بتاريخ 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أصدرت وزارة المالية في الحكومة المركزية في دمشق، توضيحاً عبر موقعها الرسمي، بيّنت فيه “الأساس القانوني” الذي يُفوض وزير المالية بإلقاء “الحجز الاحتياطي/الإداري” على حسابات المودعين لدى المؤسسات المالية كالبنوك على سبيل المثال. وعللت الوزارة إجراءاتها تلك؛ بأنها تعمل بموجب القوانين والأنظمة النافذة بغية “حماية المال العام أو مكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب“.
وتابع البيان بالقول بأن وزارة المالية تردّ على بعض صفحات الفيسبوك التي تحدثت عن أحكام القانون رقم 29 لعام 2001، الخاص بالسرية المصرفية، وتحديداً المادة الخامسة منه والتي نصت على عدم إمكانية وزارة المالية القاء الحجز الاحتياطي على الأموال والموجودات المودعة لدى المصارف؛ (1) إلا بأذن خطي من أصحابها، أو (2) عند صدور أحكام قضائية قطعية ترتب حقوقاً بذمة المودعين لصالح الجهات العامة والخاصة. (وهو ما قالت عنه الوزارة بأنّها قانون ملغى).
لفت المنشور أيضاً، الانتباه إلى إلغاء العمل بأحكام المرسوم التشريعي رقم 34 لعام 2005، (المتعلق أيضاً بالسرية المصرفية)، مشيراً إلى المرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2012، كقانون نافذ بما يخصّ السرية المصرفية. وبذلك تكون الوزارة قد بررت حالات إلقاء الحجز الاحتياطي/الإداري من قبل وزير المالية على حسابات وموجودات المودعين لدى المؤسسات المالية، خارج إطار الإجراءات القضائية وخلافاً للدستور.
-
ماذا يعني الحجز الاحتياطي؟ وما هو الفرق بين الحجز الاحتياطي القضائي والحجز الاحتياطي الإداري؟
الحجز الاحتياطي: هو إجراء قانوني احترازي يتيح للجهات القضائية المخولة بموجب القوانين النافذة من وضع الأموال والموجودات المنقولة وغير المنقولة للمحجوز عليه؛ منها على سبيل المثال (الأموال – العقارات – السيارات- حصص أو أسهم في شركات.. الخ) تحت سلطة/يد القضاء مؤقتاً، وذلك لمنع المحجوز عليه من تهريب أمواله لحين صدور حكم قضائي قطعي.
ويكون غالباً هذا الإجراء نتيجة نزاع قضائي ما، أو ضماناً لتحصيل الديون المترتبة بذمته لصالح الأفراد (دين/حقّ شخصي) أو مؤسسات الدولة ( أموال عامة).
فالأصل أنّ يصدر قرار الحجز الاحتياطي من قبل المحاكم المختصة بموجب أحكام قضائية مسبّبة؛ (حكم قضائي معلل، ويسمّى الحجز الاحتياطي حينها: حجز احتياطي قضائي).
ولكن خلافاً لقانون أصول المحاكمات عام 1953، والذي تمّ تعديله عام 2016، أعطى المرسوم التشريعي رقم 177 لعام 1969، لوزير المالية (السلطة التنفيذية) هذه الصلاحية بإلقاء الحجز الاحتياطي/الإداري بحق المحاسبين والموظفين وكل ما يلحق الضرر الأموال العامة، كما وسع المرسوم 177 من صلاحية وزير المالية ليشمل الحجز على أموال زوجات المطلوب الحجز عليهم، وذلك بخلاف الحجز القضائي الذي يشمل فقط الذمة المالية للمحجوز عليه دون غيره.
إنّ منح السلطة التنفيذية ممثلة بوزير المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، سلطة الحجز الاحتياطي الإداري على أملاك الأشخاص المطلوب الحجز على أموالهم (وزوجاتهم)، هو انتهاك لمفهوم “الذمة المالية المستقلة“ لكل من الزوجين، وكذلك خرق لمبدأ فصل السلطات المنصوص عليه في الدستور السوري النافذ لعام 2012، وهو تعدّي على أعمال السلطة القضائية. |
-
خيارات قضائية معدومة أمام المتضررين من قرارات الحجز الاحتياطي الإداري حتى بعد رفع دعاوى:
أتاح قانون أصول المحاكمات المدنية السوري المعدّل برقم 1 لعام 2016، في المادة 323 الفقرة /د/ منه، من إقامة دعوى إزالة حجز احتياطي، خلال ثمانية أيام تبدأ من تاريخ انتهاء التحقيق أو التفتيش أو الإحالة من مجلس التأديب الى القضاء، في الحالات التي كلف وزير المالية بالحجز استناداً اليها وليس من تاريخ تنفيذ الحجز.
حيث تكون إجراءات رفع الحجز أو قصره مقدمة أمام قاضي الأمور المستعجلة (وهو القاضي الذي يدرس ظاهر الأوراق المقدمة اليه من قبل المتضرر من الحجز ويقوم القاضي باتخاذ قرار فوري وعادة ما يكون خلال مدة 24 ساعة كحد أقصى) من أجل تقرير/تأكيد أو إزالة أو وإلغاء أو قصر الحجز الاحتياطي الصادر من قبل وزير المالية.
غالباً؛ لا يتسنّ للمتضررين من الحجز الاحتياطي الإداري من معرفة يوم انتهاء التحقيق، لكون التحقيق إجراءٌ يتمّ بشكل غير علني داخل وزارة المالية أو فروعها. وهو ما يعني فقدان المحجوز عليهم الحق في الوصول إلى المحاكم لمراجعة القرار. |
أيضاً، من الناحية العملية لدى المحاكم، فان أغلب “دعاوى إلغاء الحجوز الاحتياطية الإدارية” الواقعة من قبل وزير المالية أو الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، التي يقوم المتضرر برفعها أمام القضاء تُرد ولا تُسمع؛ للأسباب التالية:
- تبرير قرار الحجز الصادر من وزير المالية، من قبل المحاكم على أنّه سياسة لمكافحة الفساد، وبالتالي لا تحاول مؤسسة القضاء المساهمة في تمكين “المشتبه بهم” من تهريب أموالهم. علما أنه تبرير خارج عن المألوف، لأنّ مهمة القضاء هي النظر في مدى أحقية أو عدم أحقية القرار الصادر من وزير المالية، دون التحيّز وافتراض صحّة فرضية السلطة التنفيذية.
- سلطة وزير العدل (ممثل السلطة التنفيذية) الموجودة على القضاة من الناحية الوظيفية والإدارية بموجب قانون السلطة القضائية (المادة 65)، والذي يسند مهمّة تعيين القضاة ونقلهم وعزلهم؛ وهو ما يخلق مخاوف لدى القضاة من انتقام وزير العدل، في حال قبول الغاء الحجز الاحتياطي، ومخالفة قرارات الحجز الاداري الصادرة من وزير المالية.
نظرياً، يسمح القانون السوري للمتضررين من رفع دعاوى لإزالة الحجز الاحتياطي الإداري المفروض من قبل وزير المالية، ولكن تفشل الدعوى في الواقع العملي بسبب تغوّل/تعدي السلطة التنفيذية على السلطة القضائية في سوريا. |
-
ما هي استثناءات المرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2010 الذي اعتمدت عليه وزارة المالية في تبرير القاء الحجز الاحتياطي في منشورها؟
يحمي المرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2010، والمعروف باسم “قانون السرية المصرفية”، هوية العملاء/المودعين وحساباتهم وموجوداتهم ومعاملاتهم مع المؤسسات المالية كالبنوك، ويحظر إفشاء هذه المعلومات لأي جهة، حكومية كانت أو غير حكومية (المادة 2). إلاّ أن القانون نفسه قام بتفريغ مفهوم “السرية المصرفية” من محتواها، عندما وضع استثناءات على حق السرية المصرفية في المادة 7 من القانون نفسه، حيث يقول:
“لا يجوز في أي حال من الأحوال إلقاء الحجز الاحتياطي على حسابات وموجودات المودعين لدى المؤسسات المالية باستثناء قرارات الحجز الاحتياطي الصادرة وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة حمايةً للمال العام أو القوانين والأنظمة النافذة المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.”
تفوّض هذه المادة عملياً وزير المالية بإلقاء الحجز الاحتياطي الإداري على أموال الأشخاص، دون الرجوع الى القضاء المختص، في حال كانت خطوة الحجز متعلقة على سبيل المثال بالخزينة العامة وبمكافحة غسل الأموال و”تمويل الإرهاب”، وهي مصطلحات فضفاضة يمكن استخدامات لغايات سياسية بكل سهولة.
وبالتالي في حال توفر عنصر “الاشتباه” في “غسل الأموال” أو “تمويل الإرهاب” يحق لهيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب السورية رفع السرية المصرفية عن الحسابات وتجميد الأموال والموجودات بواسطة كتاب ترسله لوزير المالية تطلب منه إيقاع الحجز الاحتياطي الإداري.
-
تبعات الحجز الاحتياطي الإداري على المتضررين منه:
تكمن خطورة إمكانية فرض الحجز الاحتياطي الإداري من قبل وزارة المالية -في حالات الاستناد فقط إلى قانون مكافحة غسيل الأموال الفقرة /ه/من المادة 9 من المرسوم التشريعي السوري رقم 33 لعام 2005– هو الاعتماد فقط على حالة “الشبهة” في الشخص ودون وجود دليل قوي يقيني يمكن الاعتماد عليه، ودون وجود حكم قضائي. مما يضع الشخص المتضرر تحت رحمة هذه الهيئات التنفيذية الغير قضائية.
علاوة على ذلك؛ يمكن استخدام هذه الاستثناءات أي -القدرة على فرض الحجز الاحتياطي من قبل السلطة التنفيذية- إما كوسيلة للانتقام من السوريين/ات، المعارضين منهم والمختلفين سياسياً مع الحكومة السورية (عقوبة جماعية أو فردية) خارج نطاق القضاء أو بغية ابتزاز الأشخاص المحجوز عليهم مالياً (كرجال الاعمال) من أجل رفع أسماءهم عن قائمة “المشتبه بهم” لدى هيئة مكافحة الأموال ووزارة المالية مقابل منافع مادية، وبالتالي يمكن استخدام ذلك الحجز كأداة ضغط على السوريين/ات خاصة ان هذه الإجراءات تتم خارج إطار المراجع القضائية المختصة.
وعلى فرض؛ أنه تمكن المتضرر من قرار الحجز الاحتياطي الإداري من سلوك الطريق القانوني وإقامة دعوى خلال فترة ثمانية أيام بحسب قانون أصول المحاكمات أمام المرجع القضائي المختص، نجد أن أغلب المتضررين المحتملين من حالات الحجز الاحتياطي الإداري على أموالهم وموجوداتهم هم سوريون/ات موجودون في الخارج/بلاد اللجوء، أو في مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة السورية/نازحون داخلياً، وليس لديهم القدرة على الوصول إلى المحاكم في الوقت المحدد وضمن المدد القانونية الممنوحة لهم، وذلك لتعذر توكيل محامين/ات بسبب أن توكيلات المحامين/ات بحاجة الى موافقة أمنية مسبقة.
وبالتالي من البديهي أن تأتي الموافقة الأمنية بالرفض مما يفقدهم حقهم بحماية أموالهم الخاصة ويعرضهم الى خسارة املاكهم وإدخاراتهم داخل سورية و”بقوة القانون”.
وأخيراً، إنّ هذه الإجراءات المتعلقة بالمصادرة (وهو التعبير المذكور في الدستور السوري في وصف الحجوز بشكل عام) تخالف نصوص الدستور السوري النافذ لعام 2012، وتحديداً في المادة الخامسة عشرة منه، حين نصت على أن الملكية الخاصة من جماعية وفردية مصانة والمصادرة العامة في الأموال ممنوعة بحيث لا تنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون ولا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي مبرم.
-
توصيات:
1- جعل القضاء المدني هو المرجع الحصري المختص بجميع حالات إلقاء الحجز الاحتياطي أو إلغاءها أو قصرها، ونزع هذه الصلاحية من يد السلطة التنفيذية كوزير المالية والهيئات التنفيذية الأخرى، نظراً لما له من تأثير على الذمم المالية للأشخاص وتحرمهم/تقيدهم من ممارسة حقوقهم على أموالهم الخاصة وموجوداتهم المنقولة وغير المنقولة، وفي حال وجود شكوك قوية أو أدلة لدى السلطات التنفيذية المذكورة بتورط الشخص المعني بـ “قضايا تمويل الارهاب” أو غسيل الأموال، فلها حق اللجوء إلى القضاء المستعجل بدعوى وضع الحجز الاحتياطي على أموال ذلك الشخص، الأمر الذي يحمي حقوق جميع الأطراف من الضياع. وذلك مع ضرورة التأكيد على تحرير القضاء من هيمنة السلطة التنفيذية من خلال إجراء تعديلات جذرية في الدستور السوري وقانون السلطة القضائية اللذان يكرسان تلك الهيمنة.
2- حماية حقوق الأفراد في ممارسة سلطتهم على ممتلكاتهم ومدخراتهم والتي كفلها الدستور الحالي لعام 2012، من خلال منع تدخل السلطة التنفيذية وهيئاتها من الوصل إلى معلومات حساباتهم المالية وممتلكاتهم “السرية المصرفية” والحجز عليها وذلك من خلال تفعيل مادة تحظر على وزير المالية إلقاء الحجز الاحتياطي الإداري دون أخذ موافقة خطية من الشخص أو صدور حكم قضائي قطعي.
3- الغاء بعض المواد الموجودة في القوانين الأخرى والتي تعطي ترخيص للسلطة التنفيذية على مصادرة الأموال والممتلكات أو إيقاع الحجز الاحتياطي الإداري مثل المادة السابعة من القانون رقم 30 لعام 2010، المعروف باسم قانون السرية المصرفية. والفقرة /ه/من المادة 9 من المرسوم التشريعي السوري رقم 33 لعام 2005 الخاص بمكافحة غسل الأموال.
4- الغاء المادة 11 من القانون رقم 19 لعام 2012، الخاص بمكافحة الإرهاب والتي تجيز للنائب العام المختص أو لمن يفوضه أن يأمر بتجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل من يرتكب إحدى الجرائم المتعلقة بتمويل الأعمال الإرهابية أو ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.
5- إلغاء التعاميم المتعلقة بضرورة الحصول على الموافقات الامنية لتنظيم الوكالات الخارجية، ولا سيما تعميم وزير العدل السوري رقم 689 تاريخ 12 تشرين الأول/أكتوبر 2017.
1 تعليق
[…] “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحقوقية، دراسة تناولت فيها آلية فرض “الحجز الاحتياطي” القضائي […]