بتاريخ 18 نيسان/أبريل 2022، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد القانون رقم 20 لعام 2022، الخاص بـ”الجريمة المعلوماتية”، والقاضي بإعادة تنظيم القواعد القانونية الجزائية للجريمة المعلوماتية التي تضمنها المرسوم التشريعي رقم 17 للعام 2012، المتعلق بتطبيق أحكام قانون التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية.
وبررت السلطة التشريعية في سوريا الأسباب الموجبة لإصدار القانون “رقم 20” في هذا التوقيت، بسبب ارتفاع نسبة “الجريمة المعلوماتية” في المجتمع السوري كنتيجة للتطور التقني والتكنولوجي، ولحماية المصالح القانونية، وتنظيم الحريات في العالم الافتراضي و”الحد من إساءة استعمال الوسائل التقنية”.
وادّعت السلطة التشريعية أن القانون رقم 20 يعيد التأطير القانوني لمفهوم الجريمة المعلوماتية، ليشمل عدة أشكال من السلوك الإجرامي المرتبط بالمعلومات ونظم المعلومات.
-
التمهيد للإعلان عن القانون رقم 20:
سبق إصدار القانون “رقم 20” بحوالي أربعة أشهر، تسريبات نشرتها “صحيفة الوطن” المقربة من الحكومة السورية، حول مشروع تعديل قانون الجرائم المعلوماتية رقم 17 لعام 2012 (والملغى حالياً بعد صدور القانون رقم 20).
وتضمنت تسريبات الصحيفة معلومات حول تشديد العقوبات عن الجرائم المرتكبة على الشبكة العنكبوتية ومن ضمنها منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تشديد الغرامات المالية لتصل إلى عشرة ملايين ليرة سورية – وهو ما تم بالفعل بموجب القانون الجديد الذي حمل الرقم 20 لعام 2022.
وكان رئيس فرع مكافحة جرائم المعلوماتية في وزارة الداخلية، العقيد “لؤي شاليش”، قد صرّح لـ”وكالة سانا“، في 24 تشرين أول/أكتوبر 2021، أي قبل تسريبات جريدة الوطن، بأنّ الوزارة قد نظمت أكثر من 1200 ضبط منذ بداية كانون الثاني/يناير 2021، وأوقف 160 شخصاً أغلبهم ارتكبوا جرائم الاحتيال عبر الشبكة أو الابتزاز أو الذم والتشهير بالآخرين.
وبحسب شاليش، توجد جرائم إلكترونية أخرى يمكن أن “تمسّ هيبة الدولة”، كما تُعتبر الإساءة للرموز الوطنية أو الإدارات العامة أو القضاء أو موظف يمارس السلطة العامة جريمة يعاقب عليها القانون، وتتصدى لها الضابطة العدلية بعلم المحامي العام في المحافظة.
تعتقد “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” أن أحد الأسباب التي دفعت الحكومة لإصدار قانون “الجريمة المعلوماتية” رقم 20 لعام 2022، هي ازدياد حدّة النقد والسخرية والتّهكّم التي تتعرض لها الحكومة السورية بمختلف مستويات إداراتها (رئيس الحكومة – وزراء – موظفين.. إلخ) في الآونة الأخيرة على منصات التواصل الاجتماعي، بسبب تردي الأوضاع المعيشية للناس وعدم قدرة السلطات السورية على تأمين الاحتياجات الأساسية لهم للناس في مناطق سيطرتها من خبز وكهرباء ومياه وخدمات صحية ومواصلات عامة وغيرها.
-
ما هو قانون الجريمة المعلوماتية رقم 20 لعام 2022؟
شمل تعريف القانون “رقم 20” للجريمة الإلكترونية في مادته الأولى أي سلوك مجرَّم يقترف بواسطة وسائل تقانة المعلومات، يستهدف المعلومات أو نظم المعلومات أو يرتبط بإضافة محتوى رقمي على الشبكة. أي كافة أشكال وأنماط المحتوى الرقمي من منشورات أو صور ربما قد تكون موجودة على منصات التواصل الاجتماعي، والتي قد تُعتبر “سلوكاً إجرامياً”.
وضمّ القانون 50 مادة قانونية، هدفت إلى إعادة وضع مبادئ قانونية جزائية جديدة لمفهوم الجريمة المعلوماتية، والتي كان يتضمنها القانون رقم 17 لعام 2012، والمعروف باسم “قانون التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية”.
كما تشدّد القانون الجديد للجريمة المعلوماتية في موضوع الغرامات المالية المفروضة على تلك الجرائم الواقعة في الفضاء المعلوماتي، وأصبحت تلك العقوبات ماسّة بحرية الأفراد. وغدت الغرامات المالية أكثر قسوة من نظيرتها الواردة في قانون العقوبات العام، إذ تتراوح مدة عقوبة السجن بين شهر واحد إلى 15 سنة، فيما تتراوح الغرامات المالية ما بين 200 ألف ليرة سورية إلى 15 مليون ليرة سورية.
علماً أن القانون رقم 20 لعام 2022 دخل حيز النفاذ/التطبيق في سوريا بتاريخ 18 أيار/مايو 2022، حسب (المادة 50) منه والتي نصت على ما يلي: “يُنشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويعد نافذاً بعد شهر من تاريخ صدوره.”
ترى “سوريون” أن المقصود بعبارة المحتوى الرقمي الواردة في المادة الأولى من القانون، هي أي كتابة للمنشورات على صفحات التواصل الاجتماعي، والتعليقات التي ترد على المنشور الخاص بالشخص، إضافة إلى التعليق على منشورات الآخرين أو إعادة نشر محتويات المنشور لأفراد أو صفحات أخرى. وساوى القانون الجديد بين النشر وإعادة النشر من حيث التجريم والعقاب، بحسب ما ورد في المادة 35 منه “يعد إعادة النشر على الشبكة بحكم النشر من حيث التجريم والعقاب”.
وبالتالي، وسّع القانون الجديد من صلاحية السلطات التنفيذية السورية في استهداف شرائح جديدة من السوريين، ولم يترك لهم أي مساحة للتعبير عن رأيهم بالكتابة بكافة أشكالها، وبذلك يكون قد خالف الفقرة الثانية في “المادة 42” من الدستور السوري النافذ لعام 2012، والتي نصت على أن حرية الاعتقاد مصونة وفقاً للقانون، “لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة“.
وعطفاَ على ما سبق، فإن هذا التعريف المستحدث في المادة الأولى من القانون “رقم 20” لعام 2022، جاء بشكل موسع وفضفاض بحيث يستهدف السوريين/ات على منصات التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، علماً أن هذا التعريف الجديد جاء بشكل مختلف عما كان وارداً في القانون السابق/ الملغي (رقم 17 لعام )2012.
-
استغلال تعريف الجريمة المعلوماتية:
طرأ تغيير على تعريف الجريمة المعلوماتية في القانون رقم 20 لعام 2022، بحيث أصبح فضفاضاً أكثر، وهو ما قد يمكّن الحكومة السورية من استغلاله في ملاحقة السوريين قضائياً بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
إذ عرّفت المادة الأولى من القانون رقم 17 لعام 2012، الجريمة المعلوماتية، بأنها جريمة ترتكب باستخدام الأجهزة الحاسوبية أو الشبكة أو تقع على المنظومات المعلوماتية أو الشبكة.
أما المادة الأولى من القانون الجديد، عرفتها بأنها سلوك مجرَّم وفقاً لأحكام هذا القانون، يُقترف بواسطة وسائل تقانة المعلومات، يستهدف المعلومات أو نظم المعلومات أو يرتبط بإضافة محتوى رقمي على الشبكة.
ويمكن الاستنتاج من التعريف الجديد الموسع الوارد في القانون رقم 20 لعام 2022، عن وجود نيّة لدى الحكومة السورية في تضيق مساحات التعبير المعدومة أصلاً للذين يعبرون عن حنقهم وغضبهم على الحكومة الحالية على المنصات الإلكترونية (على الفيسبوك وغيره من منصات التواصل)، بحيث يمكن للسلطات التنفيذية أن تستغل هذا التعريف المنصوص عليه في القانون الجديد كذريعة جديدة لتجريم شرائح أوسع من السوريين، لم يكن بالإمكان تجريمها سابقاً وفق القانون السابق رقم 17 لعام 2012. ويضع أيضاً بين أيدي الحكومة السورية وسيلة أخرى لملاحقة المواطنين السوريين المنتقدين للموظفين الحكوميين (الأجهزة التنفيذية) قضائياً، من خلال “المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي”.
-
أنواع الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 20 لعام 2022:
نصّ القانون رقم 20 لعام 2022، على زمرتين من الجرائم المعلوماتية: إحداها يتعلق بالجرائم المعلوماتية العادية/التقليدية (الواقعة على الأشخاص الطبيعيين)، مثل جرائم الاحتيال القانوني وانتهاك الخصوصية والذمّ والقدح الإلكتروني ونشر تسجيلات صوتية أو مرئية غير مشروعة دون رضا صاحبها، والجرائم المتعلقة بالبطاقة الإلكترونية وسرقة المعلومات، بحسب ما ورد في المواد 30 و31 من القانون الجديد.
والأخرى، جرائم تسمى “الجرائم المعلوماتية الواقعة على أمن الدولة الداخلي”، أي الجرائم غير التقليدية، وهي تلك الأفعال التي تقع على الدستور وتنال من هيبة الدولة أو مكانتها المالية والإساءة إلى الأديان والمقدسات والشعائر الدينية، بحسب ما ورد في المواد (27 و 28 و 29) من القانون الجديد.
ومن الملاحظ أن تلك الجرائم الواقعة على الأمن الداخلي في النطاق الإلكتروني، هي جرائم مستحدثة. بمعنى أنه تلك الجرائم لم تكن موجودة في القانون السابق للجريمة الالكترونية رقم 17 لعام 2012.
علماً أن نفس الجرائم (النيل من هيبة الدولة ومكانتها والجرائم الواقعة على الدستور)، موجودة سابقاً في قانون العقوبات السوري العام رقم 148 لعام 1949 وتعديلاته الأخيرة التي وردت في القانون رقم 15 لعام 2022 الصادر بتاريخ 28 آذار/مارس 2022. وبالتالي ارتكاب الجرائم على الشبكة المعلوماتية تم اعتباره شرطاً مشدّداً عما هو موجود في قانون العقوبات العام.
- مآخذ القانون رقم 20 لعام 2022:
يعتبر أحد أهم عيوب القانون رقم 20 لعام 2022، بأنه قانون متداخل مع أحكام وجرائم واردة في قوانين أخرى، وخاصة تعديلات قانون العقوبات الأخير، الواردة في القانون رقم 15 لعام 2022، في المواد من 9 إلى 14، ما يزيد من حالة الغموض والتشابك وأحياناً التعارض في بنية القوانين السورية، التي هي في الأصل مبهمة.
وكان يتوجب على المشرّع السوري عند صياغة قانون تنظيم الشبكة ومكافحة الجرائم الإلكترونية، هو حصرها بمكافحة الجرائم الواقعة على تقنية المعلومات والاختراق الإلكتروني واختراق الأنظمة المعلوماتية، أو الإضرار بالأنظمة المعلوماتية والاعتداء على البيانات والمعلومات الشخصية أو سرقتها أو نشرها دون إذن أو تزوير المستندات الإلكترونية.
ولا يصحّ إضافة أنواع أخرى من الجرائم فيه مثل، الجرائم التي تنال من هيبة الدولة أو مكانتها المالية أو الإساءة إلى الأديان والمقدسات والشعائر الدينية، بحجة أن ارتكابها تمّ باستعمال أدوات تقنية، لأن تلك الإضافات ستجعل من تنفيذ تلك القوانين أكثر تعقيداً بحيث ينطبق على السلوك الجرمي الواحد أكثر من قانون مختلف من ناحية العقوبة والغرامات المالية المفروضة. (ما يضع القضاة ومحامي الدفاع تحت وطأة تاويل النصّ وتفسيره بما لا ينسجم مع روح العدالة والإنصاف و يزيد حالة عدم الاتساق في تطبيق القانون).
ومن ناحية أخرى، فإن الجرائم الواقعة على الدستور والنيل من هيبة الدولة ومكانتها المالية والمخدرات والإساءة للأديان في الفضاء المعلوماتي، مكانها الطبيعي في قانون العقوبات العام (وهي موجودة بالفعل)، حتى لو ارتكبت الجريمة باستخدام تقنية المعلومات أو الأجهزة الإلكترونية الحديثة. فلماذا هذا التشدد بذكر الجريمة نفسها في قانونين ومضاعفة العقوبة والغرامة المالية على الناس من خلال التعبير عن آرائهم على منصات التواصل الاجتماعي؟ وإصدار تعريفات جديدة تزيد من حالة الغموض وعدم الفهم لتلك القوانين وتنازعها فيما بينها.
لقراءة التقرير كاملاً وبصيغة ملف PDF يرجى الضغط هنا.