أصدرت حكومة الإنقاذ[1] التابعة لهيئة تحرير الشام[2] قراراً ينصّ على منع الطلاب الحائزين على شهادات التعليم الأساسي/الإعدادية الصادرة عن الحكومة السورية (حكومة دمشق) من استكمال تعليهم الثانوي في أي مدرسة تقع تحت سيطرة هيئة تحرير الشام عسكرياً وحكومة الإنقاذ خدمياً.
ففي تاريخ 16 شباط/فبراير 2019 أصدرت وزارة التربية والتعليم في حكومة الإنقاذ قراراً نص على منع استقبال الطلاب الذين يتقدمون لامتحان المرحلة الإعدادية/شهادة التاسع/شهادة التعليم الأساسي- في مراكز امتحانية تابعة للحكومة السورية لعام 2018/2019- في ثانويات تقع في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام وتحت إشراف حكومة الإنقاذ، كما نصّ القرار على وجوب مقاضاة كل شخص يثبت مساعدته للطلاب في تسجيلهم لدى المراكز الامتحانية التابعة للحكومة السورية. وحمل القرار رقم ص/192 وتوقيع وزير التربية والتعليم عبد الحفيظ جواد.
وحول توضيح "الإحالة إلى القضاء" والإجراءات المترتبة على ذلك، أوضح "ملهم الأحمد" العضو في المكتب الإعلامي التابع لحكومة الإنقاذ ما يلي:
"من يخالف القرار الصادر سيتم إحالته للقضاء الخاص بنا في حكومة الإنقاذ، ويتم تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وتحديد الحكم أو العقوبة هو من اختصاص القضاة."
الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة تحدث إلى "علي قسوم" مدير دائرة الامتحانات في مديرية التربية الحرة، والذي أوضح أعداد الطلاب المتضررين من قرار حكومة الإنقاذ كما يلي:
"إن أعداد الطلاب المتوقع أن يتقدموا لامتحان الشهادة الإعدادية لدى حكومة النظام يقدر بـ600 طالب/طالبة، أما الشهادة الثانوية فيقدر عددهم ب400 طالب/طالبة."
وتابع:
"يقدر عدد الطلاب المفترض تقدمهم لامتحان نيل الشهادة الإعدادية/التعليم الأساسي لدى مديرية التربية الحرة -مستقلة لا تتبع لأي جهة- للعام الدراسي 2018/2019، بنحو 20 ألف طالب/طالبة، أما في شهادة التعليم الثانوي يقدر بنحو 10 آلاف طالب/طالبة، وجاءت التقديرات هذه بناء على أعداد المتقدمين في العام الدراسي الفائت."
الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قال إن مديرية التربية الحرة لا تتبع لأي جهة سياسية أو عسكرية، وتتلقى دعمها من منظمات دولية وإغاثية ضمن مشاريع سنوية وتعمل بعض المدارس التابعة لها دون دعم بشكل نهائي في حين يتلقى قسماً منها دعماً جزئياً، وعلى الرغم من سيطرة هيئة تحرير الشام على المنطقة عسكرياً وبالتالي حكومة الإنقاذ خدمياً، إلا أن الأخيرة لم تتدخل بشكل مباشر وعلني في عمل مديرية التربية كي لا تتعرض لفقد الدعم.
صورة عن شهادة تعليم أساسي صادرة عن "مديرية التربية الحرة" لعام 2018، مصدر الصورة أحد الشهود في التقرير
- حالات منع سابقة من استكمال الدراسة تم حلها بعد دفع مبالغ مالية:
تحدث الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى عدد من الطلاب في الصف العاشر/الأول الثانوي والمقيمين في إدلب وتحديداً في منطقة أريحا، والذين حازوا على شهادة التعليم الأساسي/الإعدادية العام الدراسي الفائت 2017/2018 من قبل وزارة التربية والتعليم لدى الحكومة السورية، وقال الطلاب إنه تم منعهم من الدراسة في الصف العاشر في مدارس المنطقة كما قامت مديرية التربية الحرة برفض شهاداتهم وذلك كان بشكل مفاجئ وبعد مضي شهرين على بدء العام الدراسي الجديد.
كما قال الطلاب إنهم اضطروا إلى دفع مبالغ مالية وصلت إلى 20 ألف ليرة سورية لمديرية التربية الحرة لقاء اعترافها/سماحها لهم بمتابعة الدراسة بناء على الشهادة الصادرة عن الحكومة السورية.
عدد من ذوي الطلاب الذين تقدّم أبناؤهم بامتحانات الشهادتين لدى الحكومة السورية قالوا إنهم في كل عام يعانون من الأمر ذاته عند بدء العام الدراسي، حيث يدور الجدل حول قبول شهادات أبنائهم، وأشاروا أن قرار عدم قبول شهادات صادرة عن النظام السوري ليس أمراً جديداً من قبل حكومة الإنقاذ حيث سبق أن قامت مديرية التربية الحرة بفرض قرار مماثل لكنها تراجعت عنه مراراً، لكن هذه المرة الأولى التي يصدر فيها تحذير مبكر من تقديم الامتحانات لدى النظام السوري وعقوبات على الأشخاص بهذا الصدد.
الطالب "محمد" من الصف العاشر/ الأول الثانوي روى تجربته في الأمر حيث قال:
"لقد تقدمت لامتحانات الشهادة الاعدادية لدى مراكز الحكومة السورية، رغم أني مقيم في أريحا، كنت أذهب في كل مرة إلى الإمتحان وأنا متخوف بشكل كبير من التعرض للاعتقال على أي حاجز أمر به رغم أني طالب، وقد نجحت رغم ذلك وحزت على الشهادة، أردت أن أتابع التعليم وسجلت في ثانوية في منطقة أريحا، وبعد مضي شهرين من دوامي في الصف العاشر تفاجئت بأن مديرية التربية الحرة رفضت شهادتي، وذهبنا إلى المجمع التربوي المعني بالأمر لحل الإشكال، وبالنهاية توصلنا إلى دفع مبلغ 20 ألف ليرة سورية على أنها ثمن نسخة من منهاج الصف التاسع وعلى أنها رسوم لنيل شهادة مديرية التربية الحرة، من الجيد أن الأمر انتهى بهذا الشكل."
وفي حادثة مشابهة لحادثة "محمد" كانت قصة الطالبة "آية"، حيث تحدث والدها قائلاً:
"ابنتي آية تقدمت لامتحان الشهادة لدى النظام ونجحت، وأيضاً في نفس العام تقدمت لامتحان التربية الحرة وأيضاً نحجت، وعندما دخلت الصف العاشر، تفاجئت مع مجموعة أخرى من الأهالي أن مديرية التربية في أريحا قررت إلغاء شهادات أولادنا ومنعهم من الدراسة بحجة أنهم تقدموا لدى النظام، وذلك بشكل مفاجئ ودون إبلاغ أحد منذ مطلع العام الدراسي حول عدم الاعتراف بشهادات النظام، وبعد جدال كبير وأخذ ورد قررت المديرية إعادة الاعتراف بالشهادات وإعطاء شهاداتها لأولادنا مقابل أن يدفع عن كل طالب 20 ألف ليرة سورية، لا نعرف لماذا، لقد دفعنا المبلغ كي لا تخسر آية عاماً دراسياً دون سبب!."
أشار الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة أن حكومة الإنقاذ باتت تسيطر خدمياً على عموم محافظة إدلب ومناطق في محافظتي حلب وإدلب وذلك بعد أن سيطرت هيئة تحرير الشام على تلك المناطق عسكرياً بتاريخ 20 كانون الثاني/يناير 2019، بعد اندلاع مواجهات مسلحة بينها وبين فصائل عسكرية عدة أبرزها "صقور الشام" و"حركة أحرار الشام الإسلامية".
كما قامت حكومة الإنقاذ بفرض قرارات عدة بأمور تتعلق بالخدمات ومصالح المدنيين كما عمدت لتطبيق قرارت أخرى في مناطق سيطرت عليها حديثاً كانت تلك القرارات تطبق فقط في مدينة إدلب.[3]
في النزاعات المسلحة؛ ينطبق الحق في التعليم بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان جنباً إلى جنب مع قواعد القانون الدولي الإنساني الذي يعزز حماية التعليم أثناء النزاع المسلح الدولي وغير الدولي، ويسعى إلى تواصل التعليم بلا انقطاع في الحالات التي كان فيها متوفراً قبل اندلاع النزاع المسلح. إنّ اتفاقيات جنيف تطرقت إلى التعليم في حالات النزاع المسلح ونصت على أن على أطراف النزاع المسلح غير الدولي ضمان تلقي الأطفال الرعاية والمساعدة اللتين يحتاجون إليها بما في ذلك التعليم. علماً أنّ اتفاقيات جنيف تحمي التعليم الأساسي والمادي وكذلك التعليم المعنوي بموجب مبدأ "عدم التمييز المجحف"؛ أي وجوب انطباق قواعد المساواة على جميع الأشخاص بغض النظر عن عرقهم ولونهم ولغتهم ودينهم ومعتقدهم أو رأيهم السياسي وغير السياسي وأصلهم الوطني أو الاجتماعي.[4]
[1] حكومة الإنقاذ: بتاريخ 7 تشرين الأول 2017، تم الإعلان عن تشكيل "حكومة الإنقاذ" لإدارة محافظة إدلب والمناطق الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام"، حيث انبثقت حكومة الإنقاذ عن "هيئة تأسيسية" انبثقت بدورها عن "المؤتمر السوري العام" الذي دعت إلى عقده هيئة تحرير الشام" في 17 أيلول/سبتمبر 2017، وعقدت جميع جلساته وجلسات تشكيل الحكومة في معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
[2] هيئة تحرير الشام: بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2017، أعلنت عدّة فصائل جهادية في شمال سوريا الاندماج تحت مسمّى "هيئة تحرير الشام" وكانت الفصائل التي أعلنت عن حلّ نفسها والاندماج تحت المسمّى الجديد هي (جبهة فتح الشام/تنظيم جبهة النصرة سابقاً وحركة نور الدين الزنكي ولواء الحق وجبهة أنصار الدين وجيش السنّة)، إلا أنه وعلى خلفية اندلاع المواجهات الأخيرة بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام في الشمال السوري بتاريخ 15 تموز/يوليو 2017، أعلنت حركة نور الدين الزنكي انفصالها عن الهيئة بتاريخ 20 تموز/يوليو 2017.
[3] تقييد المعاملات التجارية في أريحا/إدلب من قبل حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بتاريخ 19 شباط/فبراير 2019، آخر زيارة بتاريخ 28 فبراير 2019. https://stj-sy.org/ar/view/1187.
[4] حماية التعليم في ظروف انعدام الأمن والنزاعات المسلحة/ دليل قانوني دولي، آخر زيارة بتاريخ 28 شباط/فبراير 2019 https://educationandconflict.org/publications/publications/1/Summary_AR.pdf.