ملّخص تنفيذي:
بعد مضي أكثر من تسعة أعوام على بدء الاحتجاجات/النزاع في سوريا، لا تزال الانتهاكات بحقّ الأطفال مستمرّة، سواء تلك المتعلّقة بالقتل والعنف المُرتكب ضدّهم في مراكز الاحتجاز أو المرتبطة بتجنيدهم واستخدامهم في العمليات العسكرية بشكل روتيني من قبل كافة أطراف النزاع في البلاد ولكن بوتيرة ونسب مختلفة.
وكجزء من الجهود التي تقوم بها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في مجال توثيق انتهاكات حقوق الإنسان قامت المنظمة بجمع معلومات وشهادات حول حالات جديدة لأطفال تمّ تجنيدهم في مناطق سورية مختلفة.
من ضمن الحالات التي تمّ رصدها من قبل باحثي المنظمة، تمّ توثيق ما لا يقلّ عن (6) حالات جديدة لأطفال تمّ تجنيدهم في صفوف قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، في شمال شرقي سوريا، فيما يشير إلى أنّ هذه القوات لم تظهر الالتزام الكامل بعد بمنع تجنيد الأطفال رغم توقيعها خطة عمل من أجل إنهاء ومنع تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة بتاريخ 29 حزيران/يونيو 2019، في مقر الأمم المتحدة في جنيف. على أنّ “سوريون” استطاعت توثيق تسريح هذه القوات بالمقابل لثلاثة أطفال عقب تجنيدهم، فيما لا يزال ثلاثة آخرين مجندين ضمن صفوفها حتى لحظة إعداد هذا التقرير منتصف شهر نيسان/أبريل 2020.
على الجانب الآخر، سجّلت المنظمة ازدياداً في حالات التجنيد في منطقة رأس العين/سري كانييه بمحافظة الحسكة، عقب شهر واحد فقط من عملية “نبع السلام” التي شنتها تركيا بدعم الجيش الوطني السوري التابع للحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف المعارض، في تشرين الأول/أكتوبر 2019، ضدّ قوات سوريا الديمقراطية/قسد، حيث تمّ توثيق 3 حالات على الأقل لأطفال تمّ تجنيدهم من قبل فصائل “أحرار الشرقية” ولواء “السلطان مراد” في أواخر العام 2019 وبداية العام 2020، حيث ما زالوا مجندين حتى اللحظة.
أمّا في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، وتحديداً في شمال غرب سوريا في محافظة إدلب، قال باحثو المنظمة بأنّ هيئة تحرير الشام قامت بتجنيد عشرات (وربّما مئات) الأطفال ما دون سن الثامنة عشرة، وذلك من خلال حملات تجنيد أطلقتها بالتزامن مع الحملة العسكرية التي شنتها القوات الحكومية السورية وحلفاؤها على محافظة إدلب في أواخر العام 2019 وبدايات العام 2020، وبشكل أساسي حملتي “جاهد بنفسك” و “انفروا خفافاً وثقالاً”، حيث استهدفت هذه الحملات بالدرجة الأولى سكان مخيمات النازحين داخلياً بالقرب من الحدود التركية السورية وخاصةً الأطفال منهم، من خلال تقديم المغريات المادية لهم وحثّهم على “الجهاد في سبيل الله”.
إلى ذلك، لم يتوقف تجنيد الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية والميلشيات الموالية لها وتحديداً في مدينة دمشق وريفها، حيث سجلّ باحثو المنظمة، استمرار قوات الدفاع الوطني التابعة للحكومة السورية، بالإضافة إلى الميلشيات الإيرانية الموالية لها، في عمليات التجنيد.
وسبق لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة أن وثقت في مجموعة تقارير أصدرتها في عامي 2019 و2018، تجنيد عدد من الأطفال من قبل كافة أطراف النزاع في سوريا، من بينهم قوات سوريا الديمقراطية، والتي قامت بتجنيد فتاتين دون سن الـ 18، في صفوف وحدات حماية المرأة YPJ والمنضوية تحت لواء “قسد”، هنّ “سُليمة عبد الرحمن علي” والبالغة من العمر (14) عاماً، إضافة إلى الطفلة “عويش بوظان بوظان” والبالغة من العمر (16) عاماً، واللتان تمّ تسريحهما لاحقاً، يضاف إلى ذلك مقتل طفلة أخرى “ياسمين عارف” (17) عاماً، والتي كانت قد انضمت مسبقاً لتلك القوات. [1] بالإضافة إلى الطفل “جمال جلال جابو” النازح من مدينة عفرين والبالغ من العمر (15) عاماً، والذي تمّ تجنيده ضمن صفوفها في العام 2019، وتمّ تسريحه لاحقاً. [2] كما وثقت تجنيد عدد من الأطفال من قبل هيئة تحرير الشام وقوات الدفاع الوطني الموالية للحكومة السورية. [3]
منهجية التقرير:
اعتمد هذا التقرير في منهجيته على (14) شهادة ومقابلة بالمجمل، حيث أجرت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة مقابلات مع ستة من ذوي أطفال تمّ تجنيدهم من قبل قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا.
وعلى الجانب الآخر، استمع الباحث الميداني لشهادة ذوي ثلاثة أطفال، قد تمّ كان تجنيدهم من قبل فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا والتابع للحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف المعارض في منطقة رأس العين/سري كانييه، عقب عملية “نبع السلام” التي شنتها القوات التركية بدعم من هذه الفصائل، بالإضافة إلى شهادة أحد الناشطين الإعلاميين في المنطقة حيال تلك القضية.
يورد هذا التقرير أيضاً، حالتين لطفلين تمّ تجنيدهما ضمن صفوف هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب، حيث تمّ الاستماع لإفادات ذوي هذين الطفلين.
كما يوثق التقرير حالتين لطفلين تمّ تجنيدهما ضمن صفوف الميليشيات الموالية للقوات الحكومية السورية في دمشق وريفها، وتحديداً قوات الدفاع الوطني، والمليشيات الإيرانية.
تمّت مقابلة هؤلاء الشهود من قبل باحثي المنظمة خلال في الفترة ما بين كانون الثاني/يناير وحتى أواخر آذار/مارس 2020، حيث تمّ لقاء بعضهم بشكل مباشر فيما تمّ التواصل مع بعضهم الآخر عبر الانترنت.
فضلاً عن ذلك، قامت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بالرجوع إلى العديد من المصادر المفتوحة (مقالات – مقاطع فيديو – صور .. ألخ)، ومقاطعة المعلومات وجلب المزيد من الأدلة حول الحالات التي قام التقرير بتوثيقها.
1- ما لا يقلّ عن (6) حالات جديدة لأطفال تمّ تجنيدهم في صفوف قوات سوريا الديمقراطية:
في شمال شرقي سوريا، لم تظهر قوات سوريا الديمقراطية/قسد بعد، الالتزام الكامل بمنع تجنيد الأطفال، رغم توقيعها وبمصادقة من الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا على خطة عمل من أجل إنهاء ومنع تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة، وذلك بتاريخ 29 حزيران/يونيو 2019، في مقر الأمم المتحدة في جنيف، إذ أنه وبموجب هذه الخطة كان من المفترض أن تلتزم قوات سوريا الديمقراطية بإنهاء ومنع تجنيد الأطفال واستخدامهم بشكل كامل ونهائي، وفصل المتواجدين حالياً في صفوفها، ووضع تدابير وقائية وتأديبية فيما يتعلق بتجنيد الأطفال واستخدامهم.[4]
وعلى الرغم من توقيع خطة العمل هذه، قامت قوات سوريا الديمقراطية -وتحديداً في أواخر العام 2019 ومطلع العام 2020- بقبول تجنيد (6) أطفال على الأقل ضمن صفوفها في حي “الشيخ مقصود” في حلب ومنطقة “الشهباء” في ريف حلب الشمالي، بينهم الطفل “أ. حسن” (16) عاماً والطفلتين “س. عيسى” (16) عاماً و “ر. عثمان” (16) عاماً، الذين تم تسريحهم خلال أوقات متفرقة من مطلع العام 2020 بعد مناشدة ذويهم عبر وسائل الاعلام مطالبين قوات سوريا الديمقراطية بتسريحهم لأنهم ليسوا بالغين، بحسب ما روى ذوي هؤلاء الأطفال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
في المقابل، لا تزال “عائشة محمد” (15 عاماً) و”ياسمين رشيد” (14 عاماً) و “سلطانة بكر” (16 عاماً) مجندات في صفوف قوات “قسد”، حتى تاريخ كتابة هذا التقرير في منتصف شهر نيسان/أبريل 2020، بالرغم من مناشدة ذويهم المستمرة لتلك القوات بإعادتهم، بحسب ما أفادوا لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
-
-
-
-
تفاصيل تجنيد الأطفال ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية:
-
-
-
بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر 2019، قامت وحدات حماية المرأة YPJ المنضوية تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية، بقبول تجنيد الطفلة “س. عيسى” البالغة من العمر (16) عاماً والنازحة من مدينة عفرين، ضمن صفوفها في منطقة الشهباء في ريف حلب الشمالي، وذلك بحسب ما أكدّ “عبدو عيسى” (46 عاماً) عمّ الطفلة، والمقيم حالياً في العاصمة اللبنانية “بيروت”، والذي اعتبر أنّ إقدام وحدات حماية المرأة على تجنيد ابنة أخيه القاصر، التي تعيش مع والدتها في مخيمات منطقة الشهباء، هو انتهاك لحقوق الطفل في الحياة، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد، بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2020، قائلاً:
“في ذلك اليوم، أي 12 كانون الأول/ديسمبر 2019 اختفت ابنة أخي من المخيم، وعند سؤال والدتها عنها أخبرها موظفو إدارة المخيم، الذين يتبعون للإدارة الذاتية، أنهم قاموا بإرسالها مع أطفال آخرين للمشاركة في دورة تعليمية مدتها (15) يوم، لكن بعد انقضاء تلك المدة لم تعد الطفلة، قبل أن نتلقى منها اتصالاً، أواخر عام 2019، قالت فيه إنها فرت من أحد معسكرات (وحدات حماية المرأة)، التي قامت بتجنيدها في صفوف قواتها، وإنها قد حاولت الفرار منها، لكن محاولتها باءت بالفشل، حيث قامت تلك القوات باقتفاء أثرها واعتقالها.“
صورة رقم (1) على اليمين- صورة تظهر البيانات الشخصية للطفلة “س. عيسى” حسب وثيقة القيد المدني التابع للحكومة السورية، والتي تُثبت أن الطفلة من مواليد عام 2004، وقد تمّ الحصول عليها بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2020. مصدر الصورة: الشاهد “عبدو عيسى”. صورة رقم (2) على اليسار- صورة تظهر الطفلة “س. عيسى” من مواليد عام 2004، وقد تمّ الحصول عليها بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2020. مصدر الصورة: الشاهد “عبدو عيسى”.
تنحدر الطفلة “س” من مدينة عفرين، وهي يتيمة الأب، حيث كان قد توفي والدها “نضال عيسى” الذي كان عضواً في قوى الأمن الداخلي “الأسايش” التابعة للإدارة الذاتية بحادث سير في تموز/يوليو من عام 2016، ولكن عائلتها اضطرت إلى الخروج من منزلها والنزوح إلى مخيمات منطقة الشهباء بعد بدء العملية العسكرية التي شنتها القوات المسلّحة التركية وبمساندة جماعات مسلّحة مرتبطة بتركيا/تابعة للمعارضة السورية على منطقة عفرين/السورية، ذات الغالبية الكردية، والتي كانت تخضع لسيطرة وحدات حماية الشعب YPG، مطلع عام 2018، وانتهت بسيطرة الجيش التركي والجماعات المرافقة له على مركز مدينة عفرين بتاريخ 18 آذار/مارس 2018.
لم تنفع محاولات ذوي الفتاة لاستعادتها على الرغم من مطالبتهم قوات سوريا الديمقراطية بإرجاعها مرات عديدة، لذا عمدوا إلى مناشدة تلك القوات عبر وسائل الأعلام بتسريح ابنتهم لأنها ليست بالغة، الأمر الذي كان مجدياً، حيث دفع تلك القوات إلى إعادتها لأسرتها ومحاولة نفي ما شاع حول تجنيدها، وفقاً لعم الطفلة “عبدو عيسى”، والذي تابع حديثه لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
“حاولت والدة “س” كثيراً أن تستعيدها، لكن دون جدوى، فلم يكن أحد ينصت لندائها، فلجأنا إلى إثارة الرأي العام، وقمنا بالتصريح حول هذا الانتهاك لوسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية، بهدف الضغط على قوات سوريا الديمقراطية، وفعلاً أثمرت هذه الخطوة، إذ اضطرت تلك القوات إلى تسريح الطفلة وإعادتها إلى أسرتها مجدداً، بتاريخ 4 كانون الثاني/يناير 2020 بعد أقل من شهر على تجنيدها، بعد أن أرغمت الطفلة عبر مقطع فيديو[5] أن تنفي خبر اختطافها وتجنيدها من قبل الإدارة الذاتية.”
صورة رقم (3)- مأخوذة من مقطع الفيديو السابق، تظهر الطفلة “س. عيسى” وهي تنفي خبر اختطافها وتجنيدها من قبل الإدارة الذاتية.
في حالة ثانية، تحققّ الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، من قيام قوات سوريا الديمقراطية بتاريخ 16 كانون الأول/ديسمبر 2019 بقبول تجنيد الطفل “أ. حسن” (16) عاماً من سكان قرية “ترميشا” التابعة لناحية شيه/شيخ الحديد بريف عفرين، ضمن صفوف قواتها في منطقة “الشهباء”، قبل أن تقوم بتسريحه بتاريخ 6 كانون الثاني/يناير 2020 بعد أقل من شهر على تجنيده، وذلك بعد أن ناشدت عائلته التي تقطن في مخيمات منطقة الشهباء “قسد” بتسريحه لأنه ليس بالغاً بعد، بحسب ما أفاد به ذوي الطفل لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
صورة رقم (4)- صورة تظهر البيانات الشخصية للطفل “أ. حسن” حسب وثيقة دفتر العائلة، والتي تُثبت أن الطفل من مواليد عام 2004، وقد تمّ الحصول عليها بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2020. مصدر الصورة: نشطاء محليون.
وفي حالة ثالثة، سجّل الباحث الميداني قيام قوات سوريا الديمقراطية بتسريح الطفلة “ر. عثمان” (16) عاماً، من أهالي قرية “عداما” التابعة لناحية “راجو” في ريف عفرين، مطلع عام 2020، بعد عدّة أيام على تجنيدها ضمن صفوف قواتها في حي “الشيخ مقصود” الذي يخضع لسيطرة تلك القوات في مدينة حلب، وذلك بعد مناشدة ذويها “قسد” بتسريحها لأنها ليست بالغة، حيث تمت إعادة الطفلة “الوحيدة لوالديها” إلى عائلتها التي تعيش في الحي بعد نزوحها من مدينة عفرين قبل عامين.
صورة رقم (5)- صورة تظهر الطفلة “ر. عثمان” من مواليد عام 2004، وقد تمّ الحصول عليها بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2020. مصدر الصورة: نشطاء محليون.
في المقابل، مازالت قوات سوريا الديمقراطية وحتى لحظة إعداد هذا التقرير في 31 آذار/مارس 2020، مستمرّة بتجنيد الطفلة “ياسمين رشيد” (14) عاماً (يتيمة الأب) من حي الشيخ مقصود في مدينة حلب، منذ أن قامت بقبول تجنيدها ضمن صفوف قواتها في ذلك الحي، بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وذلك على الرغم من مناشدة والدتها تلك القوات بتسريحها لأنها ليست بالغة، حيث تحدثت والداتها “ليلى كوتو” (43) عاماً لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد:
“في ذاك اليوم، خرجت ابنتي لزيارة إحدى صديقاتها ولم تعد، وسرعان ما علمت أنّ وحدات حماية المرأة قد قامت بتجنيدها ضمن صفوفها، فراجعت كافّة مراكز القوى العسكرية التابعة للإدارة الذاتية لاسترجاع ابنتي، لكنهم رفضوا تسريحها قائلين: (إنها قد أتت بمحض ارادتها، لذا لن نعيدها)، حاولت كثيراً إقناعهم، ولكن دون جدوى، حتى أنني هددّتهم بإضرام النار في جسدي إن لم يعيدوا ابنتي، لكنهم لم يستجيبوا.”
صورة رقم (6) – إلى اليمين- صورة تظهر البيانات الشخصية للطفلة “ياسمين رشيد” حسب وثيقة دفتر العائلة، والتي تُثبت أن “ياسمين” من مواليد عام 2006، وقد تمّ الحصول عليها بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2020. مصدر الصورة: الشاهدة “ليلى كوتو”. صورة رقم (7)- إلى اليسار- الطفلة “ياسمين رشيد” من مواليد عام 2006، وقد تمّ الحصول عليها بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2020. مصدر الصورة: الشاهدة “ليلى كوتو”.
كما تمّ تسجيل استمرار قوات “قسد” بتجنيد الطفلة “سلطانة بكر” (16) عاماً، من بلدة شيه/شيخ الحديد بريف مدينة عفرين والتي تسكن برفقة عائلتها في قرية “معراتة المسلمية” في منطقة الشهباء في ريف حلب الشمالي، ضمن صفوف قواتها، وذلك بتاريخ 7 كانون الثاني/يناير 2020، ولم تنفع مساعي ذويها ومناشدتهم قوات سوريا الديمقراطية بتسريحها لأنها ليست بالغة، وذلك حتى تاريخ كتابة هذا التقرير في 31 آذار/مارس 2020، وفق ما أفاد ذويها لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
صورة رقم (8)- الطفلة “سلطانة بكر” من مواليد عام 2004، وقد تمّ الحصول عليها بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2020. مصدر الصورة: موقع ريباز نيوز.
وفي حالة ثالثة، مازالت الطفلة “عائشة إبراهيم” (15 عاماً)، مجندة ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية هي الأخرى، منذ تاريخ 23 شباط/فبراير 2019، حتى لحظة إعداد هذا التقرير في 31 آذار/مارس 2020، حيث أنّ عائلتها ناشدت “وحدات حماية المرأة YPJ” في منطقة “تل رفعت” شمالي حلب، من أجل تسريح ابنتهم والتي تمّ تجنيدها بعد أقل من عام على نزوح العائلة من مدينة عفرين عقب عملية “نبع السلام”.
الطفلة “عائشة ابراهيم” ليست الطفلة الوحيدة التي تم تجنيدها من العائلة، إذ سبق لوحدات حماية المرأة أن جندت شقيقتها “أمينة ابراهيم” في عفرين، خلال عام 2013 عندما كانت تبلغ من العمر (13 عاماً). حول ذلك، روى مصدر من العائلة، التي تعيش حالياً في مدينة حلب، لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
“كان والد عائشة “محمد إبراهيم” قد أصيب بنوبة قلبية عقب تجنيدها من قبل وحدات حماية المرأة، وذلك لشدّة حزنه على فراقها، لا سيّما أنّ ابنته الأخرى “أمينة” مجندة سابقاً ضمن صفوف تلك القوات، ويعاني الأب حالياً من مرض في القلب، ويسير على كرسي متحرك“.
وتابع قائلاً:
“منذ أكثر من عام، تبحث (مزكين حسو) والدة الطفلة (عائشة) عنها، في مراكز ومعسكرات قوات سوريا الديمقراطية في مناطق حلب و “الشهباء”، وقد قدمت وثائق تثبت أن ابنتها ليست بالغة، لأكثر من جهة في (قسد)، ولكن دون جدوى حتى الآن، إذ ترفض تلك القوات تسريح ابنتها، بحجّة أنها انتسبت إليهم بكامل بإرادتها“.
وأضاف “المصدر” أن هذه المرة هي الثانية التي تقوم فيها وحدات حماية المرأة بتجنيد الطفلة “عائشة إبراهيم”، إذ سبق لتلك القوات أن قامت بتجنيد “عائشة” ضمن صفوف قواتها في مدينة “عفرين”، خلال النصف الثاني من عام 2017، قبل أن تقوم بتسريحها بعد أقل من شهر على قبول تجنيدها، نتيجة مطالبة والدها ووالدتها بتسريحها لأنها ليست بالغة.
صورة رقم (9)- صورة تظهر البيانات الشخصية للطفلة “عائشة محمد ابراهيم” حسب وثيقة دفتر العائلة، والتي تثبت أن عائشة من مواليد عام 2005، مصدر الصورة: عائلة الطفلة.
2. تجنيد أطفال من قبل فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا والتابع للحكومة السورية المؤقتة:
فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، والتابع للحكومة السوريّة المؤقتة/ الائتلاف السوري المعارض، كانت قد عمدت هي الأخرى إلى تجنيد الأطفال ضمن صفوفها في منطقة رأس العين/سري كانييه، وذلك عقب عملية “نبع السلام” التي شنتها تركيا بدعم الجيش الوطني السوري، خلال تشرين الأول/أكتوبر 2019، ضدّ قوات سوريا الديمقراطية/قسد، (والتي أفضت إلى سيطرة “أنقرة” وحلفائها على منطقة حدودية واسعة شمال شرقي سوريا بطول نحو (120) كيلو متراً بين مدينتي رأس العين/سري كانييه شمال الحسكة و”تل أبيض” شمال الرقة)، حيث كان تجنيد الأطفال قد ظهر في منطقة رأس العين/سري كانييه من قبل فصائل الجيش الوطني السوري، خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أي بعد أقل من شهر من خضوع المنطقة لسيطرة تلك القوات، وتزايد تدريجياً، وفقاً لأحد الناشطين الإعلاميين من رأس العين/سري كانييه، والذي تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول ذلك قائلاً:
“غالباً، لا يجرؤ ذوي الأطفال الذين تمّ تجنيدهم على مطالبة الفصائل المسلّحة بتسريح أطفالهم غير البالغين، خوفاً من سلوك وممارسات تلك الجماعات، أمّا الأسباب التي دفعت الأطفال للانخراط ضمن صفوفها، فهي إمّا مادية، بسبب قلة توفر فرص العمل في المنطقة عقب عملية “نبع السلام”، أو لحماية عائلاتهم من بطش مسلّحي تلك الجماعات والانتهاكات التي ترتكبها من قتل واعتقال وتعذيب وسرقة وغيرها، أو ربما أيضاً بهدف الحصول على نفوذ وسلطة لتحقيق مآرب ما.”
بحسب العديد من المصادر، فإنّ جماعات (لواء السلطان مراد وفرقة الحمزة/الحمزات وتجمّع أحرار الشرقية) هي أكثر الفصائل التي تقوم بتجنيد القاصرين في رأس العين/سري كانييه، إضافة إلى أنّ حالات تجنيد الأطفال المسجّلة في صفوف جماعات الجيش الوطني السوري في ريف رأس العين/سري كانيه، تفوق تلك التي تُسجل ضمن المدينة.
وفي هذا الخصوص، سجّل الباحث الميداني استمرار مجموعات من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا والتابع للحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف المعارض، كتجمّع “أحرار الشرقية”، ولواء “السلطان مراد”، بتجنيد ثلاثة أطفال على الأقل ضمن صفوفها حتى لحظة إعداد هذا التقرير في 31 آذار/مارس 2020، وتحديداً في بلدة “تل حلف” (5 كم جنوب غربي مدينة رأس العين/سري كانيه)، بحسب شهادات أدلى بها ذوي الطفلين، والذين رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب تتعلق بأمانهم الشخصي.
“فراس.م” 15 عاماً، من بلدة تل حلف، كان أحد الأطفال الذي تمّ تجنيدهم ضمن صفوف لواء “السلطان مراد” في مدينة رأس العين/سري كانيه، في شهر كانون الثاني/يناير 2020، وذلك على الرغم من مطالبة ذوي الطفل بتسريحه لأنه ليس بالغ.
وبحسب والدة الطفل (49) عاماً، فإنّ مسلّحي فصيل “السلطان مراد” رفضوا تسريح ابنها، على الرغم من مطالبتها لهم بذلك، حيث تحدّثت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:
“أقيم مع زوجي وأولادي في حي زردشت في رأس العين/سري كانيه، وقد عدنا إلى منزلنا بعد انتهاء العمليات العسكرية، فوجدنا المسلّحين وهم يقطنون غالبية منازل الحي، بعدما حولوا قسماً منه إلى مقرات عسكرية لهم، وسرعان ما قاموا بتجنيد ابني في صفوفهم، فطلبت منهم إعادته لأنه ليس بالغاً، وقدّمت لهم دفتر العائلة الذي يثبت صغر سنه، لكنهم لم يصغوا إلي، وقاموا بالاستهزاء بي ورحلوا، ولا أعلم حالياً إلى أين نقلوه.”
لم تنفع محاولات “الشاهدة” لاستعادتها ابنها، على الرغم من تقديمها شكوى رسمية لدى مركز “الشرطة العسكرية” في رأس العين/سري كانيه، حيث تحدّثت بهذا الصدد قائلة:
“قدمت شكوى لدى الشرطة العسكرية مطالبةً بإعادة ابني لأنه ليس بالغاً بعد، وقد كان المركز يستقبل الكثير من الشكاوى المختلفة. أخبروني إنهم سيقومون بمحاسبة لواء (السلطان مراد) وإجباره على تسريح ابني، لكن ذلك لم يحصل، بل على العكس، قام مسلّحو الفصيل بطردي ولم يسمحوا لي برؤية ابني، والذي نقلوه إلى أحد مراكز التدريب التابعة لهم، حسب آخر المعلومات التي استطعنا الحصول عليها، حيث مازلت حتى اللحظة بانتظار عودة ابني.”
“عباس.م” (16 عاماً) من بلدة تل حلف، طفل ثانٍ كان قد تمّ تجنيده من قبل “تجمّع أحرار الشرقية” منذ أواخر العام 2019 وحتى لحظة إعداد هذا التقرير في 31 آذار/مارس 2020، حيث روى والد الطفل لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنه يعي جيداً أن ذلك منافٍ لحقوق الطفل، إلا أنه لا يجرؤ على مطالبة تلك الجماعة المسلّحة بتسريح ابنه، وتابع قائلاً:
“غاب ابني عدّة ساعات عن المنزل، ثمّ أخبرني أحد مسلّحي الفصيل أنه موجود لديهم، حيث أقنعوه بالانضمام إلى صفوفهم، وسلّموه سلاحاً على الرغم من صغر عمره، وقد رأيته في إحدى المرات في سيارة عسكرية تابعة لهم، لكنني لم أجرؤ على المطالبة بإعادته، فمسلّحو الفصيل متشدّدون جداً وارتكبوا الكثير من الانتهاكات في المنطقة، وأخاف أن ينتقموا مني أو من عائلتي إن قمت بمعارضتهم أو الوقوف في وجههم.”
وأضاف الشاهد أنه طلب من أحد قادة “تجمّع أحرار الشرقية” أن يسمح له برؤية ابنه ليطمئن عليه، لكنه رفض ذلك وأبلغه أن الطفل أصبح مقاتلاً في صفوف قوات الجيش الإطني السوري، وبأنّ واجبه يملي عليه “الجهاد” والقتال إلى جانب تركيا وبقية فصائل المعارضة التي تدعمها “أنقرة”.
“عبدالله.ح” 16 عاماً، طفل ثالث كان قد تمّ تجنيده أيضاً من قبل تجمّع “أحرار الشرقية” في بلدة “تل حلف” خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019 ولازال مجنداً في صفوف تلك القوات حتى لحظة اعداد هذا التقرير في 31 آذار/مارس 2020، بحسب ما روى ذويه لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، دون أن يقدموا أي معلومات إضافية، وذلك خوفاً من مسلّحي جماعات الجيش الوطني السوري.
من جانبه، كان لواء “الوقاص” أحد فصائل الجيش الوطني السوري، فد نشر على حسابه الرسمي على التلغرام، صوراً لبعض المقاتلين الذين قال أنهم قُتلوا خلال عملية “نبع السلام” في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، منهم “عمار راتب اللكه” من مواليد ريف دمشق-دوما 2001، بالإضافة إلى “عبد المنعم خالد العبد الله”، من مواليد مدينة حلب-مارع 2001، والذي قُتل للسبب ذاته، ما يشير إلى أنّ “عمار وعبد المنعم” كانا قد انضمّا لصفوف هذا اللواء قبيل أن يبلغا سنّ الـ18 عاماً، وخاصةً أن الانضمام إلى الفصيل يتطلب الخضوع لمعسكر تدريبي قد يستمر أشهراً.
صورة رقم (10) تظهر “عمار راتب اللكه” من مواليد 2001، والذي قيل أنه قُتل في قرية التويس، مصدر الصورة: حساب التلغرام للواء الوقاص.
صورة رقم (11) تظهر “عبد المنعم خالد العبد الله” من مواليد 2001، والذي قيل أنه قُتل في قرية التويس، مصدر الصورة: حساب التلغرام للواء الوقاص.
إلى ذلك، كانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد تحققّت من خلال تقرير سابق قامت بإعداده في شهر آذار/مارس 2020 (على أنّ يتم نشره خلال شهر أيار) من قيام فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا والتابع للحكومة السورية المؤقتة، بتجنيد أطفال من أبناء ريف حلب الشمالي المهجرين/الوافدين إليها من محافظات أخرى، كي يتم نقل هؤلاء إلى جبهات القتال في ليبيا مقابل مبالغ مالية شهرية، وتأكيداً على ذلك، كان قد روى أحد المقاتلين المتواجدين في مدينة طرابلس الليبية والذين تحدثت المنظمة معهم عبر الانترنت في شباط/فبراير 2020 قائلاً:
“رأيت ضمن الفرقة التي تمّ فرزي إليها ما لا يقلّ عن خمسة أطفال، وكان واضحاً لنا أنهم أطفال تحت سن الـ 18 من بنيتهم الجسمية وعدم خبرتهم باستخدام السلاح، كما أنّ المهام الموكلة لهم مختلفة.”
في حين قال أحد المدنيين في مدينة مارع حيال تلك القضية ما يلي:
“رأيت قيادياً من فصيل المعتصم ومعه أربعة أطفال في أحد محال المدينة، كان يحدّثهم عن الوضع في ليبيا وأنهم أبطال وسوف يأمنون المال لعائلاتهم، وخلال حديثي مع الأطفال سألتهم عن مدى خبرتهم باستخدام السلاح فقال أحدهم أنهم سوف يتعلم ذلك في معسكر تدريبي سيقيمه لهم فصيل المعتصم قبل إرسالهم إلى ليبيا.”
وكانت المنظمة قد شددّت من خلال هذا التقرير، على أن الجيش الوطني السوري المعارض يقوم بتجنيد الأطفال عبر استخدام أو قبوله استخدام الأطفال وذويهم لأوراق ثبوتية دون التحققّ من صحتها أو الجهة التي أصدرتها، حيث أنه يقبل تسجيل الشخص الذي يحمل بطاقة تعريفية/ هوية سواء كانت صادرة عن الحكومة السورية أو عن سجلات النفوس التي تديرها تركيا في منطقة “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، وتكمن الخطورة في كون هذه البطاقات أو الأوراق الثبوتية من السهل تزويرها أو التلاعب بالبيانات الواردة فيها لاسيّما خانة العمر/التولد، حيث أكد الباحثون الميدانيون سهولة إصدار هوية مزورة في مدينة إعزاز على سبيل المثال مقابل مبلغ 10 آلاف ليرة سورية فقط.
وما عززّ ذلك أيضاً شهادة أدلى بها أحد موظفي السجل المدني في مدينة مارع، حيث أكد خلالها أنه لا توجد إجراءات أو طرق للتحقق من صحة المعلومات والبيانات التي يدلي بها الشخص أثناء تقدمه لاستصدار بطاقة تعريفية.[6]
3. حملات لتجنيد الأطفال ضمن صفوف هيئة تحرير الشام وتنظيمات جهادية أخرى:
في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية وتحديداً في محافظة إدلب، أخذت ظاهرة تجنيد الأطفال بالازدياد، مع انتشار الفصائل ذات التوجه الإسلامي وازدياد شعبيتها في العامين 2012 و2013، وأبرز تلك الفصائل هي “هيئة تحرير الشام” التي تأسّست في بداية عام 2017، وهيمنت على معظم مناطق محافظة إدلب لاحقاً.
ومنذ بداية الحملة العسكرية التي شنتها القوات النظامية السورية وحلفاؤها على محافظة إدلب، في شهر أيار/مايو 2019، أطلقت هيئة تحرير الشام ومؤسسات تابعة لها أو مقرّبة منها عدداً من الحملات في شمال غرب سوريا وقد شملت مناطق (إدلب وريف حلب وريف حماة)، حيث كان الهدف منها حثّ الناس على القتال ومن ضمنهم الأطفال، ولعلّ أبرز تلك الحملات حملة “انفروا خفافاً وثقالاً” التي انطلقت في مطلع العام 2020، تحت إشراف مجلس الشورى العام (وهي مؤسسة تابعة لهيئة تحرير الشام، وتعدّ المظلة التشريعية لحكومة الإنقاذ)، حيث تنوّعت أنشطة الحملة ما بين توزيع المنشورات وإقامة فعاليات عديدة في الأماكن العامة وخاصة المساجد واستهدفت سكان المخيمات بشكل أساسي.
كما أطلقت عدد من الجهات المحسوبة على هيئة تحرير الشام كـ”مجلس الشورى العام” ووزارة الأوقاف التابعة لحكومة الإنقاذ، حملة “جاهد بنفسك” في أواخر العام 2019، والتي كان الهدف منها هي الأخرى حثّ الناس على القتال ومن ضمنهم الأطفال، من خلال ترغيبهم بالمال تارةً وبالجنة تارة أخرى، حيث تمكنت هذه الحملات وبحسب ناشطين إعلاميين، من تجنيد عشرات الأطفال ضمن صفوفها، من خلال تقديم المغريات لهم، كإعطائهم المنح المالية بالإضافة إلى حوافز أخرى كتوزيع السلل الغذائية أو منحهم مسكن مجاني والتكفل بإيجاره، ولعلّ سوء الأحوال المادية للعديد من الأطفال، هو ما دفعهم لقبول هذا التجنيد.
وفي هذا الخصوص، أظهر مقطع فيديو[7] تداولته شبكة “إباء” المقربة من هيئة تحرير الشام، جانباً من حملة “جاهد بنفسك” أيلول/سبتمبر 2019، والتي أطلقتها الأخيرة بغرض التجنيد، حيث يظهر من بين المجندين عدد من الأطفال.
صورة رقم (12)- مأخوذة من مقطع الفيديو السابق، تظهر جانباً من تجنيد الأطفال ضمن حملة “جاهد بنفسك” والتي أطلقتها هيئة تحرير الشام.
فيما أظهر مقطع فيديو آخر[8]، تداولته الشبكة ذاتها، في شهر كانون الثاني/يناير 2020، جانباً من حملة “انفروا خفافاً وثقالاً” والتي أطلقتها هيئة تحرير الشام، ويظهر من خلال الفيديو تجنيد عدد من الأطفال من خلال هذه الحملة.
صورة رقم (13)- مأخوذة من مقطع الفيديو السابق، تظهر عدداً من الأطفال المجندين ضمن حملة “انفروا خفافاً وثقالاً”.
“عمر.م” (16 عاماً) من مواليد قرى جبل الزاوية، كان قد نزح مع عائلته إلى مخيمات بلدة دير حسان في الشمال السوري، عقب عمليات القصف التي شهدتها بلدته، حيث تمّ تجنيده ضمن صفوف هيئة تحرير الشام في أواخر العام 2019، خلال حملة “انفروا خفافاً وثقالاً”، حيث ما زال “عمر” مجنداً ضمن صفوفهم حتى لحظة إعداد هذا التقرير في 31 آذار/مارس 2020، وفي هذا الخصوص روى مصدر من عائلة الطفل لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة:
“كان عناصر هيئة تحرير الشام يأتون إلى المخيم ويحثون الناس على الجهاد في سبيل الله، وعندها اقتنع “عمر” بأنّ ذلك هو الحل الوحيد للتخلص من جحيم الحياة في المخيمات، وسرعان ما أصبح مجنداً على إحدى نقاط التفتيش التابعة لهيئة تحرير الشام ما بين إدلب وعفرين، حيث قام العناصر بمنحه منزلاً ليسكن به بدلاً من الخيمة بالإضافة إلى مرتب شهري، وهو ما دفع بعمر لمحاولة إقناع بقية إخوانه بالانضمام لصفوف الاخيرة مبرراّ ذلك بأنّ المجاهد له فضل ومكانة في الدنيا والآخرة.”
“سامر.م” (16 عاماً) من ريف جسر الشغور، طفل آخر كان قد تمّ تجنيده في صفوف هيئة تحرير الشام أولاً في أواخر العام 2019، حيث خضع لمعسكر تأهيلي لمدة 40 يوماً في مدينة حارم، وشارك في المعارك التي دارت حينها ما بين الأخيرة وبين القوات الحكومية السورية، لكن وعلى إثر الهزيمة التي منيت بها هيئة تحرير الشام، انشق “سامر” مع كامل مجموعته عن الأخيرة، والتحق بصفوف تنظيم حراس الدين في جبال التركمان (قاطع الساحل) حيث مازال مجنداً في صفوفهم حتى لحظة إعداد هذا التقرير في 31 آذار/مارس 2020، وفي هذا الخصوص روى مصدر من عائلة الطفل لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
“ترك سامر مقاعد الدراسة منذ العام 2015، نتيجة العمليات العسكرية التي دارت حينها في المنطقة، وفكر بحمل السلاح بعد مقتل شقيقه في العام 2017، والذي كان مجنداً ضمن صفوف هيئة تحرير الشام، حيث أراد الثأر لأخيه، كما أنّ الحالة المادية السيئة التي عانت منها عائلة الطفل وخاصةً بعد نزوحهم، هي من أعطته الحافز للانضمام لصفوف هيئة تحرير الشام، ثمّ تنظيم حراس الدين لاحقاً، والمشكلة أنّ سامر اليوم أصبح يردد بأنّ هدفه الأسمى هو تحكيم الشريعة، وبأنّ الجهاد في حال انتهى في بلادنا، فإنه سوف يذهب لليمن للجهاد.”
4. تجنيد عشرات الأطفال ضمن صفوف الميليشيات الموالية للحكومة السورية في دمشق وريفها:
في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية السورية والميليشيات الموالية لها، بدأ تجنيد الأطفال في العام 2018، عقب سيطرة الأخيرة على مدينة دمشق وريفها بشكل كامل، حيث عملت ميليشيات كقوات الدفاع الوطني، وحركة النجباء[9] وحزب الله اللبناني على تجنيد الأطفال ضمن صفوفهم.
ازدادت نسبة تجنيد الأطفال في هذه المناطق بصورة ملحوظة في العام 2019، حيث استغلت تلك الميليشيات سوء الأحوال المادية للعديد من العائلات وخاصةً النازحين، حيث قدرّ ناشطون محليون أعداد الأطفال الذين تمّ تجنيدهم ضمن صفوف هذه المليشيات بالعشرات، ولوحظ أنّ التجنيد استهدف فئة الأطفال الأكثر ضعفاً من خلال تقديم الإغراءات المادية والمنصب والقوة.
“خالد.م” (16 عاماً) من ريف دمشق، كان أحد أولئك الأطفال الذين تمّ تجنيدهم ضمن صفوف قوات الدفاع الوطني التابعة للحكومة السورية في منتصف العام 2019، بعد نزوح عائلته إلى إحدى البلدات الواقعة غرب العاصمة دمشق، ولعلّ فقدان عائلته معيلها الرئيسي بعد احتجاز والده من قبل القوات الحكومية السورية، كان أبرز الأسباب التي دفعته للانضمام لصفوف هذه القوات، حيث روت والدته لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:
“بعد اعتقال زوجي عمل خالد في أحد المحال التجارية، وبدأ صاحب المحل يطلب منه مراقبة الأشخاص الموجودين في الحي، ثمّ قام بتسليمه جهاز لاسلكي حتى يقوم بإعلامه بآخر التطورات والأوضاع في الحي، وعندما اكتشفت الأمر طلبت من ابني ترك العمل، فلم يمانع وأخبرني أنه سيتوجه إلى المحل كي يقوم بإعادة الجهاز اللاسلكي، لكنّ خالد لم يعد للمنزل في ذلك اليوم، فانتابني الخوف وشرعت بالبحث عنه، وسألت عنه صاحب المحل، لكنه أخبرني بعدم معرفته أي شيء، ومضى أسبوع وأنا أحاول البحث عن ابني لكن دون جدوى، إلى أن علمت من قبل أحد المتطوعين في صفوف الدفاع الوطني، بأنّ ابني أصبح متطوعاً في صفوف ذات القوات، وبأنه متواجد حالياً في أحد مقراتها في منطقة جبل الورد.”
وتابعت الشاهدة قائلة:
“حينما علمت بذلك، سارعت بالتوجه إلى ذات المحل الذي كان يعمل به ابني، حيث طالبت صاحب المحل بإعادة ابني لي، لكنه هددّني بالاعتقال في حال عاودت المجيء والسؤال عنه أو حتى إن بقيت في الحي، لذا لم يكن أمامي خياراً سوى اللحاق بعائلتي المتواجدة في إدلب، حيث قمت باستدانة بعض المال وبعت كل ما نملك من أثاث حتى أتمكن من تأمين ثمن هذه الرحلة، ومنذ ذلك الحين وأنا لا أعرف شيئاً عن ولدي سوى ما ينقله لي بعض الجيران، ومنذ فترة وصلني منه تسجيل صوتي عبر برنامج الواتس آب، وهو يقول لي بأنني لم اعد أمه بسبب خروجي لمناطق الإرهابيين، وعندما حاولت الاتصال به قام بحظري.”
“لؤي. د” (16 عاماً) من الغوطة الشرقية، طفل آخر كان قد تمّ تجنيده ضمن صفوف الميليشيات الإيرانية الموالية للحكومة السورية، وتحديداً في مدينة دمشق، منذ أواخر العام 2019، حتى لحظة إعداد هذا التقرير في 26 آذار/مارس 2020، وفي هذا الخصوص روى والده لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
“بعد نزوحنا من الغوطة الشرقية، قمت بتسجيل ابني في أحد معاهد التقوية الدراسية في مدينة دمشق، وخاصةً بعدما كان قد انقطع عن الدراسة سابقاً نتيجة ظروف الحرب، وبعد مرور أسابيع لاحظت أنّ ابني بدأ يتأخر بالعودة إلى المنزل، حيث بدت عليه علامات التعب، وكان يذهب للنوم مباشرة، وبعدها ظهرت عليه علامات التدين، وأصبح يحب ارتداء اللون الأسود ووضع سواراً أخضراً في معصمه، في البداية لم نأخذ الأمر على محمل الجدية، وظننا أنه شيء من طيش المراهقين، إلى أن غاب عن المنزل مدة عشرة أيام وبدأنا بالبحث عنه.”
وتابع الشاهد حول ما حدث لاحقاً بالقول:
“توجهت إلى المعهد الدراسي من أجل السؤال عن ابني، لكنهم أخبروني هناك بأنه لم يأتِ منذ مدة، وبعد مرور أسبوع تقريباً وردنا اتصال هاتفي منه، حيث أخبرنا أنه يقوم بمهمة جهادية للدفاع عن آل بيت النبي على الحدود السورية اللبنانية، وبأنه سيعود قريباً، وحين عودته للمنزل فوجئنا به وهو يرتدي اللباس العسكري ويحمل بندقية، كما كان يضع شعار “لن تسبى زينب” على كتفه الأيمن، ولمّا حاولنا الاستفسار عمّا جرى معه، أجابنا بأنه أصبح عنصراً ضمن صفوف أحد الميليشيات الإيرانية التابعة لحزب الله اللبناني، وبأنه توقف عن الذهاب للمعهد لأنه يقوم بواجب مقدس ويريد الذهاب للجنة، كما أخبرنا بأنه كان يتلقى الدروس الدينية في أحد مساجد السيدة زينب والمركز الثقافي الإيراني في العاصمة دمشق، ثمّ خضع لدورة تدريبية على حمل السلاح، في أطراف مدينة دمشق.”
وأشار الشاهد إلى أنّ ابنه تغير كثيراً عقب تجنيده ضمن صفوف هذه الميليشيات، حيث تحول إلى شخص سريع الغضب، وكان يرفض الإدلاء لهم بأي معلومات عن مهامه، حتى أنه قام بتهديدهم في إحدى المرات حين حاولوا الوقوف في وجهه وإقناعه بالعدول عن رأيه، حيث قال لهم بأنه سيترك أمر محاسبتهم للمليشيات المجنّد ضمن صفوفها.
[1] “تسجيل حالتي تجنيد لفتيات دون سن الـ18 ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية مؤخراً”، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، (آخر زيارة بتاريخ 25 آذار/مارس 2020).https://stj-sy.org/ar/945/
[2] “على “قسد” إظهار الالتزام الكامل بمنع تجنيد الأطفال عقب توقيع خطة مع الأمم المتحدة” “تمّ تسريح ثلاثة أطفال أحدهم “جمال جابو” بعد توقيع الخطة بعدّة أيام بينما لا يزال العديد من الأطفال مجنّدين في صفوفها حتى اليوم”. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، في 9 تموز/يونيو 2019، (آخر زيارة بتاريخ 25 آذار/مارس 2020).https://stj-sy.org/ar/على-قسد-إظهار-الالتزام-بمنع-تجنيد-الأط/
[3] ” انتهاكات جسمية مختلفة بحقّ أطفال سوريين” سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 14 آذار/مارس 2018. (آخر زيارة: 25 آذار/مارس 2020. https://stj-sy.org/ar/462/
[4] “تصريح صحفي صادر عن المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية بتاريخ 1 تموز/يوليو 2019، حول توقيع (قسد) وبمصادقة من الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، خطةَ عمل مشتركة مع الأمم المتحدة، من أجل إنهاء ومنع تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة واستخدامهم”. (آخر زيارة للرابط: 25 آذار/مارس 2020). https://sdf-press.com/?p=29078
[5] للمزيد من الاطلاع: https://www.facebook.com/efrinviolations/videos/vb.1343386779141505/482628065985719/?type=2&theater.
[6] للمزيد من الاطلاع اقرأ: “سوريا: “البطاقات التعريفية” التركية تطمس هوية السكان الأصليين والنازحين” سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2019. آخر زيارة بتاريخ 3 آذار/مارس 2020. https://stj-sy.org/ar/سوريا-البطاقات-التعريفية-التركية-تط/
[7] للمزيد من الاطلاع اضغط: https://videos.ebaa.news/watch/LlaFcl3yC1uusxu
[8] للمزيد من الاطلاع اضغط: https://videos.ebaa.news/watch/6mdIONO8f5MVswQ
[9] هو فصيل عراقي يرتبط بالحرس الثوري الإيراني ويعدّ من أكبر فصائل الحشد الشعبي في العراق، ويقودها ” أكرم الكعبي” وقد ساند هذا الفصيل القوات الحكومية السورية في معاركها ضدّ المعارضة المسلّحة في ريف حلب الجنوبي ومدينة حلب.