وزادت أجهزة تابعة للإدارة الذاتية من وتيرة التضييق على الحريات الإعلامية بعد إقرار قانون الإعلام رقم (3) لعام 2021، رغم تعهدها بأنه جاء بغرض “ترسيخ قيم حرية الرأي والتعبير ومنح الصحفيين مزيداً من حرية العمل والحيلولة دون منعهم من الحصول على المعلومات ونشرها أو بثها.”
في هذا الإطار تمكنت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” من توثيق وقوع ما لا يقل عن 18 انتهاكاً للحريات الصحفية وحرية الرأي والتعبير منذ بداية 2022 وحتى نهاية شهر آب/أغسطس.
وكانت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا” قد أكدت بتقريرها الأخير الصادر في 14 أيلول/سبتمبر 2022، والذي يغطي الفترة الواقعة بين 1 كانون الثاني/يناير إلى 30 حزيران/يونيو، تورّط الإدارة الذاتية بتقييد الحريات الأساسية بما في ذلك تعريض الفعاليات الصحفية ووسائل الإعلام للتوقيف أو الاعتداء.
وأشارت اللجنة إلى أن لديها أسباباً معقولة للاعتقاد بأن هذا التقييد كان دون مبرر، داعيةً الجهات المسيطرة إلى الحرص على احترام وحماية الحقوق الأساسية للأشخاص، بما في ذلك حقّهم في الحياة والحرية والأمن الشخصي وحرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات والتنقل.
بدورها استنكرت منظمة “مراسلون بلا حدود” إجراءات الإدارة الذاتية الرامية إلى تعزيز سيطرتها على الحقل الإعلامي شمال شرقي سوريا، لافتةً إلى أنها لاحظت تدهور ظروف عمل الصحفيين في تلك المناطق منذ شهر آذار الماضي بعد أن فُرض عليهم أن يكونوا أعضاء في “اتحاد الإعلام الحر” المقرّب من الإدارة.
من جانبها، نفت الإدارة الذاتية الاتهامات الموجّهة لها من قبل المنظمات الحقوقية والصحفية الدولية بانتهاكها حقوق الصحفيين في مناطق نفوذها، ووصفتها بـ”حملات تحاول استهدافها وتشويه الحقائق”.
القوانين الدولية تكفل حرية الصحافة:
يعد العمل الصحفي في سياق القانون الدولي لحقوق الإنسان، انعكاساً للحق الجماعي في حرية التعبير، إذ يمتلك الجمهور المتلقي للمحتوى الإعلامي الصحفي هذا الحق، وبالتالي فإن تقييد حرية الصحفيين في العمل لا يمسّ حقهم الفردي في حرية التعبير وحسب، بل يعد تدخلاً بحق كل فرد في حرية التعبير، وهو ما أكدته أيضاً لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تعليقها العام رقم 10.
ويجب أن تنحصر الإجراءات التنظيمية للعمل الإعلامي في هدف حماية وتعزيز حرية التعبير وتمكين العاملين في هذا المجال والجمهور من البحث عن المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها، وليس أن تُستغل كأداة سياسية لمنع الصحفيين من النشر.
كما يجب أن تكون أية إجراءات لتنظيم العمل الصحفي – في ضوء هذا الهدف حصراً – ومن ضمنها إجراءات الترخيص، منطقية وموضوعية وواضحة وشفافة وغير تمييزية والأهم أن تكون متوافقة تماماً مع باقي أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان.
أبرز الانتهاكات بحق الإعلاميين:
- بتاريخ 2 آب/أغسطس اختطف ثلاثة ملثمين مراسل قناة روداو “برزان فرمان”، من مقر القناة في مدينة القامشلي، حوالي الساعة الثانية عشر ظهراً، واقتادوه إلى مكان مجهول، وقال الخاطفون إنهم سيقومون بالإفراج عنه بعد إخضاعه للتحقيق لمدة ساعة واحدة، إلا أن إطلاق سراحه كان يوم 23 آب أي بعد 21 يوماً من احتجازه.
وجاء اعتقال برزان رغم تعليق الإدارة الذاتية ترخيص شبكة “رووداو” في 5 شباط/فبراير الماضي وإيقاف عملها في كافة المناطق الخاضعة لسيطرتها، متهمة إياها بـ”إثارة النعرات وتشويه صورة المؤسسات العاملة في شمال شرقي سوريا، والتي تضرّ بالنسيج الاجتماعي في المنطقة “، بينما اعتبرت “رووداو” في بيان لها أن قرار الإدارة الذاتية هو “عمل سياسي بحت لا يستند إلى أي أساس قانوني”.
- بتاريخ 30 تموز/يوليو اعتقلت قوى الأمن الداخلي (أسايش) عدداً من العاملين في المجال الإعلامي بمحافظة الرقة، دون التصريح عن أسباب ودوافع الاعتقال. ونشر ناشطون محليون أسماء المحتجزين وهم، “ربى العلي” من وكالة “هاوار”، وبتول الحسن من “إعلام الشبيبة” ومنظمة “غد أفضل”، وعمار الخلف من وكالة “تراث الفرات”، وخالد الحسن العلي إعلامي في لجنة التربية، وعبد الكريم الرحيل من المكتب الإعلامي لمجلس الرقة المدني.
- بتاريخ 13 تموز/يوليو أوقفت الإدارة الذاتية، مقدم برنامج “حكايا الناس” هوكر مجيد عن عمله، بتهمة التعدي اللفظي على قوى الأمن الداخلي (أسايش)، وهو ما نفاه مجيد معتبراً أن ما حصل أمر كيدي ولا صحة له من الأساس.
وقالت دائرة الإعلام التابعة للإدارة الذاتية في بيان، إن إيقاف هوكر جاء بتهمة، “التعدي على أعضاء من قوى الأمن لأكثر من مرة في إقليم الجزيرة، أثناء قيامهم بأداء عملهم بشكل لفظي وغير لائق، وتجاوزه لوظيفته بشكل بعيد كل البعد عن الأخلاق التي يجب أن يتحلّى بها الإعلامي”، وذلك بناء على الكتاب الموجه لهم من قبل “أسايش”.
وأعلن فريق برنامج “حكايا الناس” في 19 تموز/يوليو الماضي عن عودة هوكر إلى العمل بعد تقديم اعتذار رسمي لقوى الأمن الداخلي عبر بيان نشر على صفحة البرنامج الرسمية في موقع “فيسبوك”.
- بتاريخ 19 شباط/فبراير أعلن “المجلس الوطني الكردي” عن اعتقال مسلحين من “حزب الاتحاد الديمقراطي” الإعلاميَّين أحمد صوفي من مدينة ديريك ودارا عبدو من مدينة الحسكة العضوين في “الحزب الديمقراطي الكردستاني”، ومراسلَي قناة “آرك”.
وأشار بيان المجلس إلى أن هذه الاعتقالات جاءت “في إطار حملة لاستهداف الإعلاميين ومراسلي القنوات والوكالات الإعلامية الكردية بهدف كمّ الأفواه وحجب المعلومة عن الناس”.
- بتاريخ 9 كانون الثاني/ يناير أوقفت الإدارة الذاتية مصور “وكالة الصحافة الفرنسية” (AFP) دليل سليمان عن العمل، بعد تصويره مشاهد جوية تُظهر حرّاقات تكرير النفط في ريف القامشلي الشرقي.
ورفعت دائرة الإعلام التابعة للإدارة الذاتية كتاباً إلى “وكالة الصحافة الفرنسية” ينصّ على توقيف مصورها دليل سليمان عن العمل في مناطقها. ونصّ القرار على إيقاف دليل لمدة عامين عن أي نشاط إعلامي لأي وسيلة كانت ضمن مناطق الإدارة الذاتية.
من جانبه نفى الرئيس المشترك لدائرة الإعلام في شمال شرقي سوريا، جوان ملا ابراهيم، في تصريحات صحفية أن يكون موضوع التقارير سبباً في إصدار قرار الإيقاف بحق دليل، لافتاً إلى أن التصوير عبر الطائرات المسيّرة يستلزم الحصول على موافقة من قوى الأمن الداخلي.
وكانت وكالة الصحافة الفرنسية نشرت في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 صوراً جوية توضّح حجم التلوث البيئي الناتج عن عملية تكرير النفط في موقع يضم عشرات المصافي البدائية بريف مدينة القحطانية التابعة لمنطقة القامشلي.
اعتقالات على خلفية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي:
- بتاريخ 16 حزيران/ يونيو اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية الشاب عمر الوضيحي المحمد بسبب منشور على حسابه الشخصي في موقع “فيسبوك” انتقد فيه الواقع الخدمي السيّئ في المشفى الوطني بمدينة الطبقة.
- بتاريخ 15 حزيران/ يونيو اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية الشاب حاتم المدلول بعد ظهوره بتقرير عُرض على تلفزيون “سوريا” انتقد فيه سياسة العقاب الجماعي التي اتبعتها “قسد” من خلال تفجير منازل الأهالي بحي الموح في بلدة أبو حمام بريف دير الزور، وتم الإفراج عنه في 4 تموز/ يوليو.
- بتاريخ 7 كانون الثاني/ يناير اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية الشاب وسام الأحمد من منزله في ناحية الجرنية غربي الرقة، بسبب منشور على حسابه الشخصي في موقع “فيسبوك” انتقد فيه سوء جودة مادة الخبز بمناطق الإدارة الذاتية.
- بتاريخ 19 كانون الثاني/ يناير رفعت هيئة الاقتصاد والزراعة في شمال شرقي سوريا ممثلةً برئيسها المشترك، سلمان بارودو، دعوى قضائية ضد الأكاديمي فريد سعدون، في مدينة القامشلي، بسبب منشور على حسابه الشخصي في موقع “فيسبوك” انتقد فيه رداءة الخبز، متهمةً إياه بإهانة الإدارة الذاتية ورئيسها المشترك لهيئة الزراعة والاقتصاد.
وكتب سعدون في منشوره بتاريخ 5 كانون الثاني/ يناير، تمّ حذفه لاحقاً، إن “ادّعاء رئيس هيئة الزراعة والاقتصاد حول تشكيل لجنة من الخبراء لتحسين جودة الطحين، ومن هنا أقول، إن جدتي كانت تطحن وتعجن وتخبز أفضل أنواع الخبز من دون لجنة خبراء، فالمسألة لا تحتاج لخبراء، وأدعو سلمان بارودو إلى الاستقالة، وفي حال رفض أن يستقيل فيجب أن يتم إقالته من قبل المجلس التشريعي أو رئيس الإدارة وأعود لأقول أن الرجل مستفيد ولن يستقيل”.
وقال سعدون لـ “سوريون”، مبرّراً ما نشره، “أنا ناقد وهذا اختصاصي، وأنتقد بشكل عام من الأدب إلى الظواهر الاجتماعية وصولاً إلى السياسية، ولا أستثني أحداً سواء كانوا شعراء أو رؤساء أحزاب أو مسؤولين في الإدارة، ولكن للنقد أصول وأهمها الابتعاد عن التجريح الشخصي أو الإهانة أو استخدام النقد في مسائل شخصية بحتة، ومهمة الناقد هي كشف السلبيات ووضع الحلول لها، وتعزيز الإيجابيات وترسيخها”.
وأضاف، “موضوع الدعوى المقامة ضدي هو تناول رداءة الخبز وعدم صلاحيته للاستهلاك البشري، ويتحمل مسؤولية ذلك وزير الاقتصاد والزراعة، ومن المفترض أن يتم استدعاءه من قبل المجلس التشريعي ومساءلته وإذا ثبت إهماله وعدم كفاءته للمنصب يتم سحب الثقة منه وعزله، وهذا لم يحدث بل تم تحويل مسار الدعوى إلى خلاف شخصي والإصرار على أن الدعوى شخصية وأن المنشور فيه قدح وذم وتشهير شخصي، وذلك تهرباً من تحمل مسؤولية الإخفاق في القيام بواجبه والمهمة الموكلة إليه بتأمين خبز الشعب بجودة مقبولة”، بحسب تعبيره.
من جانبه قال الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة في شمال وشرق سوريا، سلمان بارودو لـ “سوريون”، إن، “فريد سعدون علّق على أحد منشوراتي حول تشكيل لجان لمراقبة عمل الأفران والمطاحن بهدف تحسين جودتها بشكل استهزائي ودون التطرق إلى عمل اللجنة التي استقدمت آلات ساهمت في تحسين جودة الخبز بنسبة كبيرة بعد أن تراجعت جودته نتيجة اختلاط الطحين مع الذرة.”
واعتبر أن، “هدف سعدون كان الاستهزاء بعمل اللجنة التي تم تشكيلها من قبلنا إضافةً إلى التشهير والقدح بشخصيتي، ولم يكن كلامه دفاعياً عن خبز الشعب كما ادعى”، مضيفاً أن، “النقد من غير مسؤولية أمر غير مقبول ويجب أن يُجازى قانونياً عليه”.
وانتهت الدعوى بالتراضي بعد إسقاطها من قبل سلمان بارودو مؤخراً.