في أواسط شهر آذار/مارس 2022، أبلغ “مكتب الإعلام” التابع للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في إقليم الجزيرة، عدداً من الصحفيين المستقلين، من غير المنضويين إلى صفوف “اتحاد الإعلام الحر“، بضرورة الحصول على بطاقة عضوية “الاتحاد” المقرّب من الإدارة الذاتية، والانتساب إليه كشرط لاستكمال تجديد رخص العمل السنوية والحصول على بطاقات المهمة الصحفية التي تصدر عادة عن “دائرة الإعلام” في الإدارة الذاتية، وهو ما سوف يدفع بالصحفيين/ات إلى الانضمام إلى نقابة محددة دون غيرها.
برر عدد من المسؤولين في مكتب الإعلام هذا القرار الذي تمّ إبلاغ الصحفيين به شفهياً، بأنّه استند على بنود اللائحة التنفيذية لقانون الإعلام الجديد رقم (3) لعام 2021، والذي تمّت المصادق عليه في الثامن عشر من أيار (مايو) من العام 2021، من قبل المجلس العام في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
راجعت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” قانون الإعلام الجديد رقم (3) ولم تجد أي شرط يفرضه القانون على أي صحفي/ة بالانتماء إلى اتحاد أو أي رابطة مهنية لمزاولة عمله في شمال شرق سوريا.
-
ما هو اتحاد الإعلام الحر؟
تأسس اتحاد الإعلام الحرّ عام 2012، في المناطق التي سيطرت عليها وحدات حماية الشعب YPG آنذاك، لتسيير عمل الوسائل الإعلامية التي بدأت بالعمل عقب تراجع سيطرة الحكومة السورية في هذه المناطق، وبحسب النظام الداخلي للاتحاد فهي مؤسسة نقابية مهنية مستقلة تعمل من أجل الحفاظ على الحقوق المعنوية والمادية للإعلاميين وترسيخ حرية الرأي والتعبير وتلتزم بالقوانين المعمول بها في شمال وشرقي سوريا وفق قيم الحرية والعدالة والمساواة بين الجنسين.
إلاّ أنّ هنالك عدد من الصحفيين/ات والناشطون/ات اللذين قابلتهم “سوريون” يقولون بأنّ “الاتحاد” مؤسسة تابعة للإدارة الذاتية بالرغم من إعلانها عن استقلاليتها، وأن السلطات في شمال شرق سوريا، تتدخل في قراراتها وتدعمها مالياً.
-
ما هي بطاقة المهمة الصحفية؟
تمنح دائرة الإعلام في الإدارة الذاتية للصحفيين والعاملين في المؤسسات الإعلامية في مناطق الإدارة الذاتية بطاقة باسم “بطاقة المهمة الصحفية”، ومدة صلاحيتها سنة كاملة، يسمح بموجبها للصحفي/ة وصاحب الامتياز الذي هو إمّا مالك الوسيلة أو المفوض بتسيير عملها أو يمثلها في مناطق الإدارة الذاتية.
الإجراء الجديد أوقف منح بطاقة الصحفية السنوية للمتقدمين إليها من الصحفيين لحين استكمال الأوراق المطلوبة وتسجيل عضوية اتحاد الإعلام الحرّ، وهو ما يشكّل مخالفة لقانون الإعلام النافذ في شمال شرق سوريا.
وقد علمت “سوريون” أنّ دائرة الإعلام وبالتزامن مع تجديد الرخصة السنوية لعدد للمؤسسات الإعلامية العاملة في شمال وشرقي سوريا (أصحاب الامتياز)، قامت بتسليم تلك الرخص جانب مهمات صحفية مؤقتة لمدة شهر أو شهرين إلى حين اتمام الإجراءات المطلوبة للانتساب إلى اتحاد الإعلام الحرّ.
إلاّ أن منح الرخص لأصحاب الامتياز للوسائل الإعلامية العاملة في المنطقة لم تتم لجميع المؤسسات، فقد قال أحد أصحاب الامتياز، وهي إحدى الجهات العربية الدولية في شمال وشرقي سوريا ، لـ”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” أنّه لم يستلم تجديد رخصة عمل مؤسسته بعد أن تقدم بالرغم من صدورها من دائرة الإعلام في شمال وشرقي سوريا.
وبحسب المصدر ذاته، والذي فضل عدم ذكر اسمه، فإن مكتب الإعلام في إقليم الجزيرة لم يجدد له المهمة الصحفية التي يقوم بتجديدها شهرياً لعدم انتسابه لاتحاد الإعلام الحرّ وهو ذات الشرط الذي لا يسمح له باستلام التجديد السنوي لرخصة عمل مؤسسته في المنطقة، مضيفاً أنه رغم اعتراضه على هذه الشرط وأحقيته بالحصول على تجديد رخصة عمل مؤسسته إلا أنه لم يتلقَ أي ردّ حتى الخامس والعشرين من آذار/مارس 2022.
-
شرط خارج قانون الإعلام:
من جهة أخرى يرى أحد الصحفيين العاملين في مناطق شمال وشرقي سوريا، الذي فضل هو الآخر عدم ذكر هويته، إن شرط الانتساب إلى اتحاد الإعلام الحرّ غير موجود في قانون الإعلام المعمول به في مناطق الإدارة الذاتية. وأضاف:
“إن انتماء الصحفي إلى اتحاد أو نقابة هو خيار شخصي وهناك إطار تنظيمي آخر في المنطقة وهو شبكة الصحفيين الكرد ويمكن للصحفيين الانتماء إليه أو لا، إلا أنه يبقى خياراً شخصياً.”
وأوضح الصحفي ذاته أن انتماء أي صحفي لأي إطار ليس شرطاً للحصول على المهمة الصحفية بحسب القانون، وأن القرار الجديد يراد منه إثبات هوية الشخص المتقدم لطلب المهمة الصحفية على أنه بالفعل صحفي، واستدرك قائلاً:
“العديد من الصحفيين العاملين في المنطقة معروفين ولديهم أرشيف من المواد و ليست هناك حاجة من أن يثبت اتحاد الإعلام الحرّ على أنه يمارس العمل الصحفي من خلال ثبوت عضويته في الاتحاد.”
وختم قائلاً إن اللائحة التنفيذية الصادرة مؤخراً تنسف في بنودها توجه وروحية قانون الإعلام الجديد الذي يقرّ في بنوده حماية حقوق الصحفيين العاملين وتوسيع هامش الحرّية الصحفية في المنطقة.
-
لا تعليق من “شبكة الصحفيين الكرد السوريين”:
تواصلت “سوريون ” مع شبكة الصحفيين الكرد السوريين للتعليق على قرار دائرة الإعلام حول شرط انضمام الصحفيين إلى اتحاد الإعلام الحرّ؛ إلا أن مسؤوليه رفضوا التعليق لعدم اطلاعهم على بنود اللائحة التنفيذية التي بموجبها يبلغ الصحفيين/ات بهذا الشرط على حد قولهم.
وشبكة الصحفيين الكرد السوريين هي أطار تنظيمي إعلامي مستقل، يضم الإعلاميين السوريين المؤمنين بخصوصية الهوية الكردية ، للارتقاء بالواقع الإعلامي مهنيآ بحسب تعريفها الرسمي وهي مرخصة لدى الإدارة الذاتية كنقابة للصحفيين في شمال وشرقي سوريا بحسب مسؤوليها.
-
لا مسوغ قانوني للإدارة الذاتية لفرض عضوية الاتحاد:
بحسب المسؤولين في دائرة الإعلام، ونقلاً عند عدد من الصحفيين/ات في شمال شرق سوريا، فإن الانتساب إلى اتحاد الإعلام الحرّ يساعد في حماية حقوق الصحفيين وتسهيل التعامل معهم من قبل الإدارة الذاتية. لكن قانون الإعلام الصادر عن الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، لا يحتوي أي إشارة لشرط انتساب الصحفي إلى أي اتحاد أو نقابة صحفية سواء في معرض تعريفها للإعلامي (المادة 1) أو أي مواد أخرى، كما يتعامل القانون مع جميع الاتحادات على حدّ سواء والتي جاء تعريفها في القانون على أنها مؤسسات وأطر مهنية تعمل على حماية الحقوق المدنية والمعنوية للإعلاميين والصحفيين في المنطقة (الفقرة 7/1).
-
رؤية القانون الدولي لفرض الانتساب كشرط لمزاولة المهنة:
في سياق القانون الدولي لحقوق الإنسان، يُعتبر العمل الصحفي انعكاساً للحق الجماعي في حرية التعبير، حيث إن الجمهور المتلقي للمحتوى الإعلامي الصحفي يمتلك هذا الحق، وبالتالي فإن تقييد حرية الصحفيين في العمل لا يمسّ حقهم الفردي في حرية التعبير وحسب، إنما تدخلاً في حق كل فرد في حرية التعبير، وهو ما أكدته أيضاً لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم 10. وبناء على ذلك، فإن صلاحية السلطات في تنظيم عمل الصحفيين والعمل الإعلامي إجمالاً تختلف عن تنظيم عمل المحامين والأطباء على سبيل المثال، حيث لا يرتبط عمل هؤلاء بالحق الجماعي لحرية التعبير.
علاوة على ذلك، يجب أن تنحصر الإجراءات التنظيمية للعمل الإعلامي والصحفي في هدف حماية وتعزيز حرية التعبير وتمكين العاملين في هذا المجال والجمهور من البحث عن المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها، وليس أن تُستغل كأداة سياسية لمنع الصحفيين من النشر على سبيل المثال.
كما يجب أن تكون أية إجراءات لتنظيم العمل الصحفي – في ضوء هذا الهدف حصراً – ومن ضمنها إجراءات الترخيص، منطقية وموضوعية وواضحة وشفافة وغير تمييزية والأهم أن تكون متوافقة تماماً مع باقي أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان.[1] وفي هذا السياق، يمكن أن يتم تأسيس سلطة ترخيص مستقلة وعامة مهمتها مراجعة طلبات النشر ومنح التراخيص، على ألاّ تكون هذه السلطة بأي شكل من الأشكال وسيلة لاحتكار الإعلام من قبل السلطات كما أكدت ذلك لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في ملاحظاتها الختامية على التقارير الدورية للعديد من الدول مثل غويانا وروسيا وإيطاليا وغيرها.
وفي ضوء ما سبق، إن اشتراط منح تراخيص العمل الصحفي والإعلامي بالعضوية في كيانٍ ما كاتحاد أو نقابة أو أي مؤسسة بعينها – سواء رسمية أو خاصة – يعتبر تورطاً من قبل السلطات في احتكار هذا العمل، وبالتالي انتهاكاً لحق العاملين والجمهور في حرية التعبير. وعدا عن أن السلطات يقع عليها التزام سلبي بعدم القيام بهذا الاحتكار، فهي ملزمة إيجاباً بمنع ومحاسبة أية جهات أو أطراف تفرض مثل هذه الحالات الاحتكارية.[2]
وبناءً عليه، لا يمكن للسلطات التذرع بنصوص قانونية أو لوائح إجرائية لاعتبار شرط العضوية مشروعاً، لأن النصوص أو اللوائح التي تفرض ذلك هي بحد ذاتها مخالفة للأحكام القانونية الضامنة لتمتع الجميع بالحق في حرية التعبير. ويُعتبر الرأي الاستشاري لمحكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان عام 1985 سابقة ومرجعاً دولياً في الفقه القضائي بخصوص اشتراط السلطات انضمام الصحافيين لنقابة معينة لمنحهم تراخيص العمل. لقد أقرت المحكمة أن حصر العمل الصحفي عبر هذه الإجراءات أو القوانين يسيطر على الحق في حرية التعبير وبالتالي يتحول إلى قاعدة أساسية لانتهاك الحق في المعلومات، وأن أنظمة الترخيص المشابهة هي انتهاك واضح للحق في حرية التعبير.
______
[1] لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 34، المادة 19: حرية الرأي والتعبير، وثيقة رقم CCPR/C/GC/34، منشورة بتاريخ 12 أيلول/سبتمبر 2011، الفقرة 39، متوفر عبر الرابط: https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/G11/453/29/pdf/G1145329.pdf?OpenElement
[2] المصدر السابق، الفقرة 40.