في هذا التقرير، تكشف “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عن تفاصيل حادثة الإعدام الميداني بحق المدنيين “تامر ا.” و”جمعة ح.”، كان قد أطلق الرصاص على رأسيهما من الخلف وأحرقت جثتيهما، وسط مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي، بتاريخ 25 نيسان/أبريل 2024.
قُتِل المدنيان للإشتباه بضلوعهما في تنفيذ تفجير في مدينة إعزاز بتاريخ 31 آذار/مارس 2024، أسفر عن قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، وأضرار مادية كبيرة. وجرت عملية القتل أثناء نقل “الشرطة العسكرية” المشتبه بهما إلى سجن في المدينة، تحضيراً لعرضهما على القضاء.
تروج السلطات المحلية لسردية أن مسلحين “ملثمين”، هاجموا دورية “الشرطة العسكرية” وانتزعوا المشتبه بهما، وقتلوهما في “تجاوزٍ لدور المؤسسة القضائية”. غير أن المعلومات الموثوقة التي حصلت عليها “سوريون” من مصادر هذا التقرير، تؤكد ضلوع عناصر من فصيل “الجبهة الشامية” في عملية القتل، وبموافقة قيادة الفصيل.
فعلياً، يسيطر فصيل “الجبهة الشامية”، بقيادة “عزام الغريب” (أبو العز سراقب)، على مدينة إعزاز،[1] بريف حلب الشمالي، كجزء من المنطقة المسماة بــ”درع الفرات”، التي يهيمن عليها “الجيش الوطني السوري” عسكرياً، تحت مظلة “الحكومة السورية المؤقتة”، المرتبطة بتركيا، والتي تتولى النواحي الإدارية، بما يشمل الجوانب القانونية والقضائية، بتوجيهٍ شبه كلي من المنسق التركي.
تشكل عملية قتل المشتبه بهما استمراراً لانتهاكاتٍ لا حصر لها في مناطق سيطرة الجيش الوطني، والتي يسودها الإفلات من العقوبة، في غياب دور القانون وانعدام فاعلية المؤسسات القضائية التابعة للحكومة المؤقتة. حيث تهمش الفصائل المسلحة دور هذه المؤسسات من خلال إنزالها العقوبات مباشرةً بمن تصنفهم “منتهكين” دون الرجوع للقضاء أو بقيامها بمهام يختص بها القضاء وحسب، كإجراء التحقيقات والتحقق من الأدلة التي من شأنها أن تضمن عدالة المحاكمات والعقوبات المفروضة. كما يساهم التدخل التركي المباشر في العمليات والقرارات القضائية في تقويض دور هذه المؤسسات، نازعاً عنها سمات الاستقلالية والنزاهة.
حيث سبق وأن طبق عناصر من فصيل “جيش الشرقية”، “حكم جلد” علني على شاب في مدينة الباب بريف حلب الشمالي، بتهمة “سب الذات الإلهية” دون إحالته للقضاء؛ كما اعتقل فصيل “الجبهة الشامية” 15 شاباً في مدينة إعزاز وحقق معهم بسبب التظاهر خلال مرور موكب تضمن مسؤولين أتراك بريف حلب الشمالي أيضاً، قبل إحالتهم إلى القضاء، حيث حرموا، بأوامر من المنسق التركي، من الوصول إلى إجراءات عديدة من شأنها ضمان خضوعهم لمحاكمة عادلة.
في هذا التقرير، تحقق “سوريون” في مقتل المشتبه بهما، الذي يشكل مثالاً آخر عن الخلل بمسارات المحاسبة في شمال غرب سوريا، حيث يحل “القصاص” بيد الفصائل المسلحة التابعة للجيش الوطني، بديلاً عن المحاكمات العادلة، الموكلة إلى المؤسسة القضائية.
يستند التقرير إلى مقابلتين أجراهما الباحث الميداني في “سوريون” مع مصدر عسكري من الجيش الوطني، وكذلك أحد سكان مدينة إعزاز، الذين شهدوا عملية الإعدام الميداني.
أجريت المقابلتان عبر الانترنت باستخدام تطبيق تواصل آمن. واطلع المصدران على الطبيعة الطوعية للمقابلة وطرق استخدام المعلومات التي شاركوها، ومن ضمنها نشر هذا التقرير، خلال أخذ موافقاتهم المستنيرة، فطلبوا عدم الكشف عن هوياتهم أو أي تفاصيل قد تدل عليها، نظراً لحساسية المعلومات التي أدلوا بها. بالإضافة إلى الشهادات، اطلعت “سوريون” على عدد كبير من المواد مفتوحة المصدر التي تناولت عملية القتل، وضمنت بعض المعلوات الواردة فيها في هذا التقرير، بعد التحقق منها.
-
التفجير والقبض على المشتبه بهما:
بتاريخ 31 آذار/مارس 2024 فجراً، شهدت مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي، انفجار سيارة مفخخة، هز سوقاً شعبياً وسط المدينة، قرب التقاطع الرباعي لسوق “إعزاز” المسقوف وشارع “الجسر” والشارع المؤدي إلى سوق “الهال” القديم.
أسفر الانفجار عن ضحايا في صفوف المدنين، حيث أدى إلى مقتل سبعة، بينهم طفلين وإمرأة حامل، وجرح 30 آخرين، بحسب مصدر في مشفى إعزاز الوطني تواصلت معه “سوريون”. فيما وثق “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء)، أضرار مادية كبيرة، طالت المحلات التجارية والمنازل المحيطة بموقع التفجير.
بالاعتماد على المصادر المفتوحة، حدد خبير التحليل الرقمي في “سوريون” موقع الانفجار التقريبي، ثم قامت سوريون بتصميم الصور التالية:
الصورة رقم (1) – تمّ ربط صور من مصادر مختلفة مع صورة أقمار اصطناعية (الصورة الخلفية) من أجل تحديد الموقع الدقيق للتفجير، بالإضافة إلى صورة تُظهر الآثار التي خلفها التفجير. مصدر الصور: بلال حسانو – الدفاع المدني السوري. الصورة رقم 1. الصورة رقم 2.
الصورة رقم (2) – تم ربط صور من مصادر مختلفة مع صورة أقمار اصطناعية (الصورة الخلفية) من أجل تحديد الموقع الجغرافي للتفجير من زاوية مختلفة. مصدر الصورة الأولى: الدفاع المدني السوري. مصدر الصورة الثانية: فراس المولى.
في الثالث من نيسان/أبريل 2024، أعلن صالح عموري، قيادي في الجيش الوطني، أن الجهاز الأمني في لواء “عاصفة الشمال”، أحد تكتلات فصيل “الجبهة الشامية”، قام “برصد المجرمين الذين فجروا السيارة وملاحقتهم وتم إلقاء القبض عليهم جميعا، بعد أيام من المتابعة والاستنفار”، في تصريحٍ نشر على صفحته الخاصة في “فيسبوك”.
وفي اليوم التالي لاعتقال المشتبه بهم، بث فصيل “الجبهة الشامية” تسجيلاً مصوراً، ظهر فيه شخصان، اعترفا بتنفيذ الانفجار. يعمل المتهمان بشحن البطائع بين مدينتي إعزاز ومنبج، التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وذكر أحدهما أن “أمنياً في الحزب”، في إشارة إلى “حزب العمال الكردستاني” (PKK)، أعطاه دولاباً “فيه عبوة ناسفة في منبج وطلب تفجيرها على حاجز ترندة في عفرين أو أي حاجز للشرطة العسكرية”.
يضيف المتهمان، أنهما فشلا في زرع العبوة في حاجز ترندة لكثرة كاميرات المراقبة، فقررا الذهاب “بعد ذلك لمدينة اعزاز ووضعنا العبوة في سيارة “سوزكي” في الساحة خلف البريد وسرنا خلفها حتى وصلت إلى مدخل السوق فقمنا بتفجير العبوة عن بعد”.
قال المتهمان كذلك، أن “الأمني” حول لهما مبلغ 700 دولار لقاء تنفيذ التفجير، فيما أشارت “الجبهة الشامية” إلى أنها “تحفظت على بعض المعلومات لضرورات التحقيق”.
هذا وقد خلصت تحقيقات فصيل “الجبهة الشامية” إلى ضلوع هذين الشخصين بتنفيذ التفجير بناءً على “دليلين”، وفقاً لمحمود فضل،[2] مصدر عسكري رفيع المستوى في الجيش الوطني:
“الأدلة ضد منفذي جريمة التفجير، كانت عبارة أن سيارة منفذي التفجير … ظهرت بالفيديوهات التي تم سحبها من الكاميرات الموجودة في الشارع تسير أمام السيارة التي تم تفجيرها. الدليل الثاني، كان عبارة عن أن أحد منفذي الجريمة كان قد تم التحقيق معه (في فترة سابقة لحادثة تفجير إعزاز) لوجود عبوة ناسفة في صهريج مازوت سيارته، … بعد نقل بضاعة من منبج إلى إعزاز. منفذي الجريمة لديهم مكتب لشحن البضائع من مناطق قسد إلى مناطق الجيش الوطني وبالعكس… وليس هناك أدلة غير الدليلين الذين ذكرتهم ومن ثم اعترافاتهم. بعد قراءة رقم السيارة تم اعتقال صاحبها وصديقه بسبب عملهم مع بعضهم البعض في مكتب الشحن”.
بعد أن انتهى فصيل “الجبهة الشامية” من “التحقيقات”، قام بتسليم االمشتبه بهما لدورية تابعة للشرطة العسكرية، لتنقلهما إلى السجن بهدف المحاكمة، بتاريخ 25 نيسان/أبريل.
في ذات اليوم، انتشرت أخبار عن مقتل المشتبه بهما وحرق جثتيهما في الموقع ذاته حيث حدث التفجير، بعد أن أعترض عناصر مسلحون و”ملثمون” طريق دورية الشرطة العسكرية، اقتادوا المتهمين، وأردوهما قتلى أمام تجمعٍ من المدنيين.
-
“الجبهة الشامية” خلف اللثام:
نشرت “الجبهة الشامية” بياناً (انظر الملحق رقم 1)، أدانت فيه الهجوم على دورية الشرطة، واختطاف المتهمين وقتلهما قبل خضوعهما للمحاكمة، مؤيدةً “القصاص من القتلة في المحرر … على أن يتم القصاص ضمن المنظومة القضائية الرسمية”.
وفي تركيزٍ على دورها في قضية التفجير، ادّعت أن مهامها اقتصرت على التحقيقات وجمع المعلومات اللازمة وإجراء ترتيبات مع الشرطة العسكرية لتسليمها المتهمين، “لتقديمهما للمحاكمة أصولاً”.
لكن المعلومات التي حصلت عليها “سوريون” من محمود فضل، المصدر العسكري في الجيش الوطني، تؤكد أن إعدام المشتبه بهما كان بقرار على متسوى قيادي في “الجبهة الشامية”.
يقول محمود أن وفوداً مدنية من أهالي إعزاز، شملت شيوخاً وتجار من المدينة، زارت قيادة الجبهة وطالبت “بإعدام المتهمين على العلن وفي مكان التفجير”، وأن القيادة أوضحت أن قرار الإعدام معطل في الشمال سوري، ولكنها وعدتهم بتنفيذ مطالبهم:
“القيادات العسكرية والأمنية في الجبهة الشامية، اجتمعت عدة مرات فقررت الإعدام ضد منفذي الجريمة ولكن لم تحدد الطريقة. في ذلك اليوم، سلمت الجبهة الشامية المنفذين إلى الشرطة العسكرية ولكن تم اعتراض الشرطة بالقرب من الساحة، وتم سحب المنفذين، دون أن يتم إطلاق طلقة نار واحدة لأن الأمر متفق عليه وموافق عليه من قبل قيادة الشرطة العسكرية في مدينة إعزاز، التي هي بالأصل موالية للجبهة الشامية. والسيارات التي سحبت منفذي التفجير من الشرطة العسكرية هي سيارات المكتب الأمني للجبهة الشامية المعروفة لأهالي اعزاز وشرطتها المدنية والعسكرية.”
تدعم المعلومات التي أدلى بها محمود إفادة فايز عبد العال،[3] أحد تجار المدينة، الذين شهدوا عملية قتل المتهمين، والذي قال:
“كانت البداية بوصول ثلاث سيارات “هايلوكس” (بيضاء/فضية اللون) من المكتب الأمني للجبهة الشامية إلى ساحة إعزاز، ووقوفهم في منتصف الساحة ثم نزول عناصر المكتب الأمني ومعهم شخصين على عيونهم عصائب سوداء، وبدأ الأهالي بالتجمع حولهم، وبعد ربع ساعة تم إطلاق النار على رؤوس منفذي التفجير من الخلف، وتكلم أحد عناصر الجبهة الشامية أنه يتم تنفيذ حكم القصاص منهم”.
نوه فايز أن سيارات “الجبهة الشامية” تتحرك بحرية في المدينة، حيث أنها تعتبر منطقة أمنية عائدة للجبهة ومحاطة بحواجز، مشتركة مع الشرطة العسكرية، مضيفاً أن العناصر “نفذوا الحكم” دون أن يقترب منهم أو يمنعهم أحد، مضيفاً:
“كان هناك فرح من الحاضرين بتنفيذ حكم القصاص، وبادر بعضهم بسكب البنزين على المنفذين وإحراق الجثث وقد شارك الأطفال في ذلك. وجهة النظر هنا أنه يتم قتلهم بالمثل بالحرق كما فعلوا مع المرأة وجنينها”.
غادرت سيارات المكتب الأمني مكان الحدث بعد عشر دقائق، بعد أن أطلق العناصر الرصاص في السماء “احتفالاً بتطبيق حد القصاص”، لتأتي “الشرطة العسكرية”، بعدها بساعة، وتأخذ الجثث وتدفنها في مقبرة على أطراف مدينة إعزاز، وسط شائعاتٍ برفض العائلات تسلم جثث القتلى، بحسب ما قاله فايز.
الصورة رقم (3) – لقطة شاشة من فيديو يظهر إحاطة عناصر مسلحون و”ملثمون” يحيطون بأحد المشتبه بهما بالضلوع بتفجير إعزاز قبل إطلاق الرصاص عليه في الرأس من الخلف. المصدر: الشاهد فايز عبد العال.
بالاعتماد على المصادر المفتوحة، حدد خبير التحليل الرقمي في “سوريون” موقع “عملية الإعدام”، والتي نفذت في “السوق المسقوف” على بعد بضعة أمتار فقط عن موقع التفجير المدرج أعلاه.
صورة رقم (4) – بالاعتماد على الشهادات التي جلبتها “سوريون” والمصادر المفتوحة، تم تصميم الصورة التالية، حيث تم دمج صورة أقمار اصطناعية (الصورة الخلفية) إضافة إلى صور من مصادر مفتوحة تم تحديد الموقع الجغرافي لعملية الإعدام استناداً عليها. كما تظهر في الصورة سيارات، يطابق عددها (3)، ولونها ما ورد في إفادة الشاهد فايز عبد العال. مصدر الصورة الأولى: شبكة إعزاز نيوز. مصدر الصورة الثانية: مكتب إعزاز الإعلامي.
الصورة رقم (5) – تظهر فيها جثث المشتبه بهما بالضلوع بتفجير إعزاز بعد إطلاق الرصاص عليهما في الرأس من الخلف، تظهر الصورة عصابة سوداء حول رقبة أحدهما. المصدر: الشاهد فايز عبد العال.
الصورة رقم (6) – إحراق جثث المشتبه بهما بعد إطلاق الرصاص عليهما في الرأس من الخلف من قبل عنصر الجهاز الأمني التابع لـ”الجبهة الشامية”. المصدر: الشاهد فايز عبد العال.
-
الجناة يفلتون من العقاب:
بتاريخ 25 نيسان/أبريل، أصدرت “الحكومة السورية المؤقتة” بياناً (انظر الملحق رقم 2)، أكّدت فيه السردية التي تبنتها “الجبهة الشامية” عن مسؤولية “أشخاص ملثمين” عن اختطاف المشتبه بهما خلال نقلهما من قبل دورية الشرطة العسكرية، وقتلهما خارج نطاق القانون. أدانت الحكومة ما وصفته بــ”العمل الإجرامي”، وقالت أنها قامت “بالإيعاز لوزارة الدفاع والجهات الأمنية والقضائية المختصة بملاحقة الجناة وإلقاء القبض عليهم، تمهيداً لتقديمهم للعدالة.”
فيما اختارت وزارة الدفاع، التابعة للحكومة المؤقتة، وصف “مجهولين” للإشارة إلى الأشخاص الضالعين بقتل المشتبه بهما، في بيانٍ نشرته بتاريخ 25 نيسان/أبريل 2024 أيضاً (انظر الملحق رقم 3). قالت الوزارة، “تم فتح تحقيق من قبل جهاتنا المختصة بحق الأشخاص الذين اختطفوا منفذي الهجوم الإرهابي من أيدي الجهات الأمنية والقضائية وقتلوهما”، مؤكدةً أنه “ينبغي إجراء المحاكمات وفرض العقوبات على جميع المجرمين من خلال محاكم عادلة ومستقلة فقط”.
خلافاً لمزاعم وزارة الدفاع، بفتحها تحقيقاتٍ في عملية القتل، قال محمود فضل:
“من تم اعتقالهم، هم شابين مدنيين شاركوا بإحراق الجثث وتم تصويرهم وتوقيعهم على تعهد والإفراج عنهم. وكانت هذه المبادرة حتى لايتم السماح للشرطة العسكرية بفتح تحقيق او مشاركتها أي تحقيقات عن القضية”.
مؤكداً أن:
“تصرف الجبهة الشامية كان بناء على رغبة قيادات الجبهة الشامية ومقاتليهم وبعض وجهاء اعزاز في القصاص من المنفذين … الطريقة المثلى، كانت اتباع طريقة أحرار الشرقية بقتل مغتصب الطفل وقاتله في منطقة نبع السلام”.
في العام 2022، شهدت مدينة رأس العين/سري كانيه، الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني، حادثة قتلٍ مشابهة بحق مشتبه به في اغتصاب طفل في المدينة، حيث قتل “ملثمون” المشتبه به خلال عملية نقله من مقر الشرطة العسكرية إلى مقر الشرطة المدنية، بغرض عرضه على القضاء. لاحقاً، كشفت التحقيقات عن مسؤولية مجموعة من فصائل الجيش الوطني، على رأسها “أحرار الشرقية”، عن عملية القتل، والتي تمت بالاتفاق على مستوى قيادي وبتنسيق مع الشرطة العسكرية. وفي تقاطع مع حادثة هذا التقرير أيضاً، لم تفتح تحقيقات رسمية للقبض على الجناة، وإنما أعلنت الفصائل رسمياً عن تأييدها لقتل المشتبه به.
-
قتل خارج نطاق القانون:
-
محلياً:
يعتبر قتل المشتبه بهما بالطريقة التي وردت في هذا التقرير جريمة قتل خارج إطار القضاء، ومن قبل أشخاص غير مكلفين بإنفاذ القوانين، وما يدعيه فصيل “الجبهة الشامية” بخصوص اعترافاتهما لا يمكن الركون إليه كدليل قاطع على ارتكابهما للجرم المسند إليهما، خاصةً إن كانت تلك الاعترافات قد انتزعت منهما نتيجة التعذيب الذي من المحتمل أن يكون قد مورس عليهما أثناء فترة الاعتقال، وهذا الأسلوب يعتبر نهجاً متبعاً من قبل فصائل الجيش الوطني في المناطق الخاضعة لسيطرتها. ثم إنّ الاعتراف وحده لا يكفي لإدانة المشتبه بهما بالجرم المسند إليهما، إن لم يترافق بأدلة أخرى داعمة، وإن لم يحدث الاعتراف أمام جهة قضائية متخصصة، ولا يمكن الاعتماد إلا على الأدلة التي قُدمت أثناء المحاكمة وتناقش فيها الخصوم بصورة علنية (المادة 176 من قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري)، وهذا لم يحدث في الحالة موضوع هذا التقرير. ثم وعلى فرض صحّة تلك الاعترافات، كان من الواجب عرض المشتبه بهما على جهة قضائية متخصصة للتحقيق في ظروف القضية وملابساتها، ومن ثم إصدار الحكم القانوني السليم، وذلك وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري لعام 1950، كون الحكومة السورية المؤقتة والجهات والمؤسسات التابعة لها تزعم تطبيق القوانين السورية المعمول بها قبل عام 2011.[4]
وبالعودة إلى القوانين السورية التي تزعم الحكومة المؤقتة التزامها بها، فإن قانون العقوبات السوري رقم 148 لعام 1949 قد جرَّم التعدي على حرمة الأموات، وإتلاف الجثة كلها أو بعضها (المادتين 463- 465)، وحرق جثتي المغدورين يعتبر من أكبر الانتهاكات لحرمة الميت واتلافاً للجثة.
وتجدر الإشارة هنا إلى إنه حتى لو تم عرض المشتبه به على القضاء الموجود في تلك المنطقة وثبوت الجرم بحقه، فإن تلك المحاكم لا يحق لها إصدار حكم الإعدام، لأن القضاء في تلك المناطق يعلن تمسكه بتطبيق القانون السوري، والأخير يشترط لتنفيذ حكم الإعدام بعد صدور الحكم القضائي المبرم، استطلاع رأي لجنة العفو، بالإضافة إلى موافقة رئيس الدولة،[5] وهذا الأمر غير متوفر في منطقة وقوع الجرم كونها خارج سيطرة الحكومة السورية.
-
دولياً:
قتل المشتبه بهما دون عرضهما على القضاء يعتبر انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني ولا سيما المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، التي حظرت إصدار الاحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة، ويعتبر الحق في المحاكمة العادلة من الحقوق الأساسية للمتهم وفق ما تم النص عليه في المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948، والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966.
ونظراً إلى أن المشتبه بهما في هذه الحالة لم يحظيا بالحد الأدنى من الضمانات القضائية الواجب توفيرها من قبل المجموعات المسلحة ذات الصلة، وقتلهما خارج نطاق القضاء يشكل جريمة القتل العمد بالمعنى الوارد في المادة الثامنة من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، والمستمدة من المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع، وبالتالي قد يرقى لجريمة حرب، وهذا يستدعي من القيادات المسؤولة في تلك الفصائل اتخاذ تدابير فورية لمحاسبة المتورطين.
ويتحمل القادة العسكريون للمجموعات المسلحة غير الحكومية خلال النزاع المسلح المسؤولية الجنائية في حال علموا، أو كان يفترض أن يعلموا، بأن مرؤوسيهم قد ارتكبوا جرائم حرب ولم يقم هؤلاء القادة بمحاسبتهم. وفي سبيل ذلك، قد يعتبر القائد مسؤولاً مسؤولية جنائية في حال لم يفعّل النظام القضائي المتوفر في نطاق سيطرته للمحاسبة على جرائم الحرب.
أما بخصوص حرق الجثث بعد عملية القتل، فقد أوجب القانون الدولي الإنساني المتمثل باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977، عدم الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعدم اللجوء الى المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة، ولو تعلق الأمر بجثث الموتى، كما إنه يتوجب على أطراف النزاع البحث عن جثث الموتى أو القتلى من الطرف الآخر، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع سلبها أو سرقتها، وفي حال عدم التمكن من تسليمها للطرف الآخر بسبب الحرب وظروفها، يجب دفنها وفقاً لشعائر دين الميت ومذهبه، ولا يجوز حرق الجثث إلا لأسباب صحية قهرية أو لأسباب تتعلق بديانة الميت. إضافة الى ذلك، فإن المادة الثامنة من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية إعتبرت إن الأنتهاكات الجسيمة لإتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 تندرج ضمن خانة جرائم الحرب، ولاشك إن إنتهاك حرمة الموتى أثناء العمليات العسكرية تشكل خرقاً لإتفاقيات جنيف المذكورة، وبالتالي تجب محاسبة كل من قام بجريمة التمثيل بالجثث أمام قضاء نزيه وعادل، كذلك أكدت القاعدة 113 من قواعد القانون الإنساني الدولي العرفي على ضرورة ان يتخذ كل طرف في النزاع كل الإجراءات الممكنة لمنع سلب وتشويه جثث الموتى.
الملحق رقم (1)- بيان إلى الرأي العام بخصوص مقتل المتهمين في تفجير مدينة إعزاز، صدر عن “الجبهة الشامية” بتاريخ 25 نيسان/أبريل 2024.
الملحق رقم (2)-بيان للرأي العام، صدر عن “الحكومة السورية المؤقتة” بتاريخ 25 نيسان/أبريل 2024.
الملحق رقم (3)-بيان صدار عن وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” بتاريخ 25 نيسان/أبريل 2024.
____________________________________________________________________________________________________________________
[1] أسست “الجبهة الشامية” عام 2014، من اتحاد مجموعة من أكبر الفصائل المسلحة في حلب، وهي “كتائب نور الدين الزنكي، جيش المجاهدين، الجبهة الإسلامية، تجمع فاستقم كما أمرت، جبهة الأصالة والتنمية، صقور الشام”. يقود الجبهة حالياً، “عزام الغريب” (أبو العز سراقب)، والذي يعد من تيار “مهند الخلف” (أبو أحمد نور) قائد الفصيل السابق.
يشكل عناصر “الجبهة الشامية” القسم الأكبر من تعداد “الفيلق الثالث” في “الجيش الوطني السوري”؛ ويسيطر الفصيل على كامل مدينة إعزاز، وكان قد طرد في وقتٍ سابق من مدينة عفرين بعد اقتتال مع “هيئة تحرير الشام”.
[2] اسم مستعار لمصدر عسكري قابله الباحث الميداني في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عبر الإنترنت بتاريخ 1 أيار/مايو 2024.
[3] اسم مستعار لمصدر محلي قابله الباحث الميداني في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عبر الإنترنت بتاريخ 3 أيار/مايو 2024.
[4] الفقرة رقم 70 من تقرير لجنة التحقيق الدولة المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، الصادر بتاريخ 31 كانون الثاني/يناير 2019.
[5] نصت المادة 43 من قانون العقوبات السوري بأنه “لا ينفذ الحكم بالإعدام إلا بعد استطلاع رأي لجنة العفو وموافقة رئيس الدولة.”