلى الفتيات البالغات فقد علموا لاحقاً بأنّ التنظيم كان يقوم بنقلهم إلى سوريا مباشرة، وأضافت وداد بأنّ عناصر التنظيم قاموا في اليوم التالي باقتيادها مع بقية النساء إلى صحراء لم يألفنها من قبل، ليتم بعدها أخذ النساء المسنات إلى مكان مجهول، واستحضرت وداد هذه المشاهد قائلة:
“كنا نبكي ونخاف من المصير الذي كان ينتظرنا وسط الأرض القاحلة والوديان التي اقتادونا إليها، وفجأة سمعنا إطلاق الرصاص، وأخبرنا عناصر التنيظم بأنهم قتلوا أمهاتنا الكبيرات في السن، وكنا قد شاهدناهم وهم يقومون باقتيادهن إلى الوادي، لكن لا نعلم إن كانوا قد قاموا بقتلهن بحق أم لا، ومن ثمّ تم وضعنا نحن النساء في سجن في مدينة تلعفر العراقية[5] لمدة شهر، حيث لاقينا أشدّ أنواع العذاب فيه، فلم يكن هناك لا فراش ولا أغطية أو سجاد نجلس عليه، كنا نفترش الأرض وكانوا يطعموننا الأكل الفاسد، أما الأطفال الرضع فكانوا يبكون من شدة الجوع، وفي حال طلبت أي امرأة طعاماً لطفلها كانوا ينهالون عليها بالعصي وينعتونها ب”الكافرة”، واأذكر تماماً كيف كانوا يقولو لنا أنهم يتمنون موتنا جوعاً وبأنّ هذا العذاب هو حقنا بل هو قليل علينا.”
واسترجعت وداد بعض المشاهد التي استقرت في ذاكرتها خلال فترة احتجازها في سجن “تلعفر”، حيث كان هنالك أطفال قد “خرج لسانهم من حلقهم” من شدة العطش، دون أن يكترث عناصر التنظيم بذلك، وبعد قضائهن مدة شهر في سجن “تلعفر” وتحديداً في شهر أيلول/سبتمبر 2014، تمّ نقل” النساء الأيزيديات إلى قرية “قزل قيو” العراقية والتي كان يقطنها أناس من الطائفة الشيعية، إلا أنهم هجروا قريتهم بعد دخول تنظيم “داعش” إلى القرية، وفي هذا الخصوص تابعت وداد قائلة:
“تمّ وضع كل ثلاث أو أربع عائلات في منزل واحد في القرية المهجورة، وأذكر تماماً بأنّ جامع القرية الذي كان يحمل صوراً للحسن والحسين وكان قد تمّ تفجيره، وفي محاولة من بعض النساء الأيزيديات لعدم الاستسلام في وجه عناصر التنظيم، كان قلة منهن يخفين هواتفهن المحمولة التي لم يسلمنها لعناصر التنظيم، وكن يتواصلن مع القوات الكردية بهدف إعطائهم معلومات عن عناصر وأرتال “داعش”، وفي إحدى المرات كشف عناصر التنظيم أولئك النسوة، فقاموا بجمعهن في مدرسة “قزل قيو”، وطلبوا من كل واحدة لديها هاتف محمول أن تكشفه وتضعه على الأرض، وإلا فستكون العاقبة قطع رؤوسهن، وبالفعل أخرجت الكثيرات منهن تلك الهواتف.”
ثانياً: أشدّ أنواع التعذيب:
وأشارت وداد إلى أنّ شقيقتها كانت تمكث برفقتها في قرية “قزل قيو”، وكانت إحدى النساء اللواتي يملكن هاتفاً محمولاً، لكنها لم تكشفه لعناصر التنظيم، إذ انها كانت تخفيه في النهار من خلال وضعه تحت التراب، وتستخدمه في الليل للتواصل مع القوات الكردية، لافتةً إلى أنّ شقيقتها تمكنت من الفرار بالتنسيق مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني، والذين وعدوها بتخليصها إذا ما اجتازت معمل “خاني” الواقع بالقرب من بلدة سنجار، حيث تابعت وداد قائلة:
“طلبت مني أختي أن أهرب معها، إلا أنني قلت في قرارة نفسي بأنّ زوجي وأولادي محتجزون لدى “داعش”، وكنت أعيش على أمل أن يجمعوني بهم لذا رفضت الهروب مع أختي والنساء الأخريات اللواتي بلغ عددهن (16) شخصاً من النساء والفتيات.”
لا تذكر وداد تاريخ فرار أولئك النسوة، إلا أنها تذكر أنّ عناصر التنظيم جاؤوا إليها بعد هروبهن، واقتادوها برفقة إحدى قريباتها إلى نقطتهم العسكرية في قرية “قزل قيو”، حيث قيدوا يديها وعصبوا عينيها وقاموا بممارسة أشد أنواع التعذيب بحقها، كالسحل خلف السيارات وكهربة رأسها والضرب بالكابلات على ظهرها، وذلك لأنها لم تخبر عناصر التنظيم بأنّ أختها وبقية النسوة كن يخططن للهرب، واكتفت وداد بالقول بأنّ عناصر التنظيم قيدوها بعامود ورشوا عليها مادة الكاز، إذ أنها لا تذكر ماحدث معها فقد كانت فاقدة للوعي، إلا أنّ قريبتها هي من أخبرتها حول تعذيبهم لها.
ثالثاً: الرحلة إلى سوريا:
بعد مضي شهرين من احتجازهن في قرية “قزل قيو”، نقل عناصر تنظيم “داعش” وداد مع بقية النساء إلى سوريا وتحديداً إلى قرية “سلوك”[6] الواقعة شمال مدينة الرقة السورية بنحو (90) كم، حيث مكثن هناك مدة (13) يوماً، إلى أن تمّ منح وداد إلى عائلة “أبو ابراهيم الأنصاري” الذي كان يعمل على صناعة الأحزمة الناسفة ليلاً ونهاراً بغرض خدمة التنظيم على حد قولها، حيث تابعت وداد قائلة:
“بقيت لدى عائلة “أبو ابراهيم الأنصاري” مدة شهر تقريباً برفقة أربع نساء أخريات، إلا أنّ عناصر التنظيم قاموا لاحقاً بأخذ امرأتين فبقينا أنا وفتاة أخرى تدعى “مياسة”، حيث كنا نساعد زوجة أبو ابراهيم الأنصاري” في تحضير الطعام ل(150) عنصر من عناصر “داعش”، ومن ثمّ اشتراني رجل آخر جزراوي[7] لخدمة زوجته ويدعى”أبو عمر النجدي” وكان عمره بقرابة (37) عاماً، وفي هذه الأثناء كان يرافقني ابني “ريزان” وكان “الدواعش” قد أسموه آنذاك باسم “حمزة” بينما أطلقوا علي اسم “أم حمزة”، وكنت دائماً ما أخبرهم بأنّ عمري (40) عاماً حتى لا أتعرض للبيع والشراء بغرض الجنس.”
وتابعت وداد بأنّ الرجل الذي قام بشرائها “أبو عمر النجدي”، كان لديه أربع زوجات إحداهن تركية الأصل وكان أبو عمر قد طلّقها وذهبت إلى بلادها، أما بقية زوجاته الثلاث فقد أسكنهن في منازل منفصلة، وكانت وداد تعمل لدى زوجة أبو عمر الرقاوية الأصل، والتي تقطن في قرية “القباسين” التابعة لمحافظة حلب، وعلمت وداد لاحقاً بأنّ “أبو عمر النجدي” كان يقوم بالمتاجرة بالنساء والسبايا الأيزيديات، وفي هذا الخصوص تابعت قائلة:
“كنت راضية بوضعي لدى “أبو عمر” وخصوصاً أن ابني كان برفقتي، وكنت أعمل على خدمة زوجته المريضة التي كانت تقول لي بأني بمثابة أمها، لذا مكثت عندهم حوالي الستة أشهر، وكان المنزل الذي أمكث فيه يحوي العديد من النساء والسبايا اللواتي يتم بيعن وشراؤهن، إذ كان “أبو عمر” يناولنا ماتبقى في المنازل المهجورة من عدس وبرغل وغيرها، وكنت أقوم بطهيه للنساء السبايا، على الرغم من أننا كنا نطلب منه أن يحضر لنا الطعام لكنه لم يكن يجلب لنا حتى الخبز.”
رابعاً: محاولة خلاص فاشلة:
تمّ بيع وداد من قبل “أبو عمر النجدي” إلى رجل آخر ويدعى “أبو محمد الأنصاري”، إذ قالت وداد بأنه كان رجل في الخميسن من عمره، ويعمل في بيع وشراء مشتقات النفط بكميات قليلة لسد رمقه ودفع الفقر عن عائلته، وكان للرجل الخمسيني صديق كردي يدعى “محمود”، وكانا يعملان سوية في تجارة مشتقات النفط، ولفتت وداد إلى أنّ الصديقين كانا يعملان على تخليص النساء الأيزيديات من قبضة تنظيم “داعش”، وفي هذا الخصوص أضافت وداد قائلة:
“باعني أبو عمر ل”أبو محمد الأنصاري” برفقة أربع سبايا أخريات مع أولادهن، وبلغ عددنا ككل (16) فرداً مع الأطفال، وكان قد إشترانا بغرض إيصالنا إلى يد الكرد في سوريا، ففي إحدى الليالي جاءنا صديقه “محمود” وقال لنا أنه بصدد إيصالنا لأهلنا وطلب منا أن نتحمل الجوع والعطش لأنه لن يتمكن من رؤيتنا ثانية إلى حين تهريبنا بشكل نهائي، مع العلم بأنّ أبو محمد ومحمود كانا قد اشتريا أولئك النسوة مع أطفالهم بقيمة (35) مليون عراقي. “
وقالت وداد بأنّ أحدهم جاء في إحدى الليالي وطرق باب المنزل الذي يتواجدون فيه، فقامت بإخباره بعدم استطاعتها فتح الباب، بما أنّ جميع من في المنزل هم نساء وليس هنالك رجل في المنزل، إلا أنّ الأخير هددها بإطلاق الرصاص في حال لم تقم بفتح الباب، وبسبب الخوف الذي شعرت به اضطرت وداد إلى فتح الباب، فرأت عدداً كبيراً من عناصر تنظيم “داعش” وهم ملثمون ومتجمهرون حول باب المنزل، وطلب هؤلاء من وداد وبقية النساء أن يقمن بتجهيز أنفسهن للرحيل، وكان برفقتهم “أبو محمد الأنصاري” الذي قام بشرائها وقد كان مقيداً ومعصوب العينين، وفي هذا الصدد تابعت وداد قائلة:
“كان عناصر تنظيم “داعش” يتحدثون عن “أبو محمد الأنصاري” ويقولون بانّ له زوجتين ويعمل في بيع مشتقات النفط وهو فقير الحال، فكيف له أن يشتري هؤلاء النسوة بهذا المبلغ الكبير، ولسوء الحظ تمّ كشف أمر أبو محمد ونيته في إرسالنا إلى الكرد، وعلى إثر ذلك تم وضعه في السجن والاستحواذ على كامل أملاكه إضافة إلى جلده (150) جلدة وطرده من قريته، وخلال هذه الفترة كان عناصر التنظيم قد قاموا بنقلي برفقة بقية النساء إلى سجن مدينة الباب في محافظة حلب، حيث كان سجناً كبيراً ويأوي العديد من النساء السجينات، أذكر تماماً كيف كان السجن مظلماً نظراً لموقعه تحت الأرض، وكيف كنا نختنق فيه من قلة الهواء. وفي إحدى المرات نظر إلينا أحد عناصر “داعش” من ثقب الباب، وقال إنّ أوضاعنا صعبة هنا، وعلى إثر ذلك نجح في إخراجنا من السجن إلى منزل في الجوار، حيث اهتم بنا إلى حين انتهاء محاكمة الرجل الخمسيني “أبو محمد الأنصاري”.”
بعد الفشل الذي مُنيت به واداد وزميلاتها في الفرار، تمّ تقديمهن كهدايا لعناصر تنظيم “داعش” دون مقابل مادي، حيث حصل عليهن شخص يدعى “أبو عبيدة الليبي”، وذلك بغية خدمة مقرهم بمنطقة المحطة الحرارية التي تقع شرقي مدينة حلب بنحو (30) كم، حيث كانت وداد تقوم بتحضير الطعام لعناصر التنظيم وتغسل ثيابهم، وبقيت هنالك حوالي العامين برفقة طفلها الذي كان يغسل رؤوس عناصر النتظيم ويهتم بهم على حد قولها، وبعد مضي عامين اضطر “أبو عبيدة الليبي” إلى بيع وداد وابنها بسبب تراكم الديون عليه، وفي هذا الخصوص تابعت دواد قائلة:
“قال لي “أبو عبيدة” بأنه سيبيعني لأشخاص من ليبيا بما أنني امراة جيدة، وبالفعل باعني أنا وطفلي لرجل يدعى “أبو معاوية الليبي”، والذي كان يملك سبية أخرى عمرها (13) عاماً، إلا أنّ هذا الرجل رفض لاحقاً شراء ابني بحجة عدم امتلاكه المال الكافي، فبكيت كثيراً وهددتهم بفعل شنيع إن لم يأتوني بابني، فقالوا لي بأنهم لن يبعدوا عني ابني إلا أنهم كانوا كاذبين، فدعوت على أبو معاوية لرب العالمين لأنه فرقني عن ابني، وخلال أربعة أيام فقط ضربه صاروخ وقُتل على الفور، وبعد مقتله تمّ بيعي لرجل آخر يدعى “أبو البراء الجزراوي”، وقد كان شخصاً سيئاً جداً، إذ أنني كثيراً ماعانيت من الجوع عنده، وبقيت لديه مدة شهر تقريباً، وشكوت له عن تعبي ومأساتي في خدمة أولاده وزوجته، وطلبت منه أن يبيعني لآخر، وإلا فإنني سأهرب بطريقتي دون إذن من أحد، وبالفعل تمّ بيعي إلى رجل آخر يسكن في منطقة الميادين في محافظة دير الزور ويدعى “أبو سالم الجزراوي”، وانتقلت للسكن في منزله، وبقيت عنده مدة شهر تقريباً لخدمة زوجته إلى حين أن تضع مولودها الجديد، كان “أبو سالم” شخصاً جيداً، وهو الأمر الذي حثني على مطالبته بالبحث عن ابني والعثور عليه، إلى أن نجح أبو سالم أخيراً في العثور عليه وطلب من صاحبه بيعه إلا أنه رفض ذلك.”
خامساً: الاقتراب من نهاية المأساة:
وأضافت وداد بأنها طلبت من “أبو سالم” أن يخطف ابنها ويأتي به، فقد كانت تشعر بأنّ هذا الأخير يريد إيصالها إلى يد الكرد، وهو الأمر الذي زاد من إصرارها على إيجاد ابنها، وأشارت وداد إلى أنه وفي هذه الأثناء كان أهالي مدينة الميادين التي تقع جنوب شرقي مدينة دير الزور بنحو (45) كم، قد هربوا من اشتداد قصف الطيران الحربي عليهم إلى الأرياف، وكان “أبو سالم” قد وضع وداد لدى أحد الأشخاص قرب بلدة العشارة الواقعة جنوب شرقي مدينة الزور بنحو (60) كم، وذلك خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وحول رحلة فرارها من قبضة تنظيم “داعش” تابعت وداد قائلة:
“كان “أبو سالم الجزراوي” متعاوناً مع قوات سوريا الديمقراطية، إذ أنه استطاع تهريبي عبر البراري إلى مكان آمن، وقال لي بأنه سيسلمني إلى قوات سوريا الديمقراطية الذين عملوا وتعبوا في إيجاد مفرّ لي. رافقني في عملية الهروب ثلاث سيارات، وكانت السيارة التي تقلني تتوسط السيارات الثلاث، وخلال الطريق رأيت الناس يهربون، ووعدني “أبوسالم” بأن يلحق بي ابني الذي ماكنت لأخرج بدونه، واستمرت رحلة فراري قرابة يوم بأكمله، ووصلت إلى مدينة القامشلي التابعة للإدارة الذاتية بتاريخ 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2017.”
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر صوراً لأولاد وداد مع زوجها، والذين تمّ احتجازهم على أيدي عناصر تنظيم “داعش” منذ أربعة أعوام، حيث مازال مصيرهم مجهولاً حتى الآن.
وقالت وداد بأنه خلال فترة احتجازها التي دامت أربعة أعوام على يد عناصر تنظيم “داعش”، كانت تقوم بأداء الصلاة والصيام كما أنها أُجبرت على حفظ آيات من القرآن الكريم، ووصف تلك الفترة بأنها مظلمة، فلم تكن تعلم وداد حينها أوقات اليوم، فقد كان عناصر التنظيم يغطون عيونها مع بقية زميلاتها في الشوارع، حتى لا يعلمن شيئاً عن أسرارهم، كما لفتت إلى أنّ غالبية قتلى عناصر التنظيم كانوا من المهاجرين، وأضافت قائلة:
“كان الخوف يتملّك نساء “داعش” من أن يتمّ سبيهن كما سبى رجالهم النساء الأيزيديات، فقد كن يقلن بأنهن لسن خائفات من الكرد بقدر خوفهن من عناصر المعارضة المسلحة، كماكان يقلن بأنّ الكرد أكثر رحمة من عناصر المعارضة، وكثيراً ماكنّ يذكرن بأنّ “الجيش الحر” إذا ما قام باعتقالهن فسوف يقوموا بسبيهن وجعلهن سبايا للإيرانيين، وكان هذا جُلّ خوفهن.”
وأشارت وداد إلى أنّ عناصر تنظيم “داعش” كانوا يمنعونها من التكلم بغير اللغة العربية، وهو الأمر الذي جعل وداد تنسى لغتها الأم، إلا أنها كثيراً ماكانت تحاول استعادة البعض من مفرداتها الكردية خفية بينها وبين نفسها، لكن الهم الأكبر يبقى لدى وداد هو تركها لابنها لدى عناصر تنظيم “داعش”، حيث يروادها خوف كبير من أن يتعرض لأذى أو يلحق به سوء على يد عناصر التنظيم، إذ أنها تأمل في عودته قريباً، ولدى سؤالها عن أمنيتها في الحياة بعد خلاصها من تنظيم “داعش”، اكتفت وداد بالقول:
“آمل أن أتمكن من حمل السلاح حتى أقاتل “داعش” وأسترجع كرامتي وكرامة كل النساء الأيزيديات.”
[1] في 9 أيلول/سبتمبر 2017، أعلن “مجلس دير الزور العسكري” المنضوي تحت قوات سوريا الديمقراطية بدء معركة “عاصفة الجزيرة” وذلك بدعم من قوات التحالف الدولي بغية السيطرة على الريف الجنوبي المتبقي من محافظة الحسكة والخاضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، إضافة إلى مناطق شرقي الفرات والتي تتبع إدارياً لمحافظة دير الزور.
وكانت القوات النظامية السورية قد أعلنت مسبقاً وفي شهر حزيران/يونيو 2017، عن معركة ديرالزور بغية طرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية من الطرف الغربي من نهر الفرات، هذه المعارك كانت مترافقة بعمليات قصف روسية وسورية عنيفة جداً إضافة إلى قصف الطيران التابع للتحالف الدولي، ما أدى إلى نزوح أهالي محافظة ديرالزور وبشكل يومي.
[2] تنظيم “الدولة الإسلامية” والمعروف باسم تنظيم داعش -ظهر لأول مرة بعد إندلاع النزاع في سوريا عام 2011- تحت اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في شهر نيسان/أبريل من العام 2013 وتم الترويج له على أنّه نتيجة اندماج ما بين تنظيم “دولة العراق الإسلامية” من جهة، وتنظيم “جبهة النصرة” من جهة أخرى، قبل رفض الأخيرة لهذا الطرح، ومطالبة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري من التنظيم الجديد “التركيز” على العراق و “ترك” سوريا لجبهة النصرة آنذاك.
قبل هذا التاريخ، كان التنظيم ينشط في العراق تحت اسم “جماعة التوحيد والجهاد” قبل تحولها إلى “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين” عقب تولّي “أبو مصعب الزرقاوي” قيادته في العام 2004 وإعلان البيعة لزعيم تنظيم القاعدة السابق “أسامة بن لادن“.
بعد مقتل “أبو مصعب الزرقاوي” على يد القوات الأمريكية في العام 2006، تزعّم التنظيم “أبو حمزة المهاجر” ليتم الإعلان بعد أشهر قليلة عن تشكيل “دولة العراق الإسلامية” ولكن بزعامة “أبي عمر البغدادي” وتولى “أبو حمزة المهاجر” منصب مساعد زعيم التنظيم.
أبو بكر البغداي “عبد الله إبراهيم”، والذي جاء خلفاً لـ “أبي عمر البغدادي” كان قد أعلن في 29 حزيران/يونيو 2014، قيام “الخلافة الإسلامية، ونصّب نفسه “خليفة للمسلمين”، واتخّذ التنظيم من مدينة الرقة السورية “عاصمة له”.
[3] قوات سوريا الديمقراطية: وتعرف أيضاً باسم “قسد”، وهي تحالف يضم ميليشيات كردية وعربية وسريانية وأرمنية وتركمانية، وتم تشكيله في ١١ تشرين الأول/أكتوبر 2015، حيث تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عصبها الأساسي، وتتكون من 27 فصيل عسكري وهي : (لواء المهام الخاصة45 ولواء99 مشاة ولواء القعقعاع وجبهة الأكراد ولواء السلاجقة ولواء السلطان سليم ولواء عين جالوت وقوات عشائر حلب وتجمع ألوية الجزيرة ولواء شهداء جزعة ولواء شهداء تل حميس ولواء شهداء تل براك ولواء شهداء كرهوك ولواء شهداء مبروكة ولواء شهداء الحسكة ولواء شهداء راوية تجمع ألوية الفرات وكتيبة تجمع فرات جرابلس وكتيبة احرار جرابلس وكتيبة شهداء الفرات وكتيبة شهداء سد وقوات الصناديد ولواء التحرير والمجلس العسكري السرياني وكتائب شمس الشمال وجبهة ثوار الرقة ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة.
[4] تعتبر قوات البيشمركة الكردية القوة العسكرية التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق، ويبلغ تعدادهم عشرات الآلاف.
[5] يقع سجن تلعفر في قضاء تلعفر شمال غربي العراق، على بعد 80 كيلو مترا غربي الموصل، وعثرت عليه الشرطة الاتحادية العراقية في 28 أغسطس/آب بعد عملية عسكرية باسم “قادمون يا تلعفر” التي نفذتها القوات العراقية ضد تنظيم داعش في قضاء تلعفر، وفي أواخر آب/أغسطس أعلن قائد العمليات الفريق عبد الأمير رشيد يارالله عن إنتهاء العملية العسكرية بالسيطرة على قضاء تلعفر بشكل شبه كامل.
وتم تحرير بلدة تلعفر بعد 40 يوما من انتهاء العمليات العسكرية في الموصل والتي استمرت لنحو 9 أشهر منذ إنطلاقها في إكتوبر/تشرين الأول عام 2016.
وبحسب قائد الشرطة رائد شاكر جودت فأن السجن كان يحوي غرف وزنازين لاعتقال وتعذيب المواطنين كما وقد عثر بداخله على كميات من الأدوية والحبوب المخدرة.
[6] وهي ناحية تتبع إداريا لمحافظة الرقة وقد سيطرت عليها وحدات حماية الشعب في منتصف حزيران 2015، وتعتبر وحدات حماية الشعب التي تعرف إختصارا بـYPG القوى العسكرية التابعة للإدارة الذاتية الديمقراطية المعلنة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي في مناطق شمال سوريا، وتعتبر الوحدات الكردية العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية التي تتألف من فصائل عسكرية عدة من مختلف مكونات المنطقة والتي تدعمها قوات التحالف في حربها ضد تنظيم داعش.
[7] وتطلق صفة الجزراوي على سكان مناطق الجزيرة السورية في شمال شرق سوريا حتى نهر الفرات بالقرب من محافظتي دير الزور والرقة.