الرئيسية مشاريع المنظمة العملية الدستورية في سوريا: دروس مستخلصة من التجربة التركية

العملية الدستورية في سوريا: دروس مستخلصة من التجربة التركية

الطريق نحو دستور سوري جديد: كيفية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى (4)

بواسطة communication
224 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

مقدمة:

قامت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وبدعم من “الصندوق الوطني للديمقراطية NED” بتنظيم وتيسير عدد من الجلسات الحوارية، تحت عنوان “الطريق نحو دستور سوري جديد: كيفية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى”.

هدفت هذه الجلسات الحوارية إلى إطلاع مجموعة متنوعة من السوريين على تجارب أربع دول مختلفة. بعض هذه الدول يبدو أنها نجحت إلى حد كبير في معالجة مسألة التنوع والشمول بصورة صحيحة أثناء قيامها بعملية صياغة الدستور، بينما لم يحظَ بعضها الآخر بمثل هذا النجاح، أو أخفقت تماماً. في بعض هذه التجارب، كان عدم الامتثال للمبادئ الأساسية في سيادة القانون، خطوةً متعمدة، انطلقت من دوافع سياسية، وهدفت لاستبعاد مجموعات معينة على أساس تمييزي، وإلى حرمان هذه المجموعات -بشكل منهجي- من بعض حقوقها الأساسية؛ لا كمجموعات فقط، بل كأفراد أيضاً.

جاءت هذه الحوارات باعتبارها تتمة لجهود سابقة بُذلت في صورة سلسلة من الاجتماعات، بدأت عام 2020 تحت عنوان (أصوات سورية لدستور شامل)، وكانت تهدف إلى تعزيز الشمولية في عملية صياغة الدستور، وضمان التمثيل العادل والمناسب للمجموعات المهمشة ومجتمعات الأقليات. بناء على تلك الاجتماعات تم نشر مجموعة من الأوراق التي ركزت بالترتيب على المواضيع التالية: (1) آلية تشكيل وعمل اللجنة الدستورية السورية؛ (2) قضية الشمولية/التضمين والتعددية؛ (3) العدالة الانتقالية والعملية الدستورية في سوريا؛ (4) الحوكمة والنظم القضائية؛ وأخيراً (5) العدالة الاجتماعية – الإيكولوجية والتجارب الشخصية.

توزعت الفئات المستهدفة في جلسات المشروع الذي تمّ تنفيذه في العام 2021 في مناطق شمال شرق سوريا وغربها بشكل أساسي، مع مراعاة التنوع الجندري والاثني، فقد تم إشراك النساء إلى جانب الرجال، والكرد إلى جانب العرب والايزيديين والآشوريين والأرمن والسريان وغيرهم من المجموعات العرقية المختلفة. وتمّ التركيز بشكل خاص على الأفراد الذين لم يشاركوا/ن في أي اجتماعات مماثلة حول العملية الدستورية في سوريا.

وكجزء من المشروع، نُشرت ورقة تعالج التجربة الدستورية في العراق، وأخرى التجربة الدستورية في لبنان، وثالثة حول تجربة البوسنة والهرسك، بينما تركز هذه الورقة على التجربة الدستورية في تركيا. تهدف أوراق المشروع إلى التعريف بهذه التجارب، ودراسة بعض جوانبها ذات الصلة بالسياق السوري. من شأن المقارنة الموضوعية لمسائل محددة بين هذه التجارب والتجربة السورية أن تسهل إجراء مشاورات أفضل وأكثر استنارة، وهذا سيؤدي إلى التوصل لتوصيات مناسبة حول الطريقة المثالية لصياغة دستور سوري جديد أكثر توازناً وشمولاً.

بعد عدة جلسات نقاش مثمرة جرت بين المشاركين/ات وعدد من الأكاديميين المعروفين والخبراء في هذا المجال، خصصت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” هذه الورقة لمناقشة التجربة الدستورية في جمهورية تركيا.

مفهوم “الدستور” بصفته عقداً اجتماعياً:

بالنظر إلى الواقع السياسي في كثير من دول العالم، وأبرز الأحداث في تاريخ هذه الدول -كالحروب، والصراعات الداخلية، والثورات التي أعقبت ظهورها كدول مستقلة عن القوى الاستعمارية أو بعد سقوط بعض الإمبراطوريات- يبدو من الواضح أن الهويات الوطنية المصطنعة حديثاً في العديد من هذه البلدان، بحدودها السياسية الحالية، لا تمثل بصورة شاملة جميع المجموعات داخل المجتمعات المحلية. وعلى هذا النحو، فإنها لا تتوافق مع رغبات جميع الشعوب المقيمة في تلك المناطق ولا تعكسها. وعلى العكس من ذلك، يبدو أن هذه الهويات تمثل وتعكس -حصرياً- هوية الأغلبية المهيمنة أو المجموعة الأقوى وحدها. علاوة على ذلك، فإن هوية كهذه -سواء كانت عرقية أو ثقافية أو سياسية أو دينية- تُفرض غالباً باستخدام القوة على بقية المجتمع، في محاولة لمحو الهويات الأصلية للجماعات والأقليات الأخرى، بهدف هضمها واستيعابها في الهوية الوطنية الواحدة الخاصة بالأغلبية أو بالمجموعة الأقوى. وفي نهاية المطاف، تؤدي هذه السلوكيات الاستبدادية إلى صراعات عنيفة طويلة الأمد. وفي هذا الإطار، ما زلنا نشهد تداعيات الأفعال والسياسات المنهجية على شكل حركات سياسية مطالبة بالاستقلال، أو على شكل حروب أهلية.

خلال العقد المنصرم، كان هناك عدة استفتاءات شعبية في العديد من المناطق حول العالم دعت لتصويت شعبي على الاستقلال، وأوصت بحق هذه الشعوب في تقرير مصيرها؛ كما حصل في كتالونيا واسكتلندا وإقليم كردستان العراق. وقد تبعت هذه الاستفتاءات عواقب سياسية واقتصادية وخيمة عانتها الشعوب التي طالبت بحقها في تقرير مصيرها.

هناك العديد من القضايا الأخرى، التي تمثل جذوراً مباشرة وشائعة لبعض الصراعات المعلقة في معظم الدول التي تشكلت خلال النصف الأول من القرن الماضي (بما في ذلك سوريا والعراق وتركيا). من قبيل استحواذ مجموعات معينة على السلطة، وقيام هذه المجموعات باحتكار رسم السمات الرئيسة للهوية الوطنية الأوسع وفرضها على مجموعات أخرى في المجتمع. لجميع هذه القضايا أبعاد دستورية يجب فهمها قبل البحث عن الحلول المعقولة لها. وعلى أي حلول مقترحة لهذه القضايا -خاصة خلال أي صيغة من صيغ العدالة الانتقالية- أن تتضمن معالجة دستورية متماسكة وشاملة في المقام الأول.

كيف وصلت الديكتاتوريات في سوريا والعراق ودول أخرى إلى السلطة، وكيف تمكنت من الانفراد بالحكم طيلة عقود دون منافسة؟ هل تعتبر سلطةٌ كهذه شرعيةً؟ كيف يمكننا قياس مدى شرعيتها؟ أين تكمن شرعية السلطة، ومن أين تُستمد، ومتى تُفقد؟ ما هو معنى مبدأ “سيادة القانون” وكيف يمكن تحقيقه؟ ما هي المؤسسات التي يتطلبها؟ ما هي القوة والسلطة التي يجب أن تتمتع بها هذه المؤسسات؟ ما هو دور المواطن، وما هو مفهوم المواطنة في خضم هذا كله؟

كانت الأسئلة أعلاه بمثابة نقاط الانطلاق والتركيز خلال النقاشات التي أجريت ضمن الجلسات الحوارية. وهي تهدف إلى خلق فهم أعمق لمفاهيم “الدستور” و”شرعية السلطة”، قبل الخوض في التجارب الدستورية المحددة. وهي تجارب تم اختيارها لاستخلاص ما يمكن الإفادة منه، أو تجنبه، في أي محاولة مستقبلية لصياغة الدستور السوري. وكي يتم ذلك بطريقة قادرة على جعله منسجماً مع قيم القرن الحادي والعشرين، وباحترام تام لمبدأ سيادة القانون باعتباره أساس شرعيته.

قبل مقارنة التجارب الدستورية للبلدان المختارة، وقبل الخوض في المفاهيم والمعايير والحقوق والحريات الواردة في دساتيرها؛ كان من المفيد للغاية العودة إلى النظريات والتيارات الفكرية التي تعتبر أصول الدستورية الحديثة. ولهذه الغاية، كان القرن السابع عشر الميلادي أنسب نقطة انطلاق لخدمة الغرض المنشود من هذا المشروع.

 خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر، ظهرت العديد من النظريات الاجتماعية والسياسية التي تُعرف اليوم بـ “نظريات العقد الاجتماعي”، والتي مهدت الطريق لظهور التيارات الفكرية التي كان لها تأثير عميق على مفاهيم السلطة والمواطنة والشرعية كما نعرفها اليوم. من بين أهم هذه النظريات، كانت نظريات الفلاسفة الإنجليز أمثال توماس هوبز وجون لوك والكاتب والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو. استندت النظريات التي اقترحها هؤلاء الفلاسفة إلى افتراضات مختلفة حول الطبيعة البشرية والنموذج المثالي لمجتمع تتحدد فيه العلاقة بين الأفراد والسلطة الحائزة على القوة من خلال مفهوم “العقد الاجتماعي”. من خلال مثل هذا العقد الافتراضي، يمنح الأفراد الشرعية للحاكم كسلطة لممارسة القوة على المجتمع، وذلك في سبيل حماية مصالح المجتمع والأفراد بأفضل طريقة ممكنة. وقد أسست بعض هذه النظريات تياراتٍ فكرية ألهمت وأسهمت في صياغة مبادئ الثورة الفرنسية عام 1789 والثورة الأمريكية عام 1765.

المفهوم الحديث للدستور والنظم الدستورية:

تمتلك أغلب دول العالم -إن لم تكن كلها- دساتير، وهو يعتبر القانون الأعلى في هذه الدول. وعلى الرغم من التشابه الكبير في دلالة المصطلح “الدستور” في كل الدول، والفهم المشترك للمبدأ وما يتبعه من متطلبات، إلا أن صيغه وأشكاله قد تتعدد وتختلف فيما تتضمنه فعلياً بين بلدٍ وآخر.

غالباً تصاغ الدساتير عقب وقوع أحداث كبرى تؤثر بالهوية الوطنية أو تشكلها (حين يتم اعتبار مجموعة ما على أنها شعب). هذه اللحظات المُحدّدة للهوية، والتي تعيد تعريفها، وتمثل بداية جديدة أو نقطة تحول؛ تعرف بـ “اللحظة الدستورية”. أفضل أمثلة على هذه الأحداث الكبرى هي الحروب، كالحربين العالميتين الأولى والثانية؛ أو الثورات وحركات الاستقلال، كالثورة الفرنسية والقيم التي نادت بها، والتي ألهمت لاحقاً تشكيل الدساتير عبر أوروبا. وكالثورة الأمريكية التي أدت إلى استقلالها عن القوى الاستعمارية المسيطرة، التي تمثلت بالمملكة المتحدة آنذاك.

خلافاً للاعتقاد السائد، ليس ضرورياً أن تتم كتابة الدستور أو تجميعه في وثيقة واحدة، لأنه قد يعتمد على اتفاقيات دولية أو إقليمية ملزمة، بالإضافة إلى أعراف أو ممارسات غير مكتوبة. ففي المملكة المتحدة مثلاً، لم يجرِ بعد جمع القوانين الدستورية في وثيقة واحدة.

أما بالنسبة لأغلبية الدول، فهي تمتلك دستوراً تم تجميعه كتابةً في وثيقة واحدة. بشكل عام، تكون هذه الوثيقة صارمة وصعبة التعديل، بكل ما تتضمنه من قواعد وقوانين، وتتمتع بمقام أعلى إذ أنها تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها. تتضمن هذه الوثيقة مجموعة من القواعد التي تحكم صياغة القوانين، وهيكلية الحكومة ومؤسساتها، وفصل السلطات، ونطاق مهام كل منها ضمن الدولة. بالإضافة إلى ما سبق، فإن من أهم وظائف الدستور تحديد وحماية الحريات الأساسية وحقوق المواطنين، سواء كمجموعات أو كأفراد.

حتى في الدول التي تمتلك وثيقة واحدة تدعى الدستور، فإن ما ينص عليه الدستور في دولة ما قد يكون مختلفاً تماماً عن عن دساتير الدول الأخرى؛ سواء من حيث توزيع السلطات والفصل بينها، أو من حيث تحديد الحقوق والواجبات الموكلة للأفراد والمؤسسات، عدا عن تحديد شكل الدولة ونظام الحكم فيها.

وظيفة الدستور في تحديد شكل الدولة ونظام الحكم:

لمعرفة شكل الدولة أو نظام الحكم المعتمد فيها، من البديهي الإشارة إلى دستورها والنظر ببساطة في كيفية توزيع السلطات ضمن هيكلية هذه الدولة. يتكون التقييم من خطوتين أساسيتين: الخطوة الأولى هي النظر في التوزيع -عمودياً- للصلاحيات والسلطات بين مركز تلك الدولة ومحيطها؛ وهذا هو ما يحدد شكل الدولة؛ ما إذا كانت غير مركزية، أم مركزية على جميع المستويات كما هو الحال في سوريا، التي تعتبر دولة مركزية لحد بعيد. حيث نرى فيها جميع السلطات والقوى مركزة ومكثفة في العاصمة، على عكس الجمهورية العراقية التي تبنت النموذج الفيدرالي. أما الخطوة الثانية، فهي التوزيع والفصل -أفقياً- بين المؤسسات الأساسية ضمن هيكلية السلطة في الدولة؛ كالفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وتحديد حجم الصلاحيات الممنوحة لها على حساب المؤسسات الأخرى. وهذا هو الأمر الذي يجعل نظم الحكم متمايزة عن بعضها البعض؛ فبعضها رئاسي مثلاً، كالولايات المتحدة؛ وبعضها برلماني، كهولندا وكندا.

تولي بعض هذه الدساتير أهميةً خاصة لمفهوم الهوية الوطنية، وتصاغ مقدماتها عادةً على شكل قصة سردية، كما في الدستور الصيني. تجسد هذه القصة -في معظم الحالات- فكرَ مجموعة معينة، هي المجموعة التي تمسك بالسلطة وتحكم المجموعات الأخرى ضمن المجتمع نفسه. من ناحية أخرى، قد لا تتضمن الدساتير الأخرى أي مقدمة، بل تدخل بطريقة مباشرة وعملية في جوهر المواد التي تنص على الحقوق الأساسية، كما في الدستور الهولندي.

حرصت بعض الدساتير على إدراج مواد وفقرات تكون غير قابلة للتعديل، وذلك في سبيل حماية هذه البنود من سهولة التغيير خلال التقلبات السياسية، وقد جاء هذا كرد فعل طبيعي عند بعض الشعوب على تجاربها التاريخية، كما في الدستور الألماني. فعلى هذا النحو ينص الدستور الألماني في البند الثالث من المادة 79 أنه لا يجوز تقديم أو قبول أي تعديل على مواد الدستور المتعلقة بفيدرالية الدولة الألمانية بوصفها اتحاداً، وحق الولايات في المشاركة في العملية التشريعية. وعلى هذا الأساس، قد يكون من الضروري أحياناً أن تُبدي الدساتير بعض الحزم لأجل حماية بعض المفاهيم والمبادئ الأساسية من سهولة التغيير. لكن هذا يمكن أن يستخدم أيضاً لإدامة سلطة شخص أو مجموعة معينة، أو لتكريس مفاهيم عنصرية أو تمييزية ضد الأقليات والجماعات والأفراد الآخرين ضمن المجتمع؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى صراعات في المستقبل، تنتج عن التغيرات الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية. وهنا تكمن أهمية أن نعي حساسية وصعوبة صياغة أو تعديل وثيقة من قبيل “دستور دولة”، بحيث تتضمن مفهوماً أكثر شمولاً وعدلاً حول المواطنة، وتستند -في المقام الأول- على المساواة واحترام الآخرين، بموجب مبادئ سيادة القانون؛ وتبقى صالحة وقابلة للاستمرار في المستقبل أيضاً، وليس في زمن صياغتها فحسب.

موجز تاريخ الدستور التركي[1]

    • توقيع سند الاتفاق “ميثاق التحالف” لعام 1808

بعد مقتل السلطان سليم الثالث، وفوضى وضعف الإمبراطورية في تأكيد سيطرتها على المناطق النائية، في ظل رفض المناطق الريفية للخضوع التام للسلطة المركزية؛ سعى عدد من الوجهاء (الأعيان) إلى تنظيم شؤون الإمبراطورية الداخلية من خلال ميثاق بينهم وبين الإمبراطورية، عُرفت باسم “سند الاتفاق” (Sened’i İttifak)، وتم توقيعها في 7 تشرين الأول/أكتوبر 1808. نُسبت إلى هذه الوثيقة أهمية كبيرة نظراً لكونها الوثيقة الرسمية الأولى التي تُعرّف وتحدد سلطات السلطان العثماني. فاعتُبرت صيغة مبكرة من “دستور مكتوب” بين الحاكم والمسؤولين، لكنها لم تكن بعد دستوراً بالمعنى الرسمي، كما نعرفه اليوم. وتشترك اتفاقية “سند الاتفاق” في العديد من سماتها مع الـ”ماجنا كارتا” لعام 1215.

  • دستور عام 1876

تمت صياغة “الدستور العثماني لعام 1876″، والمعروف أيضاً باسم “القانون الأساسي” (Kanûn-u Esâs)، وكان ذلك في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، ويعتبر رسمياً الدستور العثماني الأول. قام بإعداده مجمعٌ من العثمانيين الذين تلقوا تعليمهم في الغرب، يرأسهم مدحت باشا. جاء القانون الأساسي متأثراً بالدستور القومي الأرمني،[2] وعلى غرار الدستور البروسي (الألماني) لعام 1851.[3] أصبح هذا الدستور الوثيقة القانونية للدولة العثمانية بعد أن تضمن حقوق وحريات المواطنين الأساسية وهيكلية الدولة وسلطاتها والعلاقات فيما بينها.

مجلس النواب يُنتخب أعضاؤه من قبل الشعب، ومجلس الأعيان يُنتخب أعضاؤه من بين مسؤولي الدولة.

  • دستور عام 1921

تم سن الدستور التركي لعام 1921 (Türk Anayasası) من قبل “الجمعية الوطنية الكبرى بتركيا” (Büyük Millet Meclisi) في كانون الثاني/يناير عام 1921. وقد عُدِّلت هذه الوثيقة لاحقاً عام 1923 في سبيل تأسيس دولة ما بعد الإمبراطورية العثمانية رسمياً والمعروفة باسم الجمهورية التركية. كان دستور عام 1921 وثيقة موجزة تتضمن 23 مادة فقط. نصَّ هذا الدستور على أن الشعبَ مصدر السلطة، دون قيد أو شرط؛ ويدير الشعب الدولة بنفسه.

  • دستور عام 1924

تم استبدال دستور عام 1921 بالكامل بدستور عام 1924. وقد قدمت هذا الدستور أيضاً “الجمعية الوطنية الكبرى تركيا” (Büyük Millet Meclisi)، وتمت المصادقة عليه في نيسان/أبريل 1924. ظل هذا الدستور سارياً حتى عام 1961، حيث تم استبداله بدستور جديد، بعد انقلاب عام 1960.

  • دستور عام 1961

تم تخطيط وتنفيذ انقلاب عام 1960 في تركيا على يد 38 ضابطاً عسكرياً تركياً، ضد حكومة الحزب الديمقراطي المنتخبة ديمقراطياً. نجح الانقلاب في الاستيلاء على السلطة في نهاية المطاف. قام الجيش بإعدام رئيس الوزراء “عدنان مندريس” ووزيرين من الحكومة. تمت صياغة دستور جديد والموافقة عليه لاحقاً، بعد إجراء تصويت شعبي عبر استفتاء تم في تموز/يوليو من عام 1961. ظل الدستور التركي لعام 1961 سارياً، إلى أن استُبدلَ بدستور آخر إثر انقلاب عام 1980.

  • دستور عام 1982

تسلمت القوات المسلحة التركية إدارة البلاد صباح يوم 12 أيلول/سبتمبر 1980، وخضعت البلاد للحكم العسكري. يطلق على مجموعة كبار القادة “مدراء مجلس الأمن القومي التركي”. تم بعدها حل البرلمان، ورفعت الحصانة البرلمانية عن النواب، وعُلّقت الحقوق والحريات الأساسية، وتم إعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد. تبع هذا تعيين العسكري المتقاعد “بولينت أولسو” رئيساً للوزراء، وقيام الأخير بتشكيل الحكومة.

شكل مجلس الأمن القومي مَجمَعاً تأسيسياً في 29 حزيران/يونيو 1981. قُدِّمَ نص الدستور الجديد للتصويت الشعبي في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1982، حيث تم قبوله واعتماده دستوراً جديداً للبلاد.

  • تعديلات عام 2017 على دستور عام 1982

يمكننا أن نرى بوضوح أن هذه الدساتير صيغت وقُدّمت في “لحظات دستورية” بهدف التأثير، أو تغيير شكل الدولة، أو نظام الحكومة؛ بالإضافة إلى التأثير على -أو تغيير- ما يرتبط مباشرة بهوية الدولة الأيديولوجية (ما إذا كانت علمانية أم متدينة).

قد يتعجب المرء ويتساءل عن السبب الذي يدفع -في كثير من الأحيان- حتى أعتى الطغاة لتغيير سلوكهم الاستبدادي، عبر الإجراءات أو التعديلات الدستورية. الإجابة -في المقام الأول- هي مسألة الشرعية؛ الشرعية الداخلية و/أو الخارجية. عدا ذلك، فإن مثل هذا المسار الدستوري -سواء كان موجوداً أو جديداً من خلال التعديلات- يبرر لهم “قانونياً” الاستمرارَ في فعل ما يشاؤون في المستقبل أيضاً.

دور الجيش في الحياة السياسية:

عام 1921 تمت صياغة أول دستور لجمهورية تركيا، ليؤسس نظاماً تشريعياً من مجلس واحد. رغم ذلك، خضع هذا الدستور لمراجعات عديدة، وتم تغييره لاحقاً بعد عدة صراعات سياسية وصراعات على السلطة، وبعد السيطرة العسكرية على البلاد، كما حصل بعد انقلاب عام 1980 الذي قاده رئيس الأركان العامة للجيش التركي.[4]

بعد ذلك، خلال عام 1982، قُدِّم دستور جديد أعطى المؤسسة العسكرية صلاحيات واسعة على الحياة السياسية في تركيا.[5]

منذ ذلك الحين، وحتى تمكن حزب العدالة والتنمية من تعزيز سلطته، كان الجيش يراقب الأحزاب السياسية الإسلامية ذات الطموحات المتنامية عن كثب، ويتدخل بشدة لمنعها من اكتساب أرضية أو مزيد من النفوذ في المشهد السياسي في تركيا، إذ كان يُنظر إليها على أنها تهديد للدستور

شكل الدولة ونظام الحكم من وجهة نظر الدستور:

    • التوزيع العمودي للسلطة – شكل الدولة

تركيا دولة موحدة ذات نظام سياسي شديد المركزية. هذا مذكور بوضوح في المادة (3) من الدستور التركي: “دولة تركيا، بأمتها وأراضيها، كيانٌ غير قابل للتجزئة”. إن محتوى المادة (3)، إضافة لما ورد في المادة (1)، يُعرّف دولة تركيا بأنها جمهورية، وتؤكد المادة (2) على خصائص هذه الجمهورية، في أنها ديمقراطية علمانية اجتماعية، تقوم على مبدأ “سيادة القانون”. بمعنى آخر، لا يجوز تعديل أحكام هذه المواد، أو اقتراح تعديل لها، بناءً على المادة (4).

وفقاً للمادة (126)، فإن الصلاحيات الممنوحة للولايات من قبل الأجهزة الإدارية المركزية، تهدف فقط لخدمة أغراض كفاءة وتنسيق الخدمات العامة.[6] بمعنى آخر، تقتصر صلاحيات المؤسسات الإدارية المحلية على تقديم الخدمات العامة للمواطنين، لا أكثر.[7] هذه الصلاحيات محدودة ومقيدة بالمادة (127) التي تنص بوضوح على أن سلطة الإدارة المركزية على الإدارات المحلية مطلقة من كل النواحي.[8] إن هذا التركيز الشديد للسلطة، والدفع نحو ثقافة واحدة ولغة واحدة وهوية واحدة، يُعدُّ سبباً رئيساً لإنتاج الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، إضافة لكونه سبباً رئيساً أيضاً في التوترات المتزايدة في أوساط الجماعات العرقية غير التركية، مثل الكرد، إذ تحولت هذه التوترات إلى صراع مسلح كبير امتد عقوداً عديدة. كان هذا دون شك أحد العوامل الرئيسة التي أدت إلى ظهور الشعبوية، إذ أصبحت شريحة كبيرة من سكان البلاد أكثر عرضة لتلاعب السياسيين الشعبويين.

يتناقض هذا الوضع بشدة مع حقيقة أن تركيا ملزمة كدولة عضو في “مجلس أوروبا” بتنفيذ “الميثاق الأوروبي للحكم الذاتي المحلي”. ففي عام 2011، نشرت بعثة تقصي الحقائق التابعة للجنة المراقبة تقريراً أفادت فيه بأنها بالكاد وجدت أي تقدم في تنفيذ الميثاق.[9]

  • التوزيع الأفقي للسلطة – نظام الحكم

حتى وقت قريب جداً، كانت تركيا تعرف بكونها جمهورية برلمانية، حيث كانت السلطة التشريعية منوطة حصرياً بالجمعية الوطنية الكبرى (Büyük Millet Meclisi) التي مارست بفعالية سلطتها السيادية على عمل الحكومة.[10] كانت الحكومة المؤلفة من رئيس الوزراء (يدعى باللغة التركية الباشباكان) ومجلس الوزراء، تعتمد على أن يصوت لها البرلمان بالثقة، الأمر الذي يمنحها شرعية ديمقراطية. في نظام كهذا، يكون رئيس الدولة نفسُه رئيسَ الجمهورية (Cumhurbaşkanı) ويكون هذا المنصب فخرياً ويتمتع بسلطات محدودة. بدأ كل هذا بالتغير حين وصل حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان إلى السلطة. من المناسب -قبل الخوض في التغييرات الدستورية التي بدأها أردوغان- أن ننظر في بعض التطورات الدستورية في تاريخ الجمهورية التركية الحديث.

تمت صياغة أول دستور لجمهورية تركيا عام 1921، وقد أسَّسَ لنظام تشريعي من مجلس واحد. وقد خضع هذا الدستور لمراجعات عديدة وتم تغييره لاحقاً إثر الصراعات السياسية المتعددة، والنزاع على السلطة، والسيطرة العسكرية على البلاد. مثل انقلاب عام 1980 الذي قاده رئيس الأركان العامة للجيش التركي.[11]

بعد ذلك، في عام 1982، تم تقديم دستور جديد أعطى المؤسسة العسكرية صلاحيات واسعة على الحياة السياسية في تركيا.[12]

منذ ذلك الحين، كان الجيش يراقب الأحزاب السياسية الإسلامية ذات الطموحات المتنامية عن كثب، ويتدخل بشدة لمنعها من اكتساب أرضية أو مزيد من النفوذ في المشهد السياسي في تركيا، إذ كان يُنظر إليها على أنها تهديد للدستور.

جاءت نقطة التحول عندما نجحت حكومة “أردوغان” في تعديل الدستور، بعد الدعوة إلى استفتاء عام 2007. وقد أعطت التعديلات الجديدة لمنصب الرئاسة صلاحيات أقوى، وجعلته منصباً مستقلاً عن البرلمان؛ يُنتخب الرئيس بالاقتراع الشعبي مباشرة عوضاً عن انتخابه من قبل البرلمان.[13]

عام 2010، اقترح حزب العدالة والتنمية تعديلات جديدة على الدستور لتغيير هيكلية قضاء ومحاكم البلاد،[14] وذلك في إطار محاولاته تعزيز موقعه في السلطة وتوسيع الهيكلية الدستورية بحيث تتناسب مع سقف طموحاته العالي. رغم عدم امتلاك الحزب أغلبية الثلثين التي تؤهله لتعديل الدستور مباشرةً، لكنه حصل على 60% من أصوات البرلمان، وكان هذا كافياً للدعوة إلى استفتاء على الإصلاحات الجديدة.[15] وهكذا، مضى حزب العدالة والتنمية قدماً، إذ وافق الشعب التركي على التعديلات في الاستفتاء.

عام 2014، أصبح “أردوغان” أول رئيس منتخب بشكل مباشر في تركيا،[16] بعد أن كان رئيساً للوزراء طوال عشر سنوات تقريباً. وقد كان مشروع إعادة تركيا إلى قيمها وهويتها الإسلامية الحقيقية -المستوحى من معلمه نجم الدين أربكان- في صميم أجندته السياسية الشعبوية التي مهدت صعوده إلى السلطة.[17]

شكلت محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا عام 2016 بدايةَ حقبة جديدة من شأنها أن تغير الحياة السياسية في تركيا إلى حدٍّ بعيد.[18] استخدم “أردوغان” محاولة الانقلاب كذريعة في توقيت مثالي للتخلص من منافسيه السياسيين، ومن كل عقبة أخرى يمكن أن تعيقه في توطيد سلطته.[19] جاء رد الفعل الفوري على محاولة الانقلاب الفاشلة عبر إعلان حالة الطوارئ؛ فتم اعتقال عشرات آلاف الأشخاص، بينهم آلاف القضاة[20] وضباط الجيش والأكاديميين، إضافة إلى طرد أكثر من 160 ألف شخص من وظائفهم.[21]

في وقت لاحق من عام 2017، ومن باب استخدام الأحداث الأخيرة بشكل استراتيجي، أدخل حزب العدالة والتنمية تعديلات جديدة على الدستور، ودعا إلى استفتاء آخر لمنح المزيد من الصلاحيات لرئيس الجمهورية بصفته رأس السلطة التنفيذية وبالتالي تغيير نظام الحكومة من برلماني إلى رئاسي. حصلت حزمة التعديلات الدستورية على دعم شعبي في الاستفتاء.[22] ومن بين أهم التغييرات التي أجريت كان تعديل المادة (104) الذي أسند السلطة التنفيذية لرئيس الجمهورية، وجعله رئيساً للدولة ورئيساً للحكومة في آن واحد؛ الأمر الذي يعني إلغاء منصب رئيس الوزراء.[23] علاوة على ذلك، بات من الممكن للرئيس -الذي سينتخب مباشرة عن طريق التصويت الشعبي- أن يحافظ على عضويته في حزبه السياسي.[24] بعبارة أخرى، أصبح “أردوغان” في الوقت نفسه رئيس الدولة ورأس السلطة التنفيذية وزعيم الحزب السياسي صاحب الأغلبية في البرلمان.

الديمقراطية وتحديات الشعبوية السياسية: مفهوم الشرعية في ظل الديمقراطية الجماعية، ودور الاستفتاءات الشعبية (مخاطرها):

    • الأيديولوجيا الدينية والحلم العثماني

نجح حزب العدالة والتنمية بقيادة زعيمه الشعبوي في التلاعب بنجاح بالغالبية العظمى من الناخبين الأتراك. وقد تم هذا من خلال الاعتراف بمظالم وخيبات هؤلاء الناخبين، وتقديم وعود وحلول بسيطة لجميع مشاكلهم. كل ذلك بلغة بسيطة يستطيع الجمهور فهمها بسهولة. كان الهدف الاستراتيجي الذي رمت إليه الأجندة مركزاً على استحضار المشاعر الدينية للشعب التركي، وتذكيره بالأمجاد الضائعة للإمبراطورية العثمانية، والوعد بإحياء هذه الأمجاد واستعادتها أقوى مما كانت عليه.[25]

  • “أردوغانية” مستوحاة من “البوتينية”

بمتابعة التطورات السياسية في تركيا، خاصة خلال العقد الماضي، يمكن للمرء أن يرى السلطة تتجمع حيث يكون “أردوغان”. بغض النظر عن المنصب الرسمي الذي يشغله، لا بد أن تتحرك السلطة معه. كانت السلطة التنفيذية منوطة برئاسة الوزراء حين كان “أردوغان” في ذلك المنصب، لكنها باتت الآن مركزة في منصب رئاسة الجمهورية بعد أن أصبح رئيساً. يبدو هذا شبيهاً إلى حدٍّ بعيد بتحوُّلات السلطة في “روسيا-بوتين”.

  • سيادة القانون وسيادة أردوغان

لم تقتصر نتائج ما سبق على تحول نظام الحكومة في تركيا من نظام برلماني إلى رئاسي، بل كانت هناك نتائج أبعدُ مدىً من ذلك. فعدا عن الأساس المريب لحالة الدستور التركي القانونية، يبدو أنه قد تم تعطيل نظام التوازن والمراجعة والتدقيق لتمهيد الطريق أمام تركيز المزيد من السلطات بين يدي شخص واحد؛ شخص واحد يرأس السلطة التنفيذية، مدعوماً بتفويض قوي من الشعب التركي، ويتزعم حزباً ذا أغلبية مؤثرة وقادرة على تأمين تشريعات تهدف إلى توطيد سلطته فحسب. يمكن لهذا أن يعني أمراً واحداً فقط وفقاً للمعايير الدستورية: الدكتاتورية.

ملاحظة: الفكرة الأساسية والغاية الرئيسة من هذه الجلسات، هي تقديم فكرة أوضح عن تجارب بعض الدول، التي يمكن اعتبار سياقاتها شبيهةً -بطريقة أو بأخرى- بالسياق السوري (من زوايا مغايرة بالطبع)، والتركيز على بعض التفاصيل (التي قد تكون ذات نفع سواء الجوانب الإيجابية التي يمكن اتباعها أو اتباع إحدى تطبيقاتها في السياق السوري، أو الجوانب السلبية التي ينبغي تجنبها في أي محاولة لاحقة لصياغة دستور جديد) يهدف لخلق معادلة دستورية صحية تؤثر على كل من المجتمع، والثقافة، والحقيقة التاريخية، وغيرها بطريقة عادلة ومنطقية.

  • عودة إلى العنصر الأساسي لمبدأ الشرعية – الفرد

التركيز على الأفراد عبر بناء قدراتهم لتمكينهم من الوصول إلى فهم أعمق للتغييرات السياسية والقانونية التي سيكون لها تأثير مباشر على حياتهم وحياة الأجيال التي ستأتي بعدهم. إضافة إلى تمكينهم من التفكير بقضايا محيطهم بطريقة منطقية تتجاوز المشاعر الآنية، وتخلق عندهم رؤية نقدية تساعدهم على الوصول إلى فهم أعمق لما يجري حولهم. أي: تحويل الأفراد من كونهم وقوداً أو ضحايا للتغييرات السياسية والاجتماعية المحيطة بهم، إلى عناصر فاعلة وقادرة على إحداث تغيير حقيقي وهادف يعكس تطلعاتها.

ما هي الدروس المستخلصة من التجربة الدستورية التركية بالنسبة لسوريا:

خلال الجلسة الحوارية حول التجربة الدستورية التركية، تحدث الحضور عن نظرية العقد الاجتماعي وعن مفهوم السلطة والشرعية وعن شكل الدولة، كما تحدثوا عن السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وأهمية مبدأ الفصل بينها، وناقشوا التغييرات الدستورية التي حصلت في تركيا والتي غيرت بشكل جذري شكل الدولة ونظام الحكومة، منذ الحرب العالمية الأولى بعد أن سقطت الامبراطورية العثمانية، مروراً “بمعاهدة سيفر” التي حددت حقوق بعض القوميات الموجودة ضمن الدولة العثمانية، و”معاهدة لوزان” التي حرمت الأكراد من حقوقهم.

كذلك تحدث المشاركون والمشاركات عن دستور عام 1982 (وهو الدستور الحالي لتركيا) والذي تم تعديله عدة مرات مع الحفاظ على هوية الدولة التركية الإسلامية. وتطرقوا إلى التعديل الدستوري لعام 2010 الذي تم من خلاله تغيير شكل الدولة من برلمانية إلى رئاسية عبر استفتاء شعبي، حيث لأول مرة في تاريخ تركيا أصبح رئيس الدولة ينتخب مباشرةً من الشعب، وتم إجراء تعديلات دستورية ونُقلت الصلاحيات إلى رئيس الدولة الذي أصبح رئيس السلطتين التنفيذية والتشريعية.

ناقش الحضور أيضاً قيام الجمهورية التركية ودستور 1923 والمشاكل التي سببها، وكيف تناول الدستور المشاركة السياسية والشمول والتنوع وحقوق الأقليات، وكيف تم استخدام الدستور كأداة سياسية. كذلك أشاروا إلى أن السياسيين الذين قاموا بكتابة الدستور لم يكونوا مهتمين بأن يكون شاملاً، بل أصروا على كتابة دستور ضيق يكون للشعب التركي فقط ولا يشمل المجموعات المتنوعة في البلاد.

إضافة إلى ما سبق، تحدث المشاركون والمشاركات عن القضية الكردية في تركيا وصلتها بالدستور، وكيف بدأت الهوية الكردية تتحدى القوى العسكرية للإمبراطورية العثمانية التي كانت تتخوف من إعطاء الأقليات حقوقهم خشية انفصالهم.  أخيراً، أجمع الحضور على أن تركيا ليست نموذجاً مثالياً، ولكن بالمقارنة مع الشرق الأوسط، نجحت لحد ما في تحقيق انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة.

التوصيات:

خلال الورشة التي عقدتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في 9 تموز/يوليو 2021 كجزء من سلسلة جلسات حوارية حملت عنوان “الطريق نحو دستور سوري جديد: كيف نستفيد من تجارب الدول الأخرى”، ناقش الحضور التجربة الدستورية التركية وما يمكن أن يتمّ التعلم منها أو تجنّب سلبياتها في التجربة السورية، وتم الاتفاق على عدة توصيات وهي:

  • يجب على الدولة احترام حقوق الأقليات الدينية والإثنية والعرقية وتاريخها ولغتها وأن ينعكس هذا في الدستور.
  • يجب ألا تكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي من مصادر الدستور لأنه سيكون غير شامل لكل الفئات والجماعات في الدولة.
  • يجب على الدستور أن يضمن حقوق النساء والمساواة الجندرية.
  • يجب أن تكون المشاركة في صياغة الدستور بعيدة عن الديكتاتورية أو الاستغلال لأنه من السهل على من يملك القوة أن يمتلك صلاحية تعديل الدساتير وصياغتها بشكل يخدم مصالحه الخاصة وليس مصالح الشعب.
  • يجب الانتباه إلى أن الدستور الناجح في دولة ما ليس بالضرورة أن ينجح في دولة أخرى.
  • يجب تجنب إدراج الصيغ الفضفاضة في الدستور والتي قد تحمل تفسيرات متعددة.
  • ينبغي مراعاة ثقافة الاستفتاء الشعبي كآلية ديمقراطية قادرة على تغيير شكل الدولة.
  • لا بد من المحاسبة على الجرائم التي ارتكبت قبل إصدار الدستور كي لا يكون مفهوم المواطنة هش لدى مواطني الدولة.

[1] يمكن الاطلاع على خلفية عامة حول تاريخ الدستور العثماني/التركي عبر الرابط التالي:

http://lm-dp.org/a-brief-history-of-turkish-constitutionalism/

[2] رودريك هـ دافيسون. الإصلاح في الإمبراطورية التركية، 1856-1876 (جورديان برس، 1937). ص 134. تمت استعادته في 21 كانون الثاني/يناير 2013. لكن يمكن إثبات أن مدحت باشا، وهو المؤلف الرئيسي لدستور عام 1876، كان متأثراً بشكل مباشر بالدستور الأرمني.

[3] يوهان شتراوس. “دستور إمبراطورية متعددة اللغات: ترجمات القانون الأساسي ونصوص رسمية أخرى إلى لغات الأقليات”، في كريستوف هرتسوغ ومالك شريف، “التجربة العثمانية الأولى في الديمقراطية” (2010) ص 20- 52.

[4] موقع TRT World. الأخبار: جدول زمني للتاريخ الدستوري في تركيا. 12 نيسان/أبريل 2017

https://www.trtworld.com/referendum/turkeys-constitutional-history-a-timeline-334848

[5] أ. سيرا كريمر. تركيا بين الإمبراطورية العثمانية والاتحاد الأوروبي: نقل السلطة السياسية عبر الإصلاحات الدستورية. مجلة فوردهام للقانون الدولي، المجلد 35 (2016).

https://ir.lawnet.fordham.edu/cgi/viewcontent.cgi?referer=https://en.wikipedia.org/&httpsredir=1&article=2421&context=ilj

 

[6] الدستور التركي، المادة 126: “يجوز إنشاء منظمات إدارية مركزية تتألف من عدة ولايات لضمان كفاءة وتنسيق الخدمات العامة. وينظم القانون وظائف وسلطات هذه المنظمات”.

[7] أطلس العالم، حقائق عن العالم: ما نوع الحكومة التي تمتلكها تركيا؟

https://www.worldatlas.com/articles/what-type-of-government-does-turkey-have.html

[8] الدستور التركي، المادة 127: “…يجوز لوزير الداخلية أن يعزل من مناصب أجهزة الإدارة المحلية أو أعضائها من شُرِعَ بتحقيق أو ملاحقة قضائية ضدهم على أساس الجرائم المتعلقة بواجباتهم”. تتمتع الإدارة بسلطة الوصاية الإدارية على الإدارات المحلية في إطار المبادئ والإجراءات المنصوص عليها في القانون بهدف ضمان عمل الخدمات المحلية بما يتوافق مع مبدأ نزاهة الإدارة، وتأمين خدمة عامة موحدة، وحماية المصلحة العامة وتلبية الاحتياجات المحلية بطريقة صحيحة”.

[9] مجلس أوروبا. تقرير: الديمقراطية المحلية والإقليمية في تركيا. لجنة المراقبة. 1 آذار/مارس 2011

https://rm.coe.int/168071a9f7

[10] الدستور التركي، المادة 7: “السلطة التشريعية منوطة بالجمعية الوطنية الكبرى [مجلس الأمة التركي الكبير] نيابة عن الأمة التركية. ولا يجوز تفويض هذه السلطة”.

[11] موقع TRT World. الأخبار: جدول زمني للتاريخ الدستوري في تركيا. 12 نيسان/أبريل 2017

https://www.trtworld.com/referendum/turkeys-constitutional-history-a-timeline-334848

[12] أ. سيرا كريمر. تركيا بين الإمبراطورية العثمانية والاتحاد الأوروبي: نقل السلطة السياسية عبر الإصلاحات الدستورية. مجلة فوردهام للقانون الدولي، المجلد 35 (2016). https://ir.lawnet.fordham.edu/cgi/viewcontent.cgi?referer=https://en.wikipedia.org/&httpsredir=1&article=2421&context=ilj

[13] موقع الصحافة التركية. الأخبار. “أردوغان: التاريخ سيحكم على فيتو الرئيس”. الثلاثاء 29 أيار/مايو 2007

http://www.turkishpress.com/news.asp?id=178755

[14] موقع TRT World. الأخبار: جدول زمني للتاريخ الدستوري في تركيا. 12 نيسان/أبريل 2017

https://www.trtworld.com/referendum/turkeys-constitutional-history-a-timeline-334848

[15] موقع المكتبة الحرة. الأخبار: “جدول الاستفتاء الذي سيجري بعد التعديل الدستوري المنشور في الجريدة الرسمية”. 12 أيار/مايو 2010

https://www.thefreelibrary.com/(GEN)+SCHEDULE+OF+REFERENDUM+TO+BE+SET+AFTER+CONSTITUTIONAL+AMENDMENT…-a0226100480

[16] موقع TRT World. الأخبار: جدول زمني للتاريخ الدستوري في تركيا. 12 نيسان/أبريل 2017

https://www.trtworld.com/referendum/turkeys-constitutional-history-a-timeline-334848

[17] موقع بي بي سي، ملف تركيا.

http://news.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/48025.stm

[18] إدوارد لوتواك. فورين بوليسي. لماذا فشل الانقلاب التركي، ولماذا جعلته تجاوزات رجب طيب أردوغان الجبانة أمر لا مفر منه. في 16 تموز/يوليو 2016.

http://foreignpolicy.com/2016/07/16/why-turkeys-coup-detat-failed-erdogan/

[19] تيم أرانغو، جيلان يغينسو، سافاك تيمور. الأتراك يرون التطهير كمطاردة الساحرات في عصور الظلمات. نيويورك تايمز. في 16 أيلول/سبتمبر 2016.

https://www.nytimes.com/2016/09/17/world/europe/turkey-erdogan-gulen-purge.html

[20] بي بي سي. أخبار تركيا: اعتقالات جماعية بعد صد محاولة انقلاب فاشلة وفقاً لرئيس الوزراء. في 16 تموز/يوليو 2016.

https://www.bbc.com/news/world-europe-36813924

[21] تيم أرانغو، جيلان يغينسو. تركيا ستفرج عن عشرات الآلاف من السجناء لإفساح المجال للمشتبه بهم في الانقلاب. نيويورك تايمز. في 17 آب/أغسطس 2016.

https://www.nytimes.com/2016/08/18/world/europe/turkey-prisoners-erdogan.html

[22] البرلمان التركي يقترب من الموافقة على النظام الرئاسي الذي يطلبه أردوغان. رويترز. في 19 كانون الثاني/يناير 2017.

https://www.reuters.com/article/us-turkey-politics-constitution/turkish-parliament-nears-approval-of-presidential-system-sought-by-erdogan-idUSKBN153238

[23] موقع ديكان Diken. الأخبار: اقتراح 21 تعديل دستوري على البرلمان: الرئيس هو رأس السلطة التنفيذية. في 10 كانون الأول/ديسمبر 2016.

http://www.diken.com.tr/21-maddelik-anayasa-metni-mecliste-guclu-yasama-guclu-yurutme-dedik/

[24] موقع اتحاد نقابات المحامين التركية. مقارنة المواد المعدلة بالتعديل الدستوري لعام 2017.

http://anayasadegisikligi.barobirlik.org.tr/Anayasa_Degisikligi.aspx

[25] ميشيل كوربورن، مكسيم إدواردز. أردوغان يستعيد عظمة الإمبراطورية العثمانية. فورين بوليسي. في 22 حزيران/يونيو 2018.

https://foreignpolicy.com/2018/06/22/erdogan-is-making-the-ottoman-empire-great-again/

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد