الرئيسية صحافة حقوق الإنسان شمال غرب سوريا: هجمات سورية/روسية تقتل مدنيين وتدمّر البنية التحتية

شمال غرب سوريا: هجمات سورية/روسية تقتل مدنيين وتدمّر البنية التحتية

تشكل مرافق البنية التحتية أعياناً مدنية بطبيعتها وهي محمية من الاستهداف وتكتسب حماية إضافية حين تقدم للمدنيين احتياجات وخدمات لا غنى عنها لبقائهم

بواسطة communication
439 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع
الدفاع المدني يسعف المصابين في موقع بمدينة إدلب قصفته القوات الحكومية السورية في 7 تشرين الأول/اكتوبر 2023 - المصدر: صفحة الدفاع المدني السوري على فيس بوك

كان هناك الكثير من الجرحى والقتلى ذاك اليوم، لا أعرف أسماؤهم، مصابنا كبير، ولم يبقى لدينا قدرة على التركيز.”

بهذه الكلمات وصف أحد سكان محافظة إدلب، في شمال غرب سوريا، حالة الصدمة التي تلت قصفاً للجيش السوري على بلدته سرمين بتاريخ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، كان من ضمن ضحايا القصف ابنته ليلى، ذات الـ8 سنوات.

كان القصف على بلدة سرمين، جنوب شرق إدلب، واحداً من عدة هجمات ضمن حملة واسعة، شنتها قوات الحكومة السورية والقوات الروسية على شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام”، وبدأت الحملة فعلياً بتاريخ 5 تشرين الأول/أكتوبر واستمرت حتى 27 من الشهر ذاته؛ استخدمت خلالها الحكومة السورية ذخائر عنقودية وأسلحة أخرى حارقة في هجمات على مواقع عدة في إدلب وغرب حلب، مستغلةً انشغال المجتمع والإعلام الدولي بالحرب في غزة.

فقد أسفرت  ضربات سورية-روسية مشتركة استهدفت مركز إدلب يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر وحدها، عن مقتل 7 مدنيين، بينهم طفلان وامرأة، وجرح 52 آخرين، بينهم 19 طفلاً و12 امرأة؛ فيما أدى  قصف مدفعي لقوات الحكومة السورية استهدف قرية القرقور، في حماه، إلى مقتل 5 أطفال، ثلاثة منهم أشقاء، يوم 22 تشرين الأول/أكتوبر.

هذا وسبب القصف المدفعي والغارات الجوية المكثفة دماراً هائلاً في البنى التحتية والمرافق الحيوية، بما في ذلك المشافي والمدارس، ومحطات الكهرباء والمياه، مهدداً وصول ما لا يقل عن  4.5 مليون شخصاً في شمال غرب سوريا لخدمات هذه المنشآت، لاسيما المياه، مضاعفاً معاناة المجتمعات المحلية والنازحة داخلياً، التي تصارع أساساً مع انعدام الأمن المائي.

في تقريره الصادر بتاريخ 27 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وثق “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة” (أوتشا)، أن الضربات المدفعية والجوية السورية-الروسية استهدفت 2300 موقعاً في عموم إدلب وغرب حلب، وتسببت بنزوح  أكثر من 120,000 شخصاً خلال الأعمال العدائية، كان هذا النزوح الثاني على الأقل لبعضهم. فيما تظهر الإحصائية التي جمعتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، أن 24 على الأقل من هذه الاستهدافات نجم عنها جرحى وقتلى في صفوف المدنيين، كان عدداً كبيراً منهم أطفالاً. أدى القصف المشترك خلال الفترة المذكورة، إلى مقتل 56 مدنياً، بينهم 10 نساء و20 طفلاً، وجرح 252 آخرون، بينهم 46 إمرأة و72 طفلاً.

من الجدير بالذكر، أن حملة القصف السورية-الروسية على شمال غرب سوريا، كانت قد تزامنت مع أخرى، شنتها القوات التركية في شمال شرق سوريا، مستخدمةً المسيرات. سببت  الحملة التركية، التي بدأت في الـ5 من تشرين الأول/أكتوبر واستمرت لخمسة أيام،  دماراً هائلاً في العديد من المنشآت الحيوية، وحرمت الملايين من سكان المنطقة والنازحين داخلياً من الكهرباء والمياه، في ظل أزمة مياه خانقة مستمرة منذ سنوات.

مندداً بموجة العنف التي اجتاحت مناطق واسعة من البلاد، يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر، قال باولو بنييرو، رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا أمام الجمعيّة العامة: “نحن نشهد أكبر تصعيد للأعمال العدائيّة في سوريا منذ أربع سنوات. لكن مرّة أخرى، يبدو أنّ هناك تجاهلا تاما لحياة المدنيين في الأعمال الانتقامية التي تحصل في كثير من الأحيان“.

لغرض هذا التقرير، أجرى الباحثون الميدانيون في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مقابلات مع 6 مصادر في شمال غرب سوريا؛ ثلاثة منهم أقارب لضحايا، قتلوا خلال الضربات المروعة، والتي استهدفت إحداها مخيم “أهل سراقب” للنازحين داخلياً؛ وثلاثة آخرون تحدثوا عن الضرر الذي ألحقه القصف بالمنشآت الحيوية في المنطقة، بما في ذلك محطة تحويل كهرباء سرمين، وثلاث محطات مياه.

ضحايا أطفال ومهجرون داخلياً:

في الـ8 من تشرين الأول/أكتوبر، سقطت قذيفتان في أحد شوارع بلدة سرمين؛ قتلت على إثر الهجمة طفلة اسمها ليلى (8 سنوات)، وهي تحمل الطعام لجدتها، التي تسكن قبواً لطالما لجأت إليه الطفلة لتشعر بالأمان من القصف. قابلت “سوريون” والد الطفلة الذي قال في إفادته ما يلي:

” لم تكد تمر دقيقتان أو ثلاثة بعد أن خرجت (ليلى)، إلا وسمعنا صوت انفجار قريب من البيت. عندما حدث القصف دخلنا إلى الحمام من الخوف . . . هممت بالخروج من المنزل، فسقطت قذيفة ثانية. خرجت راكضاً. قال جارنا، أن فتاة مصابة كانت في آخر الشارع، ومعها طعام، وأن جماعة قاموا بإسعافها إلى المشفى. . . ذهبت إلى مشفى المحافظة ركضاً. أخبرني ممرض أن فتاة في الداخل كانت قد خسرت ساقها في الداخل، أجبته: (معليش مهم عايشة). دخلت، فوجدت ليلى متوفاة. لقد حولتها القذيفة إلى أشلاء.”

بعد القصف، الذي خسر خلاله ابنته، قرر الأب أن ينزح بعائلته إلى خارج المنطقة، وهو ما وضعه تحت عبءٍ مادي كبير:

“استأجرت منزلاً لقاء 70 دولار شهرياً؛ وخسرت عملي، لأنني لم أجد عملاً في المكان الذي نزحت إليه. القصف كان من مناطق النظام. كانت ابنتي تخاف كثيراً، وطلبت أن نترك المنزل ونرحل بعيداً عن القصف باستمرار. لم يكن لدينا غير هذا البيت ورزقي وعملي هنا. . . إلى أن أخذها القصف ورحلت، ونحن تركنا (المنزل) وهربنا.”

في الـ8 من تشرين الأول/أوكتوبر أيضاً، خسر الطفل محمود (13 عاماً) حياته، في قصف مدفعي منفصل في بلدة سرمين عصراً، استهدف المنطقة الصناعية، الواقعة على الطريق الواصل بين البلدة وإدلب المدينة. تواجد محمود في الموقع المستهدف، لأنه اعتاد مساعدة والده بالعمل أيام العطل المدرسية. روى عم الطفل، المصدر (2)، تفاصيل الضربة المروعة لـ”سوريون” قائلاً:

” أنا وأخي وأبي، لكل منا براكية (كشك) صيانة على طريق سرمين-إدلب، ليس لدينا قدرة على افتتاح محلات. يوم الخميس، 8 تشرين الأول/أكتوبر، كنا نعمل في الصناعية، وهي عبارة عن تجمع براكيات، ينتشر بينها الزبائن. بدأ قصف قوات النظام على سرمين بالمدفعية، وهذا شيء اعتدناه. لكن لم نعتد أن يتم قصف المنطقة الصناعية أو استهدافها.  نزلت عندنا أول قذيفة مدفعية، وركضنا إلى الحفر المخصصة لإصلاح السيارات. سقطت قذيفتان بعدها بين البراكيات، نزلت واحدة بالقرب من براكياتنا.”

أضاف المصدر:

“خاف ابن أخي كثيراً ولم يعرف كيف يتصرف، فأختبأ وراء صخرة. أصابته شظايا القذيفة وأدت إلى مقتله. كان هناك إصابتان بين العمال؛ أحدهما من سرمين، والآخر من سراقب.”

ومع اتساع مجال القصف المدفعي، الذي لم يستثنِ المنطقة الصناعية خلال الحملة الأخيرة، قال المصدر أن ثلاثة قذائف أصابت محطة تحويل كهرباء على الطرف المقابل لمكان عمله (الموقع الجغرافي)، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء لمدة 24 ساعة، مرجحاً أن القصف كان من مدينة سراقب، التي تسيطر عليها قوات الحكومة السورية، وعلى وجه التحديد:

“من تل الرمان (الموقع الجغرافي)، تقع على بعد 3 كم جنوب سراقب، مباشرة على اوتستراد حلب-دمشق أو ما يعرف بطريق M4.”

 واستند المصدر في تحليله حول المكان الذي انطلقت منه القذائف، إلى المعلومات التي أوردتها المراصد التي تراقب حركة الطيران وأيضاً عمليات القصف اليومية في شمال غرب سوريا.

الصورة رقم (1)- مواقع لقوات الحكومة السورية، 3 كم جنوب مدينة سراقب.

 

وبتاريخ 24 تشرين الأول/أكتوبر، حوالي الساعة 12:00 ظهراً، استهدفت غارة جوية (يُعتقد أنّه طيران روسي بحسب المراصد المحلّية) مخيماً للنازحين داخلياً، يقع على بعد 1 كم غرب قرية الحمامة (الموقع الجغرافي)، التابعة لمدينة جسر الشغور إدارياً. يطلق على المخيم، اسم مخيم “أهل سراقب”، وقد أسسه نازحون من قرية “الأغر” في سهل الغاب عام 2017، وكانت تسكنه 50 عائلة، ما يقرب من 300 شخصاً، قبل الغارة التي أجبرت السكان على النزوح ثانية.

أسفرت الغارة عن مقتل خمسة أشخاص من المخيم، وهم امرأتين، طفلة، ورضيعين، وجرح أربعة آخرون، كانت مجمل إصاباتهم خطيرة، وهم رجل كبير بالسن وثلاثة أطفال، أصابت أحد الأطفال شظية في الرأس واستقرت في الدماغ. كان القتلى والجرحى من عائلة واحدة.

أدت الغارة إلى إصابة شخص خامس، يعمل ناطوراً (حارس) في مسبح قريب من المخيم. أثناء عمله، سبب الضغط الناجم عن القصف الصاروخي بسقوط جدار على الضحية الكبير بالسن، ما تطلب نقله إلى المشفى.

استطاعت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وبواسطة شبكة باحثيها الميدانيين على الأرض التحقق من أسماء القتلى والجرحى، وهم (القتلى):

رهف خالد العليوي (22)، وطفلها الرضيع أحمد علاء العليوي (عام ونصف)، ملك خالد العليوي (18)، وطفلتها الرضيعة غزل علي العليوي (6 أشهر)، وعدلة عبد الله الحمود (80)، وهي جدة الأمين القتيلتين.

أمّا الجرحى فهم:

محمد علي العليوي (91)، زوج الضحية عدلة، حسام ضامن العليوي (9)، عبد الله علي العليوي (2)، ابن ملك، خالد علاء العليوي (4 سنوات ونصف)، ابن رهف، والناطور مصطفى حجازي (65).

وفي حديثه عن الغارة و الدمار الذي خلفته، قال قريب للعائلة،  المصدر (3)، التي سقط أغلب أفرادها ضحاياً بين قتيل ومصاب، ما يلي:

“أخذ الدفاع المدني من مركز اليعقوبية الجرحى والقتلى واسعفهم إلى مشفى الرحمة بدركوش، القتلى كانوا قد توفوا مباشرةً. كانت إصاباتهم بالرأس، استقرت الشظايا في مناطق قاتلة من الرأس.”

نوه المصدر، أن:

“معظم سكان المخيم يعملون في قطاف الزيتون و(خلال الغارة) كان غالبية الرجال والشباب وبعض العوائل في العمل، فلم يتواجد بالمخيم إلا نساء ورجال كبار بالعمر وأطفال صغار.”

هذا ولم تقتصر الخسائر التي سببتها الغارة على الضحايا، حيث سبب القصف دمار هائل في الخيام ما أدى إلى تشريد بقية السكان ونزوحهم للمرة الثانية. قال المصدر:

“عندما سقط الصاروخ نسف حوالي 10 خيم، لم نجد لها اثراً بعدها؛  الأنابيب والقماش كله تمزق وتخرب وطار. كما أدى الضغط الكبير الناجم عن الصاروخ بتقوس وتخرب أنابيب باقي الخيم البعيدة … المخيم تم هجرانه بشكل كامل، لأنه تخرب وكي لا يتم استهدافه مرة ثانية … تم توزيع سكان المخيم على مركز إيواء ولكنه غير مجهز، فهم حالياً يقيمون عند أقاربهم ولا بديل عن المخيم.”

 الصورة رقم (2)-جانب من الأضرار التي أصابت مخيم “أهل سراقب” بعد هجمات 24 تشرين الأول/أكتوبر 2023. المصدر: (الدفاع المدني السوري).

الصورة رقم (3)-ربط الصورة الحية للمخيم مع صورة مأخوذة عن طريق الأقمار الاصطناعية.

الصورة رقم (4)- جانب من الدمار الذي حل بمخيم “أهل سراقب” في قرية الحمامة، غربي إدلب، إثر غارة جوية روسية بتاريخ 24 تشرين الأول/أكتوبر 2023. المصدر: قناة تليغرام الدفاع المدني.

استهداف مرافق حيوية:

وفيما استهدفت الهجمات المدفعية والغارات الجوية مناطق سكنية ومخيمات النازحين داخلياً،  لم تعمل قوات الحكومة السورية والقوات الروسية، خلال الحملة المكثفة، التي شنتها في شمال غرب سوريا على تحييد المرافق الحيوية والبنى التحتية في المنطقة أيضاً، حيث وثقت “سوريون” أضراراً مادية كبيرة طالت مدرستين، ومحطة تحويل كهرباء رئيسية، وثلاثة محطات مياه في إدلب، ما تسبب في خروجها عن الخدمة لأيام، فيما أعاق استمرار القصف عمل فرق الصيانة، التي لم تتمكن من الوصول إلى بعض الأحياء التي تضررت فيها شبكات الكهرباء أيضاً.

  • مدرستين في قرية التوامة:

مساء  الـ8 تشرين/الأول أكتوبر، سببت ثلاثة قذائف مدفعية أضراراً بالغة في بناء مدرسة ابتدائية في قرية التوامة، في الريف الغربي لحلب. بحسب أحد أعضاء الكادر التدريسي في المدرسة، المصدر (4)، سبب القصف:

“بتضرر الباحة بسبب سقوط قذيفة فيها، خلفت حفرة كبيرة. وتضرر الباب الرئيسي للمدرسة، والأبواب والنوافذ، حيث خلعت الأبواب وتحطم زجاج النوافذ بفعل الضغط الناجم عم انفجار القذائف.”

الصورة رقم (5)- الحفرة التي سببتها القذيفة المدفعية في باحة المدرسة الابتدائية في قرية التوامة، في ريف حلب الغربي. المصدر: الشاهد (المصدر رقم 4)

 لم تكن المدرسة الابتدائية هي الوحيدة التي استهدفت في التوامة، حيث طال القصف المدفعي، مدرسة إعدادية أيضاً، منتصف الليل في الـ9 من تشرين الأول/أكتوبر، ما سبب بانتشار الذعر في صفوف الكادر التدريسي الذي قرر إغلاق المدارس لمدة أسبوع، لاسيما وأن الضربات المدفعية طالت منازل في القرية، نجم عنها إصابة سيدة مسنة بجروح خطرة، أدت إلى شللها. نوه المصدر أن القذائف في كلا الاستهدافين أطلقت من “نقاط عسكرية للنظام السوري في جبل سمعان”، متحدثاً عن أثر القصف على المدرسة الثانية:

أصاب القصف صفين وأدى إلى دمارهما بشكل كامل، بالإضافة إلى انخلاع الأبواب وسقوط النوافذ الزجاجية. حدث الاستهداف منتصف الليل ولو كان نهاراً، لكان كارثياً من حيث عدد الضحايا الأطفال. لذلك اتخذنا قراراً بتعطيل مدارس القرية لمدة أسبوع خوفاً من عمليات قصف متكررة.”

 بقيت المدرستان المستهدفتان دون أي تقييمٍ للأضرار أو أعمال صيانة حتى الـ11 من تشرين الثاني/نوفمبر على الأقل، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً للعملية التعليمية في ظل فصل شتاءٍ قارس، إلى جانب انعدام الأمن وعدم استقرار المنطقة، حيث وثق “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء)، 23 هجوماً مشتركاً لقوات الحكومة السورية والروسية على مدارس ومنشآت تعليمية في شما غرب سوريا منذ بداية عام 2023 وحتى نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2023.

  • ثلاث محطات مياه في إدلب:

بتاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر، استهدفت رشقات صاروخية وضربات مدفعية مركزة ثلاث محطات مياه في إدلب؛ وهي محطة الكارلتون، التي تحمل اسم فندق الكارلتون في إدلب،  محطة الدفاع المدني، المنشأة بالقرب من مركز الفريق، ومحطة قرية طعوم.

يرجح موظف من وحدة مياه إدلب، المصدر (5)، أن الهجمات شنت من قبل “قوات النظام السوري في سراقب”، منوهاً إلى أن الاستهداف حدث ليلاً، مما منع سقوط ضحايا من موظفي المنشآت. المحطات الثلاثة هي آبار جوفية، تستجر منها المياه باستخدام مولدات كهربائية وألواح طاقة شمسية، ثم تضخ في أنابيب شبكة المياه لتخديم المنطقة بالمياه النظيفة. واصفاً الدمار الذي لحق بمحطة الكارلتون، قال المصدر:

 “تضرر بناء المحطة بشكل كبير، بالإضافة لتضرر مولدة الكهرباء وخزانات المازوت التي تخدمها.”

أخرج القصف المحطة عن العمل بشكل كلي، حيث لم تتمكن فرق الصيانة من إصلاح المولدة التي تعتمد عليها المحطة حتى تاريخ 11 تشرين الثاني/نوفمبر على الأقل، ما حرم حوالي 5000 نسمة في إدلب من المياه، بحسب المصدر.

وعلى الرغم من أن الأضرار التي أصابت المحطتان الباقيتان كانت أقل بالمقارنة مع محطة الكارلتون، إلا أنهما شهدتا انخفاضاً هائلاً بمعدلات الضخ، أثر على عددٍ هائل من سكان المناطق التي تعتمد بشكل أساسي على المنشآت المستهدفة. في حديثه عن محطة الدفاع المدني، قال المصدر:

“كان ضررها أخف من ضرر محطة كارلتون. حيث تضررت فيها ألواح الطاقة الشمسية وبناؤها الخارجي. لم تتوقف عن الخدمة ولكن طاقتها الإنتاجية انخفضت بنسبة 75 بالمئة تقريباً، من حيث استخراج المياه وضخها في الأنابيب، وهو ما أدى إلى تضرر ما يقارب من 10 آلاف نسمة في إدلب.”

وعن محطة تعوم، التي شهدت أضراراً مماثلة في ألواح الطاقة الشمسية المسؤولة عن تشغيلها، قال المصدر أن:

 “إنتاج المياه انخفض بنسبة 35 بالمئة تقريباً، مسبباً الضرر لحوالي 5000 نسمة.”

  • محطة تحويل كهرباء في قرية سرمين:

استناداً إلى التحليل والأدلّة التي جمعتها سوريون، يبدو أنّ قوات الحكومة السورية والروسية قامت باستهداف عدد من الأعيان المدنية بشكل مباشرة ودون وجود أي أهداف عسكرية قريبة من المكان، ومنها محطة تحويل كهرباء سرمين، على الرغم من أنها المحطة الرئيسية في إدلب، ومسؤولة عن إمداد  مدن أريحا ومعرة مصرين بالكهرباء، بالإضافة إلى بلدة سرمين. ولم تكتفِ الأطراف المهاجمة باستهداف الأعيان المدنية فحسب، بل استهدفت أيضاً فرق الصيانة التي عملت على إصلاح الأعطال في المحطة وفي تمديدات الكهرباء في المناطق السكنية المستهدفة.

 

في الـ8 من تشرين الأول/أكتوبر، أصابت المحطة ثلاثة قذائف مدفعية أدت، بحسب مصدر (6) من شركة الكهرباء العامة في إدلب، إلى:

” أضرار بالعوازل والكابلات وعلب الكهرباء وبئر المياه الموجود ضمن المحطة. بدأنا عملية الصيانة داخل المحطة. وفي المساء استهدف النظام السوري كوادر الصيانة براجمة الصواريخ مما أعاق عملية الصيانة الفورية.”

سبب القصف أضراراً خارج بناء المحطة، طالت المنافذ التي تزود كل من سرمين ومعرة مصرين، وأريحا، ولم تتمكن فرق الصيانة من الاستجابة للأعطال في المأخذ المخصص لأريحا إلا بعد 48 ساعة بسبب “بسبب استمرار القصف والأضرار الكبيرة”.

أشار المصدر، أنه وبالإضافة للأضرار الناجمة عن استهداف المحطة ومتعلقاتها مباشرةً، سبب القصف المستمر منذ الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر أعطالاً في شبكات توزيع الكهرباء على القرى، وأخرى في عدادات وعلب الكهرباء في المنازل والأبنية المستهدفة، شكل إصلاحها تحدياً صعباً لفرق الصيانة، التي:

“تعاني من التنقل أثناء القصف وإعادة استهدافها أثناء العمل على الصيانة لذلك نجد أن استهداف محطة سرمين للتوتر العالي واستهداف محطات التوتر المنخفض و استهداف الأعمدة وشبكة التوزيع هو أمر مدروس لحرمان المنطقة من الكهرباء.”

قال المصدر إن استهداف قوات الحكومة السورية لشبكات الكهرباء في إدلب، يهدف إلى “نزع الطمأنينة من أهلها”، لاسيما وأن الأهالي عانوا من انقطاع الكهرباء واعتمادهم على المولدات لمدة 10 سنوات، إلى أن تم استجرار الكهرباء من تركيا وتوزعيها باستخدام الشبكة التي وجدت ما قبل عام 2011 بعد أن أعيد تأهيلها.

 

الصورة رقم (6)-جانب من الدمار الذي أصاب محطة تحويل كهرباء سرمين بسب القصف المدفعي يوم 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023. المصدر: (الشاهد السابق)

قصف انتقامي:

بدأت قوات الحكومة السورية الحملة الأخيرة في شمال غرب سوريا، بعد هجوم بطائرات مسيرة على الكلية الحربية في حمص، أثناء حفل تخرج دفعة من الضباط بتاريخ 5 تشرين الأول/أكتوبر.

 تشير تقارير صادرة عن الحكومة السورية بأن الهجوم أدى إلى مقتل 89 شخصاً من الحضور، بينهم أطفال ونساء من أهالي الخريجين الجدد، وعدد من العسكريين، بالإضافة إلى جرحى؛ فيما نقلت وكالة رويترز عن مصدر لم تسمه، أن الهجوم حدث “بعد دقائقٍ فقط من مغادرة وزير الدفاع للحفل”.

سارعت قوات الحكومة بالقصف، على الرغم من عدم تبني أي جهة المسؤولية عن الاستهداف مباشرةً أو في الأيام التالية؛ حيث عزت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية، في بيانٍ نشرت محتواه وكالة سانا الحكومية، المسؤولية إلى “التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف دولية معروفة” لم تسمها، وتوعدت بأنها “سترد بكل قوة وحزم على تلك التنظيمات الإرهابية أينما وجدت، وتشدد على محاسبة المخططين والمنفذين لهذا العمل الإجرامي الذي سيدفعون ثمنه غالياً”.

فيما كشف رئيس مركز التنسيق الروسي في دمشق والمنطقة الوسطى، اللواء فاديم كوليت، خلال مؤتمرٍ صحفي جمعه مع مدير الإدارة السياسية في القوات الحكومية السورية، اللواء حسن سليمان، أن الحملة السورية-الروسية المشتركة “قضت على 200 إرهابي” شمال غرب سوريا، بعد تنفيذ أكثر من 230 غارة جوية، وأكثر من 900 مهمة نارية مدفعية على مواقع لفصائل المعارضة.

وفي تقريرها الصادر بتاريخ 5 تشرين الثاني/نوفمبر، تحققت “هيومان رايتس ووتش” من استخدام الحكومة السورية وروسيا لذخائر عنقودية وأخرى حارقة في منطقتين في إدلب، حيث استمرت حملة القصف المكثف في إدلب حتى الـ30 من تشرين الأول/أكتوبر على الأقل.

كما تحققت “ووتش” و “بيلنجكات” من استخدام قوات الحكومة السورية لأسلحة حارقة في هجماتها على بلدة دارة عزة، غرب مدينة حلب، ما بين الـ 6 و7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023. حيث يشير التحليل الأولي الذي أجرته “بيلنجكات” لمجموعة من الفيديوهات نشرت على منصات التواصل الاجتماعي،  تظهر فيها أسلحة حارقة وأنواع أخرى من الذخائر، إلى استخدام صواريخ غراد 9M22S من عيار 122مم الروسية في القصف على البلدة.

الصورة رقم (7)- انفجارات في سماء إحدى القرى شمال غرب سوريا بتاريخ 6 تشرين الأول/أكتوبر (المصدر: بيلنجكات).

 من الجدير بالذكر، أن للحكومة السورية سجلاً موثقاً من استخدام الذخائر العنقودية والأسلحة الحارقة في هجماتها على مناطق تسيطر عليها المعارضة. سبق وأن وثقت “هيومان رايتس ووتش” هجمات بذات الذخائر على إدلب عام 2022؛ فيما وثقت منظمة “العفو الدولية” استخدام الحكومة لذخائر عنقودية سوفيتية الصنع في هجمات على الغوطة الشرقية عام 2017. حيث أن كلاً من سوريا وروسيا لم تصادقا أو توقعا على اتفاقية الذخائر العنقودية لعام 2008، والتي تحظر استخدام هذه الأسلحة بشكل كامل.

تعليق قانوني

من الملفت للنظر أن تؤكد السلطات السورية أن أكثر من 1130 استخداماً للقوة المسلحة عبر الغارات الجوية والقصف المدفعي نتج عنه قتل 200 “إرهابي” على حد وصفها. ولو فرضنا دقة هذا الادّعاء واعتبرنا أن الهجمات العسكرية أدت إلى مقتل 200 مقاتل – أي أهداف عسكرية مشروعة وفقاً للقانون الدولي الإنساني، فهذا القانون لا يتوقف عند جواز استهداف المقاتلين. لا يمكن القبول بأن أي عملية عسكرية ملتزمة بالقانون الدولي الإنساني لمجرد أنها أدت إلى القضاء على أهداف عسكرية. كل هجوم عسكري يجب أن يخضع لاختبار الاستهداف الذي ينطلق من وجود الضرورة العسكرية، التمييز بين المدنيين والعسكريين والأعيان المدنية والأهداف العسكرية، تناسب الأضرار المتوقعة مع الميزة العسكرية المتوقعة من الهجوم، واتخاذ الاحتياطات اللازمة والفعالة للحد من الخسائر والإصابات في صفوف المدنيين والأعيان المدنية.

من البديهي أن ينطلق أي هجوم عسكري من مبدأ التمييز، أي أن الهجوم يجب ألا يكون عشوائياً بطبيعته وأن يكون موجهاً حصراً ضد أهداف عسكرية معلومة ومحددة. إن قرار القوات السورية و/أو الروسية بالرد على الهجوم بالطائرات المسيرة يُفترض أن يكون رداً على أساس تحديد أهداف عسكرية مشروع استهدافها، وليس على أساس استهداف مناطق بأكملها لمجرد أنها تحت سيطرة طرفٍ معادٍ تعتبره القوات المهاجمة مسؤولاً عن ذلك الهجوم بالمسيّرات. إن مقارنة حجم القوة العسكرية المستخدمة وفق تصريحات المسؤولين السوريين بالأهداف العسكرية التي تم تحقيقها – 200 مقاتل – يثير تساؤلات موضوعية حول دقة عمليات الاستهداف وإذا ما كانت الهجمات موجهة فعلاً ضد تلك الأهداف أو كانت بطبيعتها غير دقيقة أو عشوائية بدليل العدد غير المتناسب للضحايا المدنيين بشكل مباشر وغير مباشر من خلال الأضرار التي حلّت بالبنية التحتية الضرورية لتلبية حاجات هؤلاء المدنيين.

وفي هذا السياق، تشكل مرافق البنية التحتية أعياناً مدنية بطبيعتها، وبالتالي فهي محمية من الاستهداف وفقاً لمبدأ التمييز. ولكنها تكتسب حماية إضافية حين تقدم للمدنيين احتياجات وخدمات لا غنى عنها لبقائهم مثل المياه الصالحة للشرب والطاقة اللازمة للنظام الصحي.[1] وبالتالي، على الجهة المهاجمة أن تولي اهتماماً خاصاً لواجب الرعاية المتواصلة عندما تقرر توجيه هجماتها ضد أهداف عسكرية قد يكون في محيطها بنى تحتية حاسمة لبقاء السكان وذلك لأن نسبة الضرر الذي قد يلحق السكان المدنيين نتيجة الأضرار الجانبية لهذه البنى التحتية قد يفوق بشكل واضح الميزة العسكرية المتوقعة من الهجوم بحد ذاته.

أمّا فيما يتعلق الاستهداف المباشر للبنية التحتية المدنية، فالأصل كما أوردنا أنه محظور وأن التعامل مع هذه البنى التحتية يستوجب معايير حماية إضافية. وعلى الرغم من أن الأعيان المدنية قد يتم استخدامها لأغراض عسكرية وقد تخسر الحماية الممنوحة لها وفقاً للقانون الدولي الإنساني، إلا أن أي هجوم في هذه الحالة يجب أن يبقى خاضعاً لمبدأي التناسب والاحتياط. إن الاستهداف المتعمد لمحطات الكهرباء والمياه والمدارس لا يمكن تبريره على اعتبار أنه جزء من هجوم على مناطق تحت سيطرة العدو. على سبيل المثال، “إن مجرد وجود بعض العسكريين داخل منشأة لمعالجة المياه لا يبرر تصنيف المنشأة بأكملها كهدف عسكري، ما لم تتوافر أدلة قاطعة تثبت أن تلك القوات العسكرية تستخدم المنشأة لشنّ هجمات أو تخزين الذخيرة”.[2]

أخيراً، إن القانون الدولي الإنساني هو إطار لتنظيم وضبط سلوك وممارسات أطراف النزاع المسلح، وليس أداة لتبرير أفعالهم. إن القول أن 1130 استخداماً للقوة المسلحة نتج عنه القضاء على 200 مقاتل يجب ألا يتم التعامل معه على اعتبار أنه مجرد استجابة للضرورة العسكرية وتنفيذاً لأنشطة عسكرية مشروعة. يجب تقييم كل هجوم مسلح على حدا وفقاً لمبادئ التمييز والتناسب والاحتياطات. من الواضح وفق ما يعرضه التقرير أن احتمالية أن القوات المهاجمة تعمدت إلحاق نسبة عالية من الضرر العام بدلاً من الاستجابة للضرورة العسكرية المتمثلة بالقضاء على الأهداف العسكرية المحددة، ويظهر ذلك جلياً من خلال عدد الضحايا من قتلى وجرحى وتأثير استهداف البنية التحتية الأساسية اللازمة لاحتياجات السكان المدنيين.


[1] أنظر بشكل عام: مركز دياكونيا للقانون الدولي الإنساني، حماية البنية التحتية المدنية في النزاعات المسلحة: الدليل الشامل للأسئلة والأجوبة، نوفمبر 2023 (متوفر عبر الرابط: https://apidiakoniase.cdn.triggerfish.cloud/uploads/sites/2/2023/12/231128_Protection-of-civilian-QA_Ar_.pdf).

[2] المصدر السابق، صفحة 7.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد