الرئيسية صحافة حقوق الإنسان سوريا: تعميم من وزارة العدل يفرض “موافقات أمنية” لوكالات الغائب والمفقود

سوريا: تعميم من وزارة العدل يفرض “موافقات أمنية” لوكالات الغائب والمفقود

القرار الذي حمل الرقم (30) وتم إصداره من قبل وزير العدل في الحكومة السورية المركزية ينتهك حقوق ذوي المفقودين والغائبين ويخالف القانون السوري ودستور عام 2012

بواسطة communication
5K مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

بتاريخ 16 أيلول/سبتمبر 2021، عممت وزارة العدل لدى الحكومة السورية تعميماً حمل الرقم (30) ونصّ على ضرورة الحصول على “الموافقات الأمنية اللازمة” كشرط جوهري ومسبق للبدء بإجراءات استصدار وكالات عن الغائب أو المفقود، أسوة بمعظم أنواع الوكالات العامة والخاصة.

وعلى مدار السنوات العشر الماضية كانت الوكالة عن الغائب أو المفقود مستثناة من “الموافقة الأمنية”، وهو ما كان يعطي “القاضي الشرعي” صلاحية السماح باستصدار “وكالات عن الغائب/ة والمفقود/ة” بناء على طلب ذويهم، تخولهم لاحقاً من قبض الرواتب والمعاشات التقاعدية على سبيل المثال، أو استصدار أوراق ثبوتية ما.

ولم تكن تلك الوكالة تعطي صلاحية التصرّف بأملاك الغائب أو المفقود بشكل تلقائي، بل كانت تخضع لسلطة القاضي الشرعي التقديرية.

وقد برر وزير العدل السوري “أحمد السيد” مسوغات التعميم لعدّة أمور منها: (تزايد هذا النوع من الوكالات خلال العشر السنوات السابقة، إضافة إلى افتراض الوزير بأنّ الغائبين أو المفقودين هم ملاحقون بجرائم أو ميتون. وبرر الوزير القرار أيضاً بكون أنّ هنالك حالات يتم فيها استغلال الوكالات من أجل التصرّف بأملاك الغائب أو المفقود بطريقة تضر بمصالحه). وجاء التبرير صريحاً في مخالفة للقانون السوري نفسه.

من الغائبون والمفقودون حسب القانون السوري؟

تكثر في فترات الحروب والاضطرابات والكوارث الطبيعية حالات فقدان الأشخاص بانقطاع أخبارهم وعدم معرفة حياتهم من موتهم، أو غيابهم عن مكان إقامتهم الأساسي مما تتسبب هذه الحالات بعدة إشكالات قانونية؛ لأن الفقدان والغياب لا يتعلق فقط بالشخص المفقود بل تتعداه الى أسرته وأعماله وكل ما خلفه، بالإضافة للمعاناة الاجتماعية هناك معاناة مادية وأسرية لذوي المفقود.

ولأنه لا يجوز أن يبقى كل شيء معلقاً لحين عودة الشخص المفقود أو الغائب أو لحين إثبات حياته أو وفاته، فقد حاول قانون الأحوال الشخصية السوري، معالجة أحوال المفقود والغائب في المواد (202 إلى 206). وعرّفه، ونصّ على أنّ:

  • المفقود: هو كل شخص لا تعرف حياته أو مماته أو تكون حياته محققة ولكنه لا يعرف له مكان (المادة 202).
  • يعتبر كالمفقود الغائب: الذي منعته ظروف قاهرة من الرجوع إلى مقامه أو إدارة شؤونه بنفسه أو بوكيل عنه مدة أكثر من سنة وتعطلت بذلك مصالحه أو مصالح غيره (المادة 203).

وحرصاً من القانون على مصلحة الشخص المفقود أو الغائب ومصالح من يتعامل معهم سواء كانوا دائنين أم مدينين أو كانوا ورثة أو غيرهم، فقد أوجب تعيين شخص ينوب عن المفقود أو الغائب. حيث نص قانون الأحوال الشخصية السوري على تعيين وكيل قضائي (شخص معيّن من قبل القاضي الشرعي) في حال عدم ترك المفقود أو الغائب وكالة عامة/حصراً. وفي الحالات التي يترك فيها المفقود وكيلاً عاماً، تحكم المحكمة ملزمة بتثبيت هذا التوكيل. (المادة 204).

كيف كانت شروط الحصول على منح وكالة الغائب أو المفقود سابقاً؟

في الشهر الثامن من عام 2021، أشار القاضي الشرعي الأول بدمشق “محمود المعراوي” لشروط جديدة تتضمن منح الشخص وكالة عن الغائب والمفقود من خلال الإجراءات التالية:

  1. إصدار الوكالة القضائية في محافظة الغائب حصراً.
  2. إرفاق ملف يحتوي سند إقامة يثبت مكان سكنه القديم.
  3. ألا يتم منح الوكالة إلا للأصول أو فروع الغائب أو أحد الزوجين وبعض الحالات الإنسانية تمنح للإخوة فقط.
  4. إحضار “إخراج قيد” يثبت أن الشخص الغائب لا يزال على قيد الحياة، أو سماع شهادة شاهدَين في حال كان الغائب يقيم خارج مناطق سيطرة الحكومة المركزية.

وعادة ما يتطلب إجراء وكالة قضائية عن غائب أو مفقود بحسب وزارة العدل في الحكومة السورية، إحضار قيد عن السجل المدني للوكيل، والشخص (الغائب أو المفقود)، و خلاصة سجل عدلي للوكيل، وتقرير حركة قدوم ومغادرة من الهجرة والجوازات، بالإضافة إلى صورة مصدقة عن ضبط الشرطة في حالة الفقدان، ومضبطة مختار (ضبط شبه رسمي يصدر من مختار الحي).

ورغم عدم خلو الإجراءات الآنفة ذكرها من التعقيدات البيروقراطية والتحديات، خاصّة بعد اندلاع النزاع السوري عام 2011، إلاّ أنّها لم تخضع العملية لمزاجية الأجهزة الأمنية السورية ولم تفرض أي نوع من أنواع الموافقات الأمنية، قبل هذا التاريخ.

تبعات الموافقات الأمنية على أهالي المفقودين والغائبين والإشكالات القانونية:

منذ العام 2015 تقريباً، باتت الموافقات التي تصدر من الأجهزة الأمنية السورية، لاستصدار معظم الوكالات، ورقة تلازم السوريين/ات في جميع مناحي حياتهم، كالزواج أو التوظيف أو إصدار جواز سفر أو استئجار منزل أو فتح مشروع تجاري أو بيع عقارات …ألخ.

وتتطلب الموافقات الأمنية في سوريا مدة زمنية طويلة عادة، قد يصل بعضها إلى ثلاثة أشهر أو أكثر، حيث يخضع معظمها للمزاجية أو الكيدية ويرافقها في أغلب الأحيان عمليات ابتزاز مادية، كما يصفها الكثير من السوريين الذين حاولوا استصدارها.

  • النساء هم أول الضحايا:

نص قانون الأحوال الشخصية السوري في مادته رقم (205) على “الحكم بموت المفقود بسبب العمليات الحربية أو الحالات المماثلة بعد أربع سنوات من تاريخ فقده”، وهو ما يفرض على ذويه وخاصة زوجة/الأم الغائب أو المفقود البدء بإجراءات قانونية لإثبات حالة الغياب أو الفقد، والتي تتطلب رفع دعوى قضائية مع وجود ضبط شرطة وشاهدَين على فقدان الزوج لأكثر من أربعة أعوام.

 وبالتالي فإن معظم النساء اللواتي اختفى أزواجهن (على سبيل المثال) يشترط عليهن التعميم رقم (30) بضرورة استصدار الموافقة الأمنية المسبقة، قبل البدء بالإجراءات القانونية المعقدة أصلاً للكثير من الزوجات والأمهات، خاصة مع وجود ملايين النازحين واللاجئين السوريين، وبُعد ذوي المفقود أو الغائب من البلاد أصلاً.

وفي حالات تواجد الزوجات/الأمهات في مناطق سيطرة الحكومة السورية، ورغبتهم في البدء بإجراءات دعوى الغائب/المفقود، تزيد “الموافقة الأمنية الجديدة” خطر تعرّض تلك النسوة لعنف لفظي أو ابتزاز مادي ومعنوي للزوجة/الأم وقد تتخطاها أحياناً إلى انتهاكات أخرى.

علاوة على ذلك؛ إن عدم الحصول على الموافقة الأمنية سيعرقل حتماً، الإجراءات القانونية اللاحقة، مثل انتقال الإرث أو استصدار أوراق ثبوتية وتحريك الحسابات البنكية واستصدار بطاقة بنكية وقبض الرواتب والمعاشات بالنيابة عن المفقود والغائب … ألخ

  • تعميم فوق القانوق:

يرى الباحث القانوني لدى “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بأنّ التعميم رقم (30) واشتراطه الحصول على الموافقة الأمنية المسبقة في حالات إجراء وكالة فقد أو غياب، يخالف أحكام قانون الأحوال الشخصية السوري نفسه، فهو -أي القانون- لا يشترط الحصول على أي موافقة أمنية من أي نوع كان (المواد 202 إلى 206).

إضافة إلى ذلك، يخالف التعميم رقم (30) أحكام الدستور السوري النافذ (دستور عام 2012)، وخاصة المادة (50) منه، والتي تقول بأنّ “سيادة القانون أساس الحكم في الدولة“. حيث يشكّل هذا التعميم من قبل وزير العدل “أحمد السيد” قفزاً على قانون الأحوال الشخصية السوري نفسه ومخالفة له.

وتوقع الباحث القانوني لدى “سوريون” بأن يعطل القرار رقم (30) مصالح فئة كبيرة من السوريين/ات، خاصة في ظل تواجد ملايين السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة المركزية في دمشق، ووجود ملايين آخرين في بلاد الجوار السوري واللجوء، وينطبق على الكثير منهم صفة الغائب بحسب قانون الأحوال الشخصية السوري.

 

لقراءة التقرير كاملاً وبصيغة ملف PDF يُرجى الضغط هنا.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد