مقدمة: واصلت القوات النظامية السورية تصعيدها العسكري الذي بدأته على عدة مدن وبلدات في الغوطة الشرقية المحاصرة اعتباراً من تاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، حيث شنت الأخيرة أعنف الهجمات بواسطة الطيران الحربي والقصف المدفعي على مناطق مختلفة في الغوطة الشرقية، تخلّل ذلك استخدام العديد من أنواع الأسلحة، ففي صبيحة يوم السبت الموافق 13 كانون الثاني/يناير 2018، تعرضت المنطقة الواصلة ما بين مدينتي دوما[1] وحرستا[2]، إلى هجوم بغازات سامة، وبحسب العديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد سقطت عدة صواريخ محملة بمواد كيميائية يُعتقد أنها غاز الكلور، علماً بأنّ مكان الهجوم كان أقرب لمدينة حرستا منه إلى مدينة دوما. وسقطت الصواريخ خلف نقاط تمركز مقاتلي حركة أحرار الشام الإسلامية (فجر الأمة سابقاً)، لكنّ هبوب الرياح باتجاه الشمال-الشرقي حمل هذه الغازات باتجاه مدينة دوما، وهو الأمر الذي تسبّب في إصابة ستة مدنيين بينهم خمس نساء وطفل، لكن سرعان ماتمّ إسعافهم إلى مشفى ريف دمشق التخصصي وتمّ إخضاعهم للعلاج اللازم.
ويأتي هذا الهجوم في إطار الحملة العسكرية التي شنتها القوات النظامية السورية على الغوطة الشرقية بتاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وذلك عقب إعلان حركة أحرار الشام الإسلامية عن معركة "بأنهم ظلموا"، والتي بدأتها على مرحلتين، إذ بدأت المرحلة الأولى بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وأسفرت المعارك فيها عن مقتل عدد من عناصر القوات النظامية السورية إلى جانب سيطرة حركة أحرار الشام الإسلامية على أجزاء كبيرة من إدارة المركبات العسكرية في مدينة حرستا، أما المرحلة الثانية فقد بدأت بتاريخ 29 كانون الأول/ديسمبر 2017، وأدت المعارك فيها إلى فرض حصار على إدارة المركبات العسكرية من قبل حركة أحرار الشام الإسلامية، إضافة إلى السيطرة على كلٍ من "حي العجمي" و "الفرن الآلي" و "حي الحدائق" الممتدة على الطريق الواصل مابين مدينتي حرستا وعربين من جهة غرب إدارة المركبات العسكرية.
تفاصيل الحادثة:
"ماجد الخنشور" وهو مدير مشفى ريف دمشق التخصصي تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، حول تفاصيل الحادثة والأعراض التي ظهرت على المصابين حيث قال:
"وقع الهجوم في حوالي الساعة (6:00) صباحاً من يوم السبت الموافق 13 كانون الثاني/يناير 2018، وتحديداً مابين مدينتي دوما وحرستا، لكنه كان أقرب إلى مدينة حرستا من مدينة دوما، إلا أنّ اتجاه الرياح المعاكس حمل تلك الغازات السامة إلى مناطق واسعة في مدينة دوما بحسب ما أبلغنا العديد من أهالي المدينة، وبعد شروق الشمس بحوالي نصف ساعة بدأت الرائحة تزول تدريجياً، وكان هنالك سبعة مدنيين قد أصيبوا نتيجة تأثرهم بهذا الغاز، وظهرت عليهم أعراض تنفسية ناتجة عن تخريش الطرق التنفسية لكن دون تقبض الحدقات، ونحن نرجّح من خلال الفحص السريري أن الغاز الذي تمّ استخدامه في الهجوم هو غاز الكلور السام، لكن وللأسف لم تتوافر لدينا حتى الآن مواد لتحليل العينات، كما أننا لم نتمكن من معاينة مكان الهجوم بسبب كثافة القصف عليه، وهو الأمر الذي قد يسبب تهديداً لكوادرنا."
وفي شهادة أخرى أدلى بها أبو خالد وهو أحد أهالي مدينة دوما، الذين أصيبوا نتيجة استنشاقهم تلك الغازات السامة، حيث تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول الأعراض التي بدت عليه قائلاً:
"بعد تصعيد النظام الذي لم يهدأ ليلاً أو نهاراً على مدينة دوما خلال الأيام الأخيرة، فوجئنا بهدوء نسبي ليلة يوم السبت، وكعادة النظام السوري فإنه غالباً مايبيّت لهجوم ما بعد هذا الهدوء، وبالفعل سمعت في حدود الساعة (6:00) صباحاً صوت عدة صواريخ سقطت بالقرب من أطراف المدينة، وبعد نصف ساعة تقريباً، بدأت أتحسس رائحة غريبة انتشرت بقوة في الجو، وازادادت تلك الرائحة شيئاً فشيئاً، فخرجت من المنزل وبدأت أشعر بدوار ووهن عام مترافق مع غثيان، والحمد لله كانت إصابتي خفيفة نظراً لأنني كنت في منطقة بعيدة نوعاً ما عن مكان الاستهداف المباشر، واستمرت هذه الأعراض حتى مساء يوم السبت، إلى أن بدأت تزول تدريجياً."
"محمد الشامي" وهو أحد المقاتلين الذين كانوا متواجدين بالقرب من المنطقة التي تمّ استهدافها بصواريح محملة بغازات سامة، تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول ماجرى قائلاً:
"في تمام الساعة (5:30) من صباح يوم السبت، تمّ استهداف المنطقة الواصلة مابين مدينتي حرستا ودوما، بصواريخ تحمل رؤوساً كيماوية، وكان الاستهداف أقرب إلى مدينة حرستا، حيث يرابط على هذه النقاط مقاتلين من حركة أحرار الشام الإسلامية (فجر الأمة سابقاً)، وقد سقطت هذه الصواريخ خلف نقاطهم وقد كان اتجاه الرياح بالاتجاه المعاكس لتواجد مقاتلي النظام حتى لايتأثرون بالغازات السامة، حيث وصلت هذه الغازات إلى مدينة دوما وخاصة المناطق الشمالية الغربية منها، فتأثر بهذه الغازات وأصيب ستة مدنيين، منهم (5) نساء وطفلين."
وأضاف محمد الشامي بأنّ الكثير من الأقاويل وردت حول نوعية السلاح الذي تمّ استهداف المنطقة به، أو كمية الغازات السامة التي استخدمت أوالمنطقة التي أطلقت منها، مشيراً بأنّ الصواريح التي كانت محملة بغازات سامة هي صواريخ كاتيوشا (107) وهي عبارة عن ثمانية صواريخ على الأقل، وقد تمّ التعرف عليها من خلال بعض المقاتلين المختصين بالمدفعية والصواريخ، وتابع قائلاً:
"من خلال طبيعة إطلاق هذه الصواريخ وصوتها في الهواء وطريقة انفجارها، تبيّن لنا أنّ تلك الصواريخ هي صواريخ "كاتيوشا"، ولاسيما أنّ صواريخ أرض-أرض من نوع "الفيل" هي صواريخ محلية الصنع ولايمكنها أن تحمل روؤساً محملة بغازات سامة، وللأسف لم نستطع الحصول على بقايا الصواريخ التي أطلقها النظام ولا الوصول إلى الأماكن التي سقطت فيها، ومن اللافت الإشارة إلى أنّ النظام اتبع سياسية الأرض المحروقة بعد استخدام هذه الصواريخ المحملة بتلك الغازات، حيث سلّط المدفعية على المكان الذي سقطت فيه تلك الصواريخ وبدأ برمي صواريخ أرض-أرض من نوع "الفيل" بشكل مكثف، مما أضاع ملامح المكان الذي نزلت فيه الصواريخ المحملة بتلك الغازات، كما أنه استمر بقصفه للمنطقة على مدار أربع ساعات متواصلة ثمّ أتبعه بقصف متقطع طيلة اليوم كما استخدم أيضاً الطيران الحربي حتى يقصف ذات المنطقة"
ورجّح الشامي بأنّ تكون المنطقة التي تمّ إطلاق الصواريخ المحملة بالغازات السامة منها هي الفوج (41) التابع للقوات النظامية السورية والقريب جداً من الغوطة الشرقية ومن مركز البحوث العلمية التابع للقوات النظامية أيضاً في منطقة برزة.
صور تظهر أحد الأطفال الذين أصيبوا جرّاء استنشاقهم الغاز السام، وذلك خلال تلقيه العلاج في مشفى ريف دمشق التخصصي، مصدر الصورة: مشفى ريف دمشق التخصصي.
وكان مشفى ريف دمشق التخصصي قد نشر مقطع فيديو يوم السبت الموافق 13 كانون الثاني/يناير 2018، تحدث فيه عن استقبال سبعة حالات اختناق منهم ستة نساء وطفل جراّء استنشاقهم غاز سام يرجّح أنه غاز الكلور، وقد ظهرت عليهم أعراض كالهياج إضافة إلى الأعراض التنفسية لكن دون تقبض الحدقات، مشيراً إلى أنّ معظم الحالات تحسنت بالعلاج العرضي من أوكسجين وإرذاذ والتهدئة البسيطة، باستثناء سيدة تمّ تدبير علاجها لوقت أطول.
ومن جانبها صرحت مديرية الصحة في دمشق وريفها بتاريخ 13 كانون الثاني/يناير 2018، بأنه وفي تمام الساعة (6:00) من يوم السبت، تمّ استقبال ست حالات بينهم خمس نساء وطفل، وكانوا مصابين بأعراض كالاضطراب التنفسي البسيط، وزلة تنفسية وهياج بسيط دون تقبض في الحدقة.
صور تظهر تصريح مديرية الصحة في دمشق وريفها حول الهجوم الأخير الذي تعرضت له الغوطة الشرقية والذي كان محملاً بغازات سامة، مصدر الصورة: قناة التلغزام الخاصة بمديرية الصحة في دمشق وريفها.
كما أصدر المجلس المحلي في مدينة دوما بتاريخ 13 كانون الثاني/يناير 2018، بياناً أدان فيه الهجوم الذي تمّ تنفيذه على أجزاء مأهولة بالسكان ماتسبّب بحالات اختناق في صفوف المدنيين، كما طالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه ما يجري في الغوطة الشرقية بحق المدنيين.
صورة تظهر بيان المجلس المحلي في مدينة دوما حول الهجوم الأخير المحمل بغازات سامة والذي تعرضت له مدينة دوما في يوم السبت الموافق 13 كانون الثاني/يناير 2018، مصدر الصورة: المجلس المحلي في مدينة دوما.
ومن جهة أخرى فقد نشر الدفاع المدني في الغوطة الشرقية، خبر مقتل طفل يدعى "حمدي طباخو"، وقال أنه توفي نتيجة استهداف مدينة دوما بغاز سام يرجّح أنه غاز الكلور بتاريخ 13 كانون الثاني/يناير 2018، ولدى محاولة مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة التحقق من هذا الخبر، جاء رد المسؤول الإعلامي في الدفاع المدني نافياً ومؤكداً على أنّ الطفل توفي نتيجة توقف مفاجئ في القلب وليس نتيجة اشتنشاقه غاز سام.
وبحسب مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تنفيذ هجمات محملة بغازات سامة على الغوطة الشرقية، ففي تاريخ 30 كانون الأول/ديسمبر 2017، قامت القوات النظامية السورية وبالتزامن مع الاشتباكات الجارية بينها وبين مقاتلي المعارضة المسلحة على جبهة إدارة المركبات العسكرية في مدينة حرستا، بتنفيذ هجوم استهدفت فيه مقاتلي فصيل "جيش الإسلام" على جبهات القتال وتحديداً في منطقة البلالية، وكان الناطق باسم أركان جيش الإسلام قد أكدّ عبر بيان خطي وقوع الهجوم في اليوم المذكور دون تسجيل إصابات.
صورة تظهر التصريح الصحفي الصادر عن الناطق باسم هيئة الأركان "حمزة البيرقدار" بتاريخ 30 كانون الأول/ ديسمبر 2017، مصدر الصورة: قناة التلغرام الخاصة بالناطق الرسمي باسم أركان جيش الإسلام.
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد أعدت في وقت سابق تقريراً يوثق وقوع هجمات تمّ فيها استخدام غازات سامة على أحد جبهات القتال في مدينة حرستا وتحديداً في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017 كما أعدت المنظمة في وقت سابق، تقريراً تحدث حول ثلاث هجمات استخدمت فيها غازات سامة من قبل القوات النظامية السورية على عدة نقاط اشتباك في الغوطة الشرقية مع فصائل المعارضة السورية المسلحة -فيلق الرحمن- وذلك خلال شهر تموز/يوليو 2017. كما قامت المنظمة بالإشتراك مع منظمة (العدالة من أجل الحياة) بإصدار تقرير خاص حول الهجوم الكيميائي الذي تعرّضت له مدينة خان شيخون وذلك بتاريخ 4 نيسان/أبريل 2017.