ملّخص تنفيذي:
عمدت الحكومة السورية إلى مصادرة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في محافظتي حماه وإدلب، ومن ثمّ طرحها في مزادات علنية من أجل تأجيرها واستثمارها، وذلك عقب إتمام سيطرتها على عدّة بلدات في ريف حماه الشمالي والغربي وإدلب الجنوبي في شباط/فبراير 2020.[1]
تعود ملكيه هذه الأراضي لمدنيين كانوا قد أجبروا على النزوح من مناطقهم نتيجة العمليات العسكرية التي شنّتها القوات الحكومية السورية وحلفاؤها، حيث تركوا خلفهم أراضيهم ومنازلهم.
طالت عمليات المصادرة أراضٍ مزروعة بمنتج الفستق الحلبي والزيتون، بالإضافة إلى أخرى مزروعة بمادة القمح والشعير والشمندر السكري والأقطان والذرة والخضراوات والبطاطا”، كما طالت عدداً من مزارع السمك الكبرى في سورية وتحديداً في منطقة الغاب.
تمّت هذه العمليات في محافظة حماه، بحجّة وجود مالكيها في مناطق سيطرة “التنظيمات الإرهابية”، وذلك من قبل اللجنة الأمنية والعسكرية في المحافظة[2] بقيادة المدعو “رمضان يوسف الرمضان”، أمّا في محافظة إدلب فقد تمّت من قبل رابطي فلاحي “إدلب”[3] التابعة للحكومة السورية، بحجّة وجود ديون على مالكي هذه الأراضي لصالح المصرف الزراعي التعاوني، مع الإشارة إلى أنهم متواجدين في مناطق غير خاضعة لسيطرة الحكومة السورية.
في محافظة حماه، ومنذ منتصف العام 2020، أعلنت اللجنة الأمنية والعسكرية في حماه، عن سلسلة من المزادات العلنية لضمان استثمار أراضٍ تعود لنازحين في عدة ّبلدات وقرى مثل (صوران وطيبة الإمام ومورك وعطشان وكوكب ومعان) وغيرها من البلدات في مجال منطقة “صوران”، كما طالت بلدات وقرى (اللطامنة ولطمين وكفرزيتا والزكاة والجبين والحماميات وتل ملح والجلمة والاربعين والمغير وكرناز) في مجال منطقة “محردة”، بالإضافة إلى بلدات وقرى (أم حارتين وتل العلباوي ودكي وجروح النعيمية وطوبية العياش ورسم قنبر والصلالية ورسم الخضيرة وجب السويد وجب الابيض وسوحا وحمادة عمر وابو دالي والعبايكة وعكش وحجلية وطوطح وابو الكسور) وغيرها من البلدات في مجال منطقة “سلمية”، كما شملت أيضاً بلدات وقرى منطقة الغاب، مثل (أراض من قسم القلعة وأراضٍ من قسم الجيد).
تلا ذلك عمليات مماثلة في محافظة إدلب، حيث أعلنت رابطة فلاحي “إدلب” التابعة للحكومة السورية، في تشرين الأول/أكتوبر 2020، عن عدد من المزادات العلنية من أجل تأجير أراضٍ زراعية في عدّة مناطق منها قرى وبلدات (تل السلطان وتل الطوكان والبليصة وأبو الظهور ومزارعها وحرملة ومزارعها ورسم نباص ومزارعها و تل سلمو ومزارعها والحسبنبة ومزارعها) وغيرها من البلدات في منطقة “أبو الظهور”، بالإضافة إلى قرى وبلدات (كفريا ورملة والمريجب ونباز والجهمان والعوجة وتل حلاوة وتل الكرام والقاهرة ورجم المشرف والعامرية والنقير والقصابية واللويبدة والمشيرفة وام الصهاريج) وغيرها من البلدات في منطقة “معرة النعمان”، فضلاً عن بلدات وقرى (التمانعة وموقا والتح وتحتايا وخان شيخون وجرجناز وام جلال والرفة وجبالا وكفرباسين والهبيط وكفرعين والشيخ دامس والحراكي وبابولين والمعيصرونة) في منطقة “خان شيخون”.
أحد الناشطين الحقوقيين العاملين في مجال توثيق عمليات المصادرة الأخيرة، قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بأنّ حجم المساحات المصادرة من قبل الحكومة السورية في محافظتي إدلب وحماه، خلال الفترة الممتدة منذ تاريخ بدء هذه المزادات في شهر تموز/يوليو وحتى أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2020، قُدرّت بحوالي 60000 دونم أي ما يعادل 6000 هكتار.[4]
تركت عمليات المصادرة الأخيرة عواقب وخيمة على مئات المزارعين في حماه وإدلب، والذين نزحوا في غالبيتهم إلى مخيمات على الحدود السورية التركية، تاركين خلفهم أراضيهم والتي تشكّل مصدر رزقهم الوحيد، حيث أصبحوا اليوم يعانون أوضاعاً إنسانية بالغة الصعوبة بعد أن كانوا يعيشون حياة ميسورة مادية إلى حد ما.
بالإضافة إلى ذلك، أشار معظم المزارعين في شهاداتهم لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ القوات الحكومية السورية وحلفاؤها وعقب سيطرتها على بلداتهم في ريفي حماه وإدلب، منعتهم من الدخول إليها، بحجّة أنّ هذه المناطق أصبحت مناطق عسكرية.
صورة رقم (1)- صورة تظهر أبرز القرى والبلدات التي شملتها عمليات المصادرة الأخيرة في ريفي إدلب وحماه.
المنهجية:
اعتمد هذا التقرير في منهجيته على (10) شهادة ومقابلة بالمجمل، من بينهم 5 مزارعين من ريف إدلب وحماه، كانت قد تمّت مصادرة أراضيهم وطرحها في المزادات العلنية خلال العام 2020، بالإضافة إلى شهادة أحد مربيي الأسماك في منطقة سهل الغاب بريف حماه، والذي تمّت مصادرة مزرعته هو الآخر مع عدد من مزارع السمك الكبرى في المنطقة.
كما تمّت مقابلة أحد الناشطين من ريف حماه، والذي تحدّت عن الأحداث التي سبقت عمليات المصادرة الأخيرة من قبل الحكومة السورية والتي طالت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في ريفي إدلب وحماه، بالإضافة إلى شهادة اثنين من المصادر المحلية من المنطقة.
فضلاً عن شهادة أحد الحقوقيين العاملين في مجال توثيق وإحصاء عمليات المصادرة الأخيرة، والذي قدّر المساحات المصادرة وأبدى رأيه القانوني حول تلك العمليات.
جرت هذه المقابلات خلال الفترة الممتدة ما بين أوائل شهر تشرين الأول/أكتوبر 2020 وحتى أواخر شهر كانون الثاني/يناير 2021، حيث تمّ التواصل مع معظم الشهود عبر الانترنت من قبل الباحث الميداني لدى المنظمة. كما تمّ الرجوع إلى العديد من المصادر والمراجع التي تناولت هذه القضية.
-
سيطرة القوات الحكومة السورية وحلفائها على مناطق بريف حماه وإدلب:
تمكنت القوات الحكومية السورية والميليشيات[5] الموالية لها من التقدم والسيطرة على ريف حماة الشمالي سيّما مدن (مورك وكفرزيتا واللطامنة) والقرى التابعة لها، بالتزامن مع سيطرتها على بلدات ومدن (الهبيط وخان شيخون) والقرى التابعة لها جنوب إدلب، في أواخر شهر آب/أغسطس 2019، ومع استمرار عملياتها العسكرية أتمّت الأخيرة السيطرة على ناحية “قلعة المضيق” حتى قرية “العمقية” شمالاً بريف حماة الغربي في شباط/فبراير 2020، بالتزامن مع سيطرتها على منطقتي “معرة النعمان” و”سراقب” بريف إدلب.
صورة رقم (2)- خارطة تظهر توزع قوى السيطرة العسكرية في محافظتي إدلب وحماه حتى تاريخ 1 شباط/فبراير 2020.
وبعد تمركزها بتلك المناطق المذكورة وانسحاب فصائل المعارضة السورية المسلّحة والفصائل الجهادية الأخرى،[6] عملت الميليشيات الموالية لقوات الحكومة السورية على تقاسم الأراضي الزراعية بريفي حماة الشمالي والغربي وريف إدلب الجنوبي بما فيها من محاصيل وأشجار معمرّة، سيّما محاصيل الفستق الحلبي، حيث بدأت بجني تلك المحاصيل في مطلع شهر حزيران/يونيو 2020. وفي هذا الخصوص أشار أحد المصادر المحلية، إلى أنّ الميليشيات الموالية للقوات الحكومية السورية عملت على جني تلك المحاصيل من خلال استئجار عمال مدنيين من بلدات بريف حماة مثل (طيبة الإمام وخطاب وحلفايا وصوران) لقطاف أشجار الفستق الحلبي والزيتون، مما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من العمال بحوادث منفصلة، جرّاء انفجار ألغام أرضية بهم كانت مزروعة في الحقول إبان المعارك التي دارت بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة المسلّحة.
وأضاف بأن أنّ التبعيات المختلفة للميليشيات الموالية لقوات الحكومة السورية وتعدّد القوة الموجودة على الأرض، أشعلت نار التنافس فيما بين قادتها بالنسبة للأراضي الزراعية، ممّا أفضى إلى وقوع خلافات كبيرة بين الميليشيات تطورت إلى استخدام السلاح تارةً وحرق المحاصيل تارةً أخرى.
علاوة على ذلك كانت إحدى الصفحات المحلية الموالية للحكومة السورية (فرع حماه-شعبة محرده) قد نشرت في تموز/يوليو 2020، جانباً من الاطلاع على محصول الفستق الحلبي في حقول أحد المزارعين في مدينة كفرزيتا بريف حماة، حيث أوردت الصفحة ما يلي:
“اطلّع الرفيق حازم الشيخ أمين شعبة محرده والمهندس حسام الفرج رئيس دائرة زراعة كفرزيتا على حقول الفستق الحلبي في المدينة، لتفقد وتقدير كمية الإنتاج لهذا العام من أجل تضمينها (أي عرضها بمناقصة)”، وذكرت الصفحة أنّ ريع الموسم الذي تعود ملكيته للأهالي المدنيين، سيتحول لصالح صندوق لدعم عائلات قتلى القوات الحكومية السورية.[7]
صورة رقم (3)- صورة تظهر جانباً من اطلاع أمين شعبة محرده ورئيس دائرة زراعة “كفرزيتا” من أجل جني محصول الفستق الحلبي في أحد مزارع “كفرزيتا”، مصدر الصورة: صفحة “فرع حماه-شعبة محرده”.
وبحسب شهادة الناشط “عبد السلام الحموي”، فقد اندلعت النيران في محاصيل القمح في منطقة “محردة” (حيث تتمركز ميليشيات الدفاع الوطني) وتحديداً في 12 حزيران/يونيو 2020، حيث امتدت النيران مع شدّة الرياح باتجاه الشرق حتى وصلت أطراف بلدة “مورك” في ريف حماه الشمالي، مروراً بأراضي قرى ومدن “تلملح وحصرايا والزكاة والأربعين واللطامنة وكفرزيتا ولطمين ولحايا ومورك”، حيث أشار الناشط إلى أنّ هذه الحادثة جاءت عقب نشوب خلافات بين قادة وعناصر الحواجز فيما بينهم على سلب وتقاسم هذه المحاصيل العائدة للأهالي، كما أضاف بأنّ هذه الحرائق أدت إلى مقتل المدني “عدنان حسين الحمود” 52 عاماً من مدينة “كفرزيتا”، متأثراً بإصابته بحروق من الدرجة الثالثة، عند محاولته إخماد النيران التي اجتاحت أرضه.
وتابع بأنّ النيران امتدّت وتسببّت في احتراق أشجار الفستق الحلبي والمحاصيل الزراعية في قرى وبلدات في محافظة إدلب مثل (خان شيخون والتمانعة وعطشان وريف معرة النعمان الشرقي وجرجناز والتح ومعرشمارين وتلمنس وريف معرة النعمان الجنوبي حتى حيش وسراقب وريفها وكفر نوران بريف حلب)، مشيراً إلى أنّ مساحة الأراضي التي التهمتها النيران في ريف حماه بلغت حوالي 15000 دونم (1500 هكتار) منها، وحوالي 3000 دونم (300 هكتار) من أشجار الفستق الحلبي وحوالي 3000 دونم (300 هكتار) من أشجار الزيتون، بالإضافة إلى حوالي 7000 دونم (700 هكتار) من القمح وحوالي 2000 دونم (200 هكتار) من الشعير والحبة السوداء.
عقب ما جرى، أصدرت الحكومة السورية ممثّلة باللجنة الأمنية والعسكرية في محافظة حماه، بياناً في 14 آب/أغسطس 2020، منعت بموجبه حراثة الأراضي الزراعية لغير المالكين الأساسيين أو العمل بها، حتى انتهاء اللجنة المشكلّة بالأمر الإداري رقم (3077) وذلك لورود معلومات تفيد بأنّ بعض المواطنين يقومون بوضع أيديهم على تلك الأراضي.[8]
صورة رقم (4)- البيان الصادر عن اللجنة الأمنية العسكرية في محافظة حماه في 14 آب/أغسطس 2020، مصدر الصورة: رابطة فلاحي حماه.
بعد الخلافات السابقة، بدأت الحكومة السورية ممثلة باللجنة الأمنية العسكرية والأمنية في محافظة حماه، ورابطة فلاحي إدلب، بمصادرة أراضي النازحين من البلدات والقرى والمدن التي شهدت أعمالاً عسكرية، وطرحها في مزادات علنية من أجل تأجيرها لعام واحد، يمتد ما بين شهر تشرين الأول/أكتوبر 2020 حتى صيف العام 2021، وذلك بحجج مختلفة منها أنّ أصحاب هذه الأراضي متواجدين بمناطق سيطرة المعارضة المسلّحة، والأخرى بحجة وجود ذمم مالية مترّتبة على أصحاب الأراضي للمصرف الزراعي التعاوني.
لقراءة التقرير كاملاً وبصيغة ملف PDF يُرجى الضغط هنا.
______
[1] كانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد نشرت “إحاطة موجزة حول الأوضاع الإنسانية والعسكرية في محافظة إدلب” في 14 شباط/فبراير 2020. (آخر زيارة للرابط: 9 شباط/فبراير 2021). https://stj-sy.org/ar/%d8%a5%d8%ad%d8%a7%d8%b7%d8%a9-%d9%85%d9%88%d8%ac%d8%b2%d8%a9-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d8%b6%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84/
[2] اللجنة الأمنية والعسكرية: هي أعلى سلطة سياسية وعسكرية وأمنية في المحافظة، وكانت قد تشكّلت عقب اندلاع النزاع السوري عام 2011، وتتألف اللجان الأمنية في كل محافظة من: رئيس اللجنة الأمنية وهو أعلى رتبة فيها ثمّ المحافظ ثمّ أمين فرع حزب البعث في المحافظ وممثل الجبهة الوطنية التقدمية في المحافظة بالإضافة للمحامي العام في المحافظة وقائد شرطة المحافظة، ثمّ قائد الشرطة العسكرية في المحافظة ورئيس فرع الآمن العسكري في المحافظة ورئيس فرع المخابرات العامة في المحافظة، ورئيس فرع الأمن السياسي في المحافظة ورئيس فرع المخابرات الجوية في المحافظة وقائد الدفاع الوطني في المحافظة وقيادة الفرق والألوية العسكرية في المحافظة.
[3] هو كيان مؤلف من جمعيات تعاونية زراعية تابعة للمحافظة بشكل مباشر ولاتحاد فلاحي سوريا بشكل أكثر عموماً، وهي إحدى تشكيلات القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي.
[4] ويعادل الهكتار الواحد 10 دونم.
[5] منها: الدفاع الوطني والفيلق الخامس بالإضافة إلى ميليشيات أخرى مثل كتائب البعث.
[6] منها: هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني بالإضافة إلى أنصار التوحيد.
[7] للمزيد من الاطلاع على الرابط: https://www.facebook.com/baath.maherda/posts/901211393690345
[8] للمزيد من الاطلاع: https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2759193597515481&id=100002746034551