تشعر “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ببالغ القلق إزاء التقارير التي تفيد ببيع روسيا لحبوب منهوبة من منشآت تخزين أوكرانية تقع في المناطق التي بسطت سيطرتها عليها.
إنَّ مثل هذا الفعل من شأنه أن يسهم في انعدام الأمن الغذائي ويفاقم أزمة الغذاء التي يعيشها العالم اليوم نتيجة الحرب ضد أوكرانيا والتي يشكل استمرارها تهديداً للأمن الغذائي العالمي، وذلك لأنَّ محاصيل الطرفين المتنازعين في هذه الحرب تشكل أكثر من ربع صادرات العالم من الحبوب.
وبعد أن تمَّ توثيق تعرض مخازن الحبوب في أوكرانيا للدمار، ارتأت الأمم المتحدة ضرورة إعادة فتح طرق النقل من موانئ البحر الأسود ولا سيما ميناء “أوديسا” وذلك للتخفيف من أزمة الغذاء والسماح لأوكرانيا ببيع الثمانية والعشرون مليون طن من الحبوب المتبقية لديها. وإلى ذلك، فإنه من الضروري تأمين طرق الشحن هذه ورصد شحنات القمح المسروق من قبل روسيا وذلك لضمان الحفاظ على الأمن الغذائي على مستوى العالم.
صرحت الحكومة الأوكرانية مؤخراً بأنَّ روسيا تقوم بسرقة القمح الأوكراني منذ شهر شباط/فبراير الفائت، وقد وصل وزن ما سرقته لنصف مليون طن بقيمة 100 مليون دولار. ويتهم “تاراس فيسوتسكي”، نائب وزير الزراعة في أوكرانيا، روسيا أيضاً بسرقة آلات زراعية من بلاده تقدر قيمتها بـ 15 إلى 20 مليون دولار.
كما قال سفير أوكرانيا لدى أنقرة “فاسيل بودنار” بأنَّ روسيا تشحن الحبوب المسروقة إلى بلدان أجنبية بعضها يخضع لعقوبات غربية. وأكد مسؤولون أميركيون أنه في 16 أيار/مايو، أرسلت روسيا شحنات حبوب إلى 14 دولة، معظمها في شمال وشرق إفريقيا، بالإضافة إلى باكستان وبنغلاديش وتركيا وسريلانكا. وعلى الرغم من صعوبة معرفة مصدر هذه الحبوب، إلا أنَّ هناك مؤشر يرجح أن تكون مسروقة وهو أنَّ روسيا تبيعها بأسعار زهيدة.
وفي السياق نفسه، ذكرت السفارة الأوكرانية في بيروت مؤخراً، أنَّ روسيا أرسلت إلى سوريا حوالي 100,000 طن من القمح المسروق. إنَّ تسيير شحنات الحبوب للدول المذكورة آنفاً يعكس اعتمادها على الواردات لتلبية احتياجاتها الغذائية كما يبين حجم الحاجة العالمية إلى المعونات الإنسانية، فتركيا على سبيل المثال هي من أكبر المستهلكين لصادرات القمح الروسي والأوكراني، حيث بلغت نسبة القمح 74% من وارداتها في عام 2019.
وبعيد اتهامه لتركيا بشراء الحبوب المسروقة صرَّح “بودنار” بأنه سيعمل مع الأخيرة والإنتربول لكشف الأشخاص المسؤولين عن صفقة الشراء هذه، وبالتالي رفع دعاوى جنائية ضدهم من قبل كلا البلدين. ومن الجدير ذكره هنا هو أنَّ “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” كانت قد أجرت تحقيقات في عام 2020 حول عملية بيع محاصيل سورية مسروقة إلى تركيا وتبين أنَّ هذه المحاصيل بيعت مباشرة إلى “مجلس الحبوب التركي” من قبل قادة الجماعات المسلحة السورية المعارضة و”شركة السنابل”، التي تدار من قبل فصيل “الجبهة الشامية“.
أكدت الشهادات والمعلومات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بين نيسان/أبريل، وآب/أغسطس 2020، أنه خلال عملية “نبع السلام” وقعت 12 حادثة سرقة ومصادرة للمحاصيل، بالإضافة إلى ست حوادث مصادرة قسرية للأراضي في مختلف أنحاء رأس العين/سري كانيه وتل أبيض. وذكرت المصادر أنه تمت مصادرة أكثر من 17,000 دونم من الأراضي المزروعة بالقمح والشعير والذرة من قبل ست جماعات مسلحة تابعة لـ “لجيش الوطني السوري” المعارض.
كان لهذه الانتهاكات أضرار بالغة على أصحاب الأراضي كما أنها أثرت على جميع سكان المنطقة سواء المقيمين أوالنازحين إليها من مناطق أخرى من البلاد. وعلى الرغم من أن تركيا لم تكن هي المرتكب المباشر لهذه الانتهاكات إلا أنها كدولة احتلال تتحمل المسؤولية عن تصرفات الجماعات والأفراد الذين يعملون على الأرض تحت إمرتها.
وللمفارقة، فإنَّ تركيا تقوم بدور الوسيط في عملية إعادة فتح موانئ البحر الأسود لتسهيل عملية التصدير، في الوقت الذي تستحوذ فيه على محاصيل الحبوب المسروقة، الفعل الذي يسهم بشكل مباشر في أزمة الغذاء العالمية ويؤثر بشكل خاص على السكان المدنيين الرازحين تحت نير الحرب.
وفي ضوء هذه المعلومات المستجدّة، فإنَّ “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”:
- تدعم بقوة جهود السفير الأوكراني بتعاونه مع الإنتربول وتركيا للتحقيق في عملية شراء الحبوب المسروقة وتدعوهم جميعاً لاتخاذ أي مبادرات تسهم في حماية الحبوب الأوكرانية من السرقة.
- تدعو جميع البلدان إلى احترام حق المجتمعات المحلية في أرضها وحقها في الوصول إلى الغذاء، وتقديم المعونة الإنسانية لمحتاجيها في خضم هذه الأزمة الغذائية العالمية، على أن يكون ذلك على قدم المساواة ودون أي تسييس.
- توصي الأمم المتحدة بإنشاء آلية مستقلة للتحقيق في سرقة الحبوب على مستوى العالم، والبحث في تأثير ذلك على حق شعوب العالم في الوصول إلى الغذاء، وتدعوها إلى اقتراح آليات تمكن المدنيين من الإبلاغ عن مضبوطات القمح والمطالبة بمساءلة المتورطين.