تشهد مناطق محافظتي إدلب وحلب الواقعة تحت نفوذ “هيئة تحرير الشام” و”الجيش الوطني السوري/المعارض” المدعوم من تركيا، فقدان واختفاء عشرات الأفراد شهرياً، حيث يختفي هؤلاء في ظروف غير معروفة حتى لسلطات الأمر الواقع أحياناً، ويبقى ذويهم بانتظار عودتهم لأشهر وأحياناً لسنوات دون سماع خبر عنهم.
ظاهرة الفقد ليست جديدة في تلك المناطق، إلا أنها لا تلقى اهتمام الجهات المسيطرة التي ما تزال عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من الأمن والسلامة للأفراد. على العكس، أحياناً يتبين أنّ مجموعات مرتبطة بتلك السلطات هي مسؤولة عن إختفاء العديد من الأشخاص.
أمّا على الصعيد الإنساني، فلم يحظ المفقودون وعائلاتهم باهتمام كافٍ من وسائل الاعلام المحلية أيضاً (بحسب الأهالي أنفسهم)، واقتصر العون الذي تتلقاه العائلات للبحث عن أحبائهم، على جهود من مبادرات فردية وبإمكانيات شبه معدومة.
ولغرض تسليط الضوء على معاناة ذوي المفقودين ولمعرفة بعض أسباب ظاهرة الفقد، تحدثت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة مع “حسن المحسن” أحد العاملين في “مكتب شؤون الجرحى والمفقودين” والذي يعنى بتوثيق حالات الفقد في مناطق سيطرة كل من “هيئة تحرير الشام” والجيش الوطني السوري ، وقال “المحسن” في إفادته ما يلي:
“هناك مفقودون تم خطفهم بدافع الفدية وآخرون فقدوا على خلفية نزاعات عشائرية أو نتيجة عمليات ثأر بين العائلات والطوائف، هؤلاء غالباً ما يكون مصرهم مجهولاً وفي بعض الأحيان ولاسيما في حالة الخطف يعود المخطوف، لذلك لا يمكن الجزم بأن كل شخص تم فقده يكون معتقلاً لدى جهة ما.”
خلال عام 2021، وثق “مكتب شؤون الجرحى والمفقودين” اختفاء وفقد 731 بينهم 91 طفلاً، وقد عاد من مجمل المفقودين 588 شخصاً، في حين ما يزال 143 شخصاً في عداد المفقودين، وفي الشهر الأول من عام 2022 تم توثيق اختفاء وفقد 79 شخصاً بينهم 9 أطفال وفي الشهر الثاني بلغ عدد المفقودين 59 وما يزال جميعهم في عداد المفقودين.
وفي هذا التقرير تسلط “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الضوء على حالتين لمفقودين وذلك بناء على رغبة ذويهم، وتناشد السلطات المحلية لاتخاذ إجراءات جدية حول ظاهرة الاختفاء التي تطال العشرات شهرياً.
-
حالة “أسامة شويكي” و”أسامة رضوان”:
بتاريخ 19 أيار/مايو 2018، فُقِد أثر كل من “أسامة بسام شويكي” و”أسامة رضوان رضوان”، أثناء توجههما من مدينة معرة النعمان جنوبي محافظة إدلب إلى منطقة عفرين بغرض البحث عن عمل، حيث غادرا معرة النعمان في السادسة من صباح ذلك اليوم وكان من المفترض أن يلتقيا أحد أقاربهما في مدينة إدلب ومن ثم اكمال الرحلة إلى عفرين، ولكن اللقاء لم يتم وفُقد أثرهما وما يزالان مفقودان حتى اليوم.
ينحدر “شويكي” و”رضوان” من الغوطة الشرقية في محافظة ريف دمشق وقد تم تهجرهما قسراً مع آلاف المدنيين باتجاه محافظة إدلب بعد سيطرة القوات الحكومية السورية على الغوطة الشرقية، وفُقد أثرهما بعد أقل من شهرين على استقرارهما في معرة النعمان.
قامت عائلة الرجلين (بينهما صلة قرابة حيث أن أسامة رضوان هو والد زوجة أسامة شويكي) بالبحث عنهما بعد اختفائهما، حيث ترجح العائلة اختفائهم قبل وصولهم إلى مدينة إدلب ولكن مع ذلك تواصلت مع عناصر وقيادات في مناطق سيطرة القوات التركية والجيش الوطني وأيضاً مع أشخاص وعناصر ضمن مناطق نفوذ هيئة تحرير الشام، كما قامت العائلة بالبحث عنهما ضمن النقاط الطبية ومخافر الشرطة ولكن دون جدوى.
صورة رقم (1)، صورة المفقود أسامة بسام شويكي.
صورة رقم (2)، صورة المفقود أسامة رضوان.
-
حالة المختفي “قصي السلوم”:
بتاريخ 24 حزيران/يونيو 2015، فُقد أثر “قصي السلوم” أثناء توجهه من منزله في قرية اللقنية إلى قرية الجديدة في منطقة جسر الشغور في محافظة إدلب، وذلك على الطريق الزراعي الواصل بين القريتين.
أحد أصدقاء المفقود واسمه “طارق” قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة أن “قصي” كان متوجهاً إلى ما يسمى “مجلس القضاء” الذي كانت تديره “هيئة النصرة” آنذاك من أجل استعادة معدات خاصة بالمجلس المحلي لجسر الشغور والحصول على إذن بمتابعة عمل المجلس المحلي، وأضاف صديق المفقود :
“عند مغيب شمس ذلك اليوم شاع خبر فقدان قصي، قمنا مع عدد من أهالي القرية بتمشيط الطريق الواصل بين القريتين ذهاباً إياباً ولم نعثر على أي أثر يعود لقصي، أيضاً قمنا بالبحث في كافة النقاط الطبية في المنطقة وأبلغنا فرق الدفاع المدني باختفائه وأيضاً أبلغنا مخفر الشرطة والقوة الأمنية التابعة للنصرة، لم نجد له أثر، وصل بنا الحال أن قمنا بالسؤال عنه في سجون فصائل الجيش الحر والفصائل الإسلامية، والجميع أنكر وجوده.”
بعض أهالي المنطقة يتهمون “أبو عمر تركماني” (مسؤول مكتب القوة الأمنية لجبهة النصرة آنذاك) باعتقال “قصي السلوم” وإخفاءه وذلك بسبب خلافات سابقة بينهما ولأن “التركماني” كان قد اعترف بأنه التقى “السلوم” على الطريق الزراعي أثناء عودة الأخير باتجاه قريته، ولكنه نفى اعتقاله، بل على العكس من ذلك فقد قال بأنه أبدا استعداه لتسليم المعدات المصادرة، وأن كل واحد منهما تبع طريقه.
مضى سبع سنوات على فقد “قصي” وما تزال طفلتاه اللتان تعيشان مع والدته دون أي معيل بانتظار معرفة مصيره.
صورة رقم (3)، المفقود قصي السلوم.