1. مقدمة:
تعرضت العديد من الدوائر العقارية في سوريا للاستهداف خلال سنوات النزاع، مما أدى إلى تلف أو ضياع كثير من السجلات والوثائق العقارية المحفوظة لدى هذه الدوائر. هذا وقد فقد الكثير من السوريين/ات الوثائق التي تثبت ملكيتهم لعقاراتهم، في ظل ظروف الحرب والنزوح واللجوء.
لقد مثلت هذه المشكلات تهديداً بالغاً لحقوق الملكية في سوريا، ولم تعد القوانين العقارية النافذة سابقاً كافية للتعامل مع الحالات التي نشأت إثر النزاع.
في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد القانون رقم 33 الناظم لإعادة تكوين الوثيقة العقارية المفقودة أو التالفة جزئياً أو كلياً. ورغم أن هذا القانون يهدف ظاهرياً إلى التصدي للظروف المشار إليها آنفاً، إلا أنه يؤدي في الواقع إلى مضاعفة التهديدات؛ إذ اتسمت بعض نصوصه بالغموض والضبابية، ولم يسمح سوى بمُهلٍ قصيرة للاعتراض أو الاستئناف، في حين أعطى صلاحياتٍ واسعةً للسلطة التنفيذية.
توضّح هذه الورقة بعض المصطلحات القانونية المتعلقة بمسائل العقارات في سوريا، ثم يتناول طرق إثبات الملكية العقارية، ويشرح معنى “إعادة تكوين الوثيقة العقارية”، ثم يستعرض بعض المشكلات التي يتضمنها القانون رقم 33 لعام 2017.
2. شرح بعض المفاهيم والمصطلحات القانونية المتعلقة بالعقارات:
2.1. السجل العقاري:
هو مجموعة الوثائق التي تبين أوصاف كل عقار وتعيّن حالته الشرعية (هل هو عقار مِلك أم عقار أميري)، وتنص على الحقوق المترتبة له وعليه، وتبين المعاملات والتعديلات المتعلقة به.[1]
2.2. مكوّنات السجل العقاري:
يتكوّن السّجل العقاري من مجموعة من السجلات والمستندات والوثائق، خُصّص كلّ واحد منها لفئة من المعاملات العقاريّة، وتشتمل على سجل الملكيّة والوثائق المتمّمة له، وهي: دفتر اليومية – محاضر التحديد والتحرير – خرائط المساحة – الرسوم المصورة بالطائرات – تصاميم المسح – الأوراق المثبتة المقدّمة من أصحاب الحقوق العينيّة – محاضر التّحسين العقاري وخرائطه.[2] وإنّ فقدان أيّ من العناصر السّابق ذكرها يشكّل خطراً على أصحاب الحقوق العينيّة.
2.3. التسجيل في السجل العقاري:
تتبع سوريا نظام “الشهر العقاري/الإشهار/الإعلان” منذ صدور نظام السجل العقاري لعام 1926، وهو ما يسمح بإعلان المعلومات المتلعقة بأي عقار لأي شخص. ويتمّ التّسجيل في هذا النظام وفقاً للمناطق العقارية وأرقامها. فبموجب هذا القانون، لا يخضع للتّسجيل إلّا العقارات المحدّدة والمحرّرة فقط، حيث يُعطى كل عقار ذات الرقم المعطى له في دائرة المساحة.[3]
ثم يُخصّص لكلّ عقار صحيفة خاصّة في سجل الملكية يثبّت فيها كل ما يرد على العقار من حقوق واجبة الإشهار، كما تبيّن أوصاف العقار وحالَتَه الشرعيّة.[4] في هذا النّظام لا حاجة لمعرفة اسم المالك لتبيّن حالة عقار ما، بل يكفي معرفة رقم العقار والمنطقة التي يقع فيها.
2.4. وظيفة الصحيفة العقارية:
ينص القانون المدني السوري لعام 1949 على أن مالك العقار هو صاحب القيد في الصحيفة العقارية؛ وهذه الأخيرة هي الوسيلة الوحيدة لتداول الحق العيني. فلا ينتقل الحق العيني إلّا عن طريق التّسجيل بالسّجل العقاري، وهذا هو الدليل القطعي على اكتساب الملكيّة. وبالتالي فإن تسجيل إشارة البيع بموجب وكالة غير قابلة للعزل لا ينقل الملكية على اسم من نظمت الوكالة لمصلحته،[5]
وتبقى الملكية للشخص الذي تم تسجيلها باسمه، وبالنتيجة يمكن لدائنيه ممارسة كامل حقوقهم على هذا العقار؛ كإجراء الحجوزات أو غير ذلك من الحقوق. فعقد البيع أو الوكالة غير القابلة للعزل لا تثبت ملكية الشاري لهذه الأسهم من العقار، بل هي سند يلزم البائع بنقل ملكية هذه الأسهم إلى اسم الشاري في السجل العقاري.
3. طرق إثبات الملكية العقارية في سوريا:
إن فقدان السّجلات والوثائق العقارية من الأمور الخطيرة التي أرادت الحكومة -من الناحية النظرية- تجنبها، فأصدرت القانون رقم 33 لعام 2017 ليكون حلاً، حيث أتاح هذا القانون إعادة إنشاء الوثائق العقارية المتضّررة عن طريق إجرائين إداري أو قضائي.[6]
- الإجراء الأول (الإداري): منح المصالح العقارية الحق بإعادة تكوين الصحيفة العقاريّة التالفة بشكل إداري إذا توفرت لديها الوثائق الكافية لذلك، وهو موضوع هذا التقرير.
- الإجراء الثاني (القضائي): إذا استحال الإجراء الأول لعدم توفر الوثائق الكافية لإعادة إنشاء السّجل التالف، لا يبقى أمام أصحاب الحقوق العينيّة إلا اللجوء إلى القضاء، حيث يترتب عليهم تقديم الوثائق التي تثبت ملكيتهم، وبالتالي يُعاد تكوين الوثائق العقارية عن طريق القضاء.
4. معنى “إعادة تكوين” الوثائق العقاريّة المتضررة إدارياً:
إنّ الحاجة إلى إثبات الملكيّة لا تتوقف على حالات النزاع عليها فحسب، إذ قد تتجه إرادة المالك إلى التصرف في ملكه أو نقله لغيره، وفي هذه الحالة يحتاج دليلاً يثبت أنّه مالك هذا العقار، من قبيل تقديم سند ملكية أو صورة عن بيان القيد في السّجل العقاري.
فإذا فَقدَ المالك السجلَّ العقاري لسبب ما، ينصُّ القانون رقم 33 لعام 2017 على إمكانية إعادة التكوين الإداري للسجل العقاري عند وجود وثائق ومستندات لدى مديرية المصالح تسمح بذلك. فأي وثيقة من الوثائق الواردة في المادتين 1 من القرار 188 لعام 1926 و 13 من القرار رقم 189 لعام 1926 تتمتع بالقوة الثبوتية ذاتها.[7]
علماً أن السّجل العقاري التالف أو المفقود هو السّجل الناتج عن عمليّات التحديد والتحرير التي تتمّ بموجب القرار 186 لعام 1926، والذي يتطلّب الوصول إليه وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً وأُصولاً فنيّة وعدداً من المهندسين وشهادات الجوار وأصحاب الحقوق وغيرها.
يضم السّجل العقاري عدداً كبيراً من الوثائق التي نتجت خلال عمليّة تسجيل العقارات والتي تتمتّع بالقوة الثبوتية؛ كسجل الأملاك، وسجل اليومية، ومخططات التحديد والتحرير، وخرائط المساحة، ورسوم المسح، ومخططات المسح الفني والمزدوج، والرسوم المصورة بواسطة الطائرات وسواها.[8]
هذا يعني أنّه في حال فقدان أحد هذه الوثائق أو تلفها تلفاً جزئيّاً أو كليّاً، يمكن اللجوء إلى الوثائق الباقية، وخصوصاً مخطّط المنطقة العقارية التي قامت الفرق الفنية بوضعه قبل إملاء محاضر التحديد والتحرير، وهو المقصود في المادة 3 من القانون.
ومن الوثائق الهامّة الأخرى الّتي تتمتّع أيضاً بالقوة الثبوتيّة: الصور المخزنة إلكترونياً، وصور الميكروفيلم المحفوظة لدى مديرية المصالح العقارية المعنية أو لدى مديرية السّجل العقاري المركزي في المديرية العامة.[9]
5. عيوب القانون رقم 33 لعام 2017 الخاص بإعادة تأهيل الوثيقة العقارية:
5.1. غموض وضبابية النص القانوني:
من العيوب الجوهرية في هذا القانون أنه لم يبين فيما إذا كانت عملية إعادة التكوين بالطريقة الإدارية من قبل الدائرة المختصة يمكن أن تتم بمبادرة خاصّة من صاحب المصلحة. وهو بهذا لم يبيّن ما يترتب على صاحب المصلحة من إجراءات أوليّة من قبيل تقديم طلب إعادة تكوين الوثيقة التي فُقدت، كما جاء في نص المادة 16 من القرار 186 الخاص بعمليات التحديد والتحرير.
جاء النصّ عامّاً ينقصه التحديد والوضوح، يتحدث عن إعادة تكوين شاملة لمنطقة عقارية معينة تعرضت مستنداتها للتلف أو الفقدان، الأمر الذي تعرضت له الكثير من المناطق في سوريا.
يمكن أن نذكر المادة 9 من هذا القانون كمثال على الغموض الذي نتحدث عنه، إذ نصت على إن مدة المطالبة بأصل الحق (عين العقار) هي خمس سنوات، تبدأ اعتبارا من تاريخ اكتساب قرار القاضي العقاري الدرجة القطعية، وحددت مدة المطالبة بالتعويض المادي بخمسة عشر سنة. لكن المادة المشار إليها لم تحدد تاريخ بدء سريان المدة المذكورة (15 سنة)، إن كان من تاريخ انتهاء مدة الخمس سنوات، (وبالتالي تكون مدة المطالبة بالتعويضين العيني والمادي هي 20 سنة) أم تبدأ اعتباراً من تاريخ اكتساب قرار القاضي العقاري الدرجة القطعية (وبالتالي تكون مجموع مدة المطالبة بالتعويضين العيني والمادي هي 15 سنة فقط).
ثم لم تحدد المادة آنفة الذكر ما إذا كانت المهل المذكورة للمطالبة بالتعويض (العيني أو المادي) هي مهل سقوط أم تقادم. فإذا اعتبرناها “مهل سقوط” فهذا يعني إنه وبمجرد انتهاء المدد المذكورة ليس بإمكان صاحب الحق الادعاء به بغض النظر عن وجود أسباب أو موانع قد تؤدي إلى إيقاف المدة أو إنقطاعها، وعلى العكس من ذلك إذا اعتبرنا المدد المذكورة هي “مدد تقادم” فهذا يعني إنها خاضعة لأحكام الوقف والانقطاع التي تسري عادة على مدة التقادم في حال توافرها.[10] ثم إن مهلة السقوط تعتبر من النظام العام ويجب على المحكمة إثارتها من تلقاء نفسها، أما مدة التقادم فهي ليست من النظام العام وعلى صاحب المصلحة التمسك بها في حال تحققها وليس للمحكمة إثارتها من تلقاء نفسها.[11]
5.2. صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية (الوزير المختص، والمدير العام للمصالح العقارية):
تنص المادة 4 من القانون رقم 33 على أن البدء بأعمال “إعادة التكوين” يرجع إلى قرار صادر عن الوزير المختصّ، بناءاً على اقتراح من المدير العام للمصالح العقارية.
بداية يتوجب على مديرية المصالح العقارية المعنية إعداد مذكرة حول الوثائق العقارية التالفة أو المفقودة مرفقة بالضبوط التي تثبت حصول الفقدان أو التلف. تحدد المذكرة المناطق العقارية التي ستجري فيها أعمال إعادة تكوين الوثيقة العقارية المتضررة، ونوع الوثائق العقارية المطلوب إعادة تكوينها والأعمال المطلوبة لذلك.[12] فإذا رأى المدير العام للمصالح العقارية أنّ المذكّرة ملائمة وتنطبق عليها أحكام القانون، قدّمَ اقتراحاً لوزير العدل بأن يُصدر قرارَ البدء.[13]
أي أنّ المُشرِّع ترك سلطة التقدير للمدير العام للمصالح العقارية (وهو طرف يمثل السلطة التنفيذية) للنظر فيما إذا كانت المذكرة ملائمة وتنطبق عليها أحكام القانون المشار إليه.
وهكذا باتت قضايا العقارات والممتلكات تحت رحمة تفسيرات السلطة التنفيذية للقانون، وخاضعةً للتعليمات الأمنية. تم استغلال هذا الأمر فعلاً في العديد من المناطق التي كانت خارجةً عن سيطرة الحكومة السورية ثم خضعت لها مجدداً، وذلك عقاباً للسكان الذين تبنوا موقفاً مناهضاً لها خلال السنوات السابقة.[14]
5.3. المهل القانونية القصيرة للاعتراض لإثبات الملكية العقارية:
بحسب القانون رقم 33، يجب أن ينشر قرار البدء بافتتاح أعمال إعادة التكوين قبل شهرين على الأقل من افتتاح هذه الأعمال، وذلك كي يتسنى لأصحاب المصلحة العلم به. فيجب أن ينشر في الجريدة الرسميّة، وفي ثلاث جرائد أخرى محليّة. كما يتم تبليغ المحافظة به، لتقوم بدورها بتبليغ الجهات الإدارية وتعميمه في المناطق الإدارية التي تتضمن المناطق العقارية المتضررة. ويعمّم أيضاً على الجهات العامّة الأخرى، ويُبلّغ به مدير المنطقة والمخاتير.[15]
وبحسب التعليمات التنفيذية للقانون رقم 33، يُنشر قرار افتتاح أعمال إعادة تكوين الوثيقة العقارية المتضررة في الجريدة الرسمية وثلاث جرائد محلية، ويبلغ إلى كل الدوائر في المحافظة والمنطقة والقضاء. ينشر قرار إعادة التكوين الإداري في بهو المديرية والدائرة المختصّة وفي الجريدة الرسمية ويعتبر ذلك بمثابة تبليغ شخصي، وتكون هذه القرارات قابلة للاستئناف أمام محكمة بداية محل العقار خلال مدة خمسة عشر يوماً من اليوم الذي يلي تاريخ نشرها.
لم يراعِ القانون رقم 33 – موضوع هذه الورقة- وجود إمكانيات أخرى تواكب تطور وتغير الظروف، فذكرت المادة 4 منه بأن الإعلان عن قرار البدء بأعمال إعادة التكوين يتم وفق إجراءات وطرق التبليغ المنصوص عليها في المادة 7 من القرار رقم 186 الصادر عام 1926، أي الصادر قبل ما يقارب المائة عام.
كان من الأفضل أن يكون القانون رقم 33 متناسباً مع التطور الذي يشهده العالم، فكان بالإمكان النص على إحداث موقع إلكتروني للمديرية العامة للمصالح العقارية، يتم فيه نشر جميع القوانين والقرارات والتعليمات التنفيذية ذات الصلة بالملكيات العقارية -ومنها هذا القانون رقم 33- والنص على الإعلان عن البدء بأعمال إعادة التكوين على الموقع الالكتروني بالاضافة الى الوسائل الأخرى المذكورة في القانون.
والعدالة تقتضي إتباع هذا الأسلوب في جميع أنواع الوكالات والدعاوي التي قد يضطر إليها السوريين المهجرون، وإلغاء القرارات والتعاميم التي تلزم أصحاب المصلحة بالحصول على الموافقات الأمنية لتنظيم وكالات قد تكون مصيرية في مسائل كثيرة ومنها تلك المتعلقة بالملكية.
كان من الواجب أيضاً تخصيص موقع أو بريد إلكتروني للمحاكم يكون متاحاً للمحامين المسجلين في جدول المحامين الأساتذة، لتسجيل الاعتراضات التي قد ترد على قرارات مديرية المصالح العقارية بهذا الخصوص، وأن تكون الوكالة التي يتلقاها المحامي من صاحب العلاقة عبر الإيميل مقبولة، وعدم إلزام المواطن ولا سيما المهجر أو المغترب بضرورة مراجعة القنصليات السورية، وتجنيبه ما يرافق ذلك من أعباء ومخاطر.
كذلك كان من الأفضل عدم الاكتفاء بمدة الشهرين السابقة لبدء هذه الأعمال والمنصوص عليها في المادة 7 من القرار رقم 186 لعام 1926، حيث أنها لا تراعي أصحاب العقارات المهجرين داخلياً وخارجياً. من الأفضل منح مدة أطول نسبياً، تتناسب مع ظروف التهجير التي يعيشها الكثير من السوريين، وكذلك كان لابد من تخصيص إيميل أو أكثر لتلقي الاعتراضات التي قد ترد على تلك الأعمال.
كذلك لم يتناول القانون “اعتراض الغير” صراحة على هذه القرارات، والتي تُعدّ نقطة أساسية بعد صدور قرارات إعادة التكوين، وربما أسنده بشكل غير مباشر لأحكام المادة 15 من القرار 188 لعام 1926 التي جاء فيها أن لكل شخص قد تضرر في حقوقه بسبب قيد أو تحوير أو ترقين حدث دون سبب مشروع، أن يحصل على إلغاء ذلك أو تحويره. لا يمكن إجراء أي إلغاء أو تحوير كان في قيود السجل العقاري بدون قرار قضائي، إلا إذا رضي بذلك، كتابة ذوو العلاقة.
كذلك تؤكد المادة 15 المذكورة على أنه لا يمكن في حال من الأحوال الاعتراض بالإلغاء أو بالتحوير تجاه الأشخاص الآخرين ذوي النية الحسنة. والقرار الذي يعطى بالإلغاء أو التحوير، لا يمكنه أن يقرر إلغاء الحقوق المكتسبة والمقيدة قانونياً قبل القيد المختلف فيه. وللفريق المتضرر أن يتذرع في هذه الحال بأحكام المادة 14 من القانون. تنص الأخيرة على أن كل من يتضرر من معاملة التسجيل يمكنه الادعاء مباشرة بعدم قانونية ذلك التسجيل على الشخص الثالث السيئ النية.
5.4. فترة الاستئناف القصيرة بالنسبة للمهجّرين وعائلاتهم:
ينص القانون على أن “استئناف الأحكام الصادرة في أثناء المعاملات القضائية، يجب أن يقدم في نفس الوقت الذي يقدم فيه الاستئناف على أساس الدعوى” كما أن “استئناف القرارات الصادرة من القاضي الفرد العقاري، يجب أن يقدم، تحت طائلة عدم قبوله، إلى محكمة استئناف المنطقة، في مهلة 15 يوماً ابتداءً من التبليغ الذي يجري وفقاً للشروط المعينة”.[16]
إنّ مدّة الاستئناف قصيرة للغاية بالنسبة لأوضاع السوريين المغتربين خارج القطر، إذ أن إصدار الوكالات القانونية[17] يستغرق شهوراً نظراً للشروط المطلوبة للحصول على وكالة، وبينها الموافقات الأمنية. كما أنّ هذه المدّة قد لا تحقق “حصول العلم” فعلاً من خلال التبليغ عبر الجريدة الرسمية وحدها، في حين أن القانون اعتبره بمثابة التبليغ الشخصي.
كذلك، وكما ذكرنا آنفاً، لم يستجب القانون رقم 33 لعام 2017 للتحدي المتمثل في مشكلة المناطق التي تم تهجير أهاليها والتي فُقدت الوثائق العقارية الخاصة بها خلال العمليات العسكرية. ويبدو هذا تدبيراً ممنهجاً ومتفقاً مع تدابير أخرى اتخذتها السلطة التنفيذية في سوريا وهدفت لجعل الكثير من أبناء هذه المناطق ملاحقين من قبل سلطات الأمن السوري بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية، الأمر الكفيل بمنعهم من المجازفة بالمثول والاعتراض أمام المحكمة المختصة.
ينتقص هذا الوضع من قدرة القانون على حماية الحقوق العقارية في سوريا. كان من الأولى بالقانون أن يفتح باب الاعتراض لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، عوضاً عن الاستئناف، كي يحقق القانون الغاية القصوى التي يُفترض أنه صدر من أجلها، وهي حماية حقوق الملكية في ظل النزاع الذي تشهده البلاد. كما كان يجدر به التأكد من نشر القرارات بطرق تضمن وصولها للمالكين المهجرين والمغتربين.
فالنص في الفقرة د من المادة 8 من القانون 33، بأن القاضي العقاري يصدر قرارات قطعية بتثبيت الوثائق العقارية الأولية غير المعترض عليها فور انتهاء مدة الاعتراض، يشير إلى أن الغاية من هذا القانون هي منح الذريعة للسلطة التنفيذية، ومن ورائها الأجهزة الأمنية، للتلاعب بمضمون السجلات العقارية من خلال التزوير وتغيير الحقائق، ولا سيما في المناطق التي شهدت تهجير سكانها الأصليين.
[1] المادة 1 من القرار رقم 188 لعام 1926 قانون السجل العقاري وتعديلاته.
[2] المرجع السابق نفسه.
[3] المادة 5 من القرار رقم 188 لعام 1926 قانون السجل العقاري وتعديلاته.
[4] يستثنى من ذلك الحالة المنصوص عليها في المادة 23 من القرار 189 لعام 1926 اللائحة التنفيذية لقانون السجل العقاري.
[5] تنص الفقرة 1 من المادة 825 من القانون المدني السوري لعام 1949 على ما يلي: “تكتسب الحقوق العينية العقارية و تنتقل بتسجيلها في السجل العقاري”.
[6] المادة 3 (أ) من القانون رقم 33 لعام 2017.
[7] المادة 2 من القانون رقم 33 لعام 2017.
[8] “وزارة الإدارة المحلية تصدر التعليمات التنفيذية لقانون إعادة تكوين الوثيقة العقارية“. موقع وزارة الإدارة المحلية والبيئة. نشر في 25 آذار/مارس 2018.
[9] المادة 2 (ب) من القانون رقم 33 لعام 2017.
[10] للمزيد من التفاصيل انظر المواد 379، 380، 381، 382 من القانون المدني السوري لعام 1949.
[11] “ما الفرق بين مدد التقادم ومدد السقوط؟” منشور على صفحة استشارات قانونية مجانية.
[12] “وزارة الإدارة المحلية تصدر التعليمات التنفيذية لقانون إعادة تكوين الوثيقة العقارية“. موقع وزارة الإدارة المحلية والبيئة. نشر في 25 آذار/مارس 2018.
[13] المرجع السابق نفسه.
[14] “سوريا: مخطط تنظيم جوبر وفق المرسوم 5 محاولة جديدة للاستيلاء على ممتلكات السكان“. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. نشر في 1 أيلول/سبتمبر 2022.
[15] المادة 4 من القانون رقم 33 لعام 2017.
[16] المادة 26 من القرار 186 لعام 1926 نظام التحرير والتحديد.
[17] للمزيد يمكن الاطلاع على تقرير صادر عن “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في 22 أكتوبر 2021 بعنوان “سوريا: تعميم من وزارة العدل يفرض “موافقات أمنية” لوكالات الغائب والمفقود“