الرئيسية تحقيقات مواضيعية ظاهرة “الزواج المبكّر” تسجّل نسباً قياسية في بعض المناطق السورية

ظاهرة “الزواج المبكّر” تسجّل نسباً قياسية في بعض المناطق السورية

تقرير خاص يسلّط الضوء على انتشار ظاهرة "زواج الأطفال" في عدّة مناطق سورية وتبعاته الخطيرة على النساء بشكل خاص

بواسطة bassamalahmed
6K مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع
  1. ملّخص تنفيذي:

ترك النزاع السوري المستمّر منذ أكثر من تسع سنوات، معاناة ستظلّ آثارها ملازمة للعديد من النساء، وخاصةً الفتيات اليافعات منهن، حيث يواجهنَ تحديات معقّدة على نحو متواصل، من شأنها أن تغير مجرى نموهنّ وحياتهنّ إلى الأبد، ولعلّ من أبرز تلك التحديات هو الزواج المبّكر – زواج الأطفال[1] والذي يعتبر ظاهرة قديمة في المجتمعات السورية لكنها أخذت بالازدياد مع تصاعد حدّة ذلك النزاع.

تحاول سوريون من أجل الحقيقة والعدالة من خلال هذا التقرير الموسّع تسليط الضوء على المحن التي تواجه العديد من الفتيات السوريات اليافعات في مناطق مختلفة من سوريا وخاصةً في محافظة إدلب[2] وريف حلب الشمالي[3] بالإضافة إلى محافظة الحسكة الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، وذلك نتيجة إجبارهنّ على الزواج في سنّ مبكر أو إقناعهنّ بأنه الحل الوحيد للتخلص من عزلتهنّ الاجتماعية، حيث رصدت المنظمة تصاعداً ملحوظاً في حالات الزواج المبّكر، خلال السنوات الثلاث الأخيرة من عمر النزاع السوري، حيث تخطّت نسبة الزواج المبكر في محافظة إدلب نسب قياسية من إجمالي عمليات الزواج، ومثلها في ريف حلب الشمالي.

أمّا في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، وثّقت منظمة “سارا” لمناهضة العنف، (82) حالة لزواج القاصرات خلال عامي 2019 والنصف الأول من عام 2020.

تنقل المنظمة في هذا التقرير، حكايات وقصص فتيات سوريات كنّ قد تزوجنّ في سن مبكر، خلال سنوات مختلفة من النزاع السوري، بعضهنّ كنّ قد تعرضنّ للعنف وسوء المعاملة من قبل أزواجهنّ، وبعضهنّ الآخر كنّ قد تعرضنّ لخطر الإجهاض لمرات عديدة، فيما أنّ عدد منهنّ كنّ قد واجهنّ الطلاق وأصبحنّ عرضة لانتقادات وظلم المجتمع المحيط، بل تحولن إلى أمهات ومعيلات رغم صغر سنهنّ ولا زلن يكافحن للبقاء رغم كل التحديات.

تشير المعلومات التي حصلت عليها المنظمة إلى أنّ الفقر والنزوح إضافة إلى العادات والتقاليد السائدة، كلها أسباب أدت بطريقة أو أخرى إلى تصاعد حالات الزواج المبّكر في تلك المناطق، وخاصةً بين فئة النازحين، الفئة الأكثر ضعفاً وتهميشاً.

يورد هذا التقرير أيضاً الآثار المُجحفة للزواج المبّكر على الفتيات اليافعات، والتي تتمّثل بالحرمان من حقهنّ في اختيار من يتزوجن في معظم الحالات، كما أنه يهدّد بشكل مباشرة صحة الفتيات، نتيجة مضاعفات الحمل ولاحقاً الولادة، فضلاً عن ازدياد حالات الطلاق كنتيجة شبه حتمية في عدد غير من الحالات لأسباب مرتبطة بعدم قدرة الزوجين على فهم مؤسسة الزواج بسبب صغر سنهما.

وعلى ما يبدو فإنّ  العاقبة الأخطر تتمّثل بعدم تثبيت هذه الزيجات في السجلات الرسمية وخاصةً في محافظة إدلب وريف حلب الشمالي الخاضعة لسيطرة تنظيمات معارضة مسلّحة، حيث لوحظ ومن خلال توثيق عدد من حالات الزواج المبكر، بأنّ غالبية هذه الزيجات لا يتم تثبيتها في المحاكم الموجودة في تلك المناطق، لكونها غير معترف بها، أو حتى في المحاكم الموجودة ضمن مناطق سيطرة الحكومة السورية، على اعتبار أنّ العديد من العائلات تخشى التوجه إلى تلك المناطق، خوفاً من الاعتقال، وهو ما يقود إلى عواقب وخيمة وخاصةً على الزوجة والأطفال، أهمّها حرمان الزوجة من تثبيت زواجها بالإضافة إلى تثبيت نسب أطفالها، وحرمانها من الحصول على حقوقها في الميراث، أو الحصول على مستحقاتها (متقدم ومتأخر) كأقل تقدير في حال وقع خلاف بين الزوجين، في حين ترتّب مخاطر كبيرة على الأطفال نتيجة ذلك، حيث يصبح هؤلاء في عداد مكتومي القيد، نتيجة عدم تثبيت الزواج وعدم حصولهم على شهادات ميلاد أو أي أوراق رسمية، ما يؤدي إلى حرمانهم من حقّ التعلم والإرث وتكوين الأسرة والعمل.

وبحسب تقرير نشره صندوق الأمم المتحدة للسكان في آذار/مارس 2019، وحمل عنوان “عندما تغني الطيور الحبيسة: قصص الفتيات السوريات اليافعات”، فقد تضمنت 12 % من الزيجات المسجّلة بين السوريين، فتيات تحت سن الثامنة عشر عاماً عندما اندلعت الأزمة عام 2011، وقد ارتفعت هذه النسبة إلى 18 % عام 2012، وإلى 25 % في عام 2013، وفي أوائل العام 2014، وصلت النسبة إلى 32 % وبقيت ثابته منذ ذلك الحين. [4] وهو ما يتطابق إلى حدّ كبير مع النسب التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة من مصادر وناشطات محليات.

في حين قالت المسؤولة عن برنامج مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي في صندوق الأمم المتحدة للسكان “وداد بابكر” في تصريح لصحيفة “الوطن” السورية في آذار/مارس 2019، بأنّ نسبة الزواج المبكر في سورية ارتفعت من 13 إلى 46 بالمئة خلال فترة الحرب التي تتعرض لها البلاد، مؤكدة أن معدل ارتفاع الزواج المبكر عاد للارتفاع في البلاد رغم انخفاضه قبل الأزمة، وأنّ النسبة تمّت وفق الدراسات التي أجراها الصندوق في العديد من المناطق السورية. [5]

  1. المنهجية:

اعتمد هذا التقرير في منهجيته على 18 شهادة ومقابلة بالمجمل، حيث استمع باحثو المنظمة إلى شهادة 11 من الفتيات اللواتي كنّ قد تزوجن في سنّ مبكر (بعضهنّ أجبر على الزواج المبّكر) خلال سنوات مختلفة من النزاع السوري في محافظة إدلب وريف حلب الشمالي إضافة إلى محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، كما تمّ الاستماع إلى شهادة 3 من أقارب فتيات أخريات عانوا ذات المعاناة جرّاء تزويجهنّ في سن مبكر.

إلى ذلك، تمّ الاستماع إلى شهادة إحدى الناشطات العاملات في مجال حقوق المرأة في محافظة إدلب، والتي تحدّثت حول تصاعد نسب زواج الأطفال في محافظة إدلب في الأعوام الثلاثة الفائتة، بالإضافة إلى شهادة أحد المصادر المطلّعة على هذه القضية في ريف حلب الشمالي والذي تحدّث عن بلوغ نسبة الزواج المبكر 60 % من إجمالي عمليات الزواج الحاصلة في ريف حلب الشمالي.

يضاف إليها شهادة “آرزو تمو” المسؤولة عن لجنة شؤون المُعنفات في منظمة “سارا” لمناهضة العنف ضد المرأة في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا.

كما تمّت مقابلة أحد القضاة في محافظة إدلب من أجل الحديث عن عواقب زواج الأطفال وتبعاته السلبية على المجتمع السوري بشكل عام، وعلى الزوجة والأطفال بوجه خاص.

تمّ إجراء معظم هذه المقابلات خلال الفترة الممتدة اعتباراً منذ أوائل العام 2020 وحتى أواسط شهر تموز/يوليو من العام ذاته، حيث تمّ لقاء بعضهم بشكل مباشر فيما تمّ لقاء بعضهم الآخر عبر الانترنت، إضافة إلى ذلك تمّ الرجوع إلى عدد من المصادر المفتوحة، ومقاطعة المعلومات وجلب المزيد من الأدلة حول الحالات التي قام التقرير بتوثيقها، ونظراً لحساسية القضية فقد استعاضت المنظمة عن الهويات الحقيقية للفتيات بأسماء مستعارة.

  1. النزوح والفقر كأحد أبرز الأسباب وراء انتشار زواج الأطفال في إدلب:

يعتبر زواج الأطفال ظاهرة منتشرة منذ القدم في المجتمعات السورية، لكن مع تصاعد حدّة النزاع السوري، رصدت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، ازدياداً ملحوظاً في زواج الأطفال وخاصةً في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية في محافظة إدلب، حيث يلعب الفقر دوراً محورياً في نمو هذه الظاهرة، وعلى وجه الخصوص بين فئة النازحين داخلياً، إذ يسعى العديد من أرباب الأسر إلى تزويج بناتهم جرّاء موجات النزوح المستمرة التي تعرضت لها مناطقهم خلال سنوات الحرب السورية، وإزاء ذلك فضلّ بعض الآباء تزويج بناتهم بسنّ مبكر للتخلص من الأعباء الاقتصادية الملقاة على كاهلهم.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر العادات والتقاليد السائدة في المجتمع السوري، أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى انتشار الزواج المبكر في محافظة إدلب، سواء كانت تلك العادات المتعارف عليها بين أفراد العائلة نفسها، والذين تربطهم صلة قرابة من الدرجات الثانية والثالثة، والتي يكفي بموجبها أن تكون الفتاة ابنة عم أو ابنة خال حتى يتم تزويجها من قريبها، أو تلك الموروثات المجتمعية الخاصة بالتكاثر وزيادة عدد أبناء العائلة أو العشيرة، حيث لا يُعطى للفتاة أيّ حيز أو فرصة للتفكير أو اختيار شريك حياتها على أقل تقدير، كما يلعب عامل الدراسة والتعليم دوراً هاماً في انتشار حالات الزواج المبكر، حيث أدت الأحداث الدائرة في سوريا إلى ابتعاد الكثير من الاطفال عن التعليم لأسباب عدّة، أهمها الواقع الأمني السيء والنزوح المستمر للسكان، إضافة للعادات والتقاليد التي تحرم الفتاة من متابعة تعليمها.

ويُعتبر غياب التوعية والخوض بمسائل يعتبرها المجتمع خارجة عن العادات والتقاليد، سبباً أساسياً في ازدياد حالات الزواج المبكر في محافظة إدلب، حيث لا تحصل الفتيات اللواتي دون السن القانوني للزواج، على النصح والإرشادات والمخاطر بخصوص الزواج المبكر.

  • “عندما كنت أشكو لعائلتي كانوا يوبخوني بشدّة”:

“منال.م” من مواليد قرية الفان الشمالي بريف حماة الشرقي ونازحة في مخيمات “دير حسان” شمال إدلب، كانت قد أجبرت على الزواج عندما كانت في سن 15 عاماً، من ابن عمها البالغ من العمر 18 عاماً، نتيجة موجات النزوح المتكررة وسوء الأحوال الاقتصادية لعائلتها، ما جعلها لاحقاً عرضةً للعنف والضرب من قبل زوجها، نتيجة عدم قدرتها على الإنجاب، حيث روت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:

“قرر والدي تزويجي لابن عمي، في منتصف العام 2015، نتيجة حالة النزوح التي عشناها وتهجيرنا أكثر من مرة من البلدات التي كنا ننزح إليها، وقد تمّ عقد قراننا من قبل رجل دين، دون تثبيته في المحاكم المختصة، ثم حاول زوجي استخراج بطاقة عائلية من حيث نعيش في مخيم دير حسان. لم تكن حياتي سعيدة سيّما في الفترة الأولى من زواجنا، فقد كنت كثيراً ما أتعرّض للضرب من قبل زوجي والذي كان غير قادر على التحكم بتصرفاته بحكم عمره، وعندما كنت أشكو لأهلي كانوا يوبخوني بشدّة ويحذروني من التحدث عن حياتي لأحد، فيما كانت عبارة أمي الوحيدة “ستتحسن علاقتك بزوجك بعد أن تنجبي له ولد”، واليوم وبعد سنوات على زواجنا لم أتمكن من الحمل، ومازالت والدتي تقوم بعرضي على أطباء بغية حل المشكلة لكن دون جدوى.”

  • “لا زالت تكافح للبقاء ورعاية طفلتها بعد مقتل زوجها”:

“رهف.م” من قرية إبلين بجبل الزاوية جنوب إدلب، فتاة أخرى كانت قد أجبرت على الزواج في عمر ال 16 عاماً، من قريبها (17 عاماً)،  حيث تمّ عقد قرانها في العام 2018 بواسطة أحد رجال الدين وبعض الشهود، دون تثبيته في المحاكم الموجودة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلّحة في إدلب، أو تلك الموجودة ضمن مناطق سيطرة الحكومة السورية خشية من الاعتقال والتجنيد الإلزامي، وذلك بحسب ما روى قريب الفتاة لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

” كانت رهف منقطعة عن الدراسة نتيجة ظروف الحرب، فأقدمت عائلتها على تزويجها من قريبها، بحكم عرف بالعائلة القائل بأنه متى ما أتمت الفتاة مرحلة التعليم الأساسي يجب أن تتزوج، لكن وبعد عام ونصف من زواجهما قُتل زوج رهف نتيجة العمليات العسكرية الدائرة في إدلب، بعد أن كانت قد أنجبت منه طفلة، فوجدت رهف نفسها فجأة عرضة لظروف معيشية صعبة، وخاصةً أنها لا تعرف تدبير أمورها المعيشية ولا تستطيع العمل لتأمين قوت يومها وطفلتها، حيث مازالت تكافح حتى اليوم للبقاء ورعاية ابنتها بعد مقتل زوجها.”

  • “لفظها عالم الزواج وأعادها طفلة برتبة امرأة”:

“ليان.ع” من منطقة معرة النعمان بريف إدلب ونازحة في مخيمات “قاح” شمال إدلب، كانت أيضاً إحدى الفتيات اللواتي أجبرن على الزواج في سن 14 عاماً من ابن عمها البالغ من العمر (22 عاماً) وتحديداً في العام 2018، إلى أن توارى زوجها عن الأنظار بعد مدة، وعلمت بأنه قرر سلوك طرق التهريب إلى أوروبا، وبأنه لم يعد يريد الاستمرار بالزواج منها، فوجدت نفسها عرضةً لانتقادات وظلم المجتمع المحيط، وعادت إلى خيمة عائلتها وهي تحمل طفلها حديث الولادة، حيث روت إحدى المصادر المقرّبة للفتاة لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:

“كانت “ليان.ع” من مواليد عام 2004 عبارة عن طفلة أُقحمت بعالم الزواج والذي لفظها وأعادها طفلة برتبة امرأة، وكانت قد عاشت طفولتها الأولى بمنطقة معرة النعمان، وما لبثت أن أتمّت عامها العاشر حتى رحلت مع ذويها إلى مخيمات قاح شمال إدلب، حيث ترعرعت هناك، وبسبب حياة المخيمات وصعوبتها لم تحصل ليان على حقها في الطفولة والمرح هناك سوى اللعب ضمن خيمة لا تسدّ عن جسدها الغضّ الحر أو البرد. وعند بلوغ ليان عامها الرابع عشر قرر والدها تزويجها لابن عمها البالغ من العمر 22 عاماً، وبعد مضي 5 أشهر من الزواج حملت ليان بالرغم من نحافة جسدها، لتدخل دوامّة من الصراع مع الأمراض والآلام الناتجة عن الحمل.”

وتابعت الشاهدة بأنه وفي بدايات العام 2019، فُقد زوج “ليان” وغاب عن الأنظار لتبحث عنه عائلته في المستشفيات والنقاط الأمنية لكن دون جدوى، وبعد فترة  علمت والدة الزوج بمكانه وأخبرت “ليان” بأنه وصل اليونان قاصداً السفر إلى أوروبا، لكنّ كل ذلك لم يمثل خبر مهماَ ل “ليان” والتي ظنت أنّ زوجها سيعمل على لم شمل زوجته وابنه الذي ينتظر الولادة،  وسرعان ما صُدمت عندما علمت أنّ زوجها أرسل رسالة نصية لوالدها كان مضمونها: (لم أكن أرغب بالزواج من ابنتك ولم أكن أفكر في الزواج حتى بسبب وضعي المادي المتدني، سامحني لم أعد أستطيع العيش في خيمة، أرجو أن تهتم بليان وابنها)، وتابعت قائلة:

 “تحولت الدنيا إلى سواد في عيني ليان، وبات كل همها كيف ستربي ابنها ومن سيرعاه وهل سيتكفل به والده أم  أنّ أهل زوجها سيأخذون طفلها منها، فعادت إلى خيمة أهلها لكن هذه المرة عادت وهي أم تحمل طفل ولم تكن الألعاب والمرح همها كما قبل سنة تقريباً، بل تحولت إلى امرأة يذمّها المجتمع المحيط بعدما حدث، وتنظر إليها أعين الرجال بواقع الشهوة والذي ينتج عن تفكير سوداوي مقتنع بأنّ المرأة المتزوجة تكون متعطشة للجنس، لكن اليوم أصبحت ليان أم بعد مضي حول العام والنصف على إنجابها وهي بعمر 16، وتضطرّ للعمل بحقول زراعية بشكل يومي بمرتب 1000 ليرة لليوم، من أجل التكفّل بطفلها وإطعامه، أمّا الزوج فقد انقطعت أخباره ولم يتواصل مع ليان أو والدها منذ تلك الرسالة.”

  • أجبرت على الزواج في سنّ مبكر بهدف الحفاظ على “نسل العائلة”:

“ناريمان.ن” من ريف إدلب، ضحية ثالثة كانت قد أجبرت على الزواج في سن ال 16 عاماً، بهدف “الحفاظ على نسل العائلة”، بحسب ما روى قريبها لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

“وافق ذوو ناريمان على تزويجها من شاب يبلغ من العمر 18 عاماً، بهدف المحافظة على نسل العائلة، ولم تكن الوحيدة التي تزوجت في المنطقة لهذا السبب، حيث أنّ أغلب عائلات المنطقة تقوم بتزويج بناتها في سن مبكر،  فهنالك العديد من الفتيات اللواتي تمّ عقد خطبتهنّ في عمر 13 عاماً، حيث يتم الزواج بهنّ بعد عام أو عامين ريثما يكتمل جسم الفتاة، أمّا موضوع إكمال الدراسة فجلّ العائلات ترفض إتمام الاناث لدراستهن أكثر من المرحلة الأساسية، بالإضافة إلى ذلك فإنّ معظم المتزوجين في المنطقة لم يثبتوا زواجهم في المحاكم خشية اعتقال الزوج على حواجز القوات الحكومية وسوقه إلى الخدمة الإلزامية، فيما ترفض جُل العائلات ذهاب بناتها إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية خشية تعرضهن للاعتقال أو الإهانة من قبل عناصر القوات الحكومية المنتشرين على الحواجز.”

وأضاف الشاهد قائلاً:

“تلجأ بعض العائلات إلى استخراج بطاقة عائلية من دوائر الحكومة السورية في مناطق سيطرتها عن طريق سماسرة ومعقبي معاملات، إلا انّ تكلفتها تصل إلى حوالي 10000 ليرة سورية، لذا يلجأ بعض الأزواج ممن لا قدرة لهم على هذه التكلفة، إلى تثبيت زواجهم واستخراج بطاقات عائلية من محاكم ودوائر تابعة لفصائل المعارضة المسلّحة سيّما هيئة تحرير الشام.”

  1. الزواج المبّكر في مناطق ريف حلب الشمالي:

مناطق ريف حلب الشمالي، كان لها نصيب أيضاً من الازدياد في حالات الزواج المبّكر، ما بين الفتيات اللواتي دون سنّ ال 18 عاماً، حيث تُعزى هذه الظاهرة في عملية انتشارها لذات الأسباب التي أدت لانتشارها في محافظة إدلب وخاصةً بين فئة النازحين.

    • ” كانت علاقتنا صعبة ومتعّثرة حتى وصل الأمر لضربي من قبل زوجي”

“آلاء.ك” من مدينة حماه، ونازحة في قرية “راجو” بمنطقة عفرين، ضحية أخرى كانت قد وجدت نفسها عرضةً للضرب وللعنف من قبل زوجها، عقب زواجها في سن 16 عاماً،  حيث كان قد تمّ عقد قرانهما من قبل أحد رجال الدين دون تثبته في المحكمة، في العام 2017، حيث روت حول ذلك قائلة:

“لم يكن هناك سبب رئيسي لزواجي في ذلك السن، سوى أنّ الشاب (22 عاماً) تقدّم لخطبتي وأنا وافقت ولم أكن أريد تفويت الفرصة، سيّما أنّ شقيقاتي كنّ قد تزوجن جميعاً، كما أنني لم أحصل على التوعية المطلوبة والكافية من خطورة وتبعات الزواج المبكر من المجتمع المحيط بي، وفي بداية الزواج كانت علاقتنا صعبة ومتعّثرة ربما بسبب فارق السن بيننا، حتى وصل الأمر لضربي من قبل زوجي، لكن وعندما وضعت مولودي الأول تحسنت العلاقة قليلاً، مع استمرار الخلافات بدرجة أقل والتي انتهت عندما وضعت مولودي الثاني. وأذكر أنّ والدتي كثيراً ما كانت تلومني بسبب زواجي المبكر وتلوم نفسها على القبول بهذا الزواج.”

    • “عدم قدرتي على تلبية متطلّبات المنزل هو السبب وراء تعنيفي”:

“وفاء.م” 17 عاماً من ريف حلب الشمالي، فتاة أخرى كانت أجبرتها العادات والتقاليد على أن تكون أماً ترعى طفليها “يزن وأحمد” وهي مازالت عملياً تحتاج من يرعاها، فقد أجبرت على الزواج من شاب يكبرها بقرابة ال 10 أعوام وهي في سن 15 من عمرها وتحديداً في العام 2018، حيث أصبحت “وفاء” تعاني من الخلافات مع زوجها فضلاً عن ممارسته عمليات تعنيف وضربٍ بحقها، حيث تعزو “وفاء” عمليات التعنيف لأسباب عدّة أبرزها عدم التوافق الفكري بينها وبين زوجها نتيجة عدم اكتمال نضجها، وتضيف:

“عندما كنت أشاهد صديقاتي، كنت أرى الروح الطفولية التي حرمت منها، فمعظمهن ما زلن يعاملن كطفل ينمو، ففي بيئتي التي تربيت بها ينظر المجتمع إلى الفتاة التي تجاوزت ال 22 من عمرها أنها “بائرة” لن يتزوجها أحد نتيجة تقدمها في السن، أمّا السبب وراء التعنيف الذي أتعرض له، هو عدم قدرتي على تقديم كافّة متطلبات المنزل كما يرغب زوجي، فلم أنل الفرصة الكافية للتعلم قبل زواجي، حيث دائما ما يقارن زوجي بين عملي المنزلي بعمل أمه التي تبلغ من العمر 49 عاماً، ومازلت متزوجة رغم ذلك، فلا أريد أن أتحول إلى مطلّقة.”

    • “طفلة معيلة لطفلة”:

“فاطمة.و” 15 عاماً، تسكن في مخيم “شمارين” قرب مدينة اعزاز وتعمل في مشغل للخياطة لتعيل طفلها ” عمار” الذي يبلغ من العمر 7 أشهر، حيث كانت “فاطمة” قد تزوجت من أحد أقاربها  وهي في نهاية عامها ال 14 وتحديداً في العام 2019، ولم يكن زوجها بأفضل حال حيث كان يبلغ من العمر 18 عاماً، ولم يستمر الزواج سوى 14 شهراً ليتم الطلاق بينهما، وتبقى “فاطمة” المعيلة الوحيدة لطفلها، حيث تروي في حديثها لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة:

“أنا الآن أعتبر مطلّقة ودائماً ما يحمل هذا الاسم تبعات كثيرة عليّ في المجتمع، فلم يتسنّ لي إكمال دراستي كما باقي أقراني، لذا تعلمت الخياطة والتطريز كي أعيل طفلي جرّاء الحالة الاقتصادية السيئة لوالدي، حيث يعمل والدي كعامل بناء، ما ينتجه في اليوم لا يكفي ثمن خبز لأخوتي.”أفشضل

    • “تزوجت حين كان عمري 13 عاماً”:

“زينب.ب” 15 عاماً، من بلدة “كفر هود” بريف حماة الشمالي ونازحة في بلدة سجو الحدودية مع تركيا بريف حلب الشمالي، كانت “زينب” قد تزوجت في العام 2018، وهي تبلغ من العمر 13 عاماً، من ابن عمها، نتيجة العادات والتقاليد المتوارثة، حيث روت في حديثها لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:

“استمرت الخطوبة مع ابن عمي حوالي 6 أشهر، وفي ليلة زفافي كنت في الثالثة عشر والنصف، وقد عانيت مع زوجي في البدايات نتيجة الحياة الجديدة التي لم آلفها من قبل، ولكن مع مرور الأيام واهتمامه بي بدأت هذه المشاكل بالاختفاء شيئاً فشيئاً من حياتنا، وبعد عام من زواجنا بدأت تظهر على جسمي أعراض الحمل، دائماً ما أذكر ما قالته الطبيبة لي في زيارتي الأولى لها:

“أنت وزوجك عقلكم فيه شي: أنت طفلة حاملة بطفلة”.

وعانيت كثيراً بسبب حملي في سن مبكر، حيث أصبت بمرض فقر الدم ونقص الكالسيوم.”

وتكمل زينب حديثها بالقول:

“لا أنكر أنّ الزواج المبكر يحمل تبعات نفسية كبيرة سيّما السنة الأولى منه على الفتاة، وهذا يعتمد على مقدرة الزوج في إزالة هذه العوائق من أمام زوجته، حيث يجب على الفتاة ألا تتزوج من رجل يكبرها بفارق عمري كبير حتى يبقى نمط التفكير متقارب من بعضه البعض، فإذا كان الفارق العمري أكثر من 7 سنوات غالباً ما يكون الطلاق النتيجة الحتمية لهذا الزواج.”

  1. زواج القاصرات في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا:

يعود انتشار هذه الظاهرة في محافظة الحسكة الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، للعديد من الأسباب الاجتماعية والاقتصادية، وقد أسهمت الحرب السورية أيضاً في تفاقم هذه الظاهرة، نتيجة تراجع التعليم وخوفاً من “عنوسة المرأة”.

    • “لا مأوى لك سوى هنا، لذا عليك إطاعتي وتقديسي”:

“لازال يضربني أحياناً، لكنني تقبلت الوضع بعد طول عناء، فبالتأكيد لن أفكر بالطلاق منه وترك أولادي”.

بهذه الكلمات عبرت “رُقية.أ” عن حياتها الزوجية مع ابن عمها الذي يكبرها بعشر سنوات. وتنحدر “رُقية” 19 عاماً، من عائلة عربية مسلمة تقطن في مدينة “الشدادي” جنوب مدينة الحسكة، حيث كان والدها قد أجبرها على الزواج من ابن عمها، والذي قام بـ حجزها “تحييرها”[6] لنفسه، وتحديداً في العام 2014 عندما كانت تبلغ من العمر 13 عاماً آنذاك.

رُزقت “رقية” لاحقاً ب 3 أطفال، من بينهم طفلُ لا يتجاوز عمره عدّة أشهر، وطفلتان إحداهما في الثالثة، والكبرى في الخامسة من عمرها، حيث روت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد قائلة:

“كان أبي مُجبراً أن يوافق على تزويجي من ابن عمي، لئلا تنشأ عداوة ضمن العائلة، وذلك على الرغم من صغر سني، حيث كنت أبلغ آنذاك 13 عاماً، وقد كنت رافضة للزواج، ولكن بكل الأحوال، لم يكن ابن عمي سيسمح بأن أتزوج من غيره، لأنه كان قد قام بتحييري لنفسه بحكم الأعراف العشائرية”.

وبينت “رُقية” أن زوجها كان يُحبها ويعاملها بلطف في بادئ الأمر، لكن معاملته لها تغيرت كلياً مع مرور الوقت، وتحدثت حول ذلك:

“بعد عام على الزواج رُزقنا بابنة، لكن ذلك لم يُسعد زوجي، فقد كان يريد ابناً، وكأنّ الأمر بيدي، بعد ذلك أصبح يقوم بضربي أحياناً دون أي مُبرر، وتهديدي بالزواج من امرأة أخرى تُنجب له ابناً، لذا تركته وعدت إلى أهلي طالبةً الطلاق، لكنّ جميع الأقرباء ألقوا باللوم عليّ وكأنني أنا المُذنبة، ثمّ أعادوني إلى منزل زوجي مجدداً، والذي شمت بي حينها قائلاً: انظري، لا مأوى لك سوى هنا، لذا عليك إطاعتي وتقديسي”.

على الرغم من العنف الأسري الذي مازالت “رُقية” تتعرض له على يد زوجها، إلا أنها اختارت البقاء معه، حتى لا تترك أطفالها الصغار، وكي لا تُحمِلّهم وزر خطئها بالزواج منه، وقد برّرت ذلك قائلة:

“طلبت الطلاق مرات عديدة، لكنّ زوجي كان يحرمني من أولادي، لذا كان علي العدول عن قراري والعودة إليه كل مرة، حتى لا أخسرهم واتركهم تحت رحمته أو رحمة امرأة اخرى يتزوجها بعدي، فما كان أمامي طريق سوى التأقلم والقبول بالوضع، والآن يضربني أمام أولادي احياناً، كما يضربهم أيضاً اذا تدخلوا وحالوا منعه أو تحريري منه”.

    • “منعوني وحرموني من رؤية طفلي الرضيع”:

في حالة أخرى، ترتاد “ليلى.م/كردية” (18 عاماً) معهداً تعليمياً خاصاً في مدينة القامشلي استعداداً لـ التقدم لامتحانات الشهادة الإعدادية العامة في العام الدراسي المقبل 2020-2021، وذلك بعد انقطاعها عن التعليم لنحو ثلاث سنوات، نتيجة زواجها المبكر.

تعيش “ليلى” مع والديها في مدينة القامشلي، محاولةً ترتيب حياتها مجدداً، ولا تخفي لوعة شوقها إلى ابنها الوحيد الذي افترقت عنه بعد طلاقها من زوجها، حيث تحدثت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول ذلك قائلةً:

“تزوجت في عام 2017، وكان عمري آنذاك 15 عاماً، إذ تركت المدرسة كي أتزوج من الشاب الذي أغرمت به، والذي يكبرني بعدة أعوام، وقد أثمر حبنا طفلاً بعد نحو عامين من الزواج، لكن ذلك لم يكن كافياً لاستمرار هذا الزواج، الذي غزته الخلافات والمشاكل.”

انتهت حياة “ليلى” الزوجية بالطلاق، وحُرمت من ابنها الرضيع الذي لم يُكمل عامه الأول، إذ اضطرت بحكم الأعراف العشائرية والمجتمعية إلى التخلي عن حضانته لصالح والده، وعبرت عن أسفها نتيجة ذلك قائلة:

“لم نتفق أنا وزوجي كثيراً خلال زواجنا، ومع ذلك لم أفكر يوماً في الطلاق، ولكن مع تفاقم حدّة الخلافات بيننا طلّقني زوجي في نهاية المطاف، وحظر عليّ رؤية ابني الرضيع، ولم يتضامن معي أحد من أفراد عائلتي لاستعادة حضانة ابني، وعلى العكس تعرّضت للوم من قبلهم، لأن هذا الزواج كان خياري في البداية، وعليّ أن اتحمل وزر خطأي.”

يعيش ابن “ليلى” حالياً في كنف والدة زوجها، بعد أن أقدم زوجها على الزواج بأخرى بعد طلاقهما، بينما تحاول “ليلى” طيّ تلك الصفحة التي تعتبرها “سوداء” من حياتها، ومتابعة تعليمها مجدداً.

  1. مضاعفات خطيرة للحمل والولادة على الفتيات:

يهدّد الزواج المبّكر أرواح وصحة الفتيات، وفي كثير من الأحيان تحمل الفتيات اللاتي أجبرن على الزواج وهن لا تزلن مراهقات، مما يزيد خطر تعرضهنّ لمضاعفات الحمل أو الولادة، بسبب البنية الجسدية الغضّة، مما يؤدي إلى مشاكل نفسية وصحية لدى الفتيات سيّما إجهاض الحمل لمرات عدة.

“غالية.م” من محافظة دير الزور ونازحة في منطقة عفرين بريف حلب، كانت إحدى الفتيات اللاتي تعرّضنّ للإجهاض عقب زواجها في سن 16 عاماً، من ابن عمها الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 22 عاماً، حيث روت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة في هذا الصدد:

“تزوجت من ابن عمي في نيسان/أبريل 2017، عندها اضطررت لترك مقاعد الدراسة من أجل زوجي، فقد شعرت بخوف كبير من أن يقدم على الزواج بغيري، في البداية كانت عائلتي معارضة لهذا الزواج، لكن لم تمضِ سوى أيام قليلة حتى عدلوا عن رأيهم، وبعد 3 سنوات من زواجي بمحمد بدأت تظهر بيننا خلافات كانت عادية لكنها تطورت لحد الضرب من قبله، ربما بسبب حملي لـ 3 مرات وإجهاضي وعدم قدرتي على ولادة طفل له، وهنا بدأ التدخل من أقارب زوجي في حياتنا التي تحولت لمتاعب وآلام لا أستطيع البوح بها لأحد سيّما عائلتي، والذين يلومونني على اختيار الزوج وزواجي المبكر، ومما يزيد المصاعب في وجهي هو عدم تثبيت زواجنا  في المحكمة، لقد تحولت حياتي إلى جحيم، حتى أنّ جسدي أصبح نحيلاً فوزني لا يتجاوز الـ 38 كيلو غرام،  في حين أنني أتعرض للضرب المباشر من قبل زوجي، ربما أنني سأصبر على هذا الحال إلى أن أتمكن من إنجاب طفل أو أخبر أهلي بحياتي التي تحولت لجحيم حقيقي.”

“هنا.ب” من مواليد مدينة حماة ونازحة في مخيمات “باريشا” شمال إدلب، ضحية أخرى كانت قد أجبرت على الزواج في سن 14 عاماً، وتحديداً في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018، ما تسببّ في إجهاضها 3 مرات، حيث روت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:

“لم يكن لديّ أي رغبة في الزواج آنذاك، لكنّ والدي أصرّ على زواجي. كانت حياتي الزوجية خالية من المشاكل، إلى أن حملت 3 مرات وأجهضت في جميعها، وآخر الأمر نجحت في إنجاب طفلتي، وأذكر بأنّ عائلتي لم تكن نادمة على زواجي المبكر بل على العكس تماماً، فقد كان والدي مسروراً جداً، لكن بعد حملي وإجهاضي المتكرر والتعب الجسدي والنفسي، رأيت الندم في عيني والدي، مع العلم أنني لم أتلقَ النصح والتوعية من أحد حول الزواج المبكر، حتى أنّ رجل الدين الذي عقد قراني لم يوعيني أو يرشدني لمخاطر الزواج المبكر، وقد استطعنا لاحقاً تثبيت زواجنا في المحكمة.”

وفي حالة ثالثة، كانت “رانيا.س” من بلدة معصران جنوب شرق إدلب ونازحة في مخيمات “دير حسان” شمال إدلب، قد أنجبت مولوداً عقب زواجها في سن 17 عاماً، لكنه توفي، حيث روت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:

“في أواخر العام 2017، تمّ عقد قراني بواسطة أحد رجال الدين، من شاب يبلغ من العمر 23 عاماً، ولم نقم بتثبيت زواجنا في المحكمة، ولم تتعّثر علاقتي بزوجي على الرغم من فارق السن بيننا، بل كانت في أبهى حالاتها وما لبثت أن مضت فترة على زواجنا حتى أصبحت حاملاً وأنجبت مبكراً في الشهر الثامن من حملي، مما أدى لوفاة المولود.”

“آية.م” من مواليد ريف حماة، ونازحة بمخيمات مدينة أرمناز في محافظة إدلب، كانت هي الأخرى قد أجبرت على الزواج في سن ال 16 عاماً، بعد وفاة والدها وعدم قدرة والدتها على تحمّل أعباء المعيشة، حيث روت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:

“لم أكن أبلغ سن الـ 16 عندما تقدّم أحد الشبان (19 عاماً) إلى خطبتي، في العام 2017، فقمنا بعقد قراننا عن طريق أحد الشيوخ لكننا لم نقم بتثبت زواجنا في المحكمة، وهنا بدأت حياتنا كأي زوجين، لكن ومع مرور الوقت بدأت المصاعب والمشاكل تظهر بيننا، بسبب عدم قدرتي على الإنجاب في ذلك الوقت، ما دفع زوجي لعرضي على الكثير من الطبيبات المختصات في الحمل والإنجاب، حيث فسرن ذلك بعدم تحمّل جسمي لعملية الحمل نتيجة صغر سني. لم أكن أتعرض للضرب من قبل زوجي لكنّ حياتنا تحولت لكابوس، نتيجة الخلافات الكثيرة التي ظهرت فيما بيننا.”

  1. الزواج المبّكر يصل إلى مستويات قياسية في عدد من المناطق السورية:

تعاظمت ظاهرة زواج الأطفال في السنوات القليلة الماضية في مناطق عدّة من سوريا، وخاصةً في محافظة إدلب، لتصل إلى مستويات قياسية، سيّما في العامين 2018 و2019، بحسب ما روت “علياء الرشيد” وهي إحدى الناشطات العاملة في مجال حقوق المرأة في إدلب، حيث بلغ زواج الأطفال مستويات كبيرة ليتخطى حاجز ال 73 % من إجمالي عمليات الزواج في المحافظة خلال العامين الماضيين بسبب طول سنوات الأزمة السورية، وما نتج عنها من فقر وعمليات تنقل، ودمج مجتمعات وبطالة من جهة، إضافة إلى الموروث الشعبي الذي شجّع زواج الأطفال من جهة أخرى، وفي هذا الخصوص تحدّثت “الرشيد” لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلةً:

“من أبرز مدن وبلدات محافظة إدلب والتي شهدت تصاعداً كبيراً في حالات زواج الأطفال، هي مدينة معرة النعمان ومدينة كفرتخاريم  إضافة لبلدات كنصفرة  وعين لاروز  ومعرزيتا،  والتي يحكمها الموروث الديني أكثر من الشعبي حيث تتخطى نسب زواج الأطفال فيها الـ 70% من عمليات الزواج بتلك المناطق، أمّا في بلدات معرتحرمة والبارة ومدن جسر الشغور وسلقين وإدلب، انتشر زواج الأطفال نتيجة للموروث الشعبي والتقاليد التي تنظر للفتاة على أنها أصبحت عانس في حال تجاوزت سن الـ 18 ولم تتزوج، ويبلغ مستوى زواج الأطفال في هذه المدن أكثر من 65 %، حيث يمكن للفتاة هنا الاعتراض على الزواج بحكم الدراسة أو انتظار الزوج المناسب، بعكس الزواج عن الموروث الديني الذي يجبر الفتاة على الزواج بمجرد قبول ذويها، وعلى نقيض هذا لازالت بعض المدن والبلدات تترك للفتيات حرية الزواج والتعليم والارتباط مثل سراقب وخان شيخون والدانا وقسم من مدن سلقين وحارم وإدلب حيث تقلّ نسبة زواج الأطفال هناك إلى أدنى من 35 %.”

وفي ريف حلب الشمالي، أفاد أحد المصادر المطلّعة على القضية، بأنّ نسبة الزواج المبكر في تلك المناطق، وصلت إلى 60 % من إجمالي عمليات الزواج الحاصلة خلال العامين الماضيين، مشيراً إلى أنّ ظاهرة الزواج المبكر باتت أمراً معتاداً بالنسبة للأهالي.

أمّا في محافظة الحسكة الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، فقد قالت “آرزو تمو” المسؤولة عن لجنة شؤون المُعنفات في منظمة “سارا” لمناهضة العنف ضد المرأة، بأنّ ظاهرة زواج القاصرات في محافظة الحسكة، سجّلت هذا العام نسبة أقل مقارنة مع العام الماضي. حيث وثقت المنظمة (36) حالة لزواج القاصرات منذ مطلع عام 2020، بينما كانت قد وثقت (46) حالة خلال عام 2019.

وأوضحت “تمّو” أنّ ظاهرة زواج القاصرات تنتشر في أرياف وقرى محافظة الحسكة بشكل أكبر من انتشارها في مراكز المدن، وبيّنت” تمو” النتائج السلبية المترتبة على الزواج المبكر، واصفةً إياه بنوع من أنواع العنف ضدّ المرأة، وتابعت حديثها:

“تُجبر كثير من العائلات بناتها القاصرات على الزواج مبكراً، ما يؤدي إلى زيادة نسبة الطلاق وتفكك الأسرة، فضلاً عن أنّ الفتاة القاصر لا تقوى على تحمل أعباء الحياة الزوجية، وستنجب أطفالاً وهي بسن صغير، بالتالي لن تكون مؤهلة لتربيتهم تربية صحيحة واضحة في ظل عدم وصولها للمرحلة التي تبلغ فيها النضج على مختلف المستويات”.

المسؤولة عن لجنة شؤون المُعنفات في منظمة “سارا” لمناهضة العنف ضدّ المرأة، قالت إنّ الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا حاولت منع هذه الظاهرة في أماكن سيطرتها، وأصدرت قراراً في 2014 منعت فيه الزواج دون سن 18، إضافة إلى تعدّد الزوجات.

ونوهت “آرزو تمو” إلى أنّ تمكين المرأة في المجتمع يعدّ من أهم وسائل محاربة هذه الظاهرة، مشيرة إلى أن منظمة “سارا” لمناهضة العنف ضد المرأة كانت قد اختتمت في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 حملة دامت تسعة أشهر في شمال شرق سوريا لمناهضة كافة أشكال العنف ضدّ المرأة، بعنوان (لا تقتلوا المرأة.. المرأة حياة)، والتي تضمنت تنظيم محاضرات وندوات ونشاطات حول ضرورة مناهضة العنف المُمارس بحق المرأة.

وبحسب الباحث الميداني لدى “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” فإنّ قوى الأمن الداخلي “الأسايش” التابعة للإدارة الذاتية اعتقلت رجلين في مدينة عامودا، خلال عام 2020، على خلفية محاولة أحدهما تزويج ابنه من ابنة الآخر، التي لا تزال قاصرة، وذلك عوضاً عن مبلغ مالي كان يدين به الثاني للأول، قبل أن تمنع “الأسايش” هذا الزواج وتعتقل المنظمين له لمحاسبتهم.

  1. آثار مُجحفة للزواج المبّكر على الفتيات:

بحسب الأمم المتحدة، فإنّ زواج الأطفال يحرم الفتيات من حقهنّ في اختيار من ومتى يتزوجن، وهو واحد من أهم القرارات في حياة الإنسان، وينبغي اتخاذه بحرية ومن دون خوف أو إكراه، كما أنه يهدّد بشكل مباشرة صحة ورفاهية الفتيات، فكثيراً ما يكون الزواج متبوعاً بالحمل، حتى إذا لم تكن الفتاة غير مستعدة له جسدياً ونفسياً. وتعدّ مضاعفات الحمل والولادة من بين الأسباب الرئيسية في الوفاة بين الفتيات المراهقات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 19 عاماً. [7]

كذلك، فقد تتعرض الفتيات المتزوجات إلى الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً، بما في ذلك فيروس نقص المناعة. وعندما تتزوج الفتيات، فإنهن يضطررن في كثير من الأحيان إلى الانقطاع عن الدراسة لكي يتمكن من القيام بأعباء المنزل. وهذا حرمان من حقهنّ في التعليم. كما يحد الزواج المبكر من فرصهن المستقبلية في الحصول على وظيفة، ويكون له تأثير طويل المدى على أسرهن، حيث تصبح الفتيات اللاتي ينقطعن عن المدرسة في وضع صحي واقتصادي أسوأ بالمقارنة بمن يواصلن دراستهن، وفي نهاية المطاف يكون وضع أطفالهن أسوأ كذلك.

  1. تبعات سلبية خطيرة لانتشار الزواج المبّكر:

من أبرز التبعات السلبية التي يخلّفها الزواج المبّكر في مناطق مختلفة من سوريا وخاصةً تلك الخاضعة لسيطرة تنظيمات معارضة في إدلب وريف حلب الشمالي، هو ازدياد حالات الطلاق كنتيجة للزواج المبكر وعدم قدرة الزوجين على فهم مؤسسة الزواج بسبب صغر سنهما، ولعلّ العاقبة الأخطر هي عدم تثبيت هذه الزيجات في السجلات الرسمية، بحسب القاضي “محمد نور حميدي”، والذي قال بأنّ غالبية الزيجات الحاصلة في محافظة إدلب، لم يتم تثبيتها في المحاكم الشرعية المختصة والتابعة لسلطة هيئة تحرير الشام، لكونها غير معترف بها، كما لم يتم تثبيتها في المحاكم الموجودة ضمن مناطق سيطرة الحكومة السورية، نتيجة خوف العائلات من الاعتقال في حال توجهوا إلى هذه المناطق، إضافة إلى ارتفاع تكاليف معاملة الزواج والبطاقة العائلية إذا ما أراد الزوج استخراجها بطريقة غير قانونية.

وعليه فإنّ عدم تثبيت الزواج في السجلات الرسمية، يؤدي إلى عواقب وخيمة وخاصةً على الزوجة والأطفال، أهمّها حرمان الزوجة من تثبيت زواجها بالإضافة إلى تثبيت نسب أطفالها، وحرمانها من الحصول على حقوقها في الميراث، أو الحصول على مهرها وباقي حقوقها كأقل تقدير في حال وقع خلاف بين الزوجين، في حين ترتب مخاطر كبيرة على الأطفال نتيجة ذلك، حيث يصبح هؤلاء في عداد مكتومي القيد، نتيجة عدم تثبيت الزواج وعدم حصولهم على شهادات ميلاد أو أي أوراق رسمية، ما يؤدي إلى حرمانهم من حقّ التعلم والإرث وتكوين الأسرة والعمل، وتابع “حميدي” حول عواقب الزواج المبكر وخطورته على المجتمع وانتشاره، قائلاً:

“ومن عواقب الزواج المبكر هو معاناة الزوجة القاصر، سيّما أنّ بعضهنّ لم يكتمل جسدهنّ بالشكل القويم والسوي الذي يساعد على الزواج مما يؤدي لعواقب كارثية على صحة الفتاة وجسدها، ولا شكّ أنّ السبب الأكبر للزواج المبكر هو تفشي الأمية والجهل بسبب انقطاع الأطفال عن المدارس سيّما في هذه السنوات، وعدم اهتمام الأهل بدراسة أبنائهم، ومن المهم الإشارة إلى أنّ أحد أبرز المخاطر التي  ترتب على المجتمع من الزواج المبكر هو كثرة الإنجاب، حيث تبدأ الزوجة بالإنجاب من سن الـ 16 وأحيانا قبل هذا العمر، إلى سن الـ 40، مما يتسبّب بازدياد سكاني يلقي بكاهله على المجتمع.”

وينطبق الأمر ذاته على مناطق ريف حلب الشمالي، حيث أنّ العديد من الزيجات الحاصلة لا يتم تثبيتها في دوائر النفوس الرسمية الواقعة في مناطق سيطرة الحكومة السورية، خوفاً من الاعتقال، لذا تكتفي بعض العائلات بتسجيل زواجها في دوائر النفوس المحلية، في حين أنّ البعض الآخر لا يقوم بذلك حتى بحسب المعلومات التي حصلت عليها المنظمة.


[1] تعرّف منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”.  “الزواج المبكّر أو زواج الأطفال” بأنّه: زواج رسمي أو اقتران غير رسمي قبل بلوغ سن 18 عاماً، وهو حقيقة واقعة بالنسبة للفتيان والفتيات، على الرغم من أن الفتيات أكثر تضرراً بشكل غير متناسب.

[2] تخضع في معظمها لسيطرة هيئة تحرير الشام.

[3] تخضع لسيطرة الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.

[4] “عندما تغني الطيور الحبيسة: قصص فتيات سوريات يافعات” في آذار/مارس 2019. آخر زيارة في 24 نيسان/أبريل 2020. https://arabstates.unfpa.org/ar/publications/%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D8%BA%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%8A%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D9%82%D8%B5%D8%B5-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%81%D8%B9%D8%A7%D8%AA

[5] ” فتيات صغيرات تزوجن أكثر من مرة!! … الصندوق السكاني: الزواج المبكر ارتفع إلى 46 بالمئة في سورية في الأزمة” صحيفة الوطن السورية في 11 آذار/مارس 2019. آخر زيارة في 17 تموز/يوليو 2020. https://alwatan.sy/archives/190376?fbclid=IwAR1wuBGbPSH7Ho1ZfjGbrC1ebuavq8yqFWi78WgIbOsod42v_aW49WzJ_RE

[6] “زواج الحيار”: يتم بموجبه “حجز” الفتاة لابن عمها ليتم تزويجها منه قسراً، لازال شائعاً في المجتمع العشائري تحت مبررات عدة، وغالباً ما يتم هذا الزواج قبل سن البلوغ، أي بعد أن تدخل الفتاة سن الخامسة عشرة. والمشكلة أن الزواج يتم بالإكراه أو بغض النظر عما إذا كان الطرفين مغرمين ببعضهما أم لا. هذا الأمر وما يترتب عليه من عواقب وخيمة، يتم في غياب القوانين رغم تعارضه مع مبادئ الشريعة الإسلامية نفسها.

[7] للمزيد من الاطلاع اقرأ: “زواج الأطفال” موقع صندوق الأمم المتحدة للسكان”، آخر زيارة بتاريخ 23 نيسان/أبريل 2020. https://arabstates.unfpa.org/ar/%D8%B2%D9%88%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد