درعا محافظة سورية، تقع أقصى جنوب البلاد، يحدّها من الجنوب مملكة الأردن ومن الغرب محافظة القنيطرة السورية ومن الشرق محافظة السويداء ومن الشمال محافظة دمشق. وتبلغ مساحة المحافظة (4000 كم2) وتسمى سهل حوران، حيث تحتوي على العديد من المدن والمواقع الأثرية الموغلة في القدم فقد كانت تدعى باسم “أورانتيس” وقد ذكرت في العهد القديم، وقد سكنها الكنعانيون، وأثبتت بعض الحفريات التي قامت بها البعثات الأثرية الوطنية التابعة لدائرة الآثار والخاصة بمدينة درعا في العام (2002) أن البيوت القائمة حالياً تدل على وجود مدينة قديمة بائدة قائمة تحت المدينة الحالية، وتقول المصادر نفسها أنّها تتألف من شبكة واسعة من الممرات والمساكن والغرف سكنها إنسان الكهوف في العصر الحجري من الألف السادسة إلى الألف الرابعة قبل الميلاد، وتعود أول إشارة مكتوبة تذكر مدينة درعا إلى رسائل “تل العمارنة ” المكتشفة في مصر عام (1882ميلادي) وتعود هذه اللوحات إلى القرن الرابع قبل الميلاد.
يقع في مدينة درعا أيضاً “المسجد العمري” الذي أمر ببناءه الخليفة المسلم “عمر بن الخطاب “في حقبة الخلفاء الراشدين. وفي الجنوب الشرقي للمحافظة تقع مدينة “بصرى الشام” وما تحتويه من المدرج والمسرح والحمامات الرومانية التي تعدّ ذا قيمة تاريخية عظيمة. يأتي بعدها من حيث القيمة التاريخية والأثرية “منطقة اللجاة” وتزيد مساحتها عن (1000 كم2) وتحوي على العديد من المباني والقلاع مثل “قلعة المسمية” إضافة إلى تواجد العديد من القصور والأبراج والمدافن والطرقات والبرك والآبار، والتي تضفي على المدينة طابعاً وكأنّها أشبه بمتحف متكامل في الهواء الطلق. وبالقرب من اللجاة شمالاً توجد مدينة “خبب” وتحتوي أيضاً على العديد من المواقع الأثرية وأهمها “كتدرائية خبب” والتي بُنيت في العام (900ميلادي).
وفي مدينة إزرع توجد كنيسة “مارجورجيوس” التي بُنيتفي العام (516 ميلادي) مكان “هيكل وثني”بُني سابقاً. وإلى الغرب من محافظة درعا وتحديداً في بلدة “الشيخ سعد” يوجد “حمًام النبي أيوب” والذي أنشأ في الألفية الثانية قبل الميلاد. وفي الريف الغربي لمحافظة درعا حيث “مدينة نوى” والتي تحتوي على العديد من التلال والخروب الأثرية التي سكنت من زمن بعيد وتروي قصص حضارات مختلفة منها” العمورية والآرامية واليونانية والبيزنطية والإسلامية وغيرها.
تم العثور في محافظة درعا على ما يقارب (25) لوحة فسيفسائية توزعت على مدن عدة وتعود للقرنين الخامس والسادس الميلاديين. ودلت مدافن “الدولمن – المدافن المقدسة” المكتشفة في المواقع الأثرية في محافظة درعا أن الإنسان عرف الدفن في القبور ولو بشكلها البدائي قبل نحو 5000 عام وهي فترة العصر النحاسي. يضاف لما ذكر فقد كشفت البعثات الأثرية التابعة للحكومة السورية منذ العام 1966 العشرات من المعالم الأثرية تتجاوز 400 موقع والتي تتوزع على كامل مساحة محافظة درعا مما جعلها تعوم على بحر من الآثار.
وفي ظل ما يجري من أحداث في الساحة السورية منذ العام 2011 وبدء الثورة فيها والتي تحولت إلة نزاع مسلّح فيما بعد، فقد تعرضت وتتعرض المعالم الأثرية والمواقع التاريخية في درعا إلى أضرار جزئية أو كلية جراء استهدافها في كثير من الأحيان من قبل القوات التابعة للحكومة السورية -وأطراف أخرى- من خلال مئات الغارات الجوية والبراميل المتفجرة والقصف المدفعي الذي استهدف المدن والبلدات وما تحويها من معالم أثرية سواء بشكل عشوائي أو متعمّد أو خلال العمليات العسكرية.
قال الناشط (أحمد مقداد) ابن مدينة “بصرى الشام”لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد وقد تحدث بتاريخ 15 كانون الثاني / يناير 2017:
“تم توثيق تهدّم (سرير بنت الملك) بشكل كامل وتضررت بشكل متفاوت كل من(مدرسة أبي الفداء الأثرية والجامع العمري ومبرك الناقة ومسجد فاطمة ودير الراهب بحيرا وكنيسة مارجرجيوس وباخوس) في مدينة بصرى الأثرية وهي أحد المواقع الأثرية الستة المسجلة لدى منظمة يونسكو كمواقع أثرية عالمية.”
وفي هذا الصدد فقد أدان المدير العام لليونسكو “إيرينا بوكوفا” في شهر كانون الأول/ديسمبر من العام 2015 الدمار الكبير الذي لحق بمدينة بصرى الأثرية نتيجة الحرب الدائرة في سوريا وطالب الأطراف بالحفاظ على التراث الموجود في المدينة.
وتدمرت أجزاء من محطات خط الحديد الحجازي في وادي اليرموك وغرز ومدينة درعا، فيما تضررت أغلبية البلدات القديمة والبيوت الأثرية المهمة وتهدم بيوت رومانية وبيزنطية نتيجة القصف والغارات الجوية من الطيران السوري.
ونتيجة للفوضى الأمنية التي نشأت منذ العام 2011 لغاية الآن وانعدام فرص العمل وغلاء الأسعار توجّهت شريحة من الشباب بشكل كبير إلى عمليات التنقيب عن الآثار، علّهم يسدون بعضاً من احتياجاتهم اليومية بحسب العديد من الآراء.
فراس محمد، ابن بلدة محجة وهو عامل بناء، قال في شهادته بتاريخ 16 كانون الثاني / يناير 2017 لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة معقباً على هذا الكلام:
“أخرجُ بشكل يومي مع مجموعة من الشباب إلى البيوت الأثرية الواقعة وسط البلدة وذلك بحثاً عن “اللقى الأثرية الصغيرة” أو عسانا نجد أحد الصناديق الثمينة المدفونة تحت الأرض في هذه المنطقة، وقد حالفنا الحظ ببعض اللقى الأثرية التي لم تتجاوز قيمتها مئة ألف ليرة سورية للشخص وهي لا تساوي شيئاً مقارنة بالمجهود الكبير الذي نبذله ولكننا نستطيع شراء بعض احتياجاتنا اليومية لعدة أيام، وتلك اللقى نقوم ببيعها لتجَار الآثارالمهتمين بهذا الأمر وغالبيتهم يأتون من مدينة دمشق ولا نعرف الوجهة التي تذهب إليها تلك الآثار.”
يذكر أنه في الفترة الأخيرة تواردت أنباء عن لقى أثرية عديدة في مناطق مختلفة من المحافظة وقد تمت بطرق غير شرعية وبدون وجود أية منظمات محلية أو دولية للحفاظ على هذا الموروث الحضاري العالمي، وما عثر عليه هو نسبة قليلة مما هو موجود في باطن الأرض هذا عدا عن الكميات الكبيرة التي تم بيعها لخارج البلاد وقد يوجد بعضها في متاحف عالمية. وفي ظل غياب القانون والمنظمات المعنية بحفظ التراث الإنساني تسعى منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة لتوثيق كافة أنواع الاعتداءات على الموروث الحضاري السوري والهوية الثقافية السورية والذي لا يهمُنا كسوريين وحسب بل يهم العالم أجمع.
مجموعة من الصور تظهر “الباحة السماوية” أو “ساحة الممثلين” التي تقع غرب المدرج الروماني في مدينة (بصرى الشام) في درعا، وتظهر الصور جزءاً من الدمار الموجود فيها وهو ناتج عن قصف قوات الجيش النظامي السوري للجزء الغربي من قلعة بصرى الشام ببرميل متفجر بتاريخ 22 كانون الأول/ديسمبر 2015، وتمّ التقاط الصورة بتاريخ 23 كانون الأول/ديسمبر 2015. وهي صور خاصّة بمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة (تصوير: علاء الفقير).
*الكاتب: أحمد اليمان – باحث ميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة – محافظة درعا.