الرئيسية تحقيقات مواضيعية سوريا – ازدياد في حالات التخلي عن الأطفال والفقر على رأس الأسباب

سوريا – ازدياد في حالات التخلي عن الأطفال والفقر على رأس الأسباب

تمّ رصد ما لا يقلّ عن 43 حالة جديدة لأطفال حديثي الولادة تمّ التخلي عنهم ابتداءً من النصف الثاني من العام 2019 وحتى النصف الأول من العام 2020

بواسطة bassamalahmed
2.1K مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

ملّخص تنفيذي:

مازالت حالات التخلي عن الأطفال (حديثي الولادة) آخذةً بالازدياد في مناطق مختلفة من محافظة إدلب وريف حلب الشمالي الخاضعة لسيطرة لجماعات معارضة مسلّحة، حيث رصد الباحثون الميدانيون لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، ما لا يقلّ عن 43 حالة جديدة،[1] لأطفال حديثي الولادة تمّ التخلي عنهم ورميهم إمّا على قارعة الطريق و/أو بالقرب من المساجد و/أو المشافي أو في مكبّات القمامة، وذلك خلال النصف الثاني من العام 2019 وحتى لحظة إعداد هذا التقرير في 20 تموز/يوليو 2020.

تحوّلت ظاهرة “التخلي عن الأطفال” إلى جزء من الظواهر المنتشرة في تلك المناطق، فلا يكاد يمر شهر أو اثنان دون أن تسجّل فيه حالتين أو ثلاث حالات لأطفال تمّ التخلي عنهم ورميهم، كما سجّل الباحثون الميدانيون لدى المنظمة وفاة عدد من هؤلاء الأطفال، نتيجة تأخر العثور عليهم وقساوة الظروف الجويّة التي عُثر عليهم فيها.

ويلعب عامل الفقر دوراً مهماً في ازدياد هذه الحالات وخاصةّ في مخيمات النزوح، حيث يقف حائلاً أمام قدرة العديد من العائلات على تربية هذا الطفل/ة ورعايته/ا، يضاف إليه سبب آخر وهو انتشار ظاهرة تزويج القاصرات. (ستقوم سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بإعداد تقرير مفصّل حول قضية انتشار الزواج المبكر في مناطق عدّة من سوريا).

وبحسب الباحثين الميدانيين لدى المنظمة، فإنّ العديد من العائلات في محافظة إدلب- الخاضعة بمعظمها لهيئة تحرير الشام- كانت قد بادرت لكفالة هؤلاء الأطفال حديثي الولادة، لكنهم مازالوا حتى لحظة إعداد هذا التقرير، غير قادرين على تسجيلهم في دوائر النفوس المحلية على اعتبار أنّ “التبني” محرّم في الدين الإسلامي، كما أنهم غير قادرين على التوجه إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية السورية من أجل تسجيلهم خوفاً من الاحتجاز، أمّا أولئك الأطفال الذين لم يتم كفالتهم من قبل إحدى العائلات، فقد تمّ وضعهم في دور للأيتام من أجل رعايتهم.

وفي مناطق ريف حلب الشمالي(درع الفرات وغصن الزيتون)[2]، مازال دور الجهات المسؤولة يقتصر على وضع هؤلاء الأطفال في عهدة من يود كفالتهم، إضافة إلى القدرة على تسجيل هؤلاء الأطفال ضمن سجلات دوائر النفوس المحلية في مناطق ريف حلب الشمالي.

وسبق لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة أن وثقّت ما لا يقلّ عن 40 حالة لأطفال حديثي الولادة، كانت قد تخّلت عنهم عائلاتهم وذلك خلال عام 2018 والنصف الأول من العام 2019، في مناطق مختلفة من محافظة إدلب وريف حلب الشمالي.[3]

وحذر الباحثون الميدانيون لدى المنظمة مرة أخرى من عواقب خطيرة ومصائر مجهولة لأولئك الأطفال الذين تخلت عنهم عائلاتهم وبقوا  على قيد الحياة، حيث تتمّثل هذه المخاطر في حرمانهم من حقّ التعلم وعدم الحصول على أوراق ثبوتية، وحتى الحصول على الجنسية لاحقاً، إضافة إلى أنّه لا يوجد ضمانات لحماية هؤلاء الأطفال من الاستغلال في المستقبل، مثل إرسالهم إلى سوق العمل تحت السن القانونية، أو تجنيدهم ضمن فصائل جهادية، فضلاً عن الاضطهاد والتمييز المجتمعي الذي قد يتعرضون له باعتبار أنهم “أطفال لقطاء” بحسب نظرة جزء من المجتمع، وسط غياب أي جهود من الجهات المسؤولة في المنطقتين.

1- ارتفاع حالات التخلي عن الأطفال حديثي الولادة في محافظة إدلب:

سجّلت مدن وبلدات محافظة إدلب تصاعداً ملحوظاً في حالات التخلي عن الأطفال، وذلك خلال الفترة الزمنية الممتدة منذ النصف الثاني لعام 2019، وحتى لحظة إعداد هذا التقرير في 20 تموز/يوليو 2020، حيث تمّ التخلي عن هؤلاء الأطفال (حديثي الولادة) بعد رميهم في مكبّات القمامة وقارعة الشوارع أو بالقرب من المساجد والمشافي.

شمل انتشار هذه الظاهرة عدد من مناطق المحافظة مثل بلدات “الدانة وقاح وأطمه وسلقين وعقربات وجسر الشغور”، ونوّه الباحثون الميدانيون إلى أنهم لم يستطيعوا توثيق كافّة الحالات في محافظة إدلب نظراً لأنها حدثت في أماكن بعيدة، وبأنّ العدد قد يكون مرجحاً للزيادة.

أ. طفلان تمّ التخلي عنهما في بلدة الدانا خلال بضعة أيام:

في بلدة الدانا وحدها، سجّلت الباحثة الميدانية لدى المنظمة حالتين لطفلين (حديثي الولادة)، تمّ التخلي عنهما ورميهما بالقرب من أحد المساجد ومكبّات القمامة في البلدة، وذلك خلال شهر أيار/مايو 2020، حيث لم تفصل ما بين هاتين الحادثتين سوى بضعة أيام.

الحادثة الأولى وقعت في 19 أيار/مايو 2020، حيث عثر أهالي بلدة الدانا، على طفل (حديث الولادة) بينما كان مرمياً في إحدى مكبّات القمامة، وذلك بحسب ما أفاد به أحد أهالي بلدة الدانا، والذي روى لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد قائلاً:

“وقعت هذه الحادثة في منتصف الليل تقريباً في الحي الشمالي من البلدة، حيث كان الطفل يبلغ من العمر بضعة أيام فقط، وتمّ تسليم الطفل لمخفر الشرطة في المدينة والذي قام بدوره بتنظيم ضبطٍ للبحث عن عائلة الطفل، كما تمّ نقله إلى المشفى لتلقي العلاج، وهناك قامت إحدى العائلات بكفالته ورعايته، وبعد مرور أسبوعين تمّ العثور على والدة الطفل، وتببّن أنها قامت بالتخلي عن طفلها لأنها لا تملك ثمن الحليب له، وتم إرجاع الطفل إلى والدته رغم أنّ وضعها المادي سيء للغاية.”

صورة رقم (1).

صورة رقم (1) و(2)- صور تظهر العثور على طفل حديث الولادة، في بلدة الدانا بريف إدلب، وذلك في 19 أيار/مايو 2020. مصدر الصورة: أحد الناشطين الإعلاميين من بلدة الدانا.

تلا هذه الحادثة حادثة أخرى في بلدة الدانا، حيث عثر الأهالي على طفلة حديثة الولادة ملفوفة بقطعة من القماش، بالقرب من مسجد “الفاروق”، وذلك في 23 أيار/مايو 2020، إذ روى أحد شهود العيان (55 عاماً) من بلدة الدانا، متزوج وليس لديه أطفال، لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

“عندما شاهدت الطفلة، قمت بإدخالها على الفور إلى المسجد، ثمّ توجهت مع إمام المسجد إلى مخفر الشرطة، حيث قاموا بتنظيم ضبطٍ للحادثة، حتى يقوموا بالبحث عن والديها لكن دون جدوى، وعندما بدت الطفلة جائعة توجهت بها إلى المنزل، وكانت زوجتي غايةً في السعادة، وطلبت من زوجة شقيقي أن تقوم بإرضاعها، وبعدها قررت وزوجتي الإبقاء على هذه الطفلة والاعتناء بها، حيث أطلقنا عليها اسم براءة، لكن ما يؤرقني أكثر بأنني لن أستطيع تسجيل الطفلة على خانتي أو منحها أي أوراق ثبوتية، على اعتبار أنّ التبني محرّماً، كما أنّ الجميع على دراية بصعوبة التسجيل في الدوائر الرسمية الحكومية. عندما تكبر لن أخبرها بأنّ عائلتها قد تخلت عنها، فلا ذنب لها فيما حصل، بل أخطط لأخبارها بأنّ والديها قُتلا بإحدى عمليات القصف.”

صورة رقم (3)-صورة تظهر الطفلة “براءة” بعد كفالتها من قبل أحد أهالي بلدة الدانا، مصدر الصورة: أحد شهود العيان من بلدة الدانا.

ب. رضيع آخر تمّ التخلي عنه بالقرب من مكبّ للقمامة بمنطقة “عقربات” بريف إدلب:

في 21 شباط/فبراير 2020، عثر الأهالي على طفل آخر حديث الولادة، تمّ رميه بالقرب من إحدى مكبّات القمامة، بينما كان ملفوفاً بقطعة قماش بيضاء، وذلك في منطقة ” عقربات” بريف إدلب، حيث قاموا بنقل الطفل إلى المشفى نتيجة سوء وضعه الصحي، كما عمدوا لإبلاغ عناصر المخفر لمعرفة ملابسات هذه الحادثة، والبحث عن والديه الحقيقيين، لكن دون جدوى.

تمّ نقل الطفل إلى ميتم “السلطان عبد الحميد” في البلدة وكان عمره حينها 15 يوماً، حيث تحدّث في هذا الخصوص أحد أهالي بلدة معرة حرمة، 45 عاماً، قائلاً:

“لم أرزق أنا وزوجتي بأي أطفال، لذا عندما سمعت عن المولود السابق، سارعت على الفور بالتوجه إلى دار الأيتام الذي وضُع فيه، وقمت بكفالة هذا الطفل عن طريق محكمة أطمة، وحملت الطفل وسارعت به إلى المنزل حيث كان يعاني من الالتهاب في “القصبات الشعيرية”، فقامت زوجتي بالاعتناء به، وأطلقنا عليه اسم “عبد الله” وأصبح جزءً من أسرتي، لكنني لم أستطع تسجيل الطفل على خانتي في دوائر النفوس المحلية على اعتبار أنّ التبني محرّم في إدلب.”

صورة رقم (4)- صورة تظهر الطفل “عبد الله” بعد كفالته من قبل أحد أهالي بلدة معرة حرمة في إدلب، مصدر الصورة: الشاهد السابق.

ت. العثور على طفل حديث الولادة بالقرب من مشفى في مدينة معرة النعمان: 

في مطلع العام 2020، عثر أحد أهالي مدينة معرة النعمان (موظف في مشفى السلام)، على طفل حديث الولادة (لم تمضِ سوى ساعة على ولادته) كان قد تمّ رميه بالقرب من المشفى، حيث كان الطفل حينها عارياً بلا أي ملابس.

وفي هذا الخصوص روى “يحيى.م” 32 عاماً، من معرة النعمان، متزوج ولديه ثلاثة أطفال، لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

“بينما كنت أعمل في المشفى كعادتي، سمعت بطفل حديث الولادة كانت قد تخلت عنه عائلته فور ولادته عند مدخل المشفى، فشرعنا بالبحث عن والديه لكن لم نجد لهم أي أثر، فحملت الطفل وقمت بلّفه بقطعة من القماش، وخاصةً انه كان عارٍ تماماً، ثمّ أجرينا له بعض الفحوصات الطبية للتأكد من سلامته، وعند انتهاء الدوام، توجهت به إلى المنزل، حيث قامت زوجتي بإرضاعه، وعلى الفور وقعنا في حب هذا الطفل، وقررنا الاعتناء به مع أطفالي الثلاثة، كما حاولت جاهداً معرفة نسب الطفل، لكن بلا فائدة، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا الطفل جزءً من أسرتي، وأسعى إلى تربيته كأنه طفل من أطفالي.”

ث. وفاة طفل حديث الولادة بعد العثور عليه في حفرة في بلدة “بسامس”:

في أواخر شهر كانون الثاني/يناير 2020، تمّ العثور على طفل حديث الولادة (لم يمضِ على ولادته سوى ساعات)، في حفرة إلى جانب الطريق المؤدي إلى بلدة “بسامس” بريف إدلب، حيث كان الطفل قد فارق الحياة من شدّة البرد وظروف الجو القاسية، بحسب أحد شهود العيان، والذي روى لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

“حصلت الحادثة في فترة ما بعد الظهيرة، عندما عثر شاب من البلدة على طفل حديث الولادة (وقد لفّ عليه الحبل السري) بلا أي ملابس أو غطاء في حفرة، حيث كان الجو بارداً لدرجة أنّ جسده لم يتحمل ظروف الجو القاسية، وعلى الفور سارع الشاب لحمل الطفل وتوجه به إلى البلدة، حيث تمّ دفنه في مقبرة القرية، كما أنّ مخفر الشرطة لم يقم بتنظيم ضبط للحادثة، من أجل البحث عن عائلة الطفل أو معرفة ملابسات القضية، ولم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها في بلدة بسامس، فقد سجّلت حادثة مشابهة لها في أواخر العام 2019، وكان قد توفي الطفل فيها أيضاً.”

صورة رقم (5)- صورة تظهر المولود الذي عُثر عليه متوفياً في حفرة في بلدة “بسامس” بريف إدلب في أواخر شهر كانون الثاني/يناير 2020، مصدر الصورة: ناشطون إعلاميون.

ج. حالات التخلي عن الأطفال تقدّر بمعدل حالتين أو ثلاث شهرياً في محافظة إدلب:

بحسب العديد من المصادر المطلّعة على هذه القضية في محافظة إدلب بما فيهم الباحثون الميدانيون لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ أعدد حالات التخلي عن الأطفال في عموم محافظة إدلب، يقدّر بمعدل حالتين أو ثلاث حالات شهرياً، وذلك منذ النصف الثاني من العام 2019 وحتى لحظة إعداد هذا التقرير في 20 تموز/يوليو 2020، حيث تمّت الإشارة إلى أنّ هنالك العديد من الحالات التي لم تخرج للعلن ولم يتم نشرها على وسائل الإعلام. 

في حين أفاد أحد الناشطين الإعلاميين من إدلب، بأنّ بلدات ومدن (الدانا وعقربات ومعرة النعمان وجسر الشغور وسراقب وإدلب المدينة) هي من أبرز المناطق التي شهدت ازدياداً في حالات التخلي عن الأطفال في محافظة إدلب، مشيراً إلى أنّ الحالات في منطقة جسر الشغور بلغت (خلال الفترة الزمنية نفسها)، ما لا يقلّ عن 8 حالات لأطفال تمّ التخلي عنهم، 5 حالات وقعت في مدينة جسر الشغور وحالتين في بلدة “خربة الجوز”، وحالة واحدة في مدينة “دركوش” بريف جسر الشغور، مضيفاً بأنّ هؤلاء الأطفال تمّ كفالتهم من قبل أهالي المنطقة.

وتابع المصدر بأنه تمّ تسجيل حالتين لطفلين تمّ التخلي عنهما، أحدهما توفي من البرد، في مدينة سراقب وتحديداً في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019 وحده، أمّا في مدينة إدلب، فقد بلغت حالات التخلي عن الأطفال ما لا يقلّ عن 3 حالات لأطفال تمّت كفالتهم ورعايتهم من قبل أهالي المنطقة.

إنّ استمرار هذه الظاهرة في محافظة إدلب، يعود لعدّة أسباب، بحسب إحدى الباحثات الاجتماعيات من المحافظة، والتي قالت بأنّ أبرز تلك الأسباب هو عامل الفقر الذي تعاني منه العديد من العائلات وخاصةً أولئك النازحين في المخيمات الحدودية، يضاف إليه ظروف الحرب وتدني مستوى المعيشة سيّما في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، كغلاء الأسعار وانتشار البطالة، وهو ما زاد من معاناة الأهالي وعدم قدرتهم على توفير مستلزمات الأطفال، وبالتالي دفعهم للتخلي عن أطفالهم، وتابعت قائلة في هذا الصدد:

 “مما شكّ فيه أنّ استمرار هذه الظاهرة يعود لاستمرار حالات النزوح وانتشار حالات الزواج المبكر بين الفتيات القاصرات، وغالباً ما يتم وضع هؤلاء الأطفال إما في دورٍ للأيتام أو تتولى إحدى العائلات كفالته، حتى أنّ تلك العائلات غير قادرة على تسجيل الطفل في دوائر النفوس المحلية التابعة لهيئة تحرير الشام باعتبار أنّ التبني محرّم في الدين الإسلامي، كما أنهم غير قادرين على تسجيله في دوائر الأحوال المدنية التابعة للحكومة السورية في محافظة حماه، خوفاً من الاحتجاز على يد الأجهزة الأمنية السورية.”

2- زيادة في حالات التخلي عن الأطفال بريف حلب الشمالي:

لم تكن محافظة إدلب وحدها، من شهدت ازدياداً في ظاهرة التخلي عن الأطفال، بل كان لمناطق ريف حلب الشمالي نصيب من هذه الحالات أيضاً، حيث تشابهت الأسباب التي أدت إلى انتشار الظاهرة في تلك المناطق، وكان من أبرزها عامل الفقر الذي تعاني منه العديد من العائلات، والذي وقف حائلاً أمام قدرتهم على تربية هذا الطفل وتنشئته، بحسب العديد من شهود العيان الذين تحدثت إليهم سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.

أ. التخلي على طفل في مدينة الباب ووفاة آخر بعد رميه في مكبّ للقمامة:

في 9 آذار/مارس 2020، فوجئ أهالي مدينة الباب بريف حلب، عندما عثروا على طفلٍ حديث الولادة، بينما كان مرّمياً عند مدخل مسجد “البوشي” وملفوفاً بغطاء، ليتم بعدها تنظيم ضبطٍ حول الحادثة في مخفر المدينة، وفي هذا الخصوص، أفاد أحد الناشطين الإعلاميين في ريف حلب، لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قائلاً:

“استمرّت عملية التحقيق في هذه الحادثة قرابة الأسبوع، ليتم بعدها العثور على والدة الطفل وهي نازحة تسكن في مدينة الباب منذ قرابة العام، حيث تمّت إعادة الطفل لوالدته وإطلاق مبادرة لمساعدة والدة الطفل على تأمين مستلزمات منزلها، حيث قالت أنها تخلت عن طفلها الرضيع جرّاء الحالة الاقتصادية السيئة التي تمر بها العائلة نتيجة غياب المدخول والغلاء الفاحش الذي تشهده الأسواق.”

وكان قد أظهر مقطع فيديو[4] تداوله ناشطون إعلاميون في 21 آذار/مارس 2020، جانباً من العثور على الطفل السابق، بالقرب من مسجد البوشي في مدينة الباب بريف حلب.

صورة رقم (6)- صورة مأخوذة من الفيديو السابق، تظهر العثور على طفل حديث الولادة بالقرب من مسجد البوشي في مدينة الباب بريف حلب.

وليست هذه الحادثة الأولى من نوعها في مدينة الباب، ففي صباح يوم 12 آذار/مارس 2020، تمّ تسجيل حالة أخرى لطفل حديث الولادة كان قد فارق الحياة فور العثور عليه في إحدى مكبّات القمامة، حيث كان الطفل يعاني من حالة صحية سيئة، ولم يوفق الأهالي في إنقاذه.

ب. العثور على طفل حديث الولادة داخل حقيبة في بلدة “كلجبرين”:

في بلدة “كلجبرين” التابعة لمنطقة إعزاز، عثر الشاب “مصعب عبد الحي” على حقيبة مرميةٍ على قارعة الطريق، بينما كان متوجهاً إلى عمله، في 28 آذار/مارس 2020، وعندما فتح الحقيبة عثر على طفل حديث الولادة بداخلها، حيث روى لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الخصوص قائلاً:

“شعرت بالخوف عند رؤية الحقيبة على حافة الطريق نتيجة كثرة العبوات الناسفة التي يتم زرعها على الطرق، وعندما بدأت بالاقتراب منها سمعت صوت بكاء صادر عنها، وتبيّن لي أنّ هنالك طفل بداخلها، فحملت الحقيبة وتوجهت بها إلى مركز الشرطة في البلدة، حيث تمّ أخذ شهادتي عن الحادثة وتمّ إجراء تحقيق عنها، ثمّ علمت لاحقاً أنّ إحدى الممرضات قامت بكفالته.”

صورة رقم (7)- صورة تظهر الطفل الذي تمّ العثور عليه في بلدة كلجبرين التابعة لمدينة إعزاز في 28 آذار/مارس 2020، مصدر الصورة: الشاهد “مصعب عبد الحي”.

“خديجة.م” إحدى العاملات في القطاع الصحي بمدينة إعزاز، عمدت إلى كفالة هذا الطفل، بعد أن تم نقله إلى المشفى، حيث روت في هذا الصدد قائلة:

“دائماً ماكنت أسمع عن هؤلاء الاطفال وأتمنى أن أرعى واحداً منهم، وفي ذلك اليوم وبينما كنت أقوم بعملي المعتاد داخل المشفى، جلب عناصر الشرطة طفلاً حديث الولادة إلى المشفى من أجل فحصه، فركضت مسرعةً إليهم، وسألت العناصر عمّا إذا كان هنالك أحداً قد تكفّل برعاية الطفل، وأخبرني العناصر أنّ باستطاعتي كفالة هذا الطفل، فسارعت بالتوجه إلى المحكمة كي أقدم معروضاً لرعاية الطفل. لم أرزق بأطفال وقد عوضني الله به، وعاهدت نفسي بعد تسجيله في دائرة السجل المدني المحلي أن أرعاه وأحميه وأربيه كأنه أتى من داخلي، سأسعى إلى أن يتعلم كل شيء، ولن أخبره بقصته حتى لا يشعر بأي نقصٍ عن أقرانه حتى يصبح رجلاً ويشتد ساعده ويعلم أنّ الأم هي من تربى لا من تلد.”

ومن الجدير ذكره بأنّ مدينة إعزاز كانت قد شهدت حادثة مماثلة في 21 كانون الثاني/يناير 2020، حيث تم العثور على طفل آخر (5 أشهر) من قبل الكادر الطبي أمام مشفى النسائية والتوليد، حيث تواصل الباحث الميداني لدى المنظمة مع العائلة التي تكفّلت برعاية الطفل، لكنها رفضت الإدلاء بإفادتها.

صورة رقم (8)- صورة تظهر الطفل الذي تمّ العثور عليه في كانون الثاني/يناير 2020، عند مدخل مشفى النسائية والتوليد في مدينة إعزاز، مصدر الصورة: صفحات محلية.

ت. لا يكاد يمرّ شهر أو اثنين دون تسجيل حالة لطفل تمّ التخلي عنه في ريف حلب الشمالي:

بحسب أحد المصادر المطلّعة على القضية في ريف حلب الشمالي، فإنه لا يكاد يمرّ شهر أو اثنين دون أن يتم فيه تسجيل حالة واحدة على الأقلّ لطفل تمّ التخلي عنه في مناطق ريف حلب الشمالي، ما يعني بأنّ هنالك ما لا يقلّ عن 13 طفلاً تّم التخلي عنه منذ النصف الثاني من العام 2019 وحتى لحظة إعداد هذا التقرير في 20 تموز/يوليو 2020، مشيراً إلى أنّ هؤلاء يتم تسجيلهم كأطفال مجهولي النسب في دائرة النفوس العامة في مدينة إعزاز، إما باسم مستعار أو اسم تقترحه العائلة التي قامت بكفالته.

يعزر أحد الباحثين الاجتماعيين في ريف حلب الشمالي، تفاقم ظاهرة التخلي عن الأطفال وانتشارها بشكل أوسع، إلى تردي الأوضاع المعيشية للسكان نتيجة العمليات العسكرية والفوضى الأمنية التي أدت لموجات نزوح وتهجير، تحولت على إثرها آلاف الأسر من منتجة إلى مستهلكة فقط، حيث أضاف الشاهد بأنّ تراجع هذه الظاهرة مرهون بعودة الاستقرار وتحسن الأوضاع المعيشية للعوائل وكذلك التوعية الإنجابية التي يُفترص أن تقوم بها السلطة المتواجدة والمجتمع المدني من أجل حث الأهالي على ترشيد الإنجاب وعدم جعله وسيلة للحصول على المعونة واتباع الوسائل الوقائية غير المكلفة لضمان ذلك. وعدا عن ذلك لا بد أيضاً من توفير دور للأيتام لتقديم الرعاية لهؤلاء الأطفال وحتى حثّ الأهالي ممن لديهم القدرة على كفالتهم، مشيراً إلى أنه لا يُمكن القضاء على هذه الظاهرة حتى بعد انتهاء الصراع، بل الحد منها بشكل كبير عبر حزمة من الإجراءات العقابية والتوعوية والاقتصادية.

3- انتشار ظاهرة التخلي عن الأطفال في مناطق سيطرة الحكومة السورية:

المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، كانت قد شهدت هي الأخرى، انتشاراً في ظاهرة التخلي عن الأطفال في مناطق درعا ودمشق وحلب، ففي 11 نيسان/أبريل 2020، عثر عناصر من الجيش النظامي السوري على طفل رضيع ومرّمي وسط أجواء عاصفة وماطرة على إحدى الطرقات بدرعا البلد، حيث تمّ نقله إلى المشفى الوطني في درعا البلد، بحسب ما أوردته إحدى الشبكات المحلية.[5]

صورة رقم (9)- صورة تظهر جانباً من العثور على طفل رضيع مرمي في محافظة درعا في 8 نيسان/أبريل 2020، مصدر الصورة: صفحات محلية.

كما تناقل ناشطون إعلاميون، نبأ العثور على طفل حديث الولادة بينما كان مرمياً بالقرب من طريق منطقة “نهر عيشة” في محافظة دمشق وذلك في 8 نيسان/أبريل 2020.[6]

صورة رقم (10)- صورة تظهر جانباً من العثور عل طفل رضيع كان قد تمّ رميه بالقرب من طريق منطقة “نهر عيشة” في دمشق بحسب ما تناقلها ناشطون إعلاميون.

في حين سجّلت صفحات محلية أخرى[7]، العثور على طفل حديث الولادة على رصيف أحد الشوارع في بلدة “مسكنة” شرقي مدينة حلب، الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية وذلك في 27 نيسان/أبريل 2020.

صورة رقم (11)- صورة تظهر العثور على طفل حديث الولادة على رصيف أحد الشوارع في بلدة “مسكنة” شرقي مدينة حلب، بحسب صفحات محلية.

أمّا في محافظة الحسكة الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، فقد نشر[8] موقع “آرتا إف ام” في 21 أيلول/سبتمبر 2020، نبأ العثور على طفل حديث الولادة كان مرمياً أمام مدخل أحد الأبنية بين حيي “السياحي والكورنيش” في مدينة القامشلي، حيث لم يُعثر على أي أوراق رسمية أو ثبوتية تدلّ على هوية الطفل أو عائلته أو سبب تخليها عنه أمام أحد الأبنية، وأشارت إلى أنّ الطفل كان قد تمّ تسليمه إلى “أسايش المرأة” في القامشلي، تمهيداً لتسليمه إلى إحدى دور الرعاية.


[1] قال الباحثون الميدانيون لدى المنظمة، بأنّ هذه الأعداد مرّشحة للازدياد، وخاصةً أنّ هنالك حالات وقعت في أماكن بعيدة عنهم ولم يتمكنوا من توثيقها.

[2] يسيطر على هذه المناطق الجيش الوطني المدعوم من تركيا، حيث كان قد سيطر على مدينتي عفرين وجنديرس إبان عملية “غصن الزيتون” في 22 كانون الثاني/يناير 2018، فيما تمّت السيطرة على مدينتي جرابلس والباب خلال عملية “درع الفرات” بتاريخ 5 أيلول/سبتمبر 2016، وأبز الفصائل المشكلة للجيش الوطني المدعوم من تركيا هي: الجبهة الشامية وفرقة السلطان مراد وعاصفة الشمال واحرار الشرقية.

[3] “لا أدري إن كنتُ سأخبرها بقصتها أم لا !”. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 15 تموز/يوليو 2019. آخر زيارة للرابط: 13 تموز/يوليو 2020. https://stj-sy.org/ar/لا-أدري-إن-كنتُ-سأخبرها-بقصتها-أم-لا/

[4] للمزيد من الاطلاع انظر: https://www.facebook.com/watch/?v=656812755090873

[5] للمزيد من الاطلاع انظر: https://www.facebook.com/yomyat.damas.syr/photos/a.100441468301892/103710524641653/?type=3&theater

[6] للمزيد من الاطلاع انظر: https://www.facebook.com/search/top/?q=العثور%20على%20طفل%20رضيع%20على%20أوتستراد%20نهر%20عيشة&epa=SEARCH_BOX

[7] للمزيد من الاطلاع انظر: https://www.facebook.com/SyriaCare.Arabic/photos/a.449470758787705/1045448715856570/?type=3&theater

[8]” العثور على طفل حديث الولادة مرمياً بأحد شوارع القامشلي” موقع “آرتا اف ام” في 21 أيلول/سبتمبر 2019. آخر زيارة بتاريخ 10 تموز/يوليو 2020. http://www.artafm.com/news/18125?fbclid=IwAR2M-Rif5xXc8ZZ7C2fhIIfE8c3hRdmrdtav-QeslUB_jurUGSgcuSb8DZo

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد