نظمت رابطة “تآزر” للضحايا ومنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2022، المنتدى السنوي الأول للضحايا في شمالي سوريا، في مدينة القامشلي/قامشلو، تحت شعار “الحق في الحقيقة والعدالة”.
تزامن المنتدى مع حلول الذكرى السنوية الثالثة لبدء عملية “نبع السلام” التركيّة، وسلط الضوء على حالة حقوق الإنسان في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، وآليات العدالة المتوفرة، محلياً ودولياً، حيث خَلُص إلى توصيات تضمن صون حقوق الضحايا، من وجهة نظرهم.
شارك في المنتدى 50 شخصاً، حضر معظمهم/ن بشكل فيزيائي، وآخرون عبر الفضاء الافتراضي، بينهم/ن 7 متحدثين/ات، وضحايا وناجين/ات، ونشطاء وناشطات، ومدافعين/ات عن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى العديد من الوكالات والمؤسسات الإعلامية، المحلية والإقليمية والدولية.
سيعقد هذا المنتدى بشكل سنوي، بهدف توفير منصة أو مساحة للضحايا في شمالي سوريا، ليكونوا قادرين على تمثيل أنفسهم بنفسهم والمطالبة بحقوقهم، وكذلك التنسيق فيما بينهم ومع ضحايا آخرين.
منطقة “نبع السلام” حافلة بالانتهاكات الحقوقية:
بدأ المنتدى بعرض فلم قصير بعنوان “تقويض السلام والتعايش“، يسرد قصة غزو القوات التركية لمناطق شمال شرق سوريا، بمساندة فصائل من “الجيش الوطني السوري” المُعارض، تحت مسمى عملية “نبع السلام”، التي بدأت بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وأفضت إلى احتلال تركيا لمدينتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض.
شارك في المحور الأول من المنتدى أربع متحدثين/ات، حيث تحدث “جوان عيسو”، مسؤول العلاقات في لجنة مهجري سري كانيه/رأس العين، حول حالة حقوق الإنسان في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، وتحدثت “سوسن رشيد”، الباحثة في منظمة “بيل – الأمواج المدنية”، حول انتهاكات حقوق الملكية في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض وعفرين، وآثارها على النازحين قسراً، ولا سيما النساء والأطفال، كما تحدث “شيخموس أحمد”، الرئيس المشترك لمكتب شؤون اللاجئين والنازحين في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، حول وضع مخيمات نازحي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض وعفرين، والتي تشهد ظروفاً إنسانية صعبة، ولم تحظ باعتراف أممي بعد.
بدوره، تحدث “شورش درويش”، وهو كاتب ومحامي مقيم في ألمانيا، حول سياسة التتريك في الشمال السوري وخطرها على مستقبل سوريا والمنطقة، وسبل الحد منها والتخلص من آثارها.
كما تمَّ عرض فيديو غرافيك حول حصيلة ثلاثة أعوام من انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، حيث وثقت “تآزر” مقتل 56 مدني/ة خلال وعقب عملية “نبع السلام”، بينهم 11 شخصاً تمت تصفيتهم ميدانياً، واعتقال 511 آخرين، بينهم 68 امرأة و42 طفل، في رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، من قبل القوات التركية وجماعات الجيش الوطني السوري التي تدعمها “أنقرة”.
وبحسب توثيقات “تآزر” فأن أكثر من 185 شخصاً من المعتقلين تمَّ اخفائهم قسراً، حيث لا تزال عائلاتهم لا تعلم شيئاً حول مصيرهم، في حين تعرض 325 شخصاً للتعذيب في السجون التي تديرها المعارضة السورية، بينهم خمسة معتقلين على الأقل قضوا تحت التعذيب.
وأكدت “تآزر” تورط تركيا في جريمة إخفاء مواطنين من شمال شرق سوريا، ونقلهم إلى أراضيها، حيث تمَّ توثيق نقل ما لا يقل عن 92 محتجزاً سورياً إلى داخل الأراضي التركية، خلال عملية “نبع السلام”. حُوكم 48 شخصاً منهم بأحكام تعسفية تتراوح بين السجن 13 عاماً وحتى السجن المؤبد.
كنتيجة لاحتلال تركيا لمناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، لا يزال أكثر من 150 ألف شخص من السكان الأصليين لتلك المناطق نازحين قسراً، في حين قامت تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها “أنقرة”، على توطين أكثر من 2500 عائلة نازحة من مناطق سورية أخرى في منازل المدنيين المُهجرين والنازحين قسراً.
وتحققت “تآزر” من توطين 55 عائلة على الأقل، تضم نساء وأطفال مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية – داعش، معظمهم عراقيين، في منازل تمَّ الاستيلاء عليها ضمن رأس العين/سري كانيه، كما وثقت الرابطة استيلاء القوات التركية والجيش الوطني السوري على أكثر من 5500 منزل سكني و1200 محل تجاري وصناعي، ونحو مليون دونم (100 ألف هكتار) من الأراضي الزراعية في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، فضلاً عن إفراغ 55 قرية من سكانها الأصليين.
فوضى السلاح وانعدام الأمان:
أجمعت النقاشات خلال المنتدى على فشل تركيا في تحمّل مسؤولياتها إزاء المناطق التي تحتلها في شمال سوريا، حيث لم تتخذ أي إجراءات حقيقية لضمان الأمن والسلامة العامة، كما غضت البصر عن حالات الاقتتال بين فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض التي تدعمها، وعن تفشي ظاهرة انتشار السلاح واستخدامه بين المدنيين، ذلك في ظل غياب المساءلة واستمرار الإفلات من العقاب.
وبحسب رابطة “تآزر” للضحايا، فقد شهدت منطقة “نبع السلام”، منذ 9 تشرين الأوًّل/أكتوبر 2019 وحتى 9 تشرين الأوَّل/أكتوبر 2022، ما لا يقل عن 72 تفجيراً، راح ضحيتها 145 مدني على الأقل، بينهم نساء وأطفال، وأكثر من 300 جريح، في حين شهد النصف الأول فقط من عام 2022، نشوب 46 حالات اقتتال/اشتباك داخلي بين فصائل “الجيش الوطني السوري”، قُتل نتيجتها 3 مدنيين على الأقل، وجُرح أكثر من 25 آخرين.
أهمية المشاركة الفاعلة للضحايا في عمليات المساءلة والعدالة:
ركز المحور الثاني من المنتدى على الحوار الموسع بين الضحايا والمتحدثين/ات حول آليات العدالة المتوفرة، محلياً ودولياً، وحالياً ومستقبلاً، وأهمية المشاركة الفاعلة للضحايا والناجين/ات وعائلاتهم في عمليات المساءلة والعدالة الانتقالية في سوريا.
وتحدث “عبد السميع عبد الله”، المدرب الدولي المحترف في مجال المناصرة، والذي يمتلك خبرة واسعة في قيادة استراتيجيات وتدخلات المناصرة مع العديد من المنظمات الدولية، حول أهمية المناصرة، وما الذي يمكن للضحايا فعله لكسب التأييد لقضيتهم، مشيراً إلى أن مشاركة الضحايا والناجين/ات وعائلاتهم كمناصرين/ات أساسيين/ات لقضيتهم له دور كبير في كسب تلك القضية للتأييد، ذلك لأنهم الأكثر قدرة على شرح السياق وتوفير المعلومات والأدلة الكافية حول القضية، وصولاً لتبني رسائل واضحة وتقديم توصيات واقتراح الحلول.
كما تحدث المستشار القانوني “رياض علي”، المقيم في فرنسا، والذي سبق أن عمل كقاضِ في سوريا، عن آليات العدالة المتوفرة للضحايا في سوريا، مشيراً إلى أهمية التوثيق وجمع الأدلة والشهادات كخطوة أولى على مسار كشف الحقيقة، والمساءلة، وتحقيق العدالة.
وأكد المدير التنفيذي لرابطة “تآزر” للضحايا، عز الدين صالح، على حق النازحين قسراً في العودة الآمنة والطوعية إلى أماكن سكنهم الأصلية، إذ تنص القاعدة 132 من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي على أنه “للأشخاص النازحين الحق في العودة الطوعية بأمان إلى ديارهم أو أماكن سكناهم المعتادة حالما تنتفي الأسباب الي أدت إلى نزوحهم”. يفرض هذا الحق على السلطات ذات الصلة مجموعة من الواجبات القانونية تتمحور بشكل أساسي حول كَون النزوح حالة مؤقتة. كما تم تأكيد ذلك في مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية للنزوح الداخلي عبر تحميل السلطات المختصة –وبشكل أساسي تلك التي تسببت بالنزوح– واجب ومسؤولية تهيئة الظروف وتوفير الوسائل لتمكين المشردين داخلياً من العودة الطوعية، آمنين مكرّمين.
أجمعت النقاشات على ضرورة نشر الوعي حول أهمية توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، من أجل كشف الحقيقة، كحق أساسي للضحايا، في سعيهم لإخضاع مرتكبي تلك الانتهاكات والجناة للمساءلة في نهاية المطاف.
حمَل المنتدى عدد من التوصيات، أهمها:
- التنسيق بين الضحايا أنفسهم، ومع ضحايا آخرين، والاستفادة من التجارب المماثلة في الدفاع عن حقوقهم.
- دعم المشاركة الفاعلة للضحايا والناجين/ات وعائلاتهم في عمليات المساءلة والعدالة الانتقالية في سوريا، كحق أساسي لهم.
- تعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية مشاركة الضحايا أنفسهم في عمليات التوثيق، وكشف الحقيقة.
- حشد الرأي العام، المحلي والعالمي، حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض في مناطق شمالي سوريا، التي تحتلها تركيا.
- تسهيل وصول آليات التحقيق الدولية واللجان التابعة للأمم المتحدة إلى الشهود لتوثيق الانتهاكات والجرائم في شمال وشرق سوريا.
- إعداد وتنفيذ أنشطة وحملات لمناصرة قضايا الضحايا والناجين/ات، وآلية متابعة نتائج الأنشطة وتقييمها.
- تقديم شكاوى قانونية ورفع دعاوى قضائية من قبل الضحايا والناجين/ات وعائلاتهم/ن لدى المحاكم والجهات الدولية المعنية، وإطلاق حملات مناصرة حول هذه الدعاوى.
- العمل مع هيئات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي حتى الوصول إلى إقرار باحتلال تركيا لمناطق في شمالي سوريا، ومطالبة “أنقرة” بتحمل مسؤولياتها كسلطة احتلال بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.
- إنهاء احتلال تركيا لمناطق شمالي سوريا، وتضخيم أصوات النازحين والمهجرين قسراً ودعم مطالبهم في العودة الآمنة إلى أماكن سكنهم الأصلية واسترداد ممتلكاتهم.