تفجّرت الأوضاع من جديد في العاصمة الليبية طرابلس مع عودة المواجهات بين فصائل ليبية مسلحة بمشاركة مرتزقة سوريين، والتي خلّفت عشرات القتلى وأكثر من مئة جريح غالبيتهم من المدنيين، ووصفت بأنها الأعنف منذ عامين، في ظل مخاوف من تجدد النزاع المسلح في البلاد، وسط انسداد أفق الحوار السياسي.
وتمكّنت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” من توثيق مشاركة مقاتلين سوريين يتبعون إلى “الجيش الوطني السوري/المعارض” في هذه المعارك بأوامر تركية، وتورطهم في عمليات النهب والاستيلاء الحاصلة اثناء وعقب تلك الاشتباكات.
ورغم الدعوات الأممية و الدولية المتكررة بسحب جميع المرتزقة، وتأكيدها على ما يسببه استمرار وجودهم من تهديد خطير لأمن ليبيا والمنطقة، لا يزال نحو ثلاثة آلاف مرتزق سوري بينهم أطفال على الأراضي الليبية، وذلك بعد مرور ما يزيد عن عامين ونصف العام على بدء انخراطهم بالنزاع. يتوزع هؤلاء المقاتلين السوريين بين فصائل “فرقة السلطان سليمان شاه/العمشات” بقيادة “محمد الجاسم/أبو عمشة”، وفصيل السلطان مراد بقيادة “فهيم عيسى”، وفرقة الحمزة/الحمزات بقيادة “سيف أبو بكر”.
ومنذ أواخر عام 2020، شرعت تركيا بتجنيد آلاف المرتزقة السوريين ممن يتبعون للجيش الوطني السوري/المعارض وزجّهم في معارك ليبيا إلى جانب قوات “حكومة الوفاق”، ضد الجيش الليبي الوطني بقيادة الجنرال خليفة حفتر، وعلى الجانب الآخر عملت روسيا أيضاً على تجنيد آلاف الشبان من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية وإرسالهم للقتال إلى جانب قوات “حفتر”.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” فإن عدداً من عناصر الفصائل أنشأوا علاقة وطيدة مع مجموعات ليبية محلية مسلّحة وباتوا ينفذون مهاماً ضمن تلك المجموعات، وشاركوا في ارتكاب العديد من الانتهاكات التي تنوعت بين عمليات نهب لمنازل المدنيين، وفرض أتاوات على المحلات التجارية وسلب بعضها الآخر.
-
السيطرة على مقرات عسكرية ونهبها:
روى قائدَين عسكريين في “الجيش الوطني السوري” لـ “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تفاصيل ما جرى في الاشتباكات التي اندلعت يومي 27 و28 من آب الماضي، وأكدا مشاركة مقاتلين سوريين في المعارك الدائرة بطرابلس وعمليات النهب التي عقبتها. وقال قائد مجموعة عسكرية تتبع لفرقة السلطان سليمان شاه/العمشات في شهادة حصرية لـ”سوريون”:
“في صباح يوم 27 من آب استنفر قادتنا بالجيش الوطني جميع عناصر معسكر اليرموك بعد وصول أوامر مباشرة من الضابط التركي المشرف على المعسكر، ومن ثم تم توزيعنا على مجموعات عسكرية، وفرزها إلى قوات رديفة لجهاز دعم الاستقرار وأخرى لجهاز الردع، وأخبرونا بأنها محاولة إنقلاب من قبل قوات خليفة حفتر على حكومة الوحدة الوطنية، خرجت مجموعة باتجاه مدينة زليتن شرقي طرابلس حيث كان يتواجد ميليشيات تابعة لحفتر تحاول اقتحام العاصمة، وكنت أنا ضمن هجوم على مجموعة تابعة لشخص اسمه (هيثم التاجوري) تتمركز في مزرعة طاطاناكي وتقع مقراتها ضمن منطقة عين زارة، وتم الاستيلاء على مقراتهم وآلياتهم ومستودع ذخيرتهم ونهب محتوياتها بالكامل”.
وأضاف:
“توجهت مجموعات عسكرية إلى منطقة ورشفانة بعد أن بلغنا أن آمر سرية الكتيبة (55 مشاة)، معمر الضاوي، قرر الانقلاب على حكومة الوحدة الوطنية، لكنه عندما شاهد الأرتال العسكرية قرر الاستسلام شريطة عدم الهجوم على ورشفانة، وعقب ذلك أغلقنا جميع مقرات الكتيبة (28 مشاة) المعروفة باسم (النواصي) بسبب مشاركتها بالانقلاب، كما تم الاستيلاء على (مصيف الليدو) وهو مشروع تجاري تابع لها، ونهب جميع محتوياته من قبل سوريين وليبيين ومن ثم تم هدمه بالكامل، وتبع ذلك ملاحقة آمر المنطقة العسكرية الغربية السابق، اللواء، أسامة الجويلي، بعد السيطرة على مقراته لكنه تمكّن من الهرب إلى خارج طرابلس”.
وتابع:
“اقتصر دور المسيرات التركية على الاستطلاع وتزويد المجموعات العسكرية بالمعلومات والإحداثيات، دون أن تشارك في القصف، وذلك ما برره ضابط تركي بترك فرصة أمام الكتائب للرجوع والاستسلام، وهو ما حصل بالفعل، فقد كان المقاتلون المشاركين بالإنقلاب كلما رأوا مسيرات سارعوا إلى الاستسلام لمعرفتهم السابقة بمدى دقتها وقدرتها على الفتك نظراً لامتلاكها كاميرات حرارية شديدة الدقة والقوة”.
وبيّن بهذا الصدد، بالقول:
“زوّدنا القادة الأتراك بخرائط لجميع مقرات الكتائب المشاركة بالانقلاب وتحركاتها كافة، وخلال الهجوم كان الكثير من العناصر يستسلمون بسرعة، ولكن حصلت اشتباكات حامية مع المجموعات التي كانت عنيدة جداً ما تسبب بوقوع قتلى وجرحى من المدنيين”.
قائد آخر من مجموعة عسكرية تتبع لفرقة السلطان مراد، أوضح في حديثه لـ “سوريون” المزيد من التفاصيل قائلاً:
“شاركنا بتمشيط المنطقة جنوبي طرابلس وهو ما كبّدنا عناءً كبيراً، إلى جانب السيطرة على معسكر (7 أبريل) الذي كان تابعاً لهيثم التاجوري ويضم مستودعاً ضخماً للأسلحة والآليات وذلك دون وجود مقاومة كبيرة”.
وأضاف
“شاركتُ بالهجوم على مقر الإذاعة بشارع الصريم مع (جهاز دعم الاستقرار) الذي كان تحت سيطرة الديلاوي أحد قادات هيثم التاجوري، اندلعت اشتباكات عنيفة جنوبي طرابلس تم خلالها استسلام عدد من القيادات الليبية منهم الملقبان بـ(الكيلاني) و(خشيبة)، جميع المقاتلين السوريين شاركوا كقوات رديفة وكانوا يتحركون بشكل سريع ويتلقون التوجيهات من قبل الضباط الأتراك”.
وعن تفاصيل مشاركة المسيرات التركية في المعارك لفت إلى أنها، “تدخلت في الأماكن التي رفض مقاتلوها الاستسلام، فقد قصفت بشكل مكثف معسكر الجويلي والبوابة 27 حتى تمت السيطرة عليهما”.
وأكد ترافق عمليات السيطرة مع وجود نهب للمراكز، موضحاً: “لقد تمّت السيطرة على مقرات ضخمة جداً تحتوي على كل ما يخطر على بال، لكن المقاتلين السوريين كانوا يركزوا على سرقة الدولارات والذهب والجوالات أما الذخيرة وباقي الأمور فيصعب نقلها من مكان إلى آخر، خاصة وأن المعركة كانت حامية”.
-
استيلاء على ممتلكات مدنيين:
وكانت “سوريون” وثقت في تقرير سابق تورط مقاتلين سوريين منخرطين في “جهاز دعم الاستقرار” و”كتيبة النواصي” و”اللواء 444″ بعمليات نهب واستيلاء على منازل مدنيين. وتؤكد المعلومات والشهادات التي حصلت عليها “سوريون” من مقاتلين سوريين متواجدين في مدينة طرابلس ومحيطها، تورط مرتزقة سوريين بعمليات نهب واسعة لمنازل المدنيين بما تحتويه من أموال ومصاغ ذهبي وأثاث، إضافة إلى اتخاذ عدد منها مقرات عسكرية وأماكن لإقامة المقاتلين، علاوة على تخريب بعضها الآخر والإضرار بها بشكل متعمّد قبل إجبارهم على إخلائها والاستيلاء عليها.
-
سياسياً:
جاءت المعارك الأخيرة في طرابلس في ظل انسداد أفق الحوار الذي كان قد بدأ بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس الحكومة المكلفة من برلمان طبرق، فتحي باشاغا.
وفي 2 من أيلول/سبتمبر الحالي، عيّن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الدبلوماسي السنغالي ووزير الحكومة السابق، عبد الله باتيلي، ممثلاً خاصاً له في ليبيا ورئيساً لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، ليكون خلفاً لـجان كوبيس الذي تنحى عن منصبه أواخر عام 2021، بسبب تعثّر الدبلوماسية الهادفة إلى حل الصراع الليبي الذي طال أمده، على إثر فشل البلاد في إجراء انتخابات عامة.