قبل أحد عشر عامأ خرج الآلاف من السوريين والسوريات في مظاهرات سلمية عمَّت أنحاء البلاد، مطالبين باستعادة حرياتهم الأساسية والمشروعة التي حرموا منها على مدى عقود. بيد أنَّ هذا التحرك الذي أمِل السوريون بأن يقودهم إلى الديمقراطية، قد أودى بهم إلى “الهاوية“، وذلك حسب وصف لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا.
اليوم تدخل الانتفاضة السورية عامها الحادي عشر، مخلفاً وراءه عقداً من الحرب المأساوية التي لاتزال رحاها تدور طاحنةً آمال السوريين وحيواتهم في سلسلة غير متناهية من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي ارتكبت ولازالت ترتكب من قبل جميع أطراف النزاع دون حسيب ولا رقيب. وبدورنا كمنظمة حقوقية نجد في هذه الذكرى السنوية الفرصة للوقوف على ما آل إليه الوضع الإنساني في البلاد وعلى ما يجب علينا القيام به حياله.
وعليه، لابد لنا اليوم أن نلقي نظرة شاملة على الواقع الإنساني الراهن في سوريا، حيث لايزال عشرات الآلاف من السوريين والسوريات في عداد المفقودين، والمختفين قسرياً، والمعتقلين تعسفياً من قبل مختلف أطراف النزاع في مراكز احتجاز تشهد عمليات تعذيب وحشية – منها ما يفضي إلى الموت – وحالات ابتزاز مالي (طلب فدية). والوضع ليس أفضل بالنسبة لمن هم خارج السجون إذ لا تزال هناك مناطق في سورية تشهد أعمال عنف واسعة كمناطق عفرين، وإدلب ودير الزور. وعلاوة على ذلك، فإن الشعب السوري بمجمله يعاني من وضع اقتصادي مزري بنسبة فقر تجاوزت الـ 90 في المئة. وسط نقص حاد في الموارد الأساسية كالماء والوقود والكهرباء. وهذه المعاناة تتضاعف على من هم في مخيمات اللجوء والذين تستحيل عليهم العودة إلى ديارهم إما لأسباب أمنية أو بسبب فقدانهم لمنازلهم جراء الدمار الذي الحقه بها قصف القوات الحكومية أو بسبب مصادرتها من قبل الأخيرة أو معارضيها.
أدّى النزاع السوري إلى تهجير الملايين داخل البلاد وخارجها، وعلى الرغم من حقيقة أنَّ سوريا لاتزال غير آمنة، يواجه آلاف اللاجئين السوريين في أوروبا وتركيا تهديدات بالترحيل، وهو ما قامت به الأخيرة بالفعل حيث أعادت قسراً أكثر من 155 ألف لاجئ إلى سوريا بين عامي 2019 و2021، تعرض العديد منهم للاعتقال وسوء المعاملة والابتزاز من قبل الفصائل المسلحة إثر عودتهم. وعلى الرغم من توفر الأدلة القاطعة ضد مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، لاتزال عمليات مساءلتهم خجولة وغير ناجعة.
وفي ظل هذا الواقع القاتم، لا تزال “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تؤمن بأنَّ ما طالب به المتظاهرون قبل أحد عشر عاماً ليس عصياً على التحقيق، فباستمرارنا في السعي لا بدَّ لنا أن نصل إلى المستقبل الذي نصبو إليه في سوريا، ذلك المبني على أسس حقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة بين جميع السوريين دون أي شكل من أشكال التمييز. جميعنا كسوريون وسوريات نتقاسم مسؤولية بناء مستقبل سوريا الذي ننشده، ونحن في “سوريون” نرى أنَّ التماس هذا القصد يبدأ بالتوثيق النزيه والدقيق لانتهاكات حقوق الإنسان وبالتالي محاسبة مرتكبيها لضمان انتفائها في سوريا المستقبل. إننا نتطلع دائماً إلى دعمكم ومشاركتكم لنا في دورنا هذا، ونحن ندعم من جهتنا أي مبادرة أوتحرك في هذا الصدد.
أحد عشر عاماً مروا على الانتفاضة السورية السورية ولايزال السوريون بحاجة إلى اهتمام ودعم من المجتمع الدولي توصي سوريون من أجل الحقيقة والعدالة كل من:
- اللجنة الدستورية السورية التابعة للأمم المتحدة، بأن تراعي آراء واحتياجات جميع السوريين، بمن فيهم الأقليات، أثناء صياغة الدستور الجديد حيث يُعد الدستور العادل والمنصف، والمبني على أساس المساواة في حقوق الإنسان، خطوة مهمة نحو معالجة العديد من أوجه عدم المساواة القانونية في البلدان.
- الدول المضيفة للاجئين السوريين، بالاستمرار في توفير الأمن والاستقرار لهم ولطالبي اللجوء على حد سواء، وبالوقف الفوري لعمليات الترحيل والاحتجاز التعسفيين ضدهم.
- الحكومة السورية، بأن يفتح أبواب السجون وأماكن الاحتجاز أمام الهيئات الدولية مثل لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية مثل الصليب الأحمر ويسهل وصولهم إليها، وبأن يبلغ الأسر بمكان احتجاز أحبائهم، ويقدم شهادات وفاة لهم ومعلومات عن أماكن دفنهم في حال قضوا أثناء الاحتجاز.