تعرضّت أربع مدن رئيسية في محافظة إدلب لعدة غارات جوية متزامنة طالت مناطق مأهولة بالسكان، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 15 شخصاً معظهم نساء وأطفال إضافة إلى العديد من الجرحى، وذلك يوم 12 تموز/يوليو 2019 حيث رصد الباحثون الميدانيون لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة الغارات التي طالت كلاً من مدن إدلب وجسر الشغور وأريحا ومعرة النعمان. في حين شهدت مدينة معرشورين غاراتين متزامنتين يوم 16 تمّوز/يوليو 2019 وقتلت ما لا يقل عن 12 شخصاً بينهم أطفال.
1. القصف على إدلب المدينة:
صباح يوم الجمعة 12 تموز/يوليو 2019 وفي حوالي الساعة التاسعة والربع، شنت طائرة حربية من طراز “سيخوي 24” غارة جوية بأربع صواريخ على ثلاثة شوراع فرعية تضم منازل سكنية ضمن “حي القصور” من الجهة المؤدية إلى دوار السبع بحرات في إدلب المدينة، وتسبب القصف بمقتل رجل مدني اسمه محمد راتب ملحم وإصابة 13 شخصاً بجروح. وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة والمقيم في مدينة إدلب، فإن أول صاروخ سقط قرب “مجلس بلدية إدلب” وكان يبعد عنه حوالي 20 متراً فقط، أما الصاروخ الثاني سقط قبالة بناء سكني مأهول بالسكان وفيه مكتب لمنظمة “ركين”، أما الصاروخ الثالث والرابع ققد سقطا قرب بعضهما على بنائين سكنيين أحدهما مأهول بالسكان والآخر غير مأهول يقعان على مقربة من مركز إيواء مؤقت لنازحين من محافظة حمص وأيضاً على مقربة من مبنى فرع “الأمن العسكري” التابع للحكومة السورية سابقاً.
وتقع الأماكن المستهدفة على مقربة من شارع القصور العام الذي شهد مؤخراً عمليات تفجير عدة وثقتها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.[1]
صورتان خاصتان بسوريون من أجل الحقيقة والعدلة تظهر الأضرار الناتجة عن قصف طال بناء سكنياً قبالة مكتب منظمة “ركين” في مدينة إدلب يوم 12 تموز 2019:
تحدث الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى عدد من شهود العيان الذين يقيمون في المناطق المستهدفة، حيث قال أحد متطوعي الدفاع المدني/الخوذ البيضاء “عمار الحمدو” والذي يقيم قرب مركز الإيواء المؤقت الذي سقط الصاروخ قربه:
” لقد تمّ استهداف الحي الذي أقيم فيه بصاروخين، كان من واجبي كمتطوع ضمن الخوذ البيضاء أن أبلغ عن المكان الدقيق للإستهداف، أبلغت عن الموقع واطمئننت على طفلتي وعائلتي وارتديت الزي الرسمي لي، وعلى الرغم من إصابتي السابقة وبطء الحركة لدي نزلت أنا وأخي إلى الحارة وبدأت سيارات الإسعاف بالتوافد وتم إسعاف عدد من المصابين، وعندما تأكدنا من خلو الحارة من المصابين قمت بنقل عائتلي إلى مكان آخر، حيث لم يعد هذا المنزل صالحاً للسكن.”
أيضاً، تحدثت إحدى النساء المقيمات في الحي عن تضرر منزلها جراء القصف، حيث قالت:
“لقد كنا نائمين عندما سقط الصاروخ قرب المنزل، لقد تكسر زجاج النوافذ ووقع علينا، لقد خرجنا سالمين من المنزل ولكن كنا خائفين أن يعاود القصف مرة أخرى، لقد تركنا المنزل ونزحنا لأن هذه المنطقة تستهدف باستمرار ومعظم السكان فيها قد نزحوا سابقاً، لقد أصبحت موحشة.”
وقال الطالب الجامعي محمود ضبعان والمقيم في الحي:
“لقد كانت اللحظات الأولى للقصف مرعبة، نحن نقيم في الطابق الرابع، خرجت إلى الشرفة على الفور لأشاهد موقع القصف لكن كان قريباً جداً منا وقريبا من منزل أخي، ذهبت على الفور إلى هناك وعندما وصلت كانت فرق الدفاع المدني قد انتشلت قتيلاً وأسعفت عدداً من الجرحى.”
2. القصف على مدينة أريحا:
عند الساعة التاسعة وعشر دقائق من صباح يوم الجمعة 12 تموز/يوليو 2019، قامت طائرة حربية بشن غارة جوية على حي سكني في مدينة أريحا، وأسفرت عن مقتل ستة أشخاص وإصابة 22 آخرين بينهم 8 أطفال، وبحسب المراصد المدنية والتي تراقب حركة الطيران بواسطة أجهزة خاصّة فإن الطائرة التي نفذت الغارة كانت من نوع سيوخوي 24 تابعة للجيش النظامي السوري.
وكان من بين القتلى؛ الطفل طارق مصطفى أحمدو/ذكر ونرجس عز الدين/أنثى وفاطمة أحمد ريحاوي/أنثى وبكور أحمد ومحمود/ذكر حمشو وطاهر أحمدو/ذكر.
تحدثت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى الناشط المحلي “أمجد أكتلاتي” الذي توجه إلى المكان المستهدف بعد أقل من عشر دقائق على وقوع الغارة، حيث قال:
“لقد كانت الغارة بثلاثة صواريخ سقطت دفعة واحدة في المكان ذاته عند حارة قرب سوق الهال، وتضم الحارة منازل عادية وبعض الأبنية المؤلفة من طابقين فقط، وصلت إلى المكان المستهدف بعد نحو عشر دقائق وكان الناس في حالة هلع شديد وهناك الكثير من الدماء والمصابين، سمعت صرخات المصابين يستنجدون بنا لاسعافهم وبعضهم يحاول الوصول إلى سيارة الاسعاف، ورأيت بعض النسوة يحملن أطفالهن ويركضن بسرعة بشكل عشوائي محاولات الابتعداد عن المكان قدر الامكان.”
3. القصف على مدينة جسر الشغور:
في حوالي الساعة التاسعة صباحاً من يوم الجمعة 12 تموز 2019، شنت طائرة حربية من نوع “سيخوي 22” غارة جوية على مدينة جسر الشغور، وطالت الغارات المنطقة الواقعة قرب مشفى المدينة وتسبب بأضرار جزئية فيه، إضافة إلى مقتل 5 أشخاص وجرح تسعة آخرين. وتحدث الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إى أحد المدنيين الناجين من القصف والذي قال:
“في منتصف ليل الخميس/الجمعة صباحاً، قامت قوات النظام المتمركزة في معسكر جوين بقصف المدينة بصواريخ عدة وسقط أحدها قرب منزلي نتيجة لذلك أصيبت إحدى قريباتي، وفي الصباح عند الساعة التاسعة تقريباً من يوم الجمعة شنت طائرة حربية غارة جوية على المدينة، وسقط ثلاثة صواريخ منها في الحي الذي أقيم فيه وبعيداً عن منزلنا بمسافة لا تزيد عن 30 متراً، وكان أحد الصواريخ قد سقط بين منزلي ومنزل والدي، ما تسبب بإصابة شقيقتي جراء الشظايا، خرجت من منزلي وتوجهت لمنزل أهلي وقمت بإخراجهم من المدينة مع عائلتي، وأرسلتهم إلى إحدى القرى الحدودية مع تركيا، وتوجهت مع بعض الشبان لاتمام عملية الإسعاف، حيث قمنا بانتشال طفل وامرأة كانت مشوهة، وكان هناك عدد من القتلى في المشفى الذي رأيت أنه قد تضرر بشكل جزئي حيث أن القصف كان قريباً منه، وبعد عشر دقائق من وصولي للمشفى سمعنا صوت غارة جديدة، كانت على بعد نحو 200 متر فقط ولم تسفر عن أي خسائر بشرية.”
4. القصف على مدينة معرة النعمان:
قال الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة والمقيم في مدينة معرة النعمان، إنه في حوالي الساعة الواحدة والنصف ظهراً من يوم الجمعة 12 تموز 2019 شنت ظائرات حربية يعتقد أنها تابعة للقوات السورية غارة على أحد الأسواق الشعبية في المدينة ما تسبب بدمار في المحلات التجارية ودمار أحد أفران الخبز في حي الساطعية، إضافة إلى مقتل 3 مدنيين وإصابة 14 آخرين بجراح، وأشار الباحث أن المكان المستهدف لم يكن مكتظاً بالناس كالمعتاد الأمر الذي قلل من حجم الخسائر البشرية.
5. القصف على قرية معرشورين:
بتاريخ 16 تموز/يوليو 2019، شنت طائرة حربية من نوع “سوخوي “22 غارة مزدوجة على مدينة معرشورين، وأسفرت عن مقتل 12 شخصاً بينهم أطفال إضافة إلى إصابة أكثر من 10 آخرين.
وبحسب شهود العيان وناجين من القصف الذين تحدثت معهم سوريون من أجل الحقيقة والعدالة فإن الغارة الأولى وقعت في منزل قرب الساحة الرئيسية، أما الغارة الثانية وقعت بعد نحو خمس دقائق فقط من الاستهداف الأول وكانت في الساحة الرئيسية مباشرة.
وقال الناشط المحلي “حافظ ترمان” والذي كان متواجداً في الساحة لحظة القصف في حديث مع سوريون من أجل الحقيقة والعدالة:
“لقد كنت أحد الناجين من القصف، كان المنزل المستهدف بعيداً عني بضعة أمتار، كان صوت انفجار الصاروخ قوياً جداً وسمعت صراخ النساء والأطفال في المنزل الذي سقط فيه الصاروخ، في الحظات الأولى احتميت من الشظايا، ومن ثم رأيت طفلاً مصاباً وشخصين قد قتلا، وسمعت عبر القبضة /جهاز لاسلكي أحد المراصد المدنية يطلب فض التجمعات على الفور لأن الطيران مايزال في الأجواء من المحتمل تنفيذ ضربة جديدة في المكان ذاته، وهذا ما حدث، حيث نفذت الطائراة غارة أخرى عند ساحة القرية الرئيسية وهناك تتركز المحال التجارية، وأسفر ذلك عن مقتل سبعة أشخاص بينهم أطفال وشاهدت أيضاً بعض الأشلاء.”
وأيضاً، تحدث أحد المدنيين واسمه “حذيفة الشحاد” للباحث الميداني حول الغارات حيث قال:
” قُبيل وقوع الغارة كنت جالساً مع عائلتي نتناول الفطور، وسمعنا فجأة صوت سقوط صاروخ تبعه انفجار قوي جداً، اعتقدنا في البداية أن الصاروخ سقط في منزلنا وبدأ أطفالي والنساء في المنزل بالصراخ والبكاء، خرجت من المنزل حافي القدمين ورأيت أن الصاروخ سقطت على بعد شارعين من المنزل وركضت إلى هناك، كان الأطفال والنساء يهربون وتمكن بعض الأشخاص من إسعاف طفلتين مصابتين بواسطة سيارتهم المدنية، حاولت مع باقي الأشخاص تفريق الناس وإخلاء المكان تحسباً من استهداف آخر.”
وتابع:
“بعد نحو خمس دقائق من الاستهداف الأول كنت قد وصلت إلى الساحة الرئيسة وعلى بعد أقل من 100 متر عني سقط الصاروخ الثاني، رأيت الانفجار كاملاً وهنا عدت إلى منزلي لأرتدي ملابسي والحذاء لأستطيع التحرك بشكل أسرع، وخرجت مجدداً إلى الساحة وعندما وصلت رأيت أن الناس قاوا بانتشال أربع جثث كانوا قد قتلوا مباشرة، وبدأت البحث عن ناجين، دخلت إلى محل أمجد الأحمد ورأيته ميتاً داخل محله وجثته بين عبوات المنظفات، حملناه إلى السيارة ووجدت شاباً آخر ميتاً عند مدخل منزل يوسف الحمدو وقام المسعفون بحمل الجثة، واصلت البحث بين الأنقاض وانتظرنا سيارة الإطفاء حيث كان هناك حريق جراء احتراق براميل محروقات داخل دكان جميل الأحمد، قمنا بتفريق الناس وجمع الأشلاء وبقايا الجثث ووضعناها في كيس، وبعد نحو ساعة ونصف من البحث والعمل وجدنا الشاب وائل المحمد ملقياً على الأرض في محل مازن السامي وقمنا بإسعافه، لقد كانت حلة هلع شديدة ودمار هائل.”
–
[1] ثلاث تفجيرات في إدلب وعمليية إعدام جماعي على خلفيتها، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بتاريخ 20 آاذار/مارس 2019، آخر زيارة للرابط بتاريخ 18 تموز/يوليو 2019 https://stj-sy.org/ar/1227/.