الرئيسية صحافة حقوق الإنسان شمال حلب: تقييد حرية التنقل، وابتزاز مستمر لمهجري عفرين من قبل مسلحين في نبل والزهراء

شمال حلب: تقييد حرية التنقل، وابتزاز مستمر لمهجري عفرين من قبل مسلحين في نبل والزهراء

تواصل جماعات مسلحة موالية للحكومة السورية ارتكاب هذه الانتهاكات منذ العام 2018 دون رادع

بواسطة communication
123 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع
  1. خلفية:

في هذا التقرير، ترصد “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” جملة من الانتهاكات التي تواصل ارتكابها مجموعات “عصاباتية” مسلحة في بلدتي نبل والزهراء الخاضعتين للحكومة السورية بريف حلب الشمالي؛ والتي تستهدف، على وجه الخصوص، نازحين داخلياً، هجروا قسراً من منطقة عفرين ذات الأغلبية الكردية، بفعل العملية العسكرية التركية المسماة بـ”غصن الزيتون” عام 2018.

تشمل الانتهاكات، تقييداً لحرية النازحين في التنقل وعمليات ابتزاز، من خلال  قطع طرق عبور حيوية أمام سيارات النقل الجماعي والخاصة، وكذلك عمليات استيلاء على الممتلكات. حيث يقوم عناصر تلك المجموعات المسلحة باعتراض طرق عبور مهجري عفرين الواصلة إلى حلب، أو تلك الرابطة بين منطقتي “الشهباء” وشيراوا، والاستيلاء على سيارات المهجرين وحاجياتهم، ووضعهم بين خياري الاستجابة لمطالبهم أو عدم إعادة المركبات المصادرة ومواصلة قطع الطرق.

وتتنوع دوافع الانتهاكات، فبعضها مادي، حيث يجبر المهجرون على دفع “فدى” مقابل استرداد سياراتهم المستولى عليها، أو حتى إعادة شرائها من أطراف ثالثة؛ وبعضها الآخر، يكون بهدف الضغط على الجهات الأمنية التابعة لـ”الإدارة الذاتية” للإفراج عن مسلحين من بلدتي نبل والزهراء أو اشخاص على ارتباط بهم قامت باعتقالهم في مناطق سيطرتها.

وبالنسبة للنازحين من عفرين إلى قرى شيراوا (وهي مجموعة قرى تقع في جنوب شرق عفرين، لم تسيطر عليها تركيا خلال عملية غصن الزيتون) وجزء من الشهباء (ريف حلب الشمالي)، فهم مضطرون للعبور عبر بلدتي نبل والزهراء، سواءً للتواصل بين المنطقتين الخاضعتين للقوى العسكرية التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، أو للوصول منهما إلى مركز مدينة حلب، بداعي العلاج أو تيسير معاملات حكومية أو غيرها من الأسباب الحياتية. ويجبر القاطنون في المنطقتين على استخدام هذا الطريق، بسبب صعوبة البدائل، التي قد تستغرقهم يوماً كاملاً للوصول إلى حلب، مما يرفع التكلفة المالية  لعملية التنقل، ويزيد من أعبائهم المادية في ظل وضعهم الاقتصادي المتردي أساساَ.

 ويقوم أفراد هذه المجموعات المسلحة باعتراض السيارات عبر “حواجز” غير رسمية توضع بشكل عشوائي على الطرق الواصلة بين الشهباء وشيراوا إلى حلب، ويقومون بسؤال الركاب عن المناطق التي ينحدرون منها، ليخصّ المسلحون، بعمليات الاستيلاء والابتزاز، الركاب الذين يتبين أنهم منحدرون من عفرين.

وكانت قد استفادت بلدتا نبل والزهراء اقتصادياً خلال العام الأول من النزوح القسري لأهالي عفرين، نتيجة ازدياد الكثافة السكانية فيهما، وهو ما نشّط حركتهما التجارية بجانب تنشيط حركة استئجار المنازل بهما، بسبب امتناع قسم كبير من الرجال والشبان المنحدرين من عفرين عن التوجه لحلب، خشية إجبار القوات الحكومية لهم على الالتحاق بصفوف جنودها، سواء كمجندين إجباريين أو احتياطيين. غير  أن الكثير من العائلات النازحة إلى البلدتين اضطرت إلى مغادرتهما خلال العام ذاته بسبب تعرضها لمضايقات متزايدة من قبل المجتمع المضيف.

لتلجئ بعدها المجموعات المسلحة في نبل والزهراء إلى تقييد حركة واحتجاز المركبات التي تعود ملكيتها لأهالي عفرين النازحين إلى قرى ناحية شيراوا أو منطقة الشهباء؛ ويواصل أعضاء المجموعات ارتكاب هذه الانتهاكات دون رادع، في ظل عجز أو تعاجز القوى العسكرية التابعة للحكومة السورية عن ملاحقتهم، وفق ما قالته المصادر التي قابلتها “سوريون” لغرض هذا التقرير.

ويبلغ عدد سكان بلدتي نبل والزهراء ما يقارب 70 ألف نسمة ، وتبعدان عن مركز مدينة حلب بـ 20 كيلو متراً على الطريق العام الذي يربط حلب بمنطقتي اعزاز وعفرين، أما إدارياً فتتبعان لإعزاز، وقد تعرضتا في عام 2013، لحصار دام ثلاث سنوات من قبل فصائل المعارضة،  بعد أن سيطرت على محيط البلدتين بالكامل باستثناء الجهة الشمالية التي كانت تحت سيطرة “الإدارة الذاتية في عفرين”، حيث كانت البلدتان تتمكنان عادة من تأمين جزء من احتياجاتهما عبر التجار في عفرين، وذلك قبل أن تتمكن القوى العسكرية الحليفة للحكومة السورية من فك الحصار عنهما في العام 2016 بدعم جوي من الطيران الروسي.

يستند هذا التقرير على مقابلاتٍ، أجراها الباحثون في “سوريون” مع 6 مصادر محلية، تنوعت بين مطلعين بكيفية سير الأمور في المنطقة، وآخرين كانوا ضحايا لسرقة سياراتهم، أو احتجازها وسرقة بعض محتوياتها، أو من حاجيات الركاب، كما تغطي الشهادات فترات مختلفة تمتد من العام 2018، وحتى أغسطس العام 2024، وسط تأكيد الشهود على استمرار هذه الانتهاكات.

أجريت المقابلات كلها عبر الانترنت، باستخدام تطبيق تواصل آمن، واطلعت المصادر على الطبيعة الطوعية للمقابلة، وطرق استخدام المعلومات التي شاركوها، ومن ضمنها نشر هذا التقرير، من خلال أخذ موافقاتهم المستنيرة، وطلب المصادر عدم الكشف عن هوياتهم أو أي تفاصيل قد تدل عليهم خوفاً من عمليات انتقامية قد تطالهم من قبل المجموعات المسلحة التابعة لبلدتي نبل والزهراء.

وخلال عمليات قطع الطرق على المهجرين واحتجاز مركباتهم، يآثر المدنيون الكرد الاستجابة لمطالب المسلحين، خشية تعرضهم لأضرار أكبر، قد تكون حياتهم نفسها ثمناً لها، خاصةً مع استخدام المسلحين للرصاص الحي في الترهيب ببعض الحالات. وبحسب المصادر التي التقتها “سوريون”، كان يتم سابقاً احتجاز الأشخاص مع السيارات المستولى عليها، لكن في السنوات الثلاث الأخيرة، يجري احتجاز السيارات فقط وإخلاء سبيل الركاب.

  1. من هم مسلحو نبل والزهراء؟

رغم سيطرة مليشيات موالية لإيران في البلدتين، ووقوع المنطقة ضمن سيطرة الحكومة السورية، تشير إفادات المصادر المتقاطعة إلى عدم خضوع هذه الجماعات المسلحة حتى لسلطة الحكومة السورية. بخصوص ذلك يقول شيار نوري،[1] وهو نازح كردي من عفرين يقيم في تل رفعت:

“هي جماعات مسلحة منفلتة، لا تخضع لأي سلطة، سياراتهم مدنية، ولباسهم مدني، فيما المليشيات التابعة لإيران على العموم يكون لباسها عسكرياً، وقد سكنت سابقاً في الزهراء خلال العام 2018، لكن المليشيات التابعة لإيران على العموم غير موجودة داخل المدن بل على الجبهات”.

الأمر ذاته يلفت إليه جودي محمد،[2] وهو أحد أهالي قرية الزيارة التابعة لشيراوا، بالقول:

“على الرغم من وجود مخفر للشرطة ومركز للناحية ومفارز أمنية هناك، لكنها غير فعالة على أرض الواقع، لا باتجاه أهالي عفرين ولا باتجاه أهالي نبل والزهراء، ودورها مختصر على المراقبة أو تسجيل الشكاوى، دون تمكنهم من إعادة شيء (من الممتلكات المستولى عليها)”.

حيث تتبع المجموعات المسلحة في نبل والزهراء، إلى عائلات نافذة في البلدتين، بحسب ما قال شيار:

“أبرز الميليشيات في نبل والزهراء، هي التي تتبع لبيت “زم” وبيت “شربو”، لكن ليس جميعهم بطبيعة الحال، وإنما بعض الأشخاص فيهم، وبالمناسبة حتى أهالي نبل والزهراء غير راضون عن هذا الوضع، فنحن في مناطق الشهباء وفي تل رفعت بالذات، كانت علاقتنا التجارية المباشرة هي مع نبل والزهراء، لكن مع تكرر هذه المشكلات، تركنا العمل التجاري مع نبل والزهراء، ولجأنا إلى حلب مباشرة، فتضرر أهالي نبل والزهراء من ذلك، ولدي أصدقاء في الزهراء ونبل، وهم غير راضون عن هذا الوضع، فهم يتأثرون به أنفسهم”.

  1. النازحون “ورقة مساومة” للإفراج عن تجار الممنوعات:

وبحسب ما قاله مصادر هذا التقرير، تعتبر تجارة المسلحين التابعين لنبل والزهراء بالمواد المخدرة، ورغبتها في تصريف جزء منها في مناطق سيطرة القوى العسكرية التابعة للإدارة الذاتية شمال حلب، أو تمرير الجزء الآخر إلى المناطق الخاضعة للجيش التركي ومسلحي الجيش الوطني السوري، من دوافع انتهاكات المسلحين؛ حيث يعمد المسلحون إلى قطع الطرقات التي يستخدمها نازحو عفرين، لإجبار القوات التابعة للإدارة الذاتية على الإفراج عن مهربي أو تجار المخدرات اللذين يتم اعتقالهم في مناطق سيطرة الإدارة.

يوضح زكريا علي،[3] وهو نازح من قرية “بعدينا/بعدنلي” التابعة لريف عفرين، ويقيم في قرية الزيارة التابعة لناحية شيراوا منذ العام 2018، إن تجارة المخدرات منتشرة بين الأفراد التابعين لمسلحي نبل والزهراء، قائلاً:

“يقومون بتمرير الحبوب المخدرة إلى مناطق الشهباء، وعندما يقوم عناصر الأسايش التابعون للإدارة الذاتية بإلقاء القبض على المنحدرين من نبل والزهراء ضمن الشهباء أو شيراوا، يعمد مسلحو البلدتين إلى احتجاز السيارات التي تعود ملكيتها إلى أهالي عفرين، بجانب اعتقال الأشخاص الموجودين فيها، بذريعة القبض على أفراد تابعين لهم، حيث يشترطون إطلاق سراح المعتقلين لدى الأسايش، مقابل الإفراج عن سيارات أهالي عفرين المحتجزة لديهم”.

وهو ما تعرض له جودي، الذي احتجزت سيارته خلال تواجده في بلدة نبل في أيلول/سبتمبر 2019، إذ اعترضته مجموعة مسلحة وسلبته سيارته، بذريعة خلاف بينها وبين القوى العسكرية التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، مضيفاً أنه اضطر لإعادة شرائها، حيث أن بيع المسروقات هو أمر طبيعي/روتيني بين المسلحين في البلدتين:

“من قام بخطف سيارتي اسمه (ع ج م)، وقد قام ببيعها إلى شخص آخر، فأعدت شراء سياراتي منه بعد شهرين ونصف تقريباً من اختطافها، بنحو 5500 دولار أمريكي، حيث يعتبر طبيعياً بالنسبة إلى مسلحي نبل والزهراء، شراء الآليات المسروقة والإتجار بها بين بعضهم، إذ كان مَن اشتريت سيارتي منه، قد اشتراها من الخاطف بـ5000 دولار، فقمت بإعطائه 500 دولار كمربح، واشتريت سيارتي منه”.

وقد أشار عدد من المصادر إلى استفادة نبل والزهراء اقتصادياً من نزوح أهالي عفرين، وهو ما يذهب إليه جودي بالقول:

“في فترة نزوح أهالي عفرين إلى نبل والزهراء، عاشت البلدتان نهضة اقتصادية، حيث كان يتوفر فيها كل شيء بثمن رخيص وسط وفرة بالأموال، فاعتاد أهالي البلدتين على البذخ بشكل كبير، بجانب اعتيادهم على المخدرات والحشيش، وبعد أن انسحب أهالي عفرين من نبل والزهراء نتيجة المضايقات بحقهم، وتوجههم إلى فافين وحلب وغيرها، أصبح هناك ركود اقتصادي في نبل والزهراء، ولم يبقى فيها عمل ولا دخل اقتصادي، بالتوازي مع إدمان بعض أهاليها على المخدرات وغيرها من الأمور، لذلك نجدهم دوماً يقطعون الطرقات وينهبون الأهالي ويسرقونهم”.

وخلال عمليات اعتراض المركبات، تعرض نازحو عفرين لإهانات أيضاً، وحيال ذلك يذكر شيار:

“في العام 2018 كان لدي محل اتصالات، وكنت أذهب إلى الزهراء، لكي اشتري البضائع من هناك، في إحدى المرات، صادفني حاجز لأهالي نبل على مفرق قرية الزيارة (تابعة لعفرين)، حيث أنزلوني من السيارة، وسألني أحدهم إلى أين أنت ذاهب، فقلت إنه لدي محل إكسسوارات وسأذهب لشراء بعض البضائع، وحينها أهانني بكلمات نابية، بجانب محاولته إشعاري بالضعف”.

  1. استهداف مركبات النقل الجماعي وقطع الطرق:

تعتبر مركبات (الميكروباص) لنقل المسافرين بين حلب ومنطقتي الشهباء وشيراوا، من أكثر المتضررين من ممارسات المسلحين التابعين لبلدتي نبل والزهراء، حيث يلجئ المسلحون في العديد من الحالات إلى إطلاق الرصاص الحي لترهيب المسافرين وإجبارهم على النزول من السيارات التي يستقلونها، بغية احتجازها، بحسب مصادر التقرير، ومن بينهم شيروان كلي،[4] وهو سائق سيارة ميكروباص على خط حلب-تل رفعت، وقد تعرضت سيارته إلى الاحتجاز لأكثر من 40 يوماً قبل عامين (خلال العام 2022). يقول شيروان:

“تم اعتراض طريقنا من قبل مجموعة مسلحة في مفرق بلدة نبل، وكانت سيارتي مليئة بالركاب، وقد تسببت عملية الاعتراض بخوف شديد لدى الركاب، حيث كانت السيدات يبكين من شدة الخوف، لكن لم يجري اعتقال أحد بل تم تركهم لإتمام طريقهم سيراً على الأقدام واحتجزت السيارة، فعدنا إلى تل رفعت حيث البيوت التي نقطن فيها”.

فيما قال عدنان خليل،[5] وهو ابن لسائق آخر على نفس الخط، تم احتجاز سيارة والده لمدة تتجاوز الـ40 يوماً، خلال ذات الفترة التي خطفت فيها سيارة زميلهم شيروان:

“قام والدي بتحميل ركابه من حلب، متوجهاً إلى تل رفعت، وما أن وصلت سيارته إلى مفرق بلدة نبل، حتى اعترضهم 4 مسلحون، وقاموا بتوقيفهم، وعندما امتعض الركاب من تصرفهم، قاموا بإطلاق الرصاص الحي في الجو لترهيبهم، حيث كان الركاب يرفضون النزول من السيارة، فيما أصر المسلحون على إنزال الركاب تحت طائلة تهديدهم بالأسلحة التي بحوزتهم”.

أضاف عدنان:

“كان يرافق والدي نحو 14 راكباً، غالبيتهم من النساء، اللواتي أصبن بحالة من الخوف، وبدأت أصواتهن وبكائهن بالتعالي خلال الملاسنة بين والدي والمسلحين، وبعد إنزال الركاب، عمد المسلحون مجدداً إلى إطلاق الرصاص بالهواء”.

وعندما أعاد المسلحون المركبات، لم تعدّ السيارات بالصورة التي كانت عليها قبل الاستيلاء والاحتجاز، بل كانت قد تعرضت للسرقة والتخريب، حيث يقول شيروان:

“بعد نحو أربعين يوماً، تمت إعادة سياراتي… وكانت قد تعرضت لسرقة مجموعة من الأشياء، منها البطارية والإطار الاحتياطي والزينة الداخلية، كما كانوا قد استبدلوا إطارين جديدين منها، بإطارات قديمة”.

وهو ما حل بسيارة والد عدنان أيضاً، الذي قال:

“عندما تم إعادة السيارة، لكن لم تكن حالة السيارة تشبه سيارتنا السابقة بالمطلق، إذ كان قد جرى استبدال إطاراتها الأمامية الجديدة والمستبدلة قبل احتجاز السيارة بنحو 3 أسابيع فقط، بجانب سرقة البطارية والمسجلة وأشياء أخرى، كما كانوا قد صدموا السيارة من الخلف بشيء ما، وهي كلها أمور تكلف الكثير من المال، حيث تضررت المركبة بشكل كبير”.

وبعد نحو عام وشهر من الحادثة الأولى، أي خلال العام 2023، كانت سيارة والد عدنان، ضحية لعملية احتجاز جديدة قام بها مسلحون تابعون لعائلة حمزة في نبل، وكما في المرة السابقة، لم يختلف أسلوب ترهيب الركاب المدنيين، إذ يسرد عدنان:

“تعرض الركاب إلى عملية ترهيب مضاعفة عما حصل في المرة الأولى، حيث قام المسلحون بسلب حقائب الركاب مع السيارة، بما فيها حقائب النساء ومستلزمات الأطفال، فلم يسمحوا للركاب بأخذ أغراضهم التي كانوا قد جاءوا بها من حلب”.

واحتجزت السيارة هذه المرة لمدة 15 يوماً، لتعاد مع سرقة مجموعة من محتوياتها، كالمسجلة ومكبرات الصوت، وتفريغ المازوت\الديزل من خزانها.

وبالإضافة إلى احتجاز السيارات ونهبها، يعمد المسلحون إلى قطع الطرق بين الفينة والأخرى أيضاً، حيث يقول شيروان:

“يغلقون الطرق من مفرقي نبل والزهراء، ويمنعون السائقين الكرد من العبور، أما السائقون العرب فيجري السماح لهم بمتابعة مسيرهم”.

وبدوره قال عدنان:

“هذه الحالة التي نعيشها مع هؤلاء المسلحين لا تُطاق، عمليات قطع الطرق من قبلهم مستمرة حتى الوقت الراهن، خلال الشهر الماضي وحده، كان يفتح الطرق ليوم ويغلق ليومين أو ثلاثة، الطريق يخضع لمزاجية المسلحين الذين يتحكمون بفتحه وإغلاقه حسب أهوائهم”.

وكان من ضحايا قطع الطرق دلسوز هورو،[6] أحدث السائقين الذين التقتهم “سوريون” وقد تعرضت سيارته لاحتجاز دام 4 ساعات، يوم 21 آب\أغسطس الماضي، الذي قال:

“بعد أن وصلت وتجاوزت مفرق بلدة نبل، صادفني مسلحان معهما دراجة، حيث قاموا باستوقافي فتوقفت، فطلبا منا النزول من السيارة، وعندما سألتهم لماذا؟ أجابوا بأن مشكلتهم ليست معي، بل مع الحزب (الإدارة الذاتية)، وأنه في حال حلّ تلك المشكلة، سوف يقومون بالإفراج عن سيارتي، وقالوا لي بأن نقول للحزب بأنهم (أي المسلحون) من جماعة الزهراء، وأوضحوا بأنه يوجد معتقل لهم لدى الحزب، وهم كذلك اعتقلوا شخصاً، وأضافوا بأنهم سوف يأخذون سيارتي في سبيل حلّ الإشكال”.

ويسرد “دل سوز” التحديات التي يواجهها السائقون بسبب عمليات قطع الطرق:

“عندما يقوم المسلحون بإغلاق الطرق الرئيسية المعتادة للتنقل بين حلب والشهباء وشيراوا، فإننا نلجئ إلى سلك طرق فرعية لتفادي أماكن تمركز المسلحين، كالطريق الذي يمر من بلدة الأحداث”.

لكن ذلك يؤدي إلى إطالة مدة الطريق والوقت اللازم لقطعه، وبالتالي يرفع التكلفة المالية على السكان النازحين الذين يعاني الكثير منهم بالأساس من ضائقة مالية عقب أن خسروا كل ما كانوا يملكونه في عفرين، وحيال ذلك يبين شيروان:

“تؤدي عملية إغلاق الطرق على أهالي عفرين إلى مضاعفة التكاليف المالية التي تلزمهم للوصول إلى حلب، فبدلاً من أن يدفعوا 10 آلاف ليرة سوريا كأجرة ركوب سيارات النقل، يضطرون إلى دفع نحو 30 ألف ليرة سورية، ولا يستطيع البعض دفع تلك التكاليف، حيث يسلك السائقون طرقاً أخرى تمر ببلدات الأحداث أو حردتنين وصولاً إلى بلدة بيانون حتى بلوغ بلدة حريتان، حيث يجري هناك تسجيل أسماء الداخلين والخارجين من حلب.

ومنذ احتلال تركيا لمنطقة عفرين، في آذار/مارس 2018، تمنع حكومة دمشق وقواها الأمنية، دخول الأهالي المنحدرين من عفرين إلى حلب، دون تسجيل اسمائهم على الحاجز الرئيسي الموجود حالياً بالقرب من بلدة حريتان بريف حلب الشمالي، وهو ما يضطر أهالي عفرين إلى التوجه لحلب عبر طرق التهريب للمرة الأولى فقط، ومن ثم يكون بمقدورهم التوجه من حلب إلى الشهباء وشيراوا لأي سبب كان، بعد تسجيل اسمائهم على حاجز حريتان، وهو ما سيسمح لهم بالعودة إلى حلب.

  1. توصيف الانتهاكات من منظور التشريعات السورية:

يعتبر منع السكان المدنيين من التنقل بين المدن السورية بحرية أو تقييد حركتهم، وسلبهم أدوات النقل التي يستخدمونها لهذه الغاية، سيارات النقل العامة والخاصة، مناقضاً لحق أساسي من الحقوق الملازمة لشخصية الإنسان، وهو حق التنقل، ولا يجوز حرمانه منها إلا لمسوغ قانوني وبقرار قضائي، كأن يكون قد ارتكب جرماً يعاقب عليه القانون وصدر بحقه حكم بالاعتقال لمدة معينة، وقد نصت الدساتير السورية المتعاقبة على هذا الحق، وأكدت بان لكل سوري حق الإقامة والتنقل في الأراضي السورية إلا إذا تم منعه من ذلك بقرار قضائي او تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة العامة[7].

كما إن الاعتداء على ممتلكات الناس وأرزاقهم بدون مسوغ قانوني يعتبر أمراً مخالفا لمبدأ قدسية الملكية الخاصة الوارد في الدساتير السورية المتعاقبة،[8] والتي أكدت على أن الملكية الخاصة مصانة ولا تنزع إلا بقانون ومقابل تعويض عادل، ولا تفرض المصادرة إلا بحكم قضائي مبرم. وإنّ الأفعال التي دأب على ارتكابها هؤلاء المسلحون بحق المدنيين العزل، وحرمانهم من سياراتهم ومقتنياتهم الشخصية، بحجة وجود خلاف أو عداء بينهم وبين عناصر الإدارة الذاتية التي تتحكم بالمناطق التي يتواجد فيها الضحايا الذين تم الاستماع لإفاداتهم لغرض هذا التقرير، واشتراط إطلاق سراح معتقليهم لدى قوات الإدارة الذاتية لفك احتباس سيارات المدنيين، تعتبر مخالفة لما تم النص عليه في القانون المدني السوري، الذي أكد على عدم جواز حرمان أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقرها القانون، وأن لمالك الشيء وحده وفي حدود القانون حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه، وله الحق في كل ثماره ومنتجاته.[9]

هذا بالإضافة إلى أن اجتماع شخصين أو أكثر وتهديد الناس المدنيين وتخويفهم بقوة السلاح وإطلاق أعيرة نارية في الهواء لترهيب الناس وتخويفهم، ينطبق عليه وصف ” جريمة تشكيل عصابة أشرار” الواردة في المادة 326 من قانون العقوبات السوري التي نصت على أن “كل جماعة من ثلاثة أشخاص أو أكثر يجوبون الطرق العامة والأرياف على شكل عصابات مسلحة بقصد سلب المارة والتعدي على الأشخاص أو الأموال أو ارتكاب أي عمل آخر من أعمال اللصوصية يعاقبون بالأشغال الشاقة الموقتة مدة أقلها سبع سنوات..”.

وينطبق على الأفعال المذكورة أيضا وصف جرم السرقة على الطريق العام المنصوص عليه في المادة 623 من قانون العقوبات السوري، والتي أكدت إنه يعاقب بالأشغال الشاقة من خمسة عشر سنة إلى عشرين سنة، كل من ارتكب السرقة على الطريق العام، وذلك في حال اجتماع حالتين من الحالات المنصوص عليها في المادة 622، ووفق ما ورد على لسان الضحايا فإن أغلب الحالات المذكورة في هذه المادة تكاد تنطبق على الانتهاكات التي يرتكبها هؤلاء المسلحين، ولا سيما ارتكاب الجرم من قبل شخصين أو اكثر، وحمل سلاح ظاهر أو مخبأ، والتهديد بالسلاح لتامين الاستيلاء على المسروقات.

_____________________________________________________________________________________________________________________

[1] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 19 آب/أغسطس 2024.

[2] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 21 آب/أغسطس 2024.

[3] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”  بتاريخ 25 آب/أغسطس 2024.

[4] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 27 آب/أغسطس 2024.

[5] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 31 آب/أغسطس 2024.

[6] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب من الشاهد خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 28 آب/أغسطس 2024.

[7] المادة 19 من دستور عام 1950، والمادة 33 من دستور عام 1973، والمادة 38 من دستور عام 2012.

[8] المادة 21 من دستور 1950 والمادة 15 من دستور عام 1973 ودستور عام 2012.

[9] المواد 768و 770 و771 من القانون الدني السوري رقم 84 لعام 1949.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد