تعرّضت الكثير من المعالم الأثرية التي تمّثل الإرث الحضاري والثقافي لسوريا إلى أضرار كبيرة خلال سنوات النزاع الدائرة في سوريا، سواء بسبب العمليات العسكرية أو عمليات السلب والنهب التي جاءت على عشرات المواقع الثقافية والتاريخية السورية، ويعدّ كنيس “إلياهو هانابي” اليهودي -والمعروف باسم كنيس جوبر اليهودي والذي يقع في حي جوبر الدمشقي- أحد أبرز تلك المعالم التي تعرّضت لدمار كبير خلال سنوات النزاع إضافة إلى نهب وسلب محتوياته، ووفقاً للعديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة. فقد تمّ سلب العديد من المقتنيات والقطع الأثرية التي تعود للكنيس، سواء من قبل القوات النظامية السورية التي اقتحمت حي جوبر في العام 2012، أو من قبل فصائل المعارضة المسلّحة[1] التي سيطرت لاحقاً على الحي في العام 2013، وبدأت بعمليات حفر أسفل الكنيس/المعبد، بهدف العثور على أي كنوز دفينة أو قطع أثرية قيّمة.
كما أفاد العديد من شهود العيان الذين كانوا متواجدين في حي جوبر خلال فترة سيطرة فصائل المسلّحة على الحي حتى العام 2018، بأنّ الكنيس كان قد تعرّض للقصف أنثاء العمليات العسكرية والاشتباكات ما بين القوات النظامية السّورية وقوات المعارضة المسلّحة، ما أدى إلى دمار أجزاء كبيرة منه، ونقل العديد من مقتنياته للحفاظ عليها، تحت إشراف لجنة مخصصّة لذلك، وقد كانت هذه اللجنة مكوّنة من أحد أعضاء المجلس المحلي السابق التابع للمعارضة السورية في حي جوبر إضافة إلى قيادات من فصيل فيلق الرحمن.[2]
في حين قال العديد من أهالي وناشطي حي جوبر الدمشقي، للباحثين الميدانيين لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنه وعقب سيطرة القوات النظامية السورية على حي جوبر وتحديداً في شهر آذار/مارس 2018، استدعى وجهاء الحي أعضاء اللجنة الموكل إليهم مهمة الحفاظ على آثار كنيس جوبر من أجل إيجاد طريقة لإخراجها إلى مناطق الشمال السوري، ليصدموا لاحقاً بأنّ ثلاثة من أعضاء هذه اللجنة كانوا قد باعوا ما بحوزتهم من قطع أثرية بدلاً من الحفاظ عليها، حيث تمّ لاحقاً وضع ما تبقى من قطع أثرية بحوزة قيادات من فصيل فيلق الرحمن، والذين قاموا بإخراجها معهم إلى الشمال السوري، ليبقى مصير هذه القطع مجهولاً حتى تاريخ إعداد هذا التقرير في يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر 2018.
وبحسب الباحثين الميدانيين لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد كان كنيس جوبر يمثّل قيمة حضارية وثقافية كبيرة بالنسبة إلى العديد من أهالي الغوطة الشرقية بشكل عام وأهالي حي جوبر الدمشقي بشكل خاص، وهو ما دفع بالعديد من الشبان للحفاظ على الكنيس ومقتنياته مع بدايات النزاع السوري، مشيراً إلى أن عمليات القصف التي تعرّض لها الكنيس أثناء الاشتباكات العسكرية خلال الأعوام السابقة، وقفت عائقاً أمام ذلك، ما استدعى لاحقاً نقل بعض مقتنيات الكنيس “بحجة المحافظة عليها من القصف”، إلا أن نقلها على حد وصفه جعلها عرضة للسرقة بصورة أكبر.
وقد كانت “إيرينا بوكوفا” المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للعلم والتربية والثقافة “اليونيسكو” قد قالت[3] بتاريخ 28 أيار/مايو 2014، “بأنّ تدمير أقدم كنيس في سوريا هو ضربة جديدة ضد تراثها الديني والثقافي، الذي تعرض بالفعل لضرر هائل”، كما أوضحت “بأنّ هذا الكنيس هو بمثابة شاهد على التنوع الثقافي التاريخي لسوريا وإمكانية التعايش السلمي بين جميع الطوائف في البلاد، مشيرة إلى حقيقة أنّ سوريا تتضمن مواقع ومعالم بغاية الأهمية للديانات”. مع العلم بأنّ مدينة دمشق القديمة هي إحدى المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي[4] لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).
وفي حوادث أخرى، كانت قد جرت عمليات تنقيب عشوائية عن الآثار في مناطق سيطرة المعارضة المسلّحة، وتحديداً في بلدتي كفريا والفوعة، ففي شهر آب/أغسطس 2018، بدأت مجموعة من العاملين في تنقيب الآثار ويبلغ عددهم قرابة (500) شخصاً، بعمليات بحث وتنقيب في عدد من الأماكن التي قد تحوي على قطع أثرية في البلدتين، وذلك بعد حصولهم على إذن وموافقة من الفصائل التي تسيطر على المنطقة، ومنها هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام الإسلامية وصقور الشام، وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد أعدّت تقريراً حول هذا الموضوع.[5]
لقراءة وتحميل التقرير كاملاً وبصيغة ملف PDF يرجى الضغط هنا.
[1] وأبرز تلك الفصائل، لواء هارون الرشيد، والذي ضمّ عدداً من أبناء حي جوبر، وانضمّ لاحقاً إلى فصيل فيلق الرحمن.
[2] تشكلّ فصيل فيلق الرحمن في بداية شهر آب/أغسطس 2012، تحت اسم لواء البراء، بقيادة النقيب المنشق عبد الناصر شمير الذي ينحدر من محافظة حمص، وفي نهاية عام 2013 تطور لواء البراء، فتمّ الإعلان عن تشكيل فصيل فيلق الرحمن والذي ضم عدة ألوية تابعة للمعارضة السورية المسلحة، منها لواء “أبو موسى الأشعري” ولواء “شهداء الغوطة” وكتائب “أهل الشام” واللواء الأول في القابون وحي تشرين وكتيبة “العاديات” في الغوطة الغربية. ويضم ّ الفيلق بحسب مصادر عديدة حوالي (٩٠٠٠) مقاتل.
[3] ” سوريا: اليونسكو تدعو إلى حماية تراث جميع الأديان”، أخبار الأمم المتحدة في 28 أيار/مايو 2014، آخر زيارة بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2018، https://news.un.org/ar/story/2014/05/203502.
[4] ” Ancient City of Damascus”، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، آخر زيارة بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2018، http://whc.unesco.org/en/list/20.
[5] “عمليات تنقيب وبحث عن الآثار في بلدتي كفريا والفوعة عقب دخول فصائل مسلّحة إليها” سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في 19 أيلول/سبتمبر 2018، آخر زيارة بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2018، https://www.stj-sy.org/ar/view/760.