مقدمة: يعاني آلاف النازحين في مخيم مبروكة الواقع غربي مدينة رأس العين/سري كانييه، أوضاعاً إنسانية صعبة، ولاسيما مع حلول فصل الشتاء القارس، إضافة إلى نقص الخدمات الطبية المقدمة إليهم، ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد بلغت أعداد النازحين داخل المخيم حتى بدايات شهر كانون الثاني/يناير 2018، مايقارب (8300) نازح، مع الإشارة إلى أنّ قسماً كبيراً منهم كان قد نزح من محافظة الرقة قبيل السيطرة من قبل قوات سوريا الديمقراطية وانتزاعها من قبضة تنظم "داعش" بتاريخ 20 تشرين الأول/أكتوبر 2017، فضلاً عن أنّ المخيم يشكّل مأوى لآلاف النازحين الفارين من العمليات العسكرية التي تشهدها محافظة دير الزور[1].
ومن جانب آخر، فقد شهد المخيم خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2017 وحده، وفاة ثلاثة أطفال نتيجة البرد القارس ونقص الخدمات الطبية، وهو الأمر الذي دفع العديد من نازحي المخيم إلى التظاهر في يوم 13 كانون الأول/ديسمبر 2017، إلا أنّ قوات أمن المخيم قامت بفض تلك المظاهرات ومن ثم منعت عمليات الدخول والخروج من المخيم.
وفي تاريخ 20 كانون الأول/ديسمبر 2017، عاود النازحون التظاهر مرة أخرى، إلا أنّ قوات أمن المخيم عاودت فض تلك المظاهرات، وقامت بوضع أسلاك شائكة حول المخيم كما أنها منعت عمليات الخروج من المخيم حتى تاريخ 27 كانون الأول/ديسمبر 2017، وذلك وفقاً للعديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر 2017.
صور خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الخيام المتواجدة في مخيم مبروكة، وقد تمّ التقاط هذه الصور بتاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر 2017.
أولاً: بدايات تأسيس مخيم مبروكة:
مع اشتداد العمليات العسكرية التي شهدتها كلاً من محافظتي دير الزور والرقة، نزح العديد من الأهالي قاصدين ريف محافظة الحسكة التابعة للإدارة الذاتية من الجهة الجنوبية والجنوبية الغربية، ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد قامت الإدرة الذاتية بداية الأمر بنقل النازحين إما إلى داخل محافظة الحسكة أو إلى مخيم الهول الواقع شرقي مدينة الحسكة والذي تمّ تأسيسه بتاريخ 21 نيسان/أبريل 2016.
ومع توافد النازحين من كلتا المحافظتين، بدأت الإدارة الذاتية بتأهيل أرض زراعية تقع غربي مدينة رأس العين بمسافة تقدر بحوالي (40) كم، وتعتبر مسايرة للجهة الشمالية من طريق بلدة مبروكة، وذلك من أجل استقبال النازحين فيها، وتمّ تأسيس المخيم بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2016، ومايزال المخيم قيد العمل داخلياً.
صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي تبين الموقع التقريبي لمخيم مبروكة.
ثانياً: تفاقم الوضع الإنساني داخل المخيم:
مع حلول فصل الشتاء، تضاعفت معاناة آلاف النازحين في مخيم مبروكة، حيث بلغت أعداد النازحين القادمين من محافظتي دير الزور والرقة أكثر من (12) ألف نازح وذلك حتى تاريخ 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، إلا أنّ أعدادهم تناقصت ووصلت حتى (8300) نازح[2] وذلك حتى بدايات شهر كانون الثاني/ يناير 2018.
(علي.خ)[3] وهو أحد النازحين القادمين من ريف محافظة دير الزور، والذين وصلوا مخيم مبروكة بتاريخ 18 حزيران/يونيو 2017، تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول سوء الأوضاع الإنسانية في المخيم، حيث قال:
"نزحنا من قرانا في محافظة دير الزور خشية أن نلقى حتفنا هناك، فقدمنا إلى مخيم مبروكة وتمّ وضعنا في خيم الاستقبال مدة ثلاثة أيام، ثمّ قاموا بتوزيع الخيام علينا، علماً بأنّ عملية توزيع الخيام من قبل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين كانت أشبه "بالواسطة"، ويتم فيها دفع مبالغ مالية إن أردنا الحصول على الخيمة قبل الموعد بيومين، وقد وصلت هذه المبالغ حتى (15) ألف ليرة سورية على أقل تقدير."
وتابع علي بأنّ الوضع الطبي في مخيم مبروكة وصل أسوأ حالاته، مشيراً إلى أنّ هنالك العديد من النقاط الطبية التابعة للصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر الكردي، إلا أنّ أغلبها تشبه غرف الإسعاف في المشافي العامة، إذ أنها لاتقوم بإعطاء المسكنات إلا إن كان المريض يقترب من الموت المحتم، وتابع علي قائلاً:
"لانملك أي مدافئ ولولا الشمس الجيدة لتوفي نصف النازحين في المخيم نتيجة البرد، تماماً كما حدث بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر 2017، إذ توفي طفل نتيجة تعرضه للبرد الشديد وعدم قدرة عائلته على إسعافه في الوقت المناسب، وبعدها بيوم واحد توفيت طفلة أخرى، ولحق بها طفل آخر بعد أقل من أسبوع."
نازح آخر من محافظة الرقة، رفض الكشف عن اسمه الحقيقي لكنه اكتفى بذكر لقب "حمودي أبو محمد"، قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بأنه وصل المخيم بتاريخ 22 أيلول/سبتمبر 2017، وذلك عقب رحلة نزوح استغرقت ثلاثة أيام من مدينة الرقة، لافتاً إلى أنّ الوضع على سوئه من حيث أتى هو أفضل بكثير من الوضع الحالي داخل مخيم مبروكة، ولاسيما مع حلول فصل الشتاء والبرد القارس الذي يعاني منه النازحون، وفي هذا الصدد تابع قائلاً:
"تمّ توزيع المدافئ على نصف النازحين في المخيم، أما النصف الآخر فلم يتلقَ أي شيء، وبعد يومين تقريباً تمّ إخبارنا من قبل بعض السماسرة داخل المخيم، بأنّ هنالك مدافئ للبيع إن أردنا شراءها. لقد أصبح الأمر واضحاً النسبة إلينا، فهنالك مدافئ أبقيت داخل المستودعات، من أجل أن تُفرض علينا سياسة اللعب والاحتكار، حنى نبقى بلا أي قرش كما بقينا بلا مأوى هاربين من مكان إلى آخر."
هديل سهيل- اسم مستعار- وهي إحدى النساء اللواتي نزحن من مدينة الرقة برفقة أولادها الثلاث، ووصلت مخيم مبروكة بتاريخ 23 أيلول/سبتمبر 2017، قالت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بأنها فقدت زوجها خلال العمليات العسكرية الدائرة ضد تنظيم "داعش" في مدينة الرقة، وبأنها جاءت إلى مخيم مبروكة على أمل الحصول على بعض الراحة والأمان، لافتة إلى أنها صدمت بوضع المخيم الذي يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، ولاسيما مع حلول فصل الشتاء، حيث أصبح الوضع في المخيم أسوأ بكثير عما كان عليه في فصل الصيف، حيث اكتفت بالقول:
"في فصل الصيف كانت العواصف الرملية تعصف بنا وتقتلع خيامنا، وفي فصل الشتاء أصبحنا نتمسك بخيامنا خوفاً من برد لا يرحم أحد."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر أحد النازحين المتواجدين في مخيم مبروكة، وقد تمّ التقاط هذه الصورة بتاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر 2017.
ثالثاً: وفاة أطفال واندلاع احتجاجات داخل المخيم:
وفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد توفي ثلاثة أطفال في مخيم مبروكة في شهر كانون الأول/ديسمبر 2017 وحده، وذلك بسبب نقص الكفاءات الطبية من جهة فضلاً عن برد الشتاء القارس من جهة أخرى، وهو الأمر الذي حمل العديد من النازحين على التظاهر والاحتجاج داخل المخيم، فقوبلت تلك الاحتجاجات بأن أغلقت إدارة المخيم طريقي الذهاب والإياب داخل المخيم مدة أسبوعين على التوالي، وفي هذا الخصوص قال النازح (علي.خ) لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة:
"في يوم 12 كانون الأول/ديسمبر 2017، توفيت الطفلة "رفيف سلوم" وهي في العامين من عمرها، نتيجة إصابتها بضيق في التنفس وانتهاء الدوام الرسمي للكادر الطبي داخل المخيم، لذا تمّ إسعاف الطفلة إلى مشفى مدينة رأس العين، إلا أنها فقدت حياتها خلال الطريق، وفي اليوم ذاته توفي أيضاً الطفل "ميثاق صدام" وهو من محافظة دير الزور ويبلغ من العمر (5) أعوام نتيجة البرد الشديد داخل المخيم."
وأضاف علي بأنّ تدهور الوضع الإنساني في المخيم حمل العديد من النازحين على التجمع والوقوف أمام باب إدارة المخيم وذلك بتاريخ 13 كانون الأول/ديسمبر 2017، مشيراً إلى أنّ الأمر تمّ دون أي مشاكل في الساعات الأولى منه، إلى أن قامت قوات أمن المخيم بفض ذلك التجمع بعد ساعتين من حدوثه، ما أدى إلى وقوع عراكٍ مابين أحد عناصر أمن المخيم وأحد النازحين، وهو الأمر الذي دفع بالنازحين للهروب إلى خيامهم آخر الأمر، وتابع علي قائلاً:
"بعد يومين من المظاهرات، توفي طفل آخر ويدعى "عبد الله وسيم النموس" ويبلغ من العمر عامين، وهو من محافظة دير الزور، أما أسباب الوفاة فتعود إلى استنشاقه بعض الغازات الناتجة عن تشغيل مدفأة الكاز داخل خيمة عائلته، حيث تمّ إسعاف الطفل لاحقاً لكن دون جدوى."
ومن جهتها أضافت النازحة هديل سهيل بأنّ النازحين عاودوا الخروج والتظاهر مرة أخرى عقب وفاة الطفل "عبد الله النموس"، وتحديداً بتاريخ 20 كانون الأول/ديسبمر 2017، إلا أنّ قوات أمن المخيم عاودت مجدداً فض تلك المظاهرات، ومنعت عمليات الدخول والخروج من المخيم حتى تاريخ 27 كانون الأول/ديسمبر 2017.
أما النازح "حمودي أبو محمد" فقد عقب على الأحداث الأخيرة التي سبق ذكرها قائلاً:
"تمّ وضع أسلاك شائكة حول المخيم وتمّ تشديد الحراسة عليه أيضاً، كما تمّ إيقاف كافة عمليات الخروج من المخيم، ومن جهة أخرى فقد بدأ بعض السماسرة في تلك الفترة بإخراج النازحين خارج المخيم، مقابل مبلغ يقدر ب (100) ألف ليرة سورية عن الشخص الواحد، فقد تغير الوضع تماماً في المخيم عقب تلك الاحتجاجات."
ومن الجدير ذكره أنه وبحسب الأرقام الصادرة عن إدارة المخيم حديثاً، فإنّ المخيم يحوي على حوالي (1350) عائلة نازحة، مع الإشارة إلى أنّ العدد قابل للزيادة أو النقصان بسبب عمليات الخروج من المخيم والقدوم من المخيمات الأخرى الكائنة ضمن محافظة الحسكة، كما من اللافت الإشارة إلى أنّ الإدارة الذاتية تتولى إدارة المخيم تحت إشراف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين UNHCR، إضافة إلى منظمة الإنقاذ الدولية IRC ومنظمة Mercy Corps إلى جانب منظمة الأمم المتحدة للطفولة -اليونيسيف والهلال الأحمر الكردي وبرنامج الغذاء العالمي WFP و المجلس النرويجي للاجئين NRC و منظمة حماية الطفولة.
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر أحد النازحين في مخيم مبروكة، وهو يحمل سلة المعونات المقدمة له من قبل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وقد تمّ التقاط هذه الصورة بتاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر 2017.
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد اعدت في وقت سابق، تقريراً يسلط الضوء حول مخيمات "النازحين داخلياً" و المتواجدة ضمن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في شمال سوريا، كما كانت المنظمة قد نشرت مؤخراً تقريراً يتحدث عن ازدياد معاناة النازحين في مخيم الشدادي الواقع جنوبي مدينة الحسكة مع حلول فصل الشتاء.
[1] في 9 أيلول/سبتمبر 2017، أعلن "مجلس دير الزور العسكري" المنضوي تحت قوات سوريا الديمقراطية بدء معركة "عاصفة الجزيرة" وذلك بدعم من قوات التحالف الدولي بغية السيطرة على الريف الجنوبي المتبقي من محافظة الحسكة والخاضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، إضافة إلى مناطق شرقي الفرات والتي تتبع إدارياً لمحافظة دير الزور.
وكانت القوات النظامية السورية قد أعلنت مسبقاً وفي شهر حزيران/يونيو 2017، عن معركة ديرالزور بغية طرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية من الطرف الغربي من نهر الفرات، هذه المعارك كانت مترافقة بعمليات قصف روسية وسورية عنيفة جداً إضافة إلى قصف الطيران التابع للتحالف الدولي، ما أدى إلى نزوح أهالي محافظة ديرالزور وبشكل يومي.
[2] وفقاُ لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد تناقصت أعداد النازحين عما كانت عليه، بعدما خرج العديد منهم من المخيم عبر كفالة أشخاص من محافظة الحسكة، حيث توجه أولئك النازحون إلى مناطق عدة مثل منبج وجرابلس.
[3] اسم مستعار لأسباب أمنية.