شهدت مدينة عفرين يوم 13 شباط/فبراير 2021، اشتباكات عسكرية عنيفة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين فصيلي “الجبهة الشامية” و”جيش الإسلام” التابعان للجيش الوطني السوري/المعارض المدعوم من تركيا، أسفرت عن مقتل مدنيين اثنين ومقاتل، إضافة إلى إصابة سبعة مقاتلين من كلا الفصيلين، علاوة على أضرار مادية لحقت بمحلات تجارية ومنازل للمدنيين، وبقيت المدينة تعيش أجواء من التوتر الأمني وسط استقدام كلا الفصيلين تعزيزات عسكرية في محاولة لبسط نفوذ كل منهما على المنطقة، حتى بعد انتهاء الاشتباكات المباشرة.
وتشهد منطقة عفرين، وعفرين المدينة بشكل خاص حالة من الفلتان الأمني منذ سيطرة فصائل من المعارضة السورية المسلّحة عليها، مدعومة من الجيش التركي، وقد أسفرت إحدى المواجهات بين أشخاص غاضبين وعناصر من “فرقة الحمزة/الحمزات” خلال شهر أيار/مايو 2020، إلى كشف النقاب عن مركز احتجاز للفرقة، عُثر فيه على مجموعة من النساء المعتقلات (معظمهم كرديات) كان قدّ احتجازهم وإخفائهم من قبل الفصيل في فترات مختلفة.[1]
على إثر هذه الحادثة، قام الباحث الميداني لدى “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” والمتواجد في مدينة عفرين، بالتحدّث مع شهود عيان على الحادثة وعناصر من كلا الفصيلين ورصد الأوضاع في المدينة منذ اندلاع الاشتباكات وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير في 18 شباط/فبراير 2021.
-
ما الذي حدث؟
بتاريخ 13 شباط/فبراير 2021، وعند حوالي الساعة 01:30 ظهراً، قامت سيارة تابعة لفصيل “الجبهة الشامية” بمحاولة اعتقال رجل عند محل صرافة قرب مقر “جيش الإسلام” عند دوار كاوى،[2] بحسب شهود عيان وأيضاً مقطع فيديو تم نشره بتاريخ 15 شباط/فبراير، من قبل نشطاء محليين، حيث أظهر الفيديو وجود عناصر من “الجبهة الشامية” منتشرين في الشارع ذاته قبل وصول السيارة وقيامهم بمحاصرة مقر “جيش الإسلام”، وإطلاق النار باستخدام الأسلحة الخفيفة، وسرعان ما تطور الأمر وقاموا باستخدام أسلحة متوسطة من نوع “دوشكا” وقذائف “الآر بي جي”، واستمرت الاشتباكات بين الطرفين حتى قرابة الساعة 05:00 لتدخل بعدها قوات تركية بينهم جنرالات وقوات من لجنة “رد المظالم” لفضّ الاشتباك.
وبحسب شهود عيان ومصادر محلّية التقاهم الباحث الميداني لدى “سوريون”، فإنّ الرجل الذي حاول عناصر “الجبهة الشامية” اعتقاله هو شخص موالي لفصيل “جيش الإسلام”، ويعمل في عمليات تهريب البشر من سوريا إلى تركيا. حيث كان قد توجّه إلى مكتب الصرافة الواقع بجانب مقر “جيش الإسلام” لاستلام مبلغ مالي منه، وعندما حاول عناصر “الجبهة الشامية” اعتقاله تدخّل عناصر “جيش الإسلام” وتطور الأمر إلى اندلاع الاشتباكات، وتمكن الرجل/المهرّب من الهرب.
صورة رقم 1 – الصورة في الأعلى مأخوذة من مقطع الفيديو، وهي تظهر سيارة سوداء تعود لفصيل “الجبهة الشامية” عند مقر “جيش الإسلام ” عند دوار كاوى، الصورة في الأسفل توضح الموقع الجغرافي لمقر فصيل “جيش الإسلام” ضمن أحد الأحياء المدنية في عفرين.
وكان من اللافت لاحقاً، وبعد انتهاء الاشتباكات، العثور على جثة رجل ينحدر من مدينة حلب ولقبه “أبو وليد الدرعوزي/من عائلة الحلو”، ولديه محل صياغة للذهب في الشارع ذاته، حيث تمّ العثور عليه مقتولاً داخل محله الذي تعرّض للسرقة بالكامل، ولم يتمكن أحد حتى الآن من معرفة أي الأطراف المسلحة التي وقفت خلف عملية قتله ونهب محلّه، كما لم يعرف إذا ما كان قد قتل جراء الاشتباك أم بعد وصول قوات فض النزاع، إلا أن مقتل المدني وسرقة المحل تمت خلال الساعات التي حصل فيها الفوضى الأمنية في ظل تواجد عناصر الفصيلين فقط وقوات “فض النزاع” من لجنة ردّ المظالم.
أيضاً أسفرت الاشتباكات عن مقتل مقاتل من “جيش الإسلام” ورجل مدني (مصاب بشلل) كان داخل مقر “جيش الإسلام”، إضافة إلى إصابة 3 مقاتلين من “جيش الإسلام” و”4 من “الجبهة الشامية”، وبحسب أحد الشهود المدنيين الذين كانوا في الشارع لحظة اندلاع الاشتباكات فإن معظم المحلات التجارية أغلقت فور سماعهم إطلاق النار وقاموا بالفرار، كما أضاف الشاهد أن العديد من المحال والمنازل القريبة من موقع الاشتباك قد تعرّضت لأضرار مادية وأصيبت بشظايا أعيرة نارية.
وفي يوم 14 شباط/فبراير تم تشييع القتيلين (المقاتل والرجل المدني الذي قتل داخل مقر جيش الإسلام/ينحدرون من منطقة الغوطة الشرقية) وسط إطلاق نار كثيف من مسجد أبو بكر الصديق في مدينة عفرين وحضر التشيع قائد “جيش الإسلام” عصام البيوضاني المدعو “أبو همام البيوضاني”.
-
نهاية الاشتباك:
توقفت الاشتباكات بين الفصيلين بعد أن تدخلت القوات التركية وقوة من “لجنة رد المظالم” وتم الاتفاق على تشكيل لجنة من “رجال الدين” للنظر في الخلاف الحاصل وتم توقيف خمسة عناصر من فصيل “الجبهة الشامية” على أنهم المتسببين بالاقتتال. وبحسب أحد العناصر العاملين ضمن “لجنة رد المظالم” فإن العناصر الخمسة الموقوفين، كان من المفترض أن يتم حبسهم داخل سجن ضمن مقر “اللجنة” ولكن لم يتم وضعهم في السجن وإنما يتجولون داخل المقر ولم يعرضوا على التحقيق.
ورصد الباحث الميداني لدى “سوريون” استقدام “جيش الإسلام” لتعزيزات عسكرية من مدينة الباب، كما رصد وجود استنفار عسكري من جميع الفصائل المتواجدة في المدينة، ونقل الباحث عن أحد عناصر “الجبهة الشامية” عزم الأخيرة على اخراج “جيش الإسلام” من مدينة عفرين.
-
لمحة عن توزع نفوذ الفصائل في مدينة عفرين:
تتقاسم الفصائل المتواجدة في مدينة عفرين مناطق النفوذ فيها، ويحاول كل فصيل توسيع نفوذه لما في ذلك من مكاسب مادية كبيرة، فالفصيل المسيطر بالحي أو الشارع على سبيل المثال يتحكم بجميع العقارات التي تعود للسكان الأصليين من الكرد، ويقوم بتأجيرها أو بيعها أو استثمارها، وتعود المرابح المالية التي يجنيها الفصيل لصالح القادة والعناصر بشكل مباشر لا لصالح الفصيل العام. ورصد الباحث الميداني المتواجد في مدينة عفرين أبرز مناطق نفوذ كل فصيل وكانت كالتالي:
- حي الأشرفية منطقة نفوذ للجبهة الشامية
- حي الفيلات، منطقة نفوذ مشتركة بين أحرار الشرقية وأسود الشرقية وفيه مقر لفرقة الحمزة/الحمزات.
- حي طريق راجو منطقة نفوذ مشتركة بين فرقة السلطان مراد والجبهة الشامية.
- ساحة العلم منطقة نفوذ للواء الشمال (وهي المنطقة المحيطة بجامع أبو بكر الصديق).
- حي المحمودية منطقة نفوذ مشتركة لفرقة الحمزة والسلطان مراد وفيلق الرحمن.
- طريق إعزاز منطقة نفوذ مشتركة للجبهة الشامية والسلطان مراد.
- إضافة إلى تواجد مقرات لفصائل أخرى في المدينة.
صورة رقم 2 – نسخة عن اتفاق تشكيل لجنة للنظر في الخلاف بين فصيلي “الجبهة الشامية” و”جيش الإسلام” بعضوية “عبد المعز هلال” و “حسام سلامة” و “موفق العمر”.
صورة رقم 3 – نسخة عن اتفاق تشكيل لجنة للنظر في الخلاف بين فصيلي “الجبهة الشامية” و”جيش الإسلام” بعضوية “عبد المعز هلال” و “حسام سلامة” و “موفق العمر”.
[1] كيف أخفت “فرقة الحمزة” قسرياً نساء من عفرين؟. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 3 آب/أغسطس 2020. (آخر زيارة للرابط: 19 شباط/فبراير 2021). https://stj-sy.org/ar/%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%a3%d8%ae%d9%81%d8%aa-%d9%81%d8%b1%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d8%b2%d8%a9-%d9%82%d8%b3%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d9%8b-%d9%86%d8%b3%d8%a7%d8%a1-%d9%85%d9%86-%d8%b9%d9%81/
[2] وهي التسمية الخاصة بالدوّار قبل تغييرها إلى “دوار غصن الزيتون” من قبل الجيش التركي/الفصائل السورية المعارضة.