مقدمة: تعرضت العديد من منازل المدنيين في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، إلى الاستيلاء عليها ومصادرتها من قبل القوات النظامية السورية والقوات الحليفة لها كقوات الدفاع الوطني[1] وتحديداً خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، وبحسب مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ الأخيرة عمدت إلى مصادرة المنازل التي تقع على وجه الخصوص داخل المربع الأمني[2] في مدينة الحسكة والقريبة من مكان تمركز حواجزها العسكرية، ومن ثمّ قامت بتوزيعها على عناصر تابعين وإسكانهم فيها لها دون الاستناد إلى أي سبب قانوني أو إجراء قضائي، وذلك وفقاً للعديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017.
ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ العديد من الأهالي تركوا منازلهم الواقعة داخل المربع الأمني في مدينة الحسكة، وذلك عقب الاشتباكات العسكرية[3] التي اندلعت مابين القوات النظامية السورية ومعها قوات الدفاع الوطني ضد قوات "الأسايش" التابعة للإدارة الذاتية، وذلك بتاريخ 18 آب/أغسطس 2016، إذ قام العديد منهم إما بالهجرة خارج البلاد أو النزوح إلى مناطق أخرى أكثر أماناً، سواءً ضمن مدينة الحسكة نفسها، أو في مناطق أخرى كالقامشلي/قامشلو وعامودا وديريك/المالكية، وتحسبّاً للرجوع والعودة لم يقم السكان ببيع أو تأجير منازلهم وتركوها فارغة على أن يعودوا إليها فور استقرار الوضع الأمني في المدينة.
خارطة توضّح مكان "المربع الأمني" في محافظة الحسكة، وهي المنطقة الوحيدة التي ما زالت خاضعة لسيطرة القوات الحكومية السورية والميليشيا التابعة لها.
أولاً: تمركز الحواجز العسكرية داخل المربع الأمني في مدينة الحسكة:
عقب الاشتباكات التي اندلعت مابين القوات النظامية السورية ومعها قوات الدفاع الوطني من جهة ضد قوات "الأسايش" التابعة للإدارة الذاتية بتاريخ 18 آب/أغسطس 2016، اقتصر تواجد القوات النظامية السورية داخل "المربع الأمني" في مدينة الحسكة، وهو الأمر الذي جعل الأخيرة تحكم سيطرتها على تلك المنطقة، وتقوم بنشر حواجزها العسكرية على مداخل المربع الأمني ومخارجه.
ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد تمركزت هذه الحواجز مطوقة المربع الأمني من كافة اتجاهاته، حيث تواجدت على مايعرف بجسر "النشوة" من الجنوب، وشارع "القامشلي" من الشمال، ومفرق فرع الأمن الجوي أو مايعرف بتقاطع "مطعم السمارة" من الغرب، وقرب إحدى الثكنات العسكرية التابعة للقوات النظامية السورية من الشرق.
وبسبب تموضع هذه الحواجز داخل مدينة الحسكة، وتحديداً على نقاط التماس بينها وبين قوات "الأسايش" التابعة للإدارة الذاتية، فرّ العديد من أهالي المدينة إما إلى خارجها أو إلى أحياء أخرى في مدينة الحسكة، بينما قرر بعضهم الهجرة خارج البلاد، تاركين منازلهم خلفهم دون أن يمتلكوا القدرة على بيعها نظراً لقربها من الحواجز التابعة للقوات النظامية السورية.
ثانياً: نزوح أصحاب المنازل القريبة من الحواجز العسكرية داخل المربع الأمني في الحسكة:
محمد خالد -اسم مستعار- وهو أحد أهالي مدينة الحسكة الذين تركوا منازلهم داخل المربع الأمني في المدينة، وفرّ برفقة عائلته إلى حي "تل الحجر" في المدينة، وتحديداً في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وفي هذا الخصوص تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"قررت الفرار برفقة عائلتي من منزلنا الكائن عند تقاطع "مطعم السمارة"، ولا سيما عقب الخوف الذي تملكنا نتيجة قرب المنزل من أحد الحواجز العسكرية التابعة للقوات النظامية السورية، فقد كان الرعب يراودنا من فكرة اندلاع الاشتباكات مرة أخرى داخل مدينة الحسكة، وأن نكون عرضة للقذائف العشوائية والرصاص الذي لايرحم أحداً بسبب قربنا من ذاك الحاجز، لذا قررنا الخروج من المنزل على أمل بيعه لأول زبون."
حدث ذات الأمر مع رفعت محمد، وهو أحد أهالي مدينة الحسكة الذين هاجروا خارج البلاد في شهر كانون الثاني/يناير 2017، إذ أنه فضّل الرحيل عن منزله نظراً لقربه من أحد الحواجز العسكرية التابعة للقوات النظامية السورية، والمتمركزة عند مدخل المربع الأمني من الجهة الشمالية الغربية، لكن قبل أن يهاجر جعل من شقيقه وصياً على منزله، وفي هذا الصدد روى أحمد شقيق رفعت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"هاجر أخي إلى ألمانيا بعدما ضاق ذرعاً ولم يعد يرغب في العيش داخل مدينة الحسكة، وخصوصاً أنّ باب منزله كان قد أصبح أشبه بمقهى يجتمع فيه عناصر قوات الدفاع الوطني التابعين للنظام، لذا وقبل اتخاذه قرار الهجرة، قام أخي بعمل وكالة قانونية لي حتى أتمكن من التصرف في المنزل وعرضه برسم البيع أو الإيجار."
وفي شهادة أخرى، أكدت سهيلة الأحمد-اسم مستعار- وهي إحدى نساء مدينة الحسكة التي فرّت هي الأخرى وتركت منزلها الكائن داخل المربع الأمني في المدينة وتحديداً في منطقة "مساكن الفيلات" القريبة من جسر "النشوة"، حيث يتواجد هناك أحد حواجز قوات الدفاع الوطني التابعة للقوات النظامية السورية، حيث روت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:
"في شهر آذار من العام 2013، توفي زوجي إثر جلطة قلبية، وأورثنا منزلين أحدهما في مدينة الحسكة والآخر في مدينة القامشلي، لكن عندما احتدمت الاشتباكات مابين قوات النظام وقوات "الأسايش" في مدينة الحسكة، قررت الهروب برفقة أولادي الثلاثة إلى مدينة القامشلي في شهر آب/أغسطس 2016، ولاسيما نتيجة قرب منزلنا من خط تماس مابين الطرفين وتمركز حاجز عسكري كبير تحت منزلنا."
ثالثاً: المشاكل التي اعترضت أصحاب المنازل:
وبسبب قرب هذه المنازل من الحواجز العسكرية التابعة للقوات النظامية السورية داخل المربع الأمني، لم يرغب أحد باستئجارها أو حتى شرائها، وهو الأمر الذي أكده محمد خالد، إذ أنه حاول مراراً وتكراراً عرض منزله برسم البيع أو الإيجار من خلال أحد المكاتب العقارية المتواجدة داخل مدينة الحسكة، إلا أنّ جميع محاولاته باءت بالفشل، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:
"في كل مرة أتى فيها زبون بقصد شراء المنزل، كانت المفاجأة تبدو واضحة على وجهه من شدة قرب المنزل من الحاجز العسكري التابع للنظام، لذا كان يتقصد قول أي حجة من أجل التهرب وعدم شرائه، لكن في إحدى المرات رغبت إحدى العائلات النازحة من محافظة دير الزور باستئجار منزلي، وبعد معاينة موقع المنزل القريب من الحاجز، اتفقت مع هذه العائلة على أن تقوم بدفع مبلغ (15) ألف ليرة سورية شهرياً، وتمّ الاتفاق عبر مكتب عقاري حتى تكون الأمور قانونية، ولكن عند بدء المستأجرين الجدد بنقل أغراضهم إلى المنزل، فوجئت بمكالمة هاتفية من رب العائلة، حيث أخبرني بأنّ عناصر الحاجز لن يسمحوا له بنقل الأغراض إلا بعد قدوم مالك المنزل، فماكان مني إلا التوجه فوراً إلى المنزل ولقاء عناصر الحاجز، إذ أطلعتهم على أوراق عقد الإيجار، إلا أنهم أخبروني بضرورة الحصول على موافقة من مسؤول هذا الحاجز، ولمّا طلبت منهم لقاء المسؤول، أخبروني بأنه مشغول وبأنّ علي الانتظار حتى يوم غد."
وأضاف محمد بأنّه لم يتمكن من لقاء مسؤول ذلك الحاجز رغم مجيئه كل يوم، فقد كان عناصر الحاجز يتحجّجون بأنه مشغول، وعلى إثر ذلك قام المستأجرون الجدد بفسخ عقد الإيجار الذي تمّ الاتفاق عليه عقب أسبوعين فقط، وذلك بسبب عدم السماح لهم بنقل أغراضهم إلى المنزل الجديد، حيث أكد محمد بأنّ منزله بقي فارغاً حتى ذلك الحين.
وفي شهادة متقاطعة، أكد شقيق رفعت محمد ما ذكر سابقاً، إذ أنه عندما أراد بيع منزل أخيه إلى أحد الزبائن، رفض عناصر الحاجز التابع للقوات النظامية السورية والكائن قرب منزله ذلك، كما رفضوا الاعتراف بوكالته القانونية، وفي هذا الصدد تابع قائلاً:
"عندما أردت بيع المنزل، طلب مني أحد المسؤولين عن الحاجز تصريحاً من فرع الأمن العسكري في مدينة الحسكة، وذلك حتى أتمكن من التصرف في المنزل، فعملت على إخراج هذا التصريح وعلى إثر ذلك تمّ تحويلي من فرع الأمن العسكري إلى فرع الأمن السياسي في المدينة، ومن ثمّ إلى فرع الأمن الجوي، لكن دون جدوى حيث بقيت الأوراق والثبوتيات التي عملت عليها من أجل الاعتراف بوكالتي القانوينة داخل فرع الأمن الجوي، إلى أن أخبروني بأنّ وكالتي مرفوضة دون أي يقدموا لي أي أعذار، ودون أن يقوموا حتى بإرجاع الثبوتيات وأوراق الوكالة القانونية حتى أتمكن من التصرف في المنزل."
أما سهيلة الأحمد، فقد تابعت بأنها عندما رغبت في زيارة منزلها الكائن في المربع الأمني، عقب عشرة أشهر على مغادرته، تمّ منعها من ذلك من قبل عناصر الحاجز التابع للقوات النظامية السورية والكائن قرب منزلها، وذلك بحجة أنها لاتملك أوراقاً تثبت ملكيتها للمنزل، وفي هذا الخصوص تحدثت قائلة:
"حاولت زيارة منزلي على أمل عرضه للإيجار عبر أحد المكاتب العقارية، وكان ذلك في شهر حزيران/يونيو 2017، إلا أنّ عناصر الحاجز قاموا بمنعي بحجة أنه لا أحمل أي أوراق تثبت ملكيتي للمنزل، كما أخبروني بأنهم قاموا بإقفال الأبواب الخارجية للمنزل بعدما قام أحد السارقين بفتحها خلال الاشتباكات التي وقعت مابين قوات النظام وقوات "الأسايش"، ورغم محاولاتي العديدة بالتوسل إليهم، رفضوا طلبي بدخول المنزل، وأشاروا علي بضرورة جلب أي شاهد أو جارٍ حتى يتأكدوا من صحة كلامي، علماً بأنّ جميع الجيرة كانوا قد فروا مثلنا من منازلهم ولم يعودوا إليها أبداً."
رابعاً: مرحلة الاستيلاء على منازل المدنيين في مدينة الحسكة:
عقب مرور عدة أشهر على محاولات أصحاب تلك المنازل عرضها برسم البيع أو الشراء، فقد معظمهم الأمل بذلك، لذا قرر بعضهم العودة إلى منازلهم التي غادروها نتيجة الاشتباكات العسكرية، وكان محمد خالد أحدهم، إذ أنّ تراكم أعباء الحياة المادية وعدم قدرته على دفع إيجار المنزل الذي انتقل إليه في حي "تل حجر"، دفعه إلى اتخاذ قرار العودة إلى منزله الكائن في المربع الأمني داخل مدينة الحسكة، غير آبهٍ بخطورة الوضع الأمني هناك، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:
"لمّا قررت العودة إلى منزلي في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، فوجئت بأنّ عناصر الحاجز اتخذوا من المنزل مبيتاً لهم، وعندما طلبت منهم إخلاء المنزل، قال لي أحد عناصر الحاجز بلهجة ساخرة: "لم تعد إلى المنزل إلا عندما قمنا بحمايته!"، ووجه لي كلاماً مفاده بأنني لو قمت بطلب البيت مرة أخرى، فقد يتعرضون لي بالسوء، وفهمت حينها أنه تمّ الاستيلاء على منزلي، لذا عدت أدراجي خائباً إلى المنزل الذي كنت قد استأجرته في حي "تل حجر"، وفقدت الأمل نهائياً من العودة إلى منزلي إلى حين حصول معجزة."
وبدوره أكدّ شقيق رفعت محمد ماذكر سابقاً، حيث قال بأنّ عناصر الحاجز العسكري التابع للقوات النظامية السورية، كانوا قد استولوا أيضاً على منزل اخية الكائن في المربع الأمني داخل مدينة الحسكة وتحديداً في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، وذلك بعد تلقيه مكالمة هاتفية من أحد الجيرة الذين أكدوا له بأنّ عناصر الحاجز قاموا بكسر قفل باب المنزل وأسكنوا فيه إحدى عائلاتهم، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:
"أخبرني أحد الجيرة بأنّ عناصر الحاجز قاموا بإحضار عائلة وأسكنوها منزل أخي، ولما طلبت من ذلك الجار الاستفسار عن الموضوع، أخبره عناصر الحاجز بألا وصي على المنزل، وبأنّ بقاءه فارغاً دون ساكنين قد يعرض الحاجز لخطر كبير، وربما يقوم أحد ما بالتسلل إلى المنزل خلسة وبالتالي قد يقوم بالتعدي على عناصر الحاجز."
سهيلة الأحمد علمت هي الأخرى من خلال أحد جيرانها، بأنّ عناصر الحاجز العسكري التابع للقوات النظامية والكائن قرب منزلها قد قاموا بالاستيلاء على المنزل بما فيه من أغراض وأثاث، وفي هذا الصدد أضافت قائلة:
"في منتصف شهر تشرين الأول/أكنوبر 2017، علمت من خلال أحد الجيرة بأن عنصراً من عناصر الحاجز بات يسكن منزلي بصحبة زوجته، وبأنه لم يعد بوسعي العودة إلا وبحوزتي ورقة رسمية تخولني استلام المنزل من عناصر الحاجز، كما علمت لاحقاً بأنّ جاراً آخراً من جيراني حدثت معه ذات القصة وتمّ الاستيلاء على منزله أيضاً، وفكرت بأنني لو حاولت استرجاع المنزل عن طريق المحامين والقصر العدلي في مدينة الحسكة، فإنّ عناصر الحاجز قد يقوموا بمضايقتي بأي طريقة، لذا تركته كما هو ورضيت بما كتبه الله لي."
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد أعدت في وقت سابق تقريراً يسلط الضوء على قيام عدة فصائل جهادية منها هيئة تحرير الشام(جبهة النصرة سابقاً) والحزب الإسلامي التركستاني، بالاستيلاء ومصادرة العديد من الممتلكات العامة والخاصة في منطقة جسر الشغور في ريف إدلب، كما أعدت المنطمة تقريراً آخراً عن استيلاء لواء رابطة المرج على منازل مخصصة للنازحين في بلدة كفربطنا في الغوطة الشرقية وذلك في شهر أيلول/سبتمبر 2017.
[1] قوات الدفاع الوطني تمّ تشكيلها على أيدي بعض القادة العسكريين داخل مدينة الحسكة مطلع العام 2012، وذلك في محاولة لإجراء حملات مداهمات واعتقالات والهيمنة على السكان داخل المدينة دون أي قوانين أو أوامر محكمية.
[2] المربع الأمني هو المنطقة الواقعة في منتصف مدينة الحسكة، والتي تقع تحت سيطرة القوات النظامية السورية وتتمركز فيها جميع الدوائر الحكومية والمراكز العسكرية والفروع الأمنية التابعة للقوات النظامية السورية.
[3] وفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد اندلعت هذه الاشتباكات في يوم 18 آب/أغسطس 2016، وذلك إثر خلاف نشب مابين عناصر أحد الحواجز التابعة للقوات النظامية السورية من جهة وعناصر حاجز عسكري تابع لقوات "الأسايش" من جهة أخرى، داخل المربع الأمني في مدينة الحسكة، إذ كانت الأسباب وراء ذلك هو تعدي عنصر من عناصر القوات النظامية السورية على عنصر آخر تابع لقوات "وحدات حماية الشعب".