الرئيسية تحقيقات مواضيعية سوريا: قانون لتجريم التعذيب بعد 35 سنة من نفاذ الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب

سوريا: قانون لتجريم التعذيب بعد 35 سنة من نفاذ الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب

مخاوف من توظيف القانون 16 لشرعنة "الإفلات من العقاب" على كافة جرائم التعذيب المرتكبة قبل تاريخ إقراره بناءً على المبدأ القانوني الراسخ بعدم جواز تطبيق القوانين بأثر رجعي 

بواسطة communication
1.1K مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع
  1. ملخص تنفيذي:

خلال العام الحالي وتحديداً بتاريخ 30 آذار/مارس 2022، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد القانون رقم 16 لعام 2022، لتجريم التعذيب، حيث ذكرت الصفحة الرسمية  لـ”رئاسة الجمهورية العربية السورية” في “فيس بوك” أنّ الأسباب الموجبة لصدور القانون “رقم 16″، هو التوافق مع “الالتزامات الدستورية للدولة السورية التي تحرّم التعذيب”، وليتوائم مع “أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب” لعام 1984، التي انضمت إليها حكومة “الجمهورية العربية السورية” في 19 آب/أغسطس 2004. (وهو ما يفرض على الحكومة السورية الالتزام بكافة أحكام المعاهدة).

فعلياً، جاء قانون “تجريم التعذيب” السوري لعام 2022، بعد حوالي 18 سنة من تاريخ “انضمام” الحكومة السورية للاتفاقية، وبعد أكثر من 35 سنة من دخول الاتفاقية حيّز النفاذ، حيث يبلغ عدد الدول الأعضاء فيها حالياً 173 دولة، واعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية وفتحت باب التوقيع والتصديق عليها والانضمام اليها في القرار 39/46 بتاريخ 10 كانون الأول/ديسمبر 1984، وأصبحت الاتفاقية نافذة منذ تاريخ 26 حزيران/يونيو 1987.

وجاء القانون السوري أيضاً، بعد حوالي سنة من طلب الحكومة الكندية إجراء مفاوضات رسمية، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، لمحاسبة الحكومة السورية على الانتهاكات التي لا حصر لها ضد الشعب السوري منذ عام 2011، مشددة في طلبها المعلن عنه في 4 آذار/مارس 2021، على دعواتها المتكررة التي وجهتها للحكومة، مطالبة إياها إنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد الشعب السوري.

وكان الطلب الكندي قد جاء بناء على طلب مماثل قدمته الحكومة الهولندية في شهر أيلول/سبتمبر 2020.

وكانت الحكومة السورية قد أصدرت بتاريخ 1 تموز/يوليو 2004، المرسوم التشريعي رقم 39، والمتضمن الموافقة على انضمام “الجمهورية العربية السورية” إلى اتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المُهينة المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبناء على ذلك أصبحت سوريا ملزمة قانوناً بأحكام اتفاقية “مناهضة التعذيب“.

لكنّها، أي الحكومة، لم تضمّن أحكام المعاهدة في قوانينها الوطنية؛ وهذا ما يعني أن سوريا لم تقم أبداً منذ انضمامها للمعاهدة بتحويل أحكامها إلى نصوص قانونية وطنية.[1] وتهرّبت من مسؤولياتها التي ألزمت نفسها بموجب الانضمام.

لقد وُصفت سجون ومعتقلات الأجهزة الأمنية السورية من قبل “لجنة التحقيق الدولية” التابعة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية بأنها “الأشد فتكاً”، ومن بينها سجن صيدنايا العسكري ومراكز الاحتجاز التي تديرها أجهزة المخابرات الأربعة في سوريا، وهي إدارة المخابرات الجوية وشعبة المخابرات العسكرية وشعبة الأمن السياسي وإدارة المخابرات العامة.

من جملة المآخذ على القانون رقم 16 لعام 2022، أنّه لم يتناول لا من قريب أو من بعيد أي فقرة قانونية تجيز أو تسمح أو تسهل مراقبة الجهات الحقوقية سواء الدولية أو المنظمات الحقوقية المستقلة على السجون أو المقرات الأمنية، التي غالباً ما يتم فيها حالات التعذيب. على سبيل المثال (لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب). فمن المفترض أن تقوم تلك المنظمات بمراقبة مدى التزام الحكومة السورية باتفاقية مناهضة التعذيب التي انضمت إليها ، وإرسال تقارير دورية وكيف يمكن تطبيق قانون تجريم التعذيب بشكل عملي.[2]

يجب على الحكومة السوريّة موائمة تشريعاتها المحلّية بما يتفق مع التزاماتها الدولية المتعلقة بحماية جميع الأفراد من كافة أشكال الانتهاكات التي من الممكن التعرض لها،  فالحكومة السورية أقرّت أكثر من مرة بأنها تتبنى مبدأ سمو القانون الدولي على القانون الوطني، وهو ما جاء في تعليقاتها وردود متابعتها على الملاحظات الختامية للجنة مناهضة التعذيب عام 2011.

  1. التعذيب في التشريعات السورية:

حظرت الدساتير السورية المتعاقبة فعل التعذيب، فالمادة 28 من دستور سوريا لعام 1973، نصّت على حظر التعذيب الجسدي أو المعنوي أو المعاملة المهينة لأي شخص، ويحدد القانون عقاب على من يفعل ذلك، كذلك نصت المادة 52 من الدستور الحالي النافذ؛ دستور عام 2012، على أنّه:

لا يجوز تعذيب أحد أو معاملته معاملة مهينة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك“.

كما نصت المادة 391 من قانون العقوبات العام، على أنّه:

من سام شخصاً ضروباً من الشدّة لا يجيزها القانون رغبة منه في الحصول على إقرار عن جريمة أو على معلومات بشأنها، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وإذا أفضت أعمال العنف عليه إلى مرض أو جراح كان أدنى العقاب الحبس سنة“.

ومع أن المادة المشار إليها لم تذكر مفردة “التعذيب” إلا أنّ القضاء السوري درج على اعتبار كلمة الشدّة متضمنةً فعل التعذيب. وما يؤخذ على هذه المادة إنها لا تطبّق سوى على من يرتكب جرم التعذيب في معرض التحقيق في الجرائم بغرض الحصول على إقرار أو معلومات من المتهم. وهذا يعني أنه لا يشمل الأفعال الأخرى التي تتم بهدف إذلال الناس، وبغاية التسبب بمعاناة شديدة والانتقام فقط، وهو ما يعرّف قانوناً بالمعاملة القاسية أو المهينة أو اللاإنسانية. كما ويؤخذ على تلك المادة أنها اعتبرت جرم التعذيب مجرد جنحة وليس جناية.

ورغم تجريم المادة (391) التعذيب الذي يقوم به الفاعل أثناء التحقيق في جريمة ما، فإن القوانين والمراسيم اللاحقة قد أفرغت هذه المادة من مضمونها، كالمرسوم رقم 14 لعام 1969، الخاص بإحداث إدارة أمن الدولة، والتي تسمّى رسمّياً “إدارة المخابرات العامة”، الذي منح العاملين في الإدارة الحصانة من الملاحقة القضائية بخصوص الجرائم التي يرتكبونها أثناء قيامهم بمهامهم أو في معرض قيامهم بها، إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن مدير الإدارة وفقاً للمادة 16 من المرسوم ذاته.

وكذلك المرسوم رقم 64 لعام 2008، الذي وسّع من نطاق الموظفين الحكوميين المشمولين بتقييد الملاحقة بصدور قرارٍ عن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، وفقاً للمرسوم التشريعي رقم 61 لعام 1950، (قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية)، ليشمل عناصر الشرطة وشعبة الأمن السياسي والجمارك، ولا يتصور قانوناً أن يقوم بأعمال التحقيق الأولي في الجرائم غير هؤلاء، وبالتالي أتت المراسيم المذكورة لحمايتهم وتوفير المناخ الملائم لهم للإفلات من العقاب.

وما عدا المادة 391 من قانون العقوبات المذكورة، فلم يكن التعذيب مجرماً كفعل مستقل بذاته، وإنّما تمّ اعتباره كظرف مشدد إذا ترافق مع جريمة أخرى، فالمادة 545 من قانون العقوبات السوري العام مثلاً، شددت عقوبة القتل إذا ترافق الفعل مع أعمال التعذيب أو الشراسة، كما أنّ المادة 556 من القانون نفسه، شددت عقوبة جريمة حجز الحرية إذا ترافقت مع تعذيب جسدي أو معنوي بحق الضحية.

  1. ما هو القانون رقم 16 لعام 2022 لتجريم التعذيب؟

يتألف القانون رقم 16 لعام 2022، من 8 مواد قانونية فقط، وقد جاءت بعض التعريفات الواردة فيه متماشية مع المادة الأولى من أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب، المتعلقة بتعريفات مثل  “التعذيب” و”انتزاع الاعترافات” و”تجريم التحريض أو الموافقة أو السكوت عن التعذيب” من قبل أيّ موظف رسمي أو أيّ شخص يتصرّف بصفة رسمية ، وهذا ما جاءت به  المادة الأولى من القانون 16 لعام 2022 ، نصّت على ما يلي:

“يقصد بالتعذيب في معرض تطبيق أحكام هذا القانون كل عمل أو امتناع عن عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أم عقلياً يلحق بشخص ما قصداً للحصول منه أو من شخص آخر على معلومات أو اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو تخويفه أو إكراهه على القيام بعمل ما أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب بشخص لأي سبب يقوم على التمييز أياً كان نوعه، أو عندما يحرض عليه أو يوافق عليه صراحة أو ضمناً موظف أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية كما يشمل الأفعال التي تقع من قبل شخص أو جماعة تحقيقاً لمآرب شخصية أو مادية أو سياسية أو بقصد الثأر أو الانتقام.”

ولابد من الإشارة هنا، إلى أن القانون رقم 16 لعام 2022، أدرج عقوبات قاسية وفقاً لمدى الخطورة التي تشكلها الأفعال الإجرامية (التعذيب)، ما يعني أن التعذيب المفضي إلى وفاة إنسان، أو إذا تم ارتكاب بحق  الأشخاص الاغتصاب أو ارتكاب “الفحشاء” أثناء عملية التعذيب تكون عقوبتها الإعدام (جناية). (أي أن العقوبة تكون الإعدام إذا نجم عن التعذيب موت إنسان أو تمّ الاعتداء عليه بالاغتصاب أو الفحشاء، أثناء التعذيب أو لغاية التعذيب).

كما شدّد القانون العقوبة، إذا تمّ التعذيب بحق طفل أو شخص ذي إعاقة أي (الفئات المستضعفة في المجتمع والتي تتمتع عادة بحماية خاصة)، أو في حال نتج عن  عملية التعذيب عاهة/إصابة دائمة (أي تجعل الضحية غير قادرة على ممارسة حياتها الطبيعية كما كانت قبل عملية التعذيب)  عوقب المرتكب بالسجن المؤبد. إذ نصت الفقرتان (هـ + و) من المادة الثانية على ما يلي:

ه- تكون العقوبة السجن المؤبد إذا وقع التعذيب على طفل أو شخص ذي إعاقة أو نجم عنه عاهة دائمة.

و- تكون العقوبة الإعدام إذا نجم عن التعذيب موت إنسان أم تم الاعتداء عليه بالاغتصاب أو الفحشاء أثناء التعذيب أو لغايته.

ومن ناحية أخرى، فرض القانون عقوبة على أشخاص ممكن أن يقوموا بالتعذيب أو يشاركوا فيه أو حرضوا عليه (الفاعل – الشريك – المحرض) بغية الحصول/انتزاع  اعترافات، والتي تكون في أغلب الحالات جبراً و تحت الضغط.

كذلك أوجب القانون عقوبة على التعذيب الذي يكون  الغاية منه الوصول لتحقيق مرابح شخصية، سواء مالية أو تغيير وجهة نظر سياسية، أو بغرض تحقيق ثأر عائلي أو شخصي، أو بغية الانتقام من الشخص.

كما شدّد القانون المذكور أيضاً العقوبة على مرتكب التعذيب بحق الموظف العام بسبب ممارسته لوظيفته، ووضع عقوبة على جرم التعذيب الذي يقوم به “الموظف في الدولة” أو تحت إشرافه أو بعلمه بغية إقرارات (الحصول على اعترافات) عن واقعة معينة، إذ نصت الفقرات أ/ب/ج/ د في المادة الثانية على ما يلي:

أ- يعاقب بالسجن المؤقت ثلاث سنوات على الأقل كل من ارتكب قصداً التعذيب أو شارك فيه أو حرض عليه.

ب ـ تكون العقوبة ست سنوات على الأقل إذا ارتكب التعذيب من موظف أو تحت إشرافه وبرضاه بقصد الحصول على اعتراف أو إقرار عن جريمة أو معلومات.

ج ـ تكون العقوبة ثماني سنوات على الأقل إذا ارتكب التعذيب من قبل جماعة تحقيقاً لمآرب شخصية أو مادية أو سياسية أو بقصد الثأر أو الانتقام.

د ـ تكون العقوبة عشر سنوات على الأقل إذا وقع التعذيب على موظف بسبب ممارسته لمهامه.

ويُحسب للقانون رقم 16 ــ من الناحية النظرية ــ أنّه لم يقتصر على فعل التعذيب الذي يقوم به أو يشرف عليه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية، كما هو حال التعريف الوارد في المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب، بل وسّع من دائرة النطاق الشخصي لمرتكبي هذا الجرم، وشمل التعريف الأفعال التي قد تقع من قبل أي شخص أو مجموعة، إضافة للموظف الرسمي أو من يتصرف بصفته الرسمية، فقد شمل التعريف الأفعال التي قد تقع من قبل أي شخص أو مجموعة.

  1. مآخذ وثغرات القانون 16 لعام 2022 لتجريم التعذيب:

من الناحية النظرية والقانونية، يعتبر صدور القانون رقم 16 لعام 2022، خطوة جيدة ومتقدمة من حيث الشكل (أي بمعنى تبني الحكومة السورية للتشريعات الدولية لمناهضة التعذيب وجعلها من ضمن هيكلية القوانين المحلية السورية)، وخاصةً أن التشريعات السورية الجزائية (المتعلقة بالمساس بحرية الأشخاص والأفراد في المجتمع) تفتقد إلى قوانين -قائمة بحد ذاتها- تراعي احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية بشكل صريح وواضح. إلاّ أنّ هنالك مجموعة من الملاحظات يمكن كتابتها حول القانون:

  • قصور التدابير الكفيلة بضمان الحق في تقديم الشكاوى وحماية الضحايا والشهود/المشتكين:

من الناحية النظرية؛ وعلى الرغم من أن القانون ذكر في نصوصه بعض الإجراءات التي تعتبر إيجابية ومنها: بأنه يتوجب على الجهات المكلفة باستقبال الشكوى (نيابة عامة أو أقسام الشرطة) بغية اتخاذ التدابير الكفيلة لضمان الحق في تقديم الشكاوى أو الإبلاغ عن حالات التعذيب، وتوفير الحماية للمشتكي والمحافظة على سرية المعلومات المتعلقة به وبواقعة التعذيب.  إضافة إلى ضرورة حماية الشهود والخبراء وعوائلهم، على سبيل المثال (الأطباء الشرعيون الذين يكشفون طبياً على الشخص الذي مُورس عليه التعذيب ويصدرون تقارير طبية ذات حجة قانونية لدى المحاكم والدوائر الرسمية).

إلا إن القانون لم ينصّ صراحة على التدابير الواجب اتخاذها لتحقيق هذه الحماية للضحايا والشهود والخبراء أو أي شخص يمكن أن يكون عرضة للخطر بسبب النظر في الشكوى. لذلك ولمعالجة ثغرة حالة الغموض في المادة السابعة (من القانون رقم 16) على سبيل المثال، يجب أن يصدر وزير العدل أو النائب العام تعليمات تنفيذية تتضمن كيفية تنفيذ هذه التدابير بشكل مفصّل وصريح. على أن تلزم تلك التدابير النيابة العامة بمباشرة التحقيق فوراً مع منظمي الضبط الذي يقدم فيه شخص موجوداً للقضاء وعليه آثار التعذيب.

كما أن القانون يلقي بعبء تحقيق الانتصاف الفعّال على كاهل الضحية، كون مواد القانون – بالإضافة إلى عدم وضوح التدابير وفقاً لما ورد أعلاه – لا تنص صراحة على مسؤولية السلطات بإجراء التحقيقات والملاحقات اللازمة فور ورود أية معلومات أو توفرت لها أسباب تدعو للاعتقاد بارتكاب التعذيب، وذلك وفقاً للمادة 12 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تقول الآتي:

تضمن كل دولة طرف قيام سلطاتها المختصة باجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بان عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب في أى من الاقاليم الخاضعة لولايتها القضائية“.

على الجانب الآخر، فإن تخصيص “ضحايا” التعذيب من الموظفين الرسميين من خلال تشديد عقوبة مرتكبي الجريمة بحقّهم يعتبر أحد أشكال التمييز عن باقي الأفراد في حال تعرضوا لنفس الجرم، كما تنص المادة 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تحظر التمييز على أي أساس (العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب).

  • عدم وجود رقابة حكومية داخلية شفافة على الجهات التي من الممكن أن ترتكب التعذيب:

في سوريا، يوجد نوعين من الرقابة الداخلية “الرسمية” على عمل المؤسسات الأمنية لدى الحكومة السورية، إحداهما لا يمكن الوثوق بها والأخرى معطلة.

أولاً: رقابة إدارية/داخلية ضمن الأجهزة الأمنية: لا يمكن الوثوق بمدى استقلالها وشفافيتها ومصداقيتها حيث لا يمكن الوصول إليها من أي جهات مستقلة؛

ثانياً: رقابة قضائية: وهي رقابة معطلة عملياً بفعل تركيبة وبنية المجلس الأعلى للقضاء في سورية بحيث يتبع القضاة إلى السلطات التنفيذية إدارياً ووظيفياً.

وعلى الرغم من أن الدستور السوري النافذ (دستور عام 2012) نصّ على استقلالية القضاء، إلا إنّه عاد وانتقص من هذه الاستقلالية عندما نص في المادة 133 منه، بأن رئيس الجمهورية هو من يرأس مجلس القضاء الأعلى وينوب عنه وزير العدل (وكلاهما من ركائز السلطة التنفيذية).

كما أن نصف أعضاء المجلس موظفين تابعين لوزارة العدل، فمعاون وزير العدل هو موظف في وزارة العدل، ورئيس إدارة التفتيش القضائي هو موظف تابع لوزير العدل، وكذلك يرأس وزير العدل النيابة العامة وفق ما نص عليه الدستور (المادة 137)، وبالتالي فهو يرأس النائب العام الذي يأتمر بأوامره.

ويتولى هذا المجلس تعيين القضاة وترفيعهم وتأديبهم وعزلهم بناء على اقتراح وزير العدل أو رئيس مجلس القضاء الأعلى أو ثلاثة من أعضائه، ويشرف على استقلال القضاء، ويتولى إحالة القضاة على التقاعد أو الاستيداع وقبول استقالتهم، وكل ما يتعلق بمهمتهم، وغيرها من الاختصاصات المتعلقة بعمل القضاة وفقا للمادة 67 من قانون السلطة القضائية رقم 98 لعام 1961، وبالتالي لا مجال للحديث عن استقلال القضاء في ظل الهيمنة الكاملة للسلطة التنفيذية على مجلس القضاء الأعلى.

من ناحية أخرى يبدو من السهل بمكان ما نظرياً ممارسة الرقابة على الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية (أقسام الشرطة- المخافر- فروع الأمن الجنائي .. إلخ).  أمّا بالنسبة للأفرع الأمنية الأخرى (الأجهزة الأمنية السورية)، فوضعها القانوني مُلتبس نوعاً ما بحيث تعتبر تلك الأفرع الأمنية من الناحية القانونية والنظرية بمثابة ضابطة إدارية تعمل على منع الجريمة من الوقوع، بينما يُعدّها الاجتهاد القضائي بمثابة ضابطة عدلية تُحقّق في الجريمة بعد وقوعها. ولكن في الواقع العملي نجد تلك الأجهزة الأمنية تلعب دور أساسي في عمليات التعذيب بحق منتقدي الحكومة السورية.

وبالرغم من هذا الغموض القانوني المتعمّد بالنسبة لمهام واختصاصات الأجهزة الأمنية ومركزها القانوني، فمن الواجب عليها الالتزام بالقانون وأفرادها وموظفوها مسؤولون عن إنفاذ القانون، وبالتالي فلابد من وضع آليات جديدة لممارسة مزيد من الرقابة عليها و جعلها تلتزم بالقانون رقم 16 لعام 2022، ودفعها إلى الالتزام بعملها ضمن اختصاصها.

  • عدم السماح للجنة مناهضة التعذيب من إجراء تحقيق حول التعذيب (التحفظ على المادة 20):

على الرغم من أن سوريا “انضمت” إلى اتفاقية مناهضة التعذيب بتاريخ 1 تموز/يوليو 2004، إلا أنها تحفظت آنذاك على المادة (20) من ذات الاتفاقية والتي هي عبارة عن مادة من الجزء الثاني من الاتفاقية التي تنص بموجبها على إنشاء “لجنة مناهضة التعذيب” كلجنة منبثقة عن الاتفاقية، ويكون اختصاصها الرئيسي مراقبة تنفيذ الدول الأطراف التزاماتها وفقًا لهذه الاتفاقية وتقديم تقارير دورية بخصوص هذه المراقبة.

وبذلك تكون المادة المتحفظ عليها من قبل الحكومة السورية، والتي لها علاقة بإحدى الصلاحيات الممنوحة للجنة مناهضة التعذيب، قد أفرغت جزءاً مهمّاً من هدف الاتفاقية من مضمونها، والذي يتضمن إجراء التحقيقات ذات الصلة بما يتعلق بمعلومات تتلقاها اللجنة وتتعاون مع الدولة المعنية لإجراء زيارات ميدانية، ويتبع ذلك تقديم اللجنة نتائج تقريرها بشكل سري للدولة مع مقترحات لتحسين أو تغيير الوضع القائم.

ماذا تقول المادة (20) من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والمتحفظ عليها من قبل الحكومة السورية:

1.     إذا تلقت اللجنة معلومات موثوقاً بها يبدو لها أنها تتضمن دلائل لها أساس قوى تشير إلى أن تعذيبها يمارس على نحو منظم في أراضي دولة طرف. تدعو اللجنة الدولة الطرف المعنية إلى التعاون في دراسة هذه المعلومات وتحقيقا لهذه الغاية إلى تقديم ملاحظات بصدد تلك المعلومات.

2.     وللجنة بعد أن تأخذ في اعتبارها أية ملاحظات تكون قد قدمتها الدولة الطرف المعنية وأية معلومات ذات صلة متاحة لها أن تعين إذا قررت أن هنالك ما يبرر ذلك عضوا أو أكثر من أعضائها لإجراء تحقيق سرى وتقديم تقرير بهذا الشأن إلى اللجنة بصورة مستعجلة.

3.     وفي حالة إجراء تحقيق بمقتضى الفقرة 2 من هذه المادة تلتمس اللجنة تعاون الدول الطرف المعنية. وقد يشمل التحقيق، بالاتفاق مع الدولة الطرف، القيام بزيارة أراضي الدولة المعنية.

4.     وعلى اللجنة، بعد فحص النتائج التي يتوصل اليها عضوها أو أعضاؤها وفقا للفقرة 2 من هذه المادة أن تحيل إلى الدولة الطرف المعنية هذه النتائج مع أي تعليقات واقتراحات قد تبدو ملائمة بسبب الوضع القائم.

5.     تكون جميع إجراءات اللجنة المشار إليها في الفقرات 1 إلى 4 من هذه المادة سرية، وفي جميع مراحل الإجراءات يلتمس تعاون الدولة الطرفويجوز للجنة وبعد استكمال هذه الإجراءات المتعلقة بأي تحقيق يتم وفقا للفقرة 2، أن تقرر بعد إجراء مشاورات مع الدولة الطرف المعنية إدراج بيان موجز بنتائج الإجراءات في تقريرها السنوي المعد وفقا للمادة 24.

ويمكن الاستنتاج من هذا التحفظ رغبة الحكومة السورية آنذالك من التملص من أي التزام مع الجهات الأممية الدولية، والتي يمكن أن تحرجها في المستقبل فيما يتعلق بمراقبة ملف التعذيب في سوريا والتحقيق فيه.

وتجدر الإشارة إلى أن التحفظ على هذه المادة جاء على الرغم من أنها تقتضي أن تقوم اللجنة في كافة مراحل نظرها في المعلومات الواردة إليها بالتعاون مع الدولة المعنية والاعتماد على المعلومات والملاحظات التي تقدمها لها. كما أن هذه المادة تقتضي أن تكون كافة الإجراءات ونتائجها ومن ضمن ذلك أية زيارات متفق عليها مع الدولية المعنية، سرية.

كما تجدر الإشارة إلى أن سوريا لم تعلن اعترافها باختصاص اللجنة في تسلم ودراسة الشكاوى الفردية من الأشخاص الخاضعين لولاية الدولة وفقاً للمادة 22، ما يعني تكريس رفض سوريا الضمني للتعاون مع هذه الآلية فيما يتعلق بمراقبة أكثر فاعلية لالتزام الدولة بموجباتها وفقاً للمعاهدة.

  • وجود قوانين ومراسيم محلية أخرى تسبغ الحماية القانونية على مرتكبي التعذيب:

توجد في سورية عدة تشريعات محلية تعطي الحصانة التامّة من الملاحقة القضائية للأشخاص المرتكبين للتعذيب من رجال الأمن وغيرهم إذا كانت هذه الجريمة قد ارتكبت بسبب ممارسة رجل الأمن لوظيفته أو أثناء ممارسته لها.

علاوة على ذلك؛ تنتهك تلك القوانين حق الإنسان في الحياة، والحرية، وتحجب عن السلطة القضائية حقّ النظر في أي شكوى قد تقدم بحق هؤلاء المتهمين بارتكاب جرم التعذيب. فقد نص المرسوم التشريعي رقم 14 لعام 1969، والمعروف بقانون إحداث إدارة أمن الدولة في المادة 16 منه على ما يلي:

“لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في الإدارة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكلة إليهم أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير”.

كما يوجد قانون آخر له نفس تطبيقات القانون السابق الذكر من عرقلة المشتكي من مقاضاة من يرتكبون التعذيب بحقه، فقد نصت المادة 74 من قانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة وقواعد خدمة العاملين فيها والصادر بالمرسوم التشريعي رقم 549 لعام 1969 على ما يلي:

“لا يجوز ملاحقة أي من العاملين في إدارة أمن الدولة أو المنتدبين أو المعارين إليها أو المتعاقدين معها مباشرة أمام القضاء، في الجرائم الناشئة عن الوظيفة، أو في معرض قيامه بها قبل إحالته على مجلس التأديب في الإدارة واستصدار أمر ملاحقة من قبل المدير”.

وتختص النيابة العامة (السلطة القضائية) بشكل عام،  بإقامة دعوى الحق العام ومباشرتها ضد مرتكبي الجرائم، وبالتالي فإن قانون أصول المحاكمات الجزائية الصادر في المرسوم التشريعي رقم 112 لعام 1950، نصّ على أن النيابة العامة تجبر على إقامة الدعوى إذا أقام المتضرر نفسه مدعياً شخصياً وذلك مهما كانت صفة المدعى عليه.

ماذا تقول المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم 112 لعام 1950؟

1- تختص النيابة العامة بإقامة دعوى الحق العام ومباشرتها ولا تقام من غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون.

2- ومع ذلك تجبر النيابة العامة على إقامتها إذا أقام المضرور نفسه مدعيا شخصيا وفاقا (وفقاً) للشرائط (الشروط) المعينة في القانون.

3- ولا يجوز تركها أو وقفها أو تعطيل سيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون.

وعليه فإن المرسوم التشريعي رقم 14 لعام 1969 (إحداث إدارة أمن الدولة) والمرسوم التشريعي رقم 549 لعام 1969 (قانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة)، منعا النيابة العامة من إقامة الدعوى على أفراد قوات الأمن، ولو أقام المتضرر نفسه مدعياً شخصيا (المشتكي الذي تعرض للتعذيب) وبذلك فقد أعطى هذان القانونان امتيازات لرجال الأمن وخالفت مبدأ المساواة أمام القانون.

  • غياب أشكال أخرى من “ضروب المعاملة والعقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”:

يلاحظ أنّ القانون المحلي السوري الخاص بالتعذيب، اتفق إلى حدّ كبير مع تعريف التعذيب الوارد في اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، والتي جاءت كالآتي:

تعريف التعذيب بحسب اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملةأو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984 تعريف التعذيب بحسب القانون السوري رقم 16  لعام 2022 لتجريم التعذيب
تعريف التعذيب: “أى عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أوتخويفه أو ارغامه هو أو أى شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأى سبب يقوم على التمييز ايا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها. يقصد بالتعذيب في معرض تطبيق أحكام هذا القانون كل عمل أو امتناع عن عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أم عقلياً يلحق بشخص ما قصداً للحصول منه أو من شخص آخر على معلومات أو اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو تخويفه أو إكراهه على القيام بعمل ما أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب بشخص لأي سبب يقوم على التمييز أياً كان نوعه، أو عندما يحرض عليه أو يوافق عليه صراحة أو ضمناً موظف أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية كما يشمل الأفعال التي تقع من قبل شخص أو جماعة تحقيقاً لمآرب شخصية أو مادية أو سياسية أو بقصد الثأر أو الانتقام .

إلا أنّ القانون رقم 16 لعام 2022، تجاهل توصيفات أخرى وردت في اتفاقية مناهضة التعذيب، خاصة تلك المتعلقة بـ”ضروب أخرى من المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”. كالشتم وتوجيه الإهانات أو ما يسمّى في سوريا بـ”الضرب الخفيف” أو ظروف الاحتجاز، وبالتالي يمكن أن لا يتمّ الاعتراف بالكثير من أنواع أخرى من الانتهاكات في سوريا بسبب قصور في القانون الجديد لمثل هذه التعريفات.

وبالتالي، وعلى الرغم من أن المادة  16 من اتفاقية مناهضة التعذيب تنص صراحة على انطباق كافة أحكامها على الممارسات التي لا تستوفي أركان جريمة التعذيب، لكنها ترقى لتكون معاملة أو عقوبة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة، فإن القانون رقم 16 لعام 2022 لا يلحظ/يعتبر أبداً هذه الانتهاكات، ما يفتح الباب على مختلف الممارسات التي من الممكن تبريرها على اعتبارها غير مشمولة في تعريف التعذيب الأساسي وفقاً لهذا القانون وبالتالي الأحكام النافذة من خلاله.

  1. خاتمة وخلاصة:

من المعروف بأنّ التعذيب في سوريا هو سياسة ونمط متعمّد من قبل الأجهزة الأمنية السورية، بهدف إسكات الأصوات المنتقدة والمعارضة، وترهيب من يفكّر أن يسلك سلوك هؤلاء.

وبالتالي إن لم تبادر الحكومة السورية إلى تغيير ذهنيتها في طريقة التعامل مع قضايا حقوق الانسان وحرياته الاساسية، ستبقى جميع الخطوات التي تتخذها شكلية ومنقوصة، بحيث لا يكفي أن يتم النص على هذه الحقوق في الدستور والقوانين، بل لا بد أن يتم احترام هذه الحقوق بشكل واقعي وحقيقي.

فمن غير المنطقي أن يتم تجريم التعذيب في محل ما ويتم توفير المناخ الملائم للإفلات من العقاب للمتهمين بارتكاب هذا الجرم في محل آخر، ونقصد بذلك المراسيم والقوانين التي منحت الحصانة من الملاحقة القضائية للعاملين في أجهزة الأمن والشرطة بخصوص الجرائم التي يرتكبونها ومنها التعذيب، وسبق أن فصلنا في هذا الأمر، كما أنه من غير المنطقي أن تصادق سوريا على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، وتتحفظ بنفس الوقت على النصوص المتعلقة بعمل لجنة مناهضة التعذيب، لا سيما إن عمل هذه اللجنة يتمحور حول تلقي الشكاوى المتعلقة بقضايا التعذيب ومراقبة مدى التزام الدول الأطراف بالالتزامات المترتبة عليها بموجب الاتفاقية.

واذا كانت الحكومة السورية جادة فعلاً في التخلي عن نهج التعذيب والمعاملة المهينة في معتقلاتها ومساءلة مرتكبي هذا الجرم، وراغبة حقاً في الوصول إلى دولة القانون والمؤسسات، فالخطوة الأهم التي يتوجب عليها القيام بها تكمن في:

  • إلغاء تلك التشريعات التي تحظر محاسبة رجال الأمن والشرطة عن الجرائم التي يرتكبونها.
  • إلغاء تحفظها المتعلق بعمل اللجنة المشكلة بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب.
  • إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والمفقودين والمختفين قسرياً وإجراء تحقيقات جدية بخصوص حالات القتل خارج القضاء والقتل تحت التعذيب.
  • إلغاء المحاكم الاستثنائية (محاكم الميدان العسكرية ومحكمة مكافحة الإرهاب والتي حلت محل محكمة أمن الدولة العليا) وحظر إنشائها مستقبلاً، وغيرها من الإجراءات اللازمة والضرورية والتي يعجز هذا الحيز الضيق عن ذكرها والتفصيل فيها.

ولعل من الأسئلة الأساسية التي تطرح نفسها في ضوء هذا القانون: هل سيتم توظيفه لإضفاء صبغة قانونية على الإفلات من العقاب على جرائم التعذيب المرتكبة قبل تاريخ إقراره بناءً على المبدأ القانوني الراسخ بعدم جواز تطبيق القوانين بمفعول رجعي الأثر؟

ختاماً، وعلى الرغم من التفاؤل الحذر في تحليل القانون رقم 16 لعام 2022، يبقى السؤال الإشكالي الأهم هو: هل ستقوم الحكومة السورية بإرسال التقارير الدورية حول التعذيب للجهات الدولية المعنية حول الانتهاكات التي قد تحصل سواء بتاريخ سابق لصدور القانون أم لاحق عليه؟ لأن إرسال مثل تلك التقارير تؤكد مدى التزام الحكومات الرسمية بمدى باتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها سابقاً. لكن سوريا لم تقدم للجنة مناهضة التعذيب، وهي اللجنة المكلفة وفقاً لأحكام المعاهدة بمراقبة سير تنفيذ الدول الأعضاء لأحكامها، إلا تقريرها الأولي عند الانضمام.  ولم ترسل سوريا أي تقرير دوري مستحق منذ ذلك الوقت، كما لم تتجاوب مع دعوة اللجنة لتقديم تقرير خاص، والإجابة عن أسئلة محددة متعلقة بأحكام الاتفاقية في ظل تطورات الأوضاع في سوريا حينها وتواتر التقارير بخصوص التعذيب الممنهج.

 

______

[1] تلتزم الدول التي تصادق على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بتضمين أحكام تلك المعاهدات في قوانينها الوطنية، وإخطار الأمين العام بذلك (باعتباره الوديع للمعاهدات).

[2] على سبيل المثال: تجتمع لجنة مناهضة التعذيب لدى الأمم المتحدة مرتين في السنة، وتقدم تقريراً سنوياً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلى جميع الدول الأطراف في اتفاقيّة مناهضة التعذيب. ويبلغ عدد أعضاء اللجنة عشرة، وهم من الخبراء ذوي السلوك الممتاز والمعروفين بكفاءتهم في مجال حقوق الإنسان (المادة 17 من اتفاقيّة مناهضة التعذيب). ويتمّ انتخاب أعضاء اللجنة لمدة 4 سنوات ويؤخذ التوزيع الجغرافي العادل بعين الاعتبار لدى انتخابهم من بين قائمة من أشخاص ترشحهم الدول الأطراف. ويمكن إعادة انتخابهم مرة واحدة فقط. لذا يمكن لسوريا إزالة السماح لأعضاء اللجنة بزيارة سوريا ومعاينة الوضع عن كثب.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد