الرئيسية قصص مكتوبة “لا مكان لنشطاء الرأي في سوريا”

“لا مكان لنشطاء الرأي في سوريا”

شهادة الناجي من المعتقلات السورية "كمال شيخو"

بواسطة wael.m
575 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

تقديم: ينتمي الصحفي “كمال شيخو” إلى محافظة الحسكة وتحديداً مدينة الدرباسية- أقصى شمال سوريا – وهو من مواليد العام 1979، انتقل إلى العاصمة دمشق في عام 2005 طالباً للدراسة في جامعتها ودرس في كلية الآداب (قسم علم الاجتماع) ومن ثمّ تطوع كناشط في مجال الدفاع عن القضايا الحقوقية في سوريا.

بدأ العمل في مهنة الصحافة منذ صيف العام 2006، وقد تعرّض للاعتقال قبل انطلاقة الثورة السورية مرتين على خلفية نشاطه المدني وعمله الصحفي، إضافة إلى عدّة “استدعاءات أمنية” ومنع بالعام 2007 من السفر خارج البلاد، كما حرم من الحقوق المدنية والسياسية.

اعتقل للمرة الأولى بداية العام 2007 بسبب إدارته لموقع “ثروة” المحظور في سوريا آنذاك. واستمر اعتقاله أسبوعاً.

يقول كمال:

“كانت المرة الأولى التي أدخل فيها “الزنزانة الانفرادية”.  قرأت كثيراً عنها وسمعت قصص العشرات من الأصدقاء ممن دخلوها قبلي إبان حكم الأسد الأب ولاحقاً الابن، لكنها كانت تجربتي الأولى.”

اعتقل كمال للمرة الثانية أواخر شهر حزيران/يونيو من العام 2010، وتحديداً بتاريخ 23 حزيران، حيث تمّ اعتقاله على الحدود السورية-اللبنانية. وقد أمضى تسعة أشهر رهن الاحتجاز. قضى منها ثلاثة أشهر في جهاز الأمن السياسي “فرع المدينة” و45 يوماً في الفرع 285 التابع لإدارة المخابرات العامّة (أمن الدولة)، أما الفترة الباقية فقضاها في سجن عدرا المركزي في دمشق.

تم تحويل كمال الى قاضي التحقيق العسكري “فرد أول” المعروف باستقباله ملفات “المعارضين السياسيين”، بعد ذلك تم تحويله إلى سجن عدرا، حيث أمضى تسعة أشهر. بعد شهرين من اعتقاله في سجن عدرا جاءه قرار الاتهام وفق المادة 286 و307 من قانون العقوبات وهو “وهن نفسية الأمّة وإضعاف الشعور القومي”.

وفي 8 من شهر شباط من العام 2011، أضرب كمال عن الطعام داخل السجن احتجاجاً على ايقافه التعسفي دون محاكمة، أمضى 24 يومياً دون طعام لكنه لم يلقَ اهتماماً لمطالبه فتوقف عن شرب المياه أيضاً بعد دخول إضرابه عن الطعام يومه الخامس والعشرون، وبعد 48 ساعة تقرر الافراج عنه بكفالة مالية وبضمان سند إقامته على أن يحاكم طليقاً من خارج السجن وذلك بتاريخ 14 آذار 2011 .

وحول أسباب هذا الاعتقال يقول كمال:

“كانت التهمة الأساسية إجراء مقابلات صحفية مع معارضين سوريين في الداخل والخارج، حيث كنت آنذاك أكتب مع نشرة “كلنا شركاء” ولكنّني أجزم أنّ السبب المباشر للاعتقال -حسب ملاحظاتي أثناء التحقيق في الأفرع الأمنية-كانت المقابلة التي أجريتها مع الدكتور والمعارض السوري “عارف دليلة”، بعد أنّ تمّ الإفراج عنه من المعتقلات السورية في نهاية العام 2009، وكنت قد أجريت المقابلة معه في شهر أيار من العام 2010 ويبدو أن السلطات قامت بتعميم اسمي على المعابر الحدودية بعد ذلك التاريخ.”

يعبّر كمال عن انطباعاته أثناء الاعتقال بالقول:

“من وجهة نظري، أعتقد أن السجن عبارة عن “مفردة” فأثناء فترة الاعتقال أحسست بأنّني كإنسان ألامس هذا المصطلح وذلك المكان بنفس الوقت. في هذا المكان من الاحتجاز والذي هو عبارة عن أربعة جدران وسقف، يبدأ المعتقل بالتساؤل المعمق حول ماهيات الوجود وأهمية الدفاع عن القناعات والتمسك بالمبادئ التي يؤمن بها، ومما كان يزيد من آلام الاعتقال أنك في السجن لأنك تعمل بالشأن العام ولديك آراؤك السياسية ومواقفك المخالفة للسلطة الحاكمة. وأنك تكتب لتفضح ولتدافع عن قضايا المظلومين. كان الموقف الوحيد الذي يشعرني بأنني لازلت على قيد الحياة أثناء الاعتقال هو وجود أصوات خارجية وحركة، سواء تنقل السجانين أثناء جلب الطعام أو السماح لي باستخدام دورات المياه لفترات قصيرة، كما كان تعذيب الآخرين يشعرني بالخوف تارةً، والتمسك بالقضايا التي أومن بها تارة أخرى. هذه اللحظات التي كنت أشعر بها تعادل “سنوات” في السجن، كل لحظة في السجن لا تقاس بأي مدّة زمنية، فالسجن هو فعلاً المكان الحقيقي للتحدي حول الأفكار التي يتبنّاها الإنسان، سواء إن اختار طريق الاستمرار بتبني هذه الأفكار والعمل والمثابرة من أجلها، أو إيجاد حياة شخصية أخرى بعيدة عن هذه الأنشطة المعارضة ومناهضة نظام الحكم القمعي. وللمفارقة فإن الإجابة عن هذه الأسئلة كانت تأتي بعد عملية الإفراج نفسها، حيث كنت أقرر دوماً ودونما تردد مواصلة الطريق التي بدأها المعارضون الأوائل وقررت أن أسير على نفس الدرب.”

كمال شيخو والثورة السورية:

تمّ الإفراج عن كمال شيخو بتاريخ 14 آذار/مارس 2011، حين اجتمع كمال-مصادفةً-مع عدد من النشطاء بتاريخ 15 آذار/مارس 2011 الذين كانوا يحضّرون لاعتصام أمام وزارة الداخلية للمطالبة بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين. وبحسب كمال كان “اعتصام الداخلية” يحمل مطلباً انسانياً واحداً وهو “الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين”، وكان عبارة عن اعتصام محدود الفترة الزمنية (من الساعة الثانية عشر ظهراً حتى الساعة الواحدة) وكان من المقرر أن يتم تشكيل وفد وإعطاء رسالة لوزير الداخلية من أجل المطالبة بالإفراج عنهم.

لكن البيان كان يحمل أيضاً مطلباً سياسياً إذ نص على إلغاء حالة الطوارئ آنذاك وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا والمحاكم الاستثنائية وغيرها من المبادئ التي كانت المعارضة السورية تطالب فيها. وقد قدّر عدد المعتصمين يومئذ ما بين 250 إلى 300 معتصم، وكان جلّهم من النشطاء والناشطات المعروفين في الوسط السياسي والحقوقي في سوريا، إضافة إلى عائلات لمعارضين سوريين كانوا رهن الاحتجاز آنذاك.

يصف كمال ما حدث يومها بالقول:

“قبل بدء الاعتصام بدقائق في 16 آذار/مارس 2011 هجم علينا العشرات من عناصر الشرطة والمخابرات بلباسهم العسكري (حفظ نظام) والمدني، وكان هنالك توحش كبير في طريقة فضّ الاعتصام، وقع بيننا حوالي 15 مصاباً في ذلك اليوم بسبب الضرب المباشر، كما اعتقل أكثر من مائة مشارك، وكنت من بينهم وكان هذا اعتقالي الثالث. تمّ تحويلنا إلى أحد الأفرع الأمنية التابعة للأمن العسكري (كان فرع الدوريات على الأغلب) وكان عددنا قرابة 35 ناشط وناشطة، حيث بتنا ليلة واحدة هنالك، وفي اليوم التالي تم تحويلنا إلى القضاء المدني ومنه إلى سجن عدرا المركزي، حيث بقيت محتجزاً حوالي شهرين ثم قاموا بالإفراج عنّي وكنت آخر المفرجين عنهم من بين تلك المجموعة.

تم توقيف كمال للمرة الرابعة في إحدى المظاهرات في منطقة الميدان في دمشق، لبضع ساعات، وبعد ذلك تعّرض للاعتقال للمرة الخامسة عقب مظاهرة في حي “ركن الدين” وكان ذلك في شهر آب من سنة 2011 عندما هجم عليه عناصر تبيّن له لاحقاً أنّهم “عمال البلدية” حيث انهالوا عليه بالضرب المبرح.

يقول كمال: “لا أتذكر تلك اللحظات كثيراً، من الدقائق الأولى للاعتقال والوصول إلى مخفر ركن الدين ومنه إلى الفرع (الأمن السياسي)، وذلك بسبب الاستمرار في الضرب الشديد خلال عملية الاعتقال نفسها. كان من بينهم عناصر تابعة للأجهزة الأمنية وكانوا يستعملون العصي في ضربنا وفي تفريق التظاهرة.

بقيت في ذلك الفرع لمدّة ثلاثة أيام ثم قاموا بالإفراج عني بعدها. كان الضرب الذي تعرّضنا له مفرطاً وغير متوقع، حتى أنهم عندما أخذونا إلى الفرع قاموا بتحويل البعض منا إلى المشافي بسبب الجروح الكبيرة والكدمات التي تعرضوا لها.

“شخصياً بقيت أكثر من عشرة أيام بعد الإفراج عني حتى تعافيت من الجراح ومن آثار التعذيب والضرب.”

اعتقل كمال بعدها للمرة السادسة مدة 48 ساعة في فرع التجسس التابع لإدارة أمن الدولة، بعد أن طلب منه أحد الأصدقاء المعارضين- وقد كان مطلوباً ومتوارياً عن الأنظار- أن يذهب إلى منزله ليجلب له حقائبه وأغراضه إذ كان ينوي السفر الى خارج سوريا. وعندما دخل الى المنزل تفاجأ كمال بعناصر المخابرات وهم ينهالون عليه بالضرب ولم يتوقفوا إلى أن اكتشفوا بأنه ليس الشخص المطلوب.

الاعتقال السابع (الأمن الجنائي):

أكثر الاعتقالات التي تعرّض فيها كمال للتعذيب كانت في صيف العام 2013 حيث تمّ اعتقاله بتاريخ 27 حزيران من قبل ما يسمّى “باللجان الشعبية” المنتشرة في الحي الذي كان يقطن فيه (حي المزّة 86)، حيث وشى أحد جيرانه بأن “صحفياً معارضاً” يسكن في الحيّ ويمارس “نشاطاً مشبوهاً”، فاقتادوه إلى الحاجز الرئيسي الذي نصبه مجموعة مسلحة من سكان الحيّ يطلقون على أنفسهم ” اللجان الشعبية”.

ويصف كمال ما جرى معه حينها بالقول:

عند وصولي إلى هذا الحاجز أخذ أحد العناصر بطاقتي الشخصية وأجرى مسحاً للمعلومات المتعلقة بها في قاعدة البيانات التي يملكها والمرتبطة بالأجهزة الأمنية الرئيسية في سوريا (المخابرات الجوية والعسكرية والعامة والأمن السياسي) فلم يجد أي دليل إدانة ضدّي، لكنه لاحظ بأنني ممنوع من السفر وبأن لدي توقيفات متكررة، فطلب من عنصر آخر البحث في قاعدة بيانات “الأمن الجنائي” فتبيّن له بأن لدي “حكم قديم مدته عشرة أيام” على خلفية مشكلة قديمة بيني وبين أحد الضباط في سجن عدرا المركزي بعد “تطاوله” عليّ ونعتني بصفات الخيانة والتعامل مع دول معادية وغيرها من التهم الجاهزة، مما دفعني إلى ضرب الطاولة بيدي ولسوء الحظ كسرت الطاولة وتمّ تحويلي بعدها إلى القضاء العسكري.

أسقط ذلك الضابط “حقّه الشخصي” ولكن بقي “الحق العام”، فتقرر حبسي لمدة عشرة أيام ولكنني لم أنفذ الحكم الصادر وبقي الحكم سارياً بحقي.

بعدها قام عناصر الحاجز بتسليمي إلى عناصر تابعة للأمن الجنائي والتي أمضت طوال الطريق (من الحاجز إلى فرع الأمن الجنائي بباب مصلى في وسط دمشق) بضربي ضرباً مبرحاً مما أدى إلى فقداني للوعي، وعند الوصول قاموا بأخذ الأغراض الشخصية التي كانت بحوزتي وأخذوا معلوماتي الشخصية ثم بدأوا بضربي مرة أخرى بواسطة أنبوب (أخضر اللون) دُرج على تسميته بين السجناء “الأخضر الإبراهيمي” تهكماً على خذلان الأمم المتحدة لقضيتهم. وبعد ذلك وضعوني في زنزانة مع العشرات من السجناء الآخرين.

في اليوم التالي قاموا بطلبي إلى التحقيق وبدأوا بتعذيبي بواسطة “بساط الريح”، وهو عبارة عن قطعتين متحركتين من الخشب، ربطوني عليهما بوضعية الصليب، ثم طرحوني أرضاً ورفعوا قدميّ ليبدأ شخص طويل وضخم جداً بضربي أسفل القدمين بشكل وحشي مما كان يسمح للألم بالتوزع على الحوض تحديداً وبقية أنحاء الجسم. حاولت في البداية عدّ الضربات واستطعت عدّ عشر ضربات لكنني فشلت في إكمال العد بسبب شدّة الألم وازدياد الضرب وقد أعقب ذلك فقداني للوعي.

جهاز التعذيب المعروف باسم “بساط الريح” الذي عثر عليه داخل مقر أمن الدولة في الرقة، سوريا، في أواخر أبريل/نيسان 2013.

© 2013 Bryan Denton ©HRW

كان هنالك أحد “المعتقلين” في هذا الفرع يساعد السجّان في الإمساك بي من أجل “استكمال” عملية الضرب، وعند الانتهاء قال لي أنّهم ضربوني أكثر من ستين مرة واستغرب “درجة التحمّل” لدي. وفي الأيام الثلاثة اللاحقة لم أستطع المشي بتاتاً على قدمي بسبب التورم وسيل الدماء، لكنّ السجناء القدامى نصحوني بتحريك أقدامي رغم الألم وذلك منعاً لأي التهابات أو تقرحات قد تحدث لي كما حدثت مع أعداد كبيرة أخرى من المعتقلين. كانت المرة الأولى التي أتعرّض فيها لهذا النوع من التعذيب، وبعد ثلاثة أيام قاموا بتعذيبي مرة أخرى بنفس الطريقة “بساط الريح”.

المرة الثانية التي عذبوني فيها بواسطة بساط الريح كانت مشابهة للمرة الأولى إلى حدّ كبير، لم يقوموا بسؤالي عن أيّ شيء أو الاستفسار عن أي حادثة وانهالوا عليّ بالضرب مباشرة، لم أعد أتذكر ما حدث بعد ذلك. جلّ ما أتذكّره أنّ المعتقلين حاولوا إيقاظي عن طريق رش الماء على جسمي، وطلبوا منّي الوقوف والحركة منعاً من تجمّع الدماء في قدمي. بعد مرور أربعة أيام على حفلة التعذيب هذه طلبوني إلى التحقيق مرة أخرى، ووضعوني بنفس الطريقة على خشبة “بساط الريح” وقبل أن يبدؤوا بعملية الضرب طلبوا مني الحديث عن كل ما أعرفه، آنذاك أدركت أنّ التحقيق قد بدء معي.

Basat al-reeh © hrw

في المهجع  الذي كنت فيه (غرفة عرضها ثلاثة أمتار وطولها حوالي الأربعة أمتار) كان عددنا يتراوح يومياً ما بين سبعين إلى مائة محتجز، ولم يكن هنالك مكان كافي لا للجلوس ولا النوم، كان هنالك شخص يبلغ من العمر حوالي 50 سنة، من قرية في منطقة القلمون وقد تم استخدام نفس طريقة التعذيب معه “بساط الريح” وعندما عاد إلى الغرفة كانت أسفل قدميه مفتوحتين بسبب الضرب بالكابلات والسياط، وبسبب شدّة التعذيب وعدم تحمله قاموا بتحويله إلى المشفى في ذلك اليوم وأعادوه في اليوم الثاني ولأنه لم يحتمل الألم وتورم قدميه وتجمع الدماء فيها فارق الحياة أمامنا بعد أقل من ساعتين على مجيئه…

كان شعوراً غريباً أن ترى شخصاً ما يموت أمامك بسبب التعذيب وأنت عاجز على فعل شيء أو تقديم المساعدة، لقد ولّدت هذه الحادثة شعوراً عاماّ لدى الجميع مفاده أننا جميعاً في عداد الموتى بسبب التعذيب أو الضغط النفسي.

بقيت في هذا المكان من تاريخ 27 حزيران 2013 إلى تاريخ 25 تموز 2013، وأفرج عني من القضاء العسكري بعد دمج مدة توقيفي في الأمن الجنائي مع حكم المحكمة الغيابي الذي أوقفت من أجله.

كمال شيخو …

لمشاهدة فيديو قصير عن قصة الناجي “كمال شيخو” يرجى الضغط هنا.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد