الرئيسية تحقيقات مواضيعية اعتقال العشرات من المدنيين في مركدة تحت حجج واهية من أجل تسخيرهم لأعمال الحفر

اعتقال العشرات من المدنيين في مركدة تحت حجج واهية من أجل تسخيرهم لأعمال الحفر

(الجزء الثاني)

بواسطة wael.m
265 مشاهدة هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

مقدمة: لم يكتفِ تنظيم "الدولة الإسلامية" أو كما يعرف باسم تنظيم "داعش"، بالتضييق على أهالي بلدة مركدة الواقعة جنوبي مدينة الحسكة، وإجبارهم الرحيل عن بلدتهم كما استعرضنا ذلك في الجزء الأول من سلسلة التقارير حول بلدة مركدة، بل وصلت ممارساته حد استغلال المدنيين الذين رفضوا الرحيل عن أملاكهم وأرزاقهم، حيث أقدم بداية على اعتقال العديد من أبناء البلدة تحت ذرائع مختلفة، ومن ثم قام بتسخيرهم في مهمّات الحفر الشاقة والتي يهدف من خلالها إلى حفر خندق كبير وطويل حول بلدة مركدة. ووفقاً للعديد من الشهادت التي حصل عليها مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإن تنظيم "داعش" كان يلجأ إلى تهديد المدنيين بالقتل في حال تم اعتراض أحدهم على القيام بهذه المهمة.

ومع تقدم قوات سوريا الديمقراطية باتجاه الحدود الشرقية لبلدة مركدة، وسيطرتها على قرى (الشمساني الشرقي وسرجين والدشيشة وشرقية وقطبة) بتاريخ 27 شباط/فبراير 2016 (تقع هذه القرى على الحدود الشرقية لبلدة مركدة وتفصلها عن بلدة الشدادي) ساهم ذلك في زياة الضغط على تنظيم "داعش"، ولا سيما مع هروب العديد من عناصره وعائلاتهم إلى بلدة مركدة من الحدود العراقية السورية بسبب المعارك التي دارت بينه وبين القوات العراقية في مدينة الموصل وضواحيها.

ووفقاً للعديد من الشهادت التي استمعت إليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في شهر أيلول/سبتمبر 2017، فإن تنظيم "داعش" بدأ مع مطلع شهر حزيران/يونيو 2017 في حفر خندق طويل على طول الحدود الشمالية والشمالية الشرقية إضافة إلى الحدود الشمالية الغربية من بلدة مركدة -التي تفصلها عن المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية شمالاً مثل الشدادي – وذلك في محاولة منه لقطع الطريق أمام قوات سوريا الديمقراطية في حال واصلت التقدم باتجاه بلدة مركدة، لذا عمد التنظيم إلى استغلال أبناء البلدة وقام بتسخيرهم للقيام بأعمال الحفر، بعدما كان يقوم باعتقالهم بأية حجة كانت.

أولاً: اعتقال المدنيين في بلدة مركدة تحت ذرائع مختلفة:

في منتصف شهر حزيران/يونيو 2017، سخّر تنظيم "داعش" جميع إمكاناته من أجل حفر خندق بعمق (4) أمتار وعرض (3) أمتار على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية والشمالية الغربية من بلدة مركدة، إلا أن إمكاناته كانت قليلة مقارنة مع الحدود الهائلة التي أملَ في حفر الخندق حولها، وهذا ما أكده عمر.م (48) عاماً، وهو أحد أبناء بلدة مركدة، الذين تمّ اعتقالهم من قبل عناصر التنظيم بتاريخ 24 حزيران/يونيو 2017، ومن ثم تمّ تسخيره لأعمال الحفر، وفي هذا الصدد تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بعدما تمكن لاحقاً من الفرار إلى بلدة الشدادي الواقعة جنوبي مدينة الحسكة، حيث قال:

"بينما كنت أتبضع في سوق البلدة، تم اعتقالي من قبل عناصر مكتب الحسبة[1] بلا أي أسباب، ومن ثم تمّ اقتيادي إلى مكتبهم الكائن في الطرف الشرقي من بلدة مركدة، حيث قاموا برميي في أحد المنفردات، وبعد مرور عدة ساعات لم أعد أستطع تمييز الوقت بسبب الظلمة الحالكة داخل المنفردة، وإذ بعناصر "داعش" يدخلون علي ويخبرونني بأنني متهم بالتدخين، علماً أنني أخبرتهم مسبقاً بمرض القلب الذي أعاني منه، وأنبأتهم باستطاعتي على جلب الأوراق والدلائل التي تثبت صحة كلامي، إلا أنهم رفضوا ذلك وأعلموني بأنه سيتمّ نقلي إلى السجن الكبير الواقع خلف مكتب الحسبة."

أما زهير خليل وهو شاب في الخامسة والعشرين من عمره، فقد تعرض هو الآخر للاعتقال على يد عناصر مكتب الحسبة بتاريخ 25 حزيران/يونيو 2017، ليتم اقتياده لاحقاً واستغلاله في أعمال الحفر أيضاً، حيث روى لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة تفاصيل عملية اعتقاله بينما كان يعمل كسائق سيارة أجرة في بلدة مركدة، إذ أنّه تحدّث قائلاً:

"قام عناصر مكتب الحسبة بإيقافي، وطلبوا مني أوراقي الرسمية والثبوتيات التي تدل على ملكيتي للسيارة، فصُدمت لدى إخبارهم لي بأن أوراقي مزورة رغم أنني وبحكم عملي اليومي، كنت دائماً ما أقوم بإظهار هذه الأوراق لعناصر الحواجز التابعة لتنظيم "داعش" وبلا أية مشاكل، فحاولت التأكيد لهم بأن أوراقي نظامية، إلا أنهم قاموا باقتيادي إلى مكتب الحسبة في البلدة، وبعد أقل من نصف ساعة تمّ تحويلي إلى السجن الكبير دون نظر أو بتّ في التهمة الموجهة إليّ."

ولم يكتفِ عناصر مكتب الحسبة التابع لتنظيم "داعش"، بهذا القدر من عمليات الاعتقالات العشوائية، إذ أنهم عمدوا إلى اعتقال شبان البلدة المطلوبين لواجب الجهاد[2]، إضافة إلى الشبان المتخلفين عن إصدار دفتر الجهاد الخاص بخدمة علمهم، ومن ثمّ قاموا باقتيادهم إلى "ديوان الجهاد – مكتب الجهاد"[3] الكائن في بلدة مركدة، وبعد مرور يوم تمّ سحب أولئك الشبان إلى معسكرات التدريب التابعة للتنظيم، والمنتشرة على طول المناطق الصحراوية بين بلدة مركدة ومحافظة دير الزور، حيث يتمّ إرغام الشبان المتخلفين على تأدية واجب الجهاد مدة عام كامل، ووفقاً للعديد من المصادر فإن الشاب الذي يقوم بتسليم نفسه لواجب الجهاد، يؤدي واجبه وفق قوانين تنظيم "داعش" مدة تسعة أشهر فقط، أما الشاب المتخلف عن الخدمة فيتم زيادة مدة خدمته حتى العام.

عمار جميل وهو أحد شبان بلدة مركدة، ويبلغ من العمر (18) عاماً، تم اعتقاله من قبل عناصر مكتب الحسبة أثناء تواجده في سوق البلدة بتاريخ 27 حزيران/يوينو 2017، وهو الأمر الذي أكدته والدة الشاب خولة العلي لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، حيث أشارت إلى أنها استطاعت الفرار من البلدة واللجوء إلى مدينة الحسكة بتاريخ 16 آب/أغسطس 2017، وحول تفاصيل اعتقال ابنها تحدّثت قائلة:

"بحسب شهود، تمّ اعتقال ابني على يد عناصر مكتب الحسبة، لذا سارعت حينها بالتوجه إلى مكتب الحسبة برفقة والده من أجل معرفة الأسباب التي دفعتهم لاعتقاله، فأخبروننا بأنّه اقتيد إلى واجب الجهاد بعد ساعة واحدة من عملية اعتقاله، وهذا كل ما استطعنا الحصول عليه من معلومات."

ثانياً: تسخير المعتقلين في أعمال الحفر:

وفقاً للعديد من المصادر التي استطاعت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة الحصول عليها، فإن تنظيم "داعش"، كان يقوم بنقل المعتقلين إلى أماكن الحفر عبر باصات خاصة ، حتى وإن كانت التهم الموجّهة إليهم باطلة أو غير معمول بها وفق قوانين تنظيم "داعش" نفسه، وفي هذا الصدد أكمل عمر .م رواية شهادته حول حادثة اعتقاله ومن ثم نقله إلى أماكن الحفر من قبل عناصر التنظيم، حيث قال:

"بعد ساعات من إعلامي بأنني سأُنقل إلى السجن الكبير، جاء أحد عناصر "داعش" وقام باقتيادي عبر الباب الخلفي لمكتب الحسبة، ثم وضعني في باص كبير كان يضم حوالي (20) سجيناً، وسار بنا الباص خارج بلدة مركدة، إلى أن توقف بعد حوالي (10) كيلومترات، فتفاجأنا بمشهد "التريكسات" وبعض الحفارات الآلية التي تقوم بالحفر، وشاهدنا على بعد أكثر من (200) متر، مجموعة من الأشخاص الذين يقومون بالحفر بواسطة أودات بدائية خاصة بالحفر، وبعد مرور أقل من نصف ساعة، تم إخراجنا من الباص، وترتيبنا واحداً تلو الآخر، ومن ثم قاموا بإعطائنا أدوات بدائية، وأشاروا علينا ببدء بالحفر وفق خط مرسوم على الأرض بمادة رملية بيضاء، وهددونا بالقتل في حال نطقنا بأي كلمة."

وفي شهادة متقاطعة، تابع زهير خليل بأن عناصر مكتب الحسبة أرغموه هو الآخر على ركوب باص كبير، توجه به إلى منطقة صحراوية، وتبين له لاحقاً أنها الحدود الغربية لبلدة مركدة، وبمجرد وصوله قام عناصر التنظيم بإنزاله من الباص، وعلى الفور قاموا بإعطائه أداة حفر بدائية، ففوجئ ببعض الأشخاص الذين وصلوا قبله وتم أمرهم بالحفر وفق خط مرسوم على الأرض بواسطة مادة "النحات".

وبدورها كررت والدة الشاب عمار جميل ماذكر سابقاً، حيث أشارت إلى أن ابنها أنبأها بذلك عقب فراره لاحقاً من قبضة تنظيم "داعش" .

ثالثاً: الخلاص والفرار من مهمة حفر الأنفاق:

بعد إرغام العديد من المعتقلين لدى تنظيم "داعش" على القيام بمهمة حفر الأنفاق، حاول العديد منهم الفرار من هذه المهمة الشاقّة، إذ أنّ التنظيم لم يكن يقدم طعاماً كافياً لهم،  كما كان يجبرهم على المبيت في العراء،  وفي هذا الصدد أضاف عمر .م لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول محاولة فراره ونجاحه بذلك بتاريخ 28 تموز/يوليو 2017، حيث قال:

"بعد ثلاثة أيام من الحفر والمبيت في العراء، فكرت كثيراً في الخلاص والفرار، وأقنعت نفسي بأنني لو تعرضت للقتل فإنّ حالي سيكون أفضل بكثير مما هو عليه، حيث أنهم كانوا يجبروننا على الحفر منذ ساعات الصباح الباكر، وتحديداً من الساعة السابعة صباحاً حتى الواحدة ظهراً، ومن ثم يقدمون لنا وجبة طعام واحدة، فنعاود الحفر من جديد حتى ساعات المساء وتحديداً حتى الساعة السابعة مساءً، حيث يقومون بإطعامنا مرة أخرى، ومن شدة التعب ننام ولانفكر بماحولنا، لذا حسمت أمري وقررت الفرار، وفي يوم 28 تموز/يوليو 2017، تمكنت من الهروب ليلاً، وتوجهت إلى بلدة مركدة الشرقية، ثم طلبت من إحدى العائلات اللجوء لديها بضع ساعات، وتواصل أحد أفراد تلك العائلة مع عائلتي، وفي تاريخ 30 تموز/يوليو 2017، تمّ إخراجي بواسطة أحد المهربين مقابل إعطائه مبلغ (250) ألف ليرة سورية، حيث استطعت الهروب خارج الحدود الإدارية للبلدة، ولجأت إلى أحد أقاربي في بلدة الشدادي، ومضى أكثر من شهرين على وجودي في البلدة ولا زلت أنتظر عائلتي التي أردات الفرار أيضاً من بلدة مركدة، إلا أنهم حتى هذه اللحظة لم يتمكنوا من ذلك، وكل ما أعلمه أن الوضع لديهم غاية في الصعوبة."

وفي يوم 26 حزيران/يونيو 2017، نجحت محاولة الشاب زهير خليل في الفرار أيضاً من قبضة التنظيم، فبعد مرور يومين على قيامه بمهمة الحفر، تمكن زهير من عقد صداقة مع أحد عناصر تنظيم "داعش"، حيث أخبره بإحدى الطرق التي يستطيع الفرار من خلالها، وروى له أن بوسعه استرداد سيارة الأجرة التي عمد التنظيم إلى مصادرتها في البداية، ومن ثم إعطائها إلى أحد المهربين[4] حتى يتولى مهمة تهريبه من مكان الحفر، وفي يوم 28 حزيران/يونيو 2017، وفي تمام الساعة (3:00) فجراً، نجح المهرب في تهريب زهير من مكان الحفر، ثم قام بإرشاده إلى شخص آخر، حتى يشرف على متابعة رحله تهريبه،  إلى أن نجح في الوصول إلى قرية الحدادية الواقعة جنوبي بلدة الشدادي حيث أقام عند بيت أقاربه.

أما الشاب عمار جميل، فقد استطاع الهرب برفقة والدته وشقيقته الصغرى بعد الاتفاق مع أحد المهربين، والذي بدوره طلب مبلغ (550) ألف ليرة سورية مقابل تهريبهم، وفي هذا الصدد تابعت والدة عمار (خولة العلي) موضّحةً كيف دبرت عملية تهريبه من منطقة الحفر بتاريخ 1 تموز/يوليو 2017، حيث قالت:

"كان المهرّب عنصراً من عناصر "داعش"، وهذا ماسهّل وصوله إلى ابني وإخباره بأن عليه التظاهر بالمرض الشديد، حتى يقوم بقية العناصر بإسعافه إلى نقطة طبية تقع شمالي غربي بلدة مركدة، وبالفعل هذا ماحدث، ففي يوم 1 تموز/يوليو 2017، تمّ إسعافه من قبل عناصر التنظيم إلى ذات النقطة الطبية، حيث تمّ تهريبه من هناك وهو مغمى عليه بعدما تم حقنه بمخدر، وذلك طبعاً من أجل تأمين مروره وإدخاله إلى بلدة مركدة، وبمجرد وصوله إلى البلدة، تم تهريبنا بواسطة أحد المهربين في الساعة الثانية صباحاً من يوم 2 تموز/يوليو 2017، وتوجهنا إلى بلدة السعدة الواقعة شمالي بلدة مركدة حيث مكثنا هناك فترة من الزمن، وفي يوم 16 آب/أغسطس 2017، توجهنا عبر سيارة خاصة إلى منزل أحد أقاربي في مدينة الحسكة، وباعتبار أن ابني عمار مطلوب للخدمة الإلزامية العسكرية لدى النظام، قمت بتهريبه لاحقاً إلى تركيا فيما بقيت مع ابنتي في مدينة الحسكة."

 


[1] المقصود بها "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وهي تتولى متابعة المصلّين ومدى التزامهم بالذهاب للجوامع واللباس الشرعي وعدم التدخين وغيرها من الأمور التي يحظرها التنظيم، كما تحث الحسبة الناس على العمل بالالتزام بأوامر التنظيم و "الخلافة".

[2]  كان "واجب الجهاد" في البداية مرتبطاً أكثر بموضوع "الدعوة للجهاد" ولكن ومنذ بداية شهر آب/أغسطس 2017 وبعد أن صدر "إعلان افتتاح مكتب المستنفرين" بدأواجب الجهاد يشمل عمليات التجنيد الإجباري للك من تجاوز سنّ الثامنة عشر وشمل أيضاً كل من هو قادر على حمل السلاح. ولم يُعرف هذا الشيء في بدايات تشكيل التنظيم بسبب عدم ثقته بالسكان المحليين ووجود عدد كافي من المتطوعين لديه.

[3]  يعد واحداً من المؤسسات العسكرية التابعة لتنظيم "داعش"، وهو يتولى البحث عن الشبان الذين لم يؤدوا الخدمة العسكرية لدى التنظيم بعد بلوغ سن الثامنة عشر، كما أنه يشرف على النظر في أمور الشبان الذين قاموا بتأجيل أنفسهم وفق أسس كثيرة،  ومنها وحيد الوالدين أو معيل العائلة أو المصاب بإعاقة أو المصاب بمرض مزمن ومعدي.

[4] أشار زهير في شهادته إلى أن المهرب كان ينتمي لتنظيم "داعش" أيضاً.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد