الرئيسية تحقيقات مواضيعية في “اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب” ناجون سوريون يتحدثون عن تجارب اعتقالهم وآثارها النفسية والجسدية

في “اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب” ناجون سوريون يتحدثون عن تجارب اعتقالهم وآثارها النفسية والجسدية

"يجب على الأمم المتحدة والحكومات والمنظمات الدولية وضع استراتيجيات طويلة الأمد للتعامل مع قضيّة الناجين من الاعتقال في سوريا"

بواسطة wael.m
975 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

خلفية:

يصادف يوم 26 حزيران/يونيو من كلّ عام اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، حيث أعلنت الجمعيّة العامّة في قرارها رقم 52/149 المؤرّخ بتاريخ 12 كانون الأوّل/ديسمبر 1997، يوماً دوليّاً لمساندة ضحايا التعذيب وذلك بهدف القضاء التام على التعذيب وتحقيقاً لفعاليّة أداء اتفاقيّة مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة.

والتعذيب جريمة بموجب القانون الدولي. وهو محظور تماماً وفق جميع الصكوك ذات الصلة، ولا يمكن تبريره في ظل أية ظروف. وهو حظر يشكل جزءاً من القانون العرفي الدولي، ويعني ذلك أنه يلزم كل عضو من أعضاء المجتمع الدولي، دون اعتبار لما إذا كانت الدولة قد صادقت على المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب صراحة أو لم تصادق عليها. وتشكل ممارسة التعذيب على نحو منتظم وبشكل واسع النطاق جريمة ضد الإنسانية.

ومع بداية الاحتجاجات في سوريّا في آذار/مارس 2011 بدأت الحكومة السوريّة وعبر أجهزتها الأمنيّة باعتقال عشرات الآلاف من المحتجّين بشكل عشوائي، ورغم أنّ معظم الاعتقالات التي حدثت في الأشهر الأولى للانتفاضة كانت أقلّ وطأةَ ممّا بدت عليه في الأشهر والسنوات اللاحقة، إلّا أنّ النسبة الساحقة من المحتجزين تعرّضوا إلى عمليّات سوء معاملة وتعذيب ممنهجة داخل مراكز الاحتجاز السورية والعلنية، وذلك قبل أن تنضم جهات أخرى (مختلفة عن الأجهزة الأمنية السورية) إلى الجهات التي تقوم بإهانة وضرب وتعذيب المعتقلين في سوريا.

لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا، والتي تمّ إنشاؤها في آب/أغسطس 2011، كانت قد أصدرت تقريراً موسعاً حول عمليات التعذيب الممنهجة في سوريا في شهر شباط/فبراير 2016 بعنوان "بعيداً عن العين، بعيداً عن الخاطر .. الوفيات أثناء الاحتجاز في الجمهورية العربية السورية" قالت فيه أنّ المحتجزون لدى الحكومة السوريّة تعرّضوا للضرب حتى الموت أو ماتوا نتيجة إصابات من جراء التعذيب، وهلك آخرون نتيجة الظروف المعيشية اللإنسانية. وقال التقرير أنّ الحكومة السوريّة ارتكبت جرائم ضدّ الإنسانية تتمثل في الإبادة والقتل والاغتصاب أو غيره من أشكال العنف الجنسي والتعذيب والسجن والاختفاء القسري وغير ذلك من الأعمال اللإنسانية. واستناداً إلى هذا السلوك فقد تمّ أيضاً ارتكاب جرائم حرب.

وكانت منظمات دولية عديدة أصدرت العشرات من التقارير التي تتحدث عن أهوال أماكن الاحتجاز والتعذيب وعمليات القتل الذي يتعرّض له المحتجزون في سوريا، ففي شهر كانون الأول/ديسمبر 2015 أصدرت منظمة هيومان رايتس وتش تقريراً بعنوان "لو تكلّم الموتى .. الوفيات الجماعية والتعذيب في المعتقلات السورية" وهو تقرير يحكي قصص بعض الضحايا الذين ماتوا في المعتقلات الحكومية السورية وظهروا في صور المنشق العسكري "قيصر". يوثق بحث "هيومن رايتس ووتش"، الذي استغرق 9 أشهر، أسماء الضحايا وظروف احتجازهم المرعبة، من خلال مقابلات مع معتقلين سابقين ومنشقين وأقارب الضحايا، بالإضافة إلى تقنيات الطب الشرعي وتحديد المواقع الجغرافية.

الإطار القانوني:

أولا: القوانين الدولية ذات الصلة:

١- القانون الدولي لحقوق الإنسان:

يطبق القانون الدولي لحقوق الإنسان في وقت السلم وبعضه في وقت الحرب. ومع اختلاف الكثيرين عن ما هي حقوق الإنسان التي تعطل في وقت الحرب، يعدّ حظر التعذيب أحد الأمور التي لا يختلف عليها من ناحية تطبيقها في السلم أو الحرب، فهو محرم في كلاهم.  وأدناه أهم الاتفاقيات فيما يخص حظر التعذيب:

أ- اتفاقية مناهضة التعذيب:

تقول المادّة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب  التي تمّ اعتمادها من قبل الجمعيّة العامّة في قرارها رقم 39/46 المؤرخ في 10 كانون الأول / ديسمبر 1984 في تعريفها لعمليّة التعذيب ما يلي:

"أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو، أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أياً كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية."

كما تطلب الاتفاقيّة من الدول حظر أي أعمال أخرى من أعمال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة والتي لا تصل إلى حد التعذيب.

كما أن هذه الاتفاقية تعد من أكثر الاتفاقيات الموقعة حيث بلغت الدول الأطراف في الاتفاقيّة 144 دولة بما فيهم سوريّا التي وقعّت على الاتفاقيّة في العام 2004 وتحفّظت على أحد المواد/البنود فيها.
                ب- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:

يؤكّد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المؤرّخ في 16 كانون الأوّل/ديسمبر 1966 على أنّه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطّة بالكرامة. وذلك في مادته السابعة من جزئها الثاني، على أنّه عاد وكرّر في مادته العاشرة من الجزء ذاته على ضرورة معاملة جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانيّة. ويعتبر هذا العهد أوّل معاهدة عالميّة لحقوق الإنسان تنصّ صراحةً على حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة.

ج – الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

وكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948 -مع أنه إعلان غير ملزم- سبّاقاً في الحديث عن التعذيب وحظره، فقد قال في مادّته الخامسة إنّه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو الحاطّة بالكرامة.

د- الميثاق العربي لحقوق الإنسان:

أمّا عربيّاً، فإنّ الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر في العام 2004 قد حظر بدوره التعذيب سواءً التعذيب البدني أو النفسي حيث قال في مادّته الثامنة ما يلي:

  1. يحظر تعذيب أي شخص بدنياً أو نفسياً أو معاملته معاملة قاسية أو مهينة أو حاطة بالكرامة أو غير إنسانية.

  2. تحمي كل دولة طرف كل شخص خاضع لولايتها من هذه الممارسات، وتتخذ التدابير الفعالة لمنع ذلك وتعد ممارسة هذه التصرفات أو الإسهام فيها جريمة يعاقب عليها لا تسقط بالتقادم. كما تضمن كل دولة طرف في نظامها القانوني إنصاف من يتعرض للتعذيب وتمتعه بحق رد الاعتبار والتعويض.

٢- القانون الدولي الإنساني:

إن القانون الدولي الإنساني هو القانون الواجب التطبيق في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية (كالتي في سوريا). إن هذا القانون هو ملزم لجميع أطراف النزاع من الدول وغيرها، سواء وقعت على الاتفاقيات ذات الصلة أم لم توقع، كون أن هذا القانون يعتبر قانون عرفي والذي بدوره ويعد أحد مصادر القانون الدولي بحسب محكمة العدل الدولية.

 ففي النزاعات غير الدولية كالتي في سوريا يحظر التعذيب طبقا للمادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربعة، وهي من أهم الاتفاقيات الخاصة بالقانون الدولي الإنساني 

وتوضح دراسة للجنة الدولية للصليب الأحمر في القانون العرفي (القاعدة ٩٠) أن التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية، والاعتداء على كرامة الإنسان، وبوجه خاص المعاملة المهينة والمحطة من قدر الإنسان محظور ومن الجدير بالذكر أن التعذيب محظور تجاه المدنيين والمقاتلين على حد سواء.

ومن المهم التركيز على أنه ليس من يرتكب التعذيب وحده هو المستهدف، بل أيضا القادة مسؤولون عن الجرائم التي ترتكب بناء على أوامرهم حسب القاعدة ١٥٢ من دراسة اللجنة الدولية. أما القاعدة ١٥٣ فهي تبني على القاعدة السابقة وتضيف:

"القادة والأشخاص الآخرون الأرفع مقاما مسؤولون جزائيا عن جرائم الحرب التي ّ يرتكبها مرؤوسوهم إذا عرفوا، أو كان بوسعهم معرفة أن مرؤوسيهم على وشك أن يرتكبوا أو كانوا يقومون بارتكاب مثل هذه الجرائم ولم يتخذوا كل التدابير اللازمة والمعقولة التي تخولها لهم سلطتهم لمنع ارتكابها أو لمعاقبة الأشخاص المسؤولين عنها إذا ارتكبت مثل هذه الجرائم"

وأخيرا فإن القاعدة ١٥٤ تشدد أنه على كل مقاتل واجب ألا يطيع أمرا من الواضح أنه غير قانوني مثل التعذيب.

٣- قرارات مجلس الأمن:

كما أدانت الكثير من قرارات مجلس الأمن التعذيب. ومن ضمن تلك القرارات في السياق السوري ٢١٩٣ و ٢٣٣٢ و ٢٢٥٨ التي أدانت التعذيب بلغة قوية و صارمة.

ثانيا: التعذيب وحظر الإعادة القسرية:

إضافة إلى تجريم التعذيب، فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان يحظر على الدول إعادة أشخاص إلى دول قد يتعرضون فيها للتعذيب. المادة الثالثة في اتفاقية مناهضة التعذيب توضح أنه:

"لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أى شخص أو تعيده ("ان ترده") أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، اذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب."
 

ثالثا: التعذيب والمحاكم الدولية:

إن أبرز المحاكم الدولية، مثل محكمة الجنايات الدولية، والمحاكم الدولية الجنائية الخاصة برواندا ويوغوسلافيا، جميعها تجرم التعذيب. فالمحكمة الجنائية الدولية، في المادة السابعة والثامنة تدرج التعذيب ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إذا ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو بشكل ممنهج.

وهنا أيضاً يجب التركيز على أنه ليس فقط من يقوم بالتعذيب هو المدان.  فإن المادة ٢٨ من اتفاقية روما التي أنشأت المحكمة الدولة تعنى بمسؤولية القادة والرؤساء الآخرين وهي تشمل:

أ )  إذا كان ذلك القائد العسكري أو الشخص قد علم , أو يفترض أن يكون قد علم، بسبب الظروف السائدة في ذلك الحين، بأن القوات ترتكب أو تكون على وشك ارتكاب هذه الجرائم.

ب)  إذا لم يتخذ ذلك القائد العسكري أو الشخص جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة.
 

رابعاً: التعذيب والولاية القضائيّة العالميّة:

المقصود بالولاية القضائية العالمية هي أن تقبل المحاكم المحلية لبعض الدول الاختصاص في قضايا لم تحصل على أراضيها. إنّ اتفاقيّة مناهضة التعذيب تُلزم الدول الأطراف بممارسة ولايتها القضائيّة لمحاكمة شخص يشتبه في ارتكابه التعذيب، أو لتسليم ذلك الشخص إلى دولة سيحاكم فيها. لقد ركّزت لجنة مناهضة التعذيب بشكل متزايد على هذه المسألة في مناقشاتها مع الدول الأطراف، والآن تضيف بصورة منتظمة في ملاحظاتها الختاميّة توصية تدعو الدول الأطراف التي لم تدخل تشريعات تنص على الولاية القضائيّة العالميّة لجريمة التعذيب للقيام بذلك.[1]

وفي السياق السوري، تمت محاكمة مقاتل سابق يتبع للمعارضة في السويد بسبب قيامه بتعذيب أحد المقاتلين المحتجزين في السوري، مما يظهر أن التعذيب حتى تجاه المقاتلين محرم. وفي سياق اخر، فإن جرم التعذيب لا يمكن أن يسقط بسبب قانون عفو عام في البلد الذي وقع فيه، كما ظهر في حكم محكمة فرنسية في قضية تخص مقاتل من موريتانيا.

خامساً: واجب الإنصاف ومنح التعويض للضحايا في القانون الدولي:

تفرض كل من اتفاقيّة الأمم المتحّدة لمناهضة التعذيب والعهد الدولي للحقوق المدنيّة والسياسيّة التزاماً على الدول الأطراف بمنح التعويض الكافي لضحايا التعذيب أو سوء المعاملة.

  1. اتفاقيّة لمناهضة التعذيب: تنص المادّة 14 من اتفاقيّة الأمم المتّحدة لمناهضة التعذيب على ما يلي:

"تضمن كل دولة طرف، في نظامها القانوني، إنصاف من يتعرّض لعمل من أعمال التعذيب وتمتّعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، وفي حالة وفاة المعتدى عليه نتيجة لعمل من أعمال التعذيب، يكون للأشخاص الذين كان يعولهم الحق في التعويض."

وترى لجنة مناهضة التعذيب أنّ "الحق في الإنصاف الفعّال نتيجة انتهاك الاتفاقيّة يشكّل أساس الاتفاقيّة برمّتها، وإلّا فإنّ الاتفاقيّة نفسها تحدّد تدابير قانونيّة لانتهاكات محدّدة، ولكنّها عندما لا تحدّد ذلك، فإنّ اللجنة سوف تفسّر أنّ النص الموضوعي يحوي داخله على تدبير قانوني في حال الإخلال به.

  1. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسية: تنص المادّة (2/3 في الجزء الثاني) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة على ما يلي: تتعهّد كل دولة طرف في هذا العهد:

  1. بأن تكفل توفير سبيل فعّال للتظلّم لأيّ شخص انتهكت حقوقه أو حريّاته المعترف بها في هذا العهد، حتّى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرّفون بصفتهم الرسميّة.

  2. أن تكفل لكل متظلّم على هذا النحو أن تبت في الحقوق التي يدعى انتهاكها سلطة قضائيّة أو إداريّة أو تشريعيّة مختصّة، أو أيّة سلطة مختصّة أخرى ينص عليها نظام الدولة القانوني، وبأن تنمى إمكانيّات التظلّم القضائي.

  3. بأن تكفل قيام السلطات المختصّة بإنفاذ الأحكام الصادرة لمصالح المتظلّمين.
     

مقدمة:

أصبح ملف الاعتقال التعسّفي والاختفاء القسري والتعذيب والقتل في مراكز الاحتجاز واحداً من أهم وأكبر الملفّات التي خلّفها النزاع السوري، حيث تقدّر المنظّمات الحقوقيّة السوريّة والمنظّمات الدوليّة وبعض أجهزة الأمم المتّحدة أعداد المواطنين الذين تعرّضوا إلى الاعتقال منذ العام 2011 بعشرات الآلاف، وربّما بمئات الآلاف. على أنّه لا توجد إحصائيّة دقيقة لأعداد الفئات المذكورة ولا للجهات التي تقف خلف هذه الانتهاكات جميعها، وهو ما أدّى إلى تعقيد الملف بشكل أكبر وخاصة بعد ظهور أطراف أخرى خلال السنوات الست الماضية من عمر النزاع، إلّا أنّ جميع التقديرات تشير إلى مسؤوليّة الحكومة السوريّة والأجهزة الأمنيّة التابعة لها بالقيام بالنسبة الأكبر من عمليّات الاعتقال والإخفاء القسري والتعذيب، ولكن بالمقابل يوجد جهات ارتكبت انتهاكات مماثلة "ولو بأعداد أقل" كالتنظيمات الإسلاميّة المتطرّفة مثل (هيئة تحرير الشام – جبهة النصرة سابقاً – والتنظيم الذي يطلق على نفسه اسم الدولة الإسلاميّة والمعروف باسم تنظيم "داعش") إضافة إلى فصائل مسلّحة تابعة للمعارضة السوريّة، وعدا عن ذلك فقد تمّ توثيق حالات اعتقالات تعسفية على يد الأجهزة الأمنيّة التابعة للإدارة الذاتيّة في شمال سوريا وبالأخص جهاز الأسايش.

يحاول هذا التقرير تسليط الضوء بشكل أعمق على معاناة المعتقلين والمختفين قسراً والمعذّبين بشكل خاص بعد عمليّة الإفراج عنهم، ورغم أنّ التقرير سوف يسلّط الضوء على الممارسات المرتكبة بحقّ المعتقلين داخل مراكز الاحتجاز وأسباب الاعتقال، إلّا أنّه سوف يحاول سرد العديد من شهادات وقصص الناجين من الاعتقال والتركيز على الآثار الجسديّة والنفسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة أيضاً، والجهود المبذولة لتقديم الدعم سواء المادي أو النفسي لهم.
 

المنهجية والتحدّيات:

قام الفريق القائم على التقرير بإجراء لقاءات مع أكثر من (15) معتقل/معتقلة، إضافة إلى مقابلة عدّة جهات مختصّة بتقديم الدعم المادي والنفسي للناجين من الاعتقال، وعدد من الخبراء المطلعين على ملف الاعتقال التعسفي والتعذيب في سوريا بشكل عام. وخبير قانوني دولي. أمّا طريقة اختيار الأشخاص الناجّين فقد تمّت بطريقة حاول الفريق فيها أن يراعي معايير التنوّع والاختلاف سواءً جغرافيّاً أو زمنياً أو من حيث الجهة التي قامت بالانتهاك الأمر الذي ساهم في إغناء التقرير. إلّا أنّ الفريق واجه تحديّات عديدة أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر، صعوبة الوصول إلى عدد أكبر من الناجين وخاصّة من المعتقلات لأسباب لا يمكن سردها الآن، إضافة إلى صعوبة التواصل مع جهات عديدة متناثرة في دول الجوار السوري والتي تعمل في مجال تقديم الدعم النفسي أو المعنوي للناجين.

يحاول هذا التقرير وبمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب تسليط الضوء على معاناتهم والتي تستمر لأشهر عديدة بعد انتهاء تجربة الاعتقال، بل ربّما لسنوات، وسوف نقوم بإيراد بعض التوصيات التي خلص إليها الفريق في نهاية التقرير إضافة إلى بعض النتائج والاستنتاجات.
 

أولاً: أثر التعذيب على الضحايا:

تختلف الآثار التي يسبّبها الاعتقال التعسّفي في سوريا وما يرافقها من انتهاكات خطيرة مثل (الحرمان من الحريّة والتعذيب والاختفاء القسري والتجويع والحرمان من الرعاية الصحيّة وغيرها من انتهاكات)، إلاّ أنّه وفي حالات كثيرة، فإنّ تلك الآثار لا تقتصر على المعتقل نفسه ولكن تتعدّاه إلى البيئة المحيطة فيه سواء عائلته القريبة أو إلى المجتمع بأسره، وسوف نحاول خلال الفقرات التالية إيراد بعض الآثار التي خلّفها الاعتقال وارتأى أصحابها الحديث عنها.

     أ – الأثر الجسدي للتعذيب والاعتقال:

عادةً ما يكون أثر التعذيب الجسدي للمعتقلين أكثر وضوحاً من أثر التعذيب النفسي، وذلك بسبب أساليب التعذيب الوحشيّة التي يتعرّض لها المحتجزون خلال فترة الاعتقال. وبالرغم من أنّ معظم عمليّات الضرب والتعذيب بحقّ المحتجزين تحدث في الساعات الأولى للتوقيف وخلال الأيّام الأولى للاحتجاز أثناء عمليّات التحقيق والاستجواب ومحاولة سحب اعترافات بالإكراه إلّا أنّ العديد من المعتقلين أخبروا سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة عن مراكز احتجاز عديدة كان التعذيب الجسدي فيها مستمرّاً حتّى بعد انتهاء فترة "التحقيق".

أحمد )وهو اسم مستعار لأحد الناجين الذين رفضوا الكشف عن هويتهم لأسباب أمنيّة( قال في شهادته لسوريّون من أجل الحقيقة والعدالة أنّ بعض آثار التعذيب ما زالت موجودة على جسده والتي حدثت خلال فترة توقيفه التي قضاها في سجن تدمر العسكري في محافظة حمص في عام 2012 وقد أشار أحمد إلى وجود فتق في منطقة الحجاب الحاجز والمعدة والمريء إضافةً إلى مشاكل أخرى في التنفّس بسبب عمليّات التعذيب. وأضاف:

"مازلت أعاني من مشكلة في الذاكرة، ومشكلة في التنفّس وهي تمنعني من الركض في الوقت الحالي وتسبب لي إرهاقاً شديداً خلال عمليّة صعود الدرج، ومع الأسف لم أتلقَ أي دعم مالي أو صحّي أو نفسي بعد عمليّة الإفراج عنّي سواء في سوريا أو في دول الجوار."

أحمد سمير وهو أيضاً أحد المعتقلين السابقين الذين أدلوا بشهادتهم لسوريّون من أجل الحقيقة والعدالة حيث تحدّث عن تجربة اعتقاله الأول في العام 2011 واعتقاله الثاني في العام 2012. أحمد تحدّث عن اشتراك رئيس فرع الأمن العسكري في دير الزور "جامع جامع" بشكل شخصي في عمليّة ضربه وتعذيبه قائلاً:

"كان رئيس الفرع (جامع جامع) مشرفاً بنفسه على عمليّة تعذيبي، ثمّ شارك فيها بشكل مباشر عندما انهال عليّي بالضرب وكسر جميع أسناني السفلية بيده."

 أمّا الاعتقال الثاني لأحمد فقد كان على يد جهاز المخابرات الجويّة في دمشق وذلك في شهر أيلول/سبتمبر من العالم 2012، قبل أن يتم تحويله إلى سجن صيدنايا العسكري، وبحسب أحمد فقد كان التعذيب في سجن صيدنايا العسكري يتم بشكل يومي وبدون سبب أي أنّه لم يكن هناك استجواب أو تحقيق خلال عمليّة الضرب. ويصف أحمد "كرسي الاعتراف" كأحد طرق التعذيب قائلاً:

"تعرضت للضرب، والتعذيب بالكهرباء أكثر من مرّة، ولكن كرسي الاعتراف كان "مميّزاً"، فهو كرسي يحتوي على مفصّلات متحركة في ظهر الكرسي الذي يجلس عليه المعتقل وأثناء الضرب والإرغام على الاعتراف يعود ظهر الكرسي إلى الخلف فيشعر المعتقل أنّ ظهره يتكسّر بواسطته، لا زلت أعاني من ألم في ظهري حتى الآن."

إنّ المبدأ الذي يتحدّث عنه الشاهد أحمد في شهادته حول "كرسي الاعتراف" يشابه المبدأ الذي تقوم عليه طريقة التعذيب المعروفة باسم "الكرسي الألماني" والذي يتمحور حول لي جسم المعتقل بطريقة عكسية بحيث تصبح خلفية الرأس أقرب إلى الأقدام وهو ما يسبب آلاماً رهيبة قد تفضي في مرات كثيرة إلى كسر في بعض فقرات العمود الفقري.

صورة تعبيرية أخرى توضّح طريقة التعذيب التي تسمّى "الكرسي الألماني" ورغم أن هنالك شهادات متعددة حول طريقة وضع الكرسي، إلاّ أن جميع الشهادات أكدّت أن الهدف الأساسي هو لي (طوي) جسم المعتقل بشكل معكوس (الرأس باتجاه أسفل القدم) وهو ما يشكّل ألماً غير معقول إضافة إلى أضرار جسدية بالغة قد تصل أحياناً إلى كسور في فقرات الظهر.

يتحدّث أحمد أيضاً عن آثار التعذيب الباقية على جسده والتي مازال يعاني منها قائلاً:

"هناك عدّة آثار للتعذيب على جسدي لا تزال واضحة، حيث أنّني مازلت أعاني من ضرر في الكلية اليسرى، وأعاني حتّى الآن من نزول بعض الدم أثناء عمليّة التبوّل. هذا عدا فقداني لأسنان فكّي السفليّة، وألم دائم في منطقة الظهر. وجميع هذه الآثار تحتاج إلى عناية ورعاية صحيّة وطبيّة."

صورة خاصّة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة زوّدنا بها المعتقل السابق أحمد سمير توضّح بعض آثار التعذيب الظاهرة على جسده علماً أنّ الصورة تمّ التقاطها بعد شهر من الإفراج عنه (تمّ الإفراج عنه في شهر أيلول/سبتمبر 2013)

عمّار وهو اسم مستعار لأحد المعتقلين السابقين الذين تعرّضوا للاعتقال على يد الأجهزة الأمنيّة السوريّة، لثلاث مرات كانت الأولى لمدّة 9 أيّام في العام 2011، تلاه الاعتقال الثاني لمدّة 11 يوم في العام 2012، أمّا الاعتقال الثالث -وهو الأطول- فقد امتدّ لفترة 11 شهراً وكان في العام 2015. أمّا الأفرع الأمنيّة التي انتقل عمّار بينها خلال فترات اعتقاله فكانت:

  • فرع الأمن الجنائي في دمشق، ساحة باب مصلّى.

  • فرع فلسطين في دمشق، وهو معروف باسم الفرع 235 ويتبع عمليّاً لشعبة المخابرات العسكريّة (الأمن العسكري).

  • فرع الأمن السياسي في ريف دمشق.

يلخّص عمّار تجارب الاعتقال التي تعرّض لها قائلاً:

"لقد عانيت من مشقّة الاعتقال والتعذيب في تجارب الاعتقال الثلاث، فقد تعرّضت للعديد من ممارسات التعذيب والإهانة والضرب، وتنوّعت أساليب التعذيب ما بين "طريقة الدولاب" وإطفاء أعقاب السجائر في جسدي. أمّا الأكثر إيلاماً فقد كان موضوع الإهانة؛ فقد مورست بحقنا أساليب عدة كانت ذا تأثير طويل الأمد علينا مثل الحبس لفترات طويلة في المرحاض، والشتائم التي كانوا يكيلونها لنا، وإجباري على التوقيع على اعترافات كاذبة كان منها تراّسي لمجموعة إسلاميّة مسلّحة رغم أنّني ناشط مدني علماني سلمي، وكانت هذه التهمة من أكبر التهم التي تمّ توجيهها إلي وأكثر تعذيباً لي."

لم يخلّف اعتقال عمّار عاهات دائمة لكّنه خلّف بعض الآثار على جسده مثل الحرق بأعقاب السجائر والجروح التي أصيب بها، وبحسب عمّار فهي مازالت تذكّره حتّى يومنا هذا بفترة اعتقاله.

"الدولاب" أحد طرق التعذيب المتبعة أيضاً في مختلف أقبية الأجهزة الأمنية السورية، حيث يتمّ وضع المعتقل في عجلة فارغة وتبدأ عملية التحقيق المترافقة بسيل كبير من الشتائم والضرب على كافة أنحاء الجسم بوسائل مختلفة مثل السياط والعصي والصعق الكهربائي، وعند وضع المعتقل في هذا الدولاب يعجز عن القيام بأي حركة أو فعل.

فقدان/نقص الوزن بكميّات كبيرة ظاهرة منتشرة أيضاً بين المحتجزين وذلك بسبب عمليّات التجويع التي يتعرّضون لها وكمّية الطعام القليلة جداً التي يتمّ تقديمها للمحتجزين، فقد أكّد جميع من تمّ اللقاء بهم من أجل هذا التقرير فقدانهم لأوزانهم بحسب طول فترة الاعتقال.

محمّد (وهو اسم مستعار لأحد المعتقلين) الذين تمّ اعتقالهم على يد جهاز المخابرات العسكريّة (الفرع 215 وهو معروف أيضاً باسم سرية المداهمة والاقتحام ويقع في شارع 6 آيار بدمشق) في العام 2013، تحدّث عن تجربته قائلاً:

"فقدت 14 كيلوغراماً أثناء الاعتقال، وكنت أعاني من مرض الجرب الجلدي بشكل كبير حيث انتشر في كامل أنحاء جسدي ترافق مع ظهور بقع جلديّة. وقد استغرقت عمليّة علاجي بعد الإفراج عنّي 10 أيّام بمساعدة طبيب للأمراض الجلديّة، ولكن إلى الآن لا تزال آثار حروق أعقاب السجائر وآثار البقع الجلديّة ماثلةً على جسدي."

  • تقصّد إيقاع أكبر قدر من الإيذاء:

تمّ اعتقال أيمن (وهو اسم مستعار) في شهر شباط/فبراير 2015 على حاجز تابع للدفاع الوطني[2] في منطقة قدسيا بريف دمشق، وتمّ اقتياده بعد ذلك إلى فرع الدفاع الوطني "وهو فرع حديث المنشأ" ويقع في مقر قيادة الحرس الجمهوري سابقاً الكائن في جبال المزّة، وبحسب أيمن فإنّ هذا المركز يحتوي على سجنين وهما: سجن المركز والسجن الرئيسي.

تحدّث أيمن لسوريّون من أجل الحقيقة والعدالة عن تجربة اعتقاله قائلاً:

"لقد ذقت شتّى أنواع التعذيب في الأفرع الأمنية التي تمّ تحويلي إليها جميعها، وتنوّعت وسائل التعذيب من الشبح[3] إلى الدولاب[4] إلى التعذيب بواسطة الصعق الكهربائي، إضافةً إلى الضرب بواسطة السياط/الكابلات والعصي، وكان الحرمان من النوم والحرمان من الطعام والحرمان من "قضاء الحاجة" أحد طرق التعذيب المتّبعة أيضاً في تلك الأفرع. لقد عانيت الكثير من الأمراض خلال فترة الاعتقال وبعده، وكان من الملفت أنّ السجّانين خلال عمليّة الضرب كانوا يتقصّدون إنزال أكبر قدر من الإيذاء بحق المعتقلين، فعلى سبيل المثال: كان يتم ضربنا على منطقة الظهر والخصيتين، وبسبب ذلك عانيت من خروج دم أثناء التبوّل لمدّة شهر كامل، هذا عدا عن آلام في الظهر والصدر والمعدة، إضافةً إلى الأمراض الجلديّة وكسر في أحد العظام وأحد الأسنان. ومع الأسف لم أستطع الحصول على أي علاج لحد الآن."

"الشبح" إحدى طرق التعذيب الشائعة خلال جلسات التحقيق في الأجهزة الأمنية السوريّة وأطراف النزاع الأخرى في سوريا، حيث يتم تعليق المعتقل من يديه لساعات طويلة، تلامس قدماه الأرض بشكل بسيط وفي أحايين أخرى تكون الأرجل بعيدة عن الأرض.

  • التعذيب لا يفرّق بين رجال أو نساء:

الناجية صباح (وهو اسم مستعار لأحد المعتقلات) والتي تمّ اعتقالها في شهر شباط/فبراير 2012 حيث كانت تقوم بنقل مساعدات طبيّة للمناطق المنكوبة في حمص قادمة من دمشق، حين قامت العناصر العسكريّة الموجودة في حاجز بلدة (قارة) بتوقيفها قبل أن يتم اعتقالها واقتيادها إلى السجن المركزي في حمص ومنه إلى فرع الأمن السياسي في مدينة حمص، تقول صباح في هذا الصدد:

"تعرّضت للضرب خلال فترة الطريق، أي من مكان حاجز (قارة) حتّى سجن حمص المركزي. وعندما تمّ تحويلي إلى فرع الأمن السياسي في مدينة حمص، كنت معصوبة العينين حيث أ

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد