شهدنا في الأسابيع القليلة التي أعقبت الذكرى العاشرة للانتفاضة السورية، اجتماعات مهمة على المستوى الدولي ضمَّت حكومات ومنظمات وأفراد من جميع أنحاء العالم وتمحورت حول النظر في حيثيات ومآلات الصراع السوري ودراسة وضع مسار لمستقبل البلاد. وكان مؤتمر بروكسل الخامس هو الأبرز بين هذه الاجتماعات حيث كان بمثابة منصة للحوار حول “مستقبل سوريا والمنطقة”، ضمت هذه المنصة دول وهيئات دولية وهيئات مجتمع مدني وتمخضت عن تعهد من المجتمع الدولي بتقديم 6.4 مليارات دولار لصالح دعم جهود المساعدات الإنسانية في سورية. بيد أنَّ الرؤساء المشاركون للمؤتمر كرروا التأكيد على أنَّ إعادة الإعمار والدعم الدولي لتنفيذه سيكونان ممكنين فقط لدى سريان حلّ سياسي موثوق وينسجم مع القرار 2254 لعام 2015 وبيان جنيف على نحو راسخ. وبالنتيجة، وبعد التأملات والدراسات الدولية بشأن الصراع السوري الذي لا يزال يتصدّر المحادثات العالمية، علينا أن ندعو إلى تحرك سياسي بشأن التوصيات التي قدمها مؤتمر بروكسل الخامس، ولا سيما قرار البرلمان الأوروبي بشأن “الصراع السوري بعد عشر سنوات من الانتفاضة”
إنَّ قرار البرلمان الأوروبي كان واحداً من أهم ما خرجت به الاجتماعات والمبادرات التي صاحبت الذكرى العاشرة للانتفاضة السورية، حيث أنه تناول الصراع السوري على نحو كامل وشامل ووضع توصيات لمعالجة القضايا الرئيسية فيه. وعليه، تدعو منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة البرلمان الأوروبي إلى اتخاذ خطوات جدية لتحويل توصياته إلى أفعال وضمان تنفيذها، كما أنَّ المنظمة تحث المفوضية الأوروبية على الاستجابة لمطلب البرلمان الأوروبي بتقديم خطة عمل لإنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب، تتضمن فصلاً خاصاً بسوريا.
إنَّ من أكثر الطرق تأثيراً التي يمكن للدول والهيئات الأوروبية أن تتبعها لحماية حقوق الإنسان في سوريا هي التصدي لمسألة الإفلات من العقاب. ولاتزال سوريون من أجل الحقيقة العدالة متمسكة برؤيتها بأنَّه لا يمكن التوصل لحلول حقيقية للصراع السوري إلا بعد توثيق ونقد كاملين وشاملين ومحايدين لانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في سوريا من قبل جميع أطراف النزاع بما فيها النظام السوري، والقوى الدولية، كروسيا وتركيا، والجماعات المسلحة العديدة التي لاتزال تنشط في البلاد.
إننا ندعو البرلمان الأوروبي والهيئات الأوروبية الأخرى إلى مواصلة دعم عمل منظمات المجتمع المدني السوري لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكب من قبل جميع الجهات الفاعلة في النزاع في مختلف أنحاء سوريا. حيث أنَّ عدم توثيق هذه الانتهاكات بشكل عادل ونزيه اليوم سوف يؤدي بالضرورة إلى عدم القدرة على تحقيق العدالة المنصفة والمحايدة في المستقبل. ونظراً لكون توثيق هذه الانتهاكات هو في صلب عمل منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنَّ المنظمة تمتلك وثائق يمكن أن تدعم البرلمان الأوروبي في دعوته للمفوضية الأوروبية لتقديم خطة عمل للاتحاد الأوروبي تتصدى لظاهرة الإفلات من العقاب من خلال تنسيق ومواءمة أفضل لموارد وجهود الدول الأعضاء لمقاضاة مجرمي الحرب في الاتحاد الأوروبي ودعم مبادرات العدالة الانتقالية واستحداث صندوق لتقديم الدعم المادي لضحايا الجرائم ضد الإنسانية من السوريين.
وعلاوة على ذلك تهيب سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بالبرلمان الأوروبي أن يُخضع الدول الأوروبية الأعضاء فضلاً عن الدول الأطراف في المعاهدات والاتفاقيات الأوروبية لحقوق الإنسان للمساءلة وذلك لاتخاذهم قرارات سياساتية لها تأثيرات سلبية مباشرة على سلامة وكرامة السوريين في الداخل والخارج. ويذكر أنَّ قرار البرلمان الأوروبي كان قد انتقد الاحتلال التركي لسوريا ودعا تركيا إلى سحب قواتها من شمال سوريا التي تحتلها بصورة غير قانونية خارج نطاق أي تفويض من الأمم المتحدة، كما أنَّه أعرب عن قلق البرلمان من أن تصل عمليات النزوح المستمرة للسوريين نتيجة للعمليات العسكرية التركية إلى حد التطهير العرقي ضد السكان الأكراد السوريين. وعليه فإنَّ على الهيئات التشريعية في الاتحاد الأوروبي، مثل المفوضية الأوروبية أن تأخذ في الاعتبار انتهاكات حقوق الإنسان التي أدان البرلمان الأوروبي بها تركيا عند تناول ملف تفاوض الاتحاد الأوروبي مع الأخيرة بشأن ترشيحها لعضوية الاتحاد الأوروبي وعدم إغفال حقيقة أنَّ تركيا هي طرف في العديد من معاهدات واتفاقيات حقوق الإنسان الأوروبية. وفي تعليق لها على انسحاب تركيا من اتفاقية اسطنبول قالت رئيسسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” أنَّ قضايا حقوق الإنسان “غير قابلة للتفاوض”. ولتثبت تركيا إيمانها بهذا الاعتقاد يجب أن تتحمل مسؤولياتها تجاه الأشخاص الذين يعيشون في الأراضي السورية التي تحتلها.
ومن ناحية أخرى، يتعين على المفوضية الأوروبية والهيئات الأوروبية الأخرى مطالبة الدنمارك بإعادة النظر على قرارها بإلغاء تصاريح لجوء مئات السوريين بدعوى أنَّ سوريا اليوم أصبحت آمنة وبإمكانهم العودة إليها. إذ يعتبر هذا القرار وأي قرار آخر يصدر اليوم عن أي دولة أوروبية أخرى يدعو إلى إعادة اللاجئين إلى سوريا تجاهلاً لما تمَّ الاستشهاد به خلال مؤتمر بروكسل الخامس وفي قرار البرلمان الأوروبي من النتهاكات كثيرة لحقوق الإنسان ارتكبت ولاتزال ترتكب في سوريا.
وأخيراً وبالإضافة إلى إضاءة البرلمان الأوروبي على السياسة الأوروبية إزاء الصراع السوري ينبغي عليه أن يدعو إلى عملية إصلاح دستوري تقودها سوريا وتشمل جميع أطياف الشعب السوري بغض النظر عن أجناسهم ودياناتهم وانتماءاتهم العرقية.
ونظراً لأهمية المداخلات التي أدلى بها كل من البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية والهيئات الأوروبية الأخرى بشأن الصراع في سوريا، تترقب سوريون من أجل الحقيقة والعدالة الخطوات التي من المفترض أن تتخذها هذه الهيئات لأخذ هذه النقاشات من إطارها النظري إلى الإطار العملي والتطبيقي. وهنا تود سوريون تقديم بعض التوصيات بهذا الصدد:
توصيات:
- تأكيداً على أهمية العمل الدولي الجماعي، تحث “سوريون” الاتحاد الأوروبي والهيئات الدولية المرتبطة به، ولا سيما المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية ومجلس أوروبا، أن يحذوا حذو البرلمان الأوروبي بحسم موقفهم وتوصياتهم تجاه الصراع في سوريا. وينبغي أن تكون الخطوات التي سوف يتخذونها مكملة لتوصيات البرلمان الأوروبي وذلك من أجل تحويل الكلام الواعد في القرار الحالي للبرلمان الأوروبي إلى أفعال.
- يتعين على الهيئات الأوروبية الالتزام بمساءلة الدول الأعضاء على أساس المعايير التي وضعتها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وكذلك على أساس المعاهدات والاتفاقيات الأخرى التي تحترم حقوق الإنسان.
- إيماناً بالشمولية، يجب مشاركة الكرد والسريان في المؤتمرات الأوروبية القادمة، وينبغي على هيئات ومندوبي الاتحاد الأوروبي دعوة اللجنة الدستورية السورية التابعة للأمم المتحدة إلى دمج المزيد من السوريين في عملية بناء الدستور.
- اعترافاً بأن سوريا لا تزال غير آمنة للعودة، يجب على البرلمان الأوروبي الضغط على الدول الأوروبية لمنعهم من إصدار قرارات لترحيل اللاجئين كما فعلت الدنمارك.
- استجابة للقلق إزاء الهندسة الديموغرافية في منطقة عفرين السورية، نحن ندعم فكرة إنشاء مجموعة من قبل المفوضية الأوروبية بما يتماشى مع خطة عمل الاتحاد الأوروبي التي اقترحها البرلمان الأوروبي بشأن الإفلات من العقاب للتحقيق في التغيير الديموغرافي التمييزي في عفرين ومنع حدوثه ودعم ضحايا أي انتهاكات ترتكب في سياقه.