الرئيسية اخترنا لكم تركيا: استمرار عمليات “الإعادة القسرية” رغم التحذيرات الدولية باعتبار سوريا غير آمنة

تركيا: استمرار عمليات “الإعادة القسرية” رغم التحذيرات الدولية باعتبار سوريا غير آمنة

تم ترحيل أكثر من 155 ألف سوري/ة بشكل قسري إلى داخل الأراضي السورية خلال أعوام 2021 و2020 و2019 تحت مسمّى "العودة الطوعية"، فيما أظهرت مقارنة دقيقة للأرقام بحسب التصريحات التركية الرسمية وجود فجوة متعلقة بأعداد اللاجئين السوريين الحقيقيين في تركيا

بواسطة communication
901 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع
  1. ملخص تنفيذي:

“بعد انقضاء 14 يوماً على احتجازنا، بدأوا بعملية إخراج خمس شبّان كل يوم من السجن، دون أن نعرف ما يجري لهم. وعندما جاء دوري نقلوني إلى غرفة التحقيق حيث سألني المحقق بضع أسئلة ومن ثم قال لي: وقع على هذه الورقة من أجل “إخلاء سبيلك”. وبعدما أمعنت النظر إليها اكتشفت أنها ورقة الموافقة على “العودة الطوعية” إلى سوريا! عندها رفضت التوقيع وطلبت أن أوكّل محامي، فرفض المحقق. شرحت لهم وضعي وبأنني أحمل (بطاقة حماية مؤقتة) لكن دون جدوى . بعد إصراري على رفض التوقيع أعادوني إلى السجن. بعدها بيومين جاءت قوة أمنية وضعت أصفاداً في يداي وأجبروني على التوقيع على ورقة “العودة الطوعية” ومن ثم نقولنا إلى معبر جرابلس وسلمونا للفرقة التاسعة في الجيش الوطني السوري/المعارض، الذي قام باحتجازنا والتحقيق معنا وضربنا وإهانتنا ومن ثم طلبوا منا أن ندفع نقوداً مقابل إخلاء سبيلنا”.

هذه الكلمات مقتبسة من شهادة شاب سوري، بدأ ببناء مشروعه الخاص منذ دخوله في تركيا في العام 2016، قبل أن تقوم السلطات التركية باقتحام منزله، وترحيله بشكل قسري خلال شهر أيار/مايو 2021، رفقة مجموعة أخرى من الشبّان السوريين. رغم حيازته لـ”بطاقة الحماية المؤقتة” التي كان من المفترض أن تحميه من عملية الترحيل تلك.

اتبعت السلطات التركية ومنذ النصف الثاني من عام 2018، إجراءات تعسفية تجاه طالبي اللجوء ولاجئين تمتعوا “بالحماية المؤقتة” لديها ومنحوا البطاقة الخاصّة بذلك، ثم قامت باحتجازهم في معسكرات/مراكز ترحيل بالقرب من الحدود التركية/السورية، قبل ترحيلهم قسرياً إلى الأراضي السورية لاحقاً، حيث تعرّض العشرات منهم للضرب والإهانة من قبل فصائل قامت باحتجازهم لفترات متفاوتة.

عمليات التوقيف تلك، تتم غالباً ضمن ظروف مزرية، ويتمّ الضغط على الموقوفين وتخيّرهم ما بين الاحتجاز لفترة طويلة ضمن تلك الظروف أو التوقيع على أوراق “العودة الطوعية”. وهو ما حدث مع الناشط الإعلامي السوري (منيب العلي) على سبيل المثال، الذي وجّهت إليه تهمة “التحريض على مشاعر الكراهية والبغضاء، وبث الفتنة” (المادة 216 من قانون العقوبات التركي)، فقد تمّ الزجّ فيه في مركز ترحيل (Oğuzeli) في ولاية غازي عنتاب، وأرفقت مع ملفه الكود (G87) وخيّر مابين الاحتجاز لمدّة سنة أو التوقيع على ورقة “الإعادة الطوعية” وهو ما حدث لاحقاً رغم حيازته لبطاقة الحماية المؤقتة.

في بعض الحالات التي تمّ توثيقها من قبل “سوريون” ومنظمات محلية ودولية، قامت السلطات التركية باستغلال عدم اتقان طالبي اللجوء/اللاجئين للغة التركية وطلبت منهم عبر مترجم متواطئ معها، أن يضعوا بصمتهم على أوراق “العودة الطوعية” على أنها أوراق إخلاء سبيل. يقول أحد المرحّلين قسراً الذين التقتهم “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” إن الحكومة التركية استغلت عدم فهمه الجيد للغة التركية وطلبوا منه أن يوقع على أوراق من أجل إخلاء سبيله، حيث عرف لاحقاً أنّه وقع في فخ توقيع أوراق “العودة الطوعية” التي تمّ ترحيله إلى سوريا على أساسها.

تشير الإفادات التي حصلت عليها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” لغرض هذا التقرير، من 21 شاهداً/مصدراً، أن عمليات الإعادة القسرية التي تعرضوا لها تسببت بضرر كبير في حياتهم، إذ أن معظمهم قد خسر عمله وتم تجميد أرصدته البنكية بعد إلغاء الحكومة التركية بطاقات الحماية المؤقتة الخاصّة بهم، ووضع أسمائهم على قائمة منع الدخول إلى تركيا لمدّة تصل إلى خمس سنوات، كما فرقت عمليات الإعادة القسرية بين أفراد العائلة الواحدة، إذ بقي نساء وأطفال المتزوجين في تركيا بينما تمّ إعادة ربّ أسرتهم قسراً.

من بين الشهود/المصادر الـ 21 الذين التقتهم “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، ممن تمّ ترحيلهم قسراً إلى داخل الأراضي السوريّة، كان هناك 7 أشخاص لا يحملون بطاقة الحماية المؤقتة “كملك”، و14 شخصاً يحملونها.

بعد قيام السلطات التركية بإعادة هؤلاء الأشخاص قسراً إلى سوريا، تعرض بعضهم للابتزاز وانتهاكات وصلت إلى حدّ السجن والتعذيب من قبل فصائل الجيش الوطني السوري/المعارض، وهيئة تحرير الشام، اللذان يديران المعابر الحدودية مع تركيا.

كما عُرف من خلال الشهادات التي جمعها لغرض هذا التقرير، أن عمليات الإعادة القسرية التي تنتهجها تركيا لا تقتصر على الشبان فقط، حيث أفاد الشهود أنه خلال فترة توقيفهم شاهدوا عائلات كاملة بينهم نساء وأطفال يتعرضون للاحتجاز في ظروف سيئة ومن ثم يقومون بإعادتهم قسرياً إلى سوريا.

في حين أضاف 3 شهود/مصادر أخرى وهم عاملون في معابر حدودية ضمن منطقتي “درع الفرات” و”نبع السلام”، أن السلطات التركية تتعمد إعادة اللاجئين عبر معبر باب الهوى الحدودي بشكل أساسي (وهو المعبر الذي يخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام) بالرغم من وجود عدد كبير من المعادين قسراً هم من أهالي ريف حلب الشمالي، الأمر الذي يؤدي إلى تعرضهم لخطر الاعتقال أو الابتزاز المالي من قبل “هيئة تحرير الشام”، في حين أنهّ تم ترحيل عدد قليل جداً من اللاجئين الذين ينحدرون من منطقة تل أبيض أو رأس العين/سري كانيه، مباشرة إلى مسقط رأسهم بناء على طلب تقدموا به أثناء فترة احتجازهم.

وكان  الأمين العام لـ”الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” علي محيي الدين القره داغي، قد “حرّم ترحيل اللاجئين بالإكراه”، ووصف ذلك الفعل بأنّه “جريمة ومحرم قطعاً”، وذلك في سياق حديثه عن معاناة مسلمي الروهيغنا والإيغور بتاريخ 21 كانون الأول/ديسمبر 2021. وقال “القره داغي”، في فتواه التي اطلعت عليها الأناضول، إن “ترحيل اللاجئين ـ بالإكراه ـ محرم قطعا وجريمة”. وأضاف أن “إبلاغ اللاجئين إلى مأمنهم، أو إبقاءهم في مأمن فريضة شرعية”. وشدد على أن “نصرة المظلومين واجب شرعي وأخلاقي وإنساني، وأن تمكين الظالم من ظلمه مشاركة في جريمته، ومؤذن بمس عذاب الله”.

وكانت 16 منظمة تركية، قد أصدرت بياناً مشتركاً بتاريخ 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، دعت فيه السلطات التركية بوقف إجراءات الترحيل التي صدرت بحق لاجئين سوريين بتهمة نشرهم “مقاطع فيديو استفزازية” على خلفية القضية التي عرفت باسم “فيديوهات الموز“. وذكر البيان أنه لا يحق للبلدان إبداء تحفظات على  المادة 33 من “اتفاقية جنيف” لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين، والتي تنص على أنه “لا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تسمح لأي لاجئ بدخول أي إقليم تتعرض فيه حياته أو حريته للتهديد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لمجموعة اجتماعية أو رأي سياسي معيّن، أيًا كان ما لن يعود أو يُرد بأي شكل من الأشكال”.

تركيا ملزَمة بقاعدة عدم الإعادة القسرية بموجب القانون الدولي العرفي، والتي تحظر إعادة أي شخص بأي شكل من الأشكال إلى مكان يواجه فيه خطراً حقيقياً بالاضطهاد أو التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة أو تهديد الحياة. ليس مسموحاً لتركيا أن تستخدم العنف أو التهديد بالعنف أو الاحتجاز لإجبار الناس على العودة إلى أماكن حيث قد يتعرضون للأذى. يشمل ذلك طالبي اللجوء السوريين الذين ينطبق عليهم قانون الحماية المؤقتة التركي، بمن فيهم الذين مُنعوا من التسجيل للحماية المؤقتة منذ أواخر 2017.

وكانت لجنة التحقيق الدولية المعنية بسوريا ممثلة برئيسها، قد أعلنت بتاريخ 21 تشرين الأول/أكتوبر 2021، وفي كلمة ألقاها أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة بأنّ “هذا ليس الوقت المناسب ليظننّ أحد أن سوريا آمنة وأنه يمكن للاجئين العودة إلى ديارهم، لا بل نشهد تصاعدًا في القتال والعنف“.

وشهد شهر كانون الثاني/يناير 2022، عمليات ترحيل جماعة لعشرات السوريين، وكان من اللافت أنّ معظمهم لم يرتكب أي مخلفات، بل وكانوا يملكون “بطاقات حماية مؤقتة/كميلك” و”إذونات عمل” و “إقامات طلّابية”. وسوف تصدر “سوريون” تقريراً خاصاً عن عمليات ترحيل ذلك الشهر.

إلى ذلك نقلت وسائل إعلام تركية مقرّبة من الحكومة، أنّه تمّ العثور على جثث 19 شخصاً، توفوا نتيجة البرد، بعد قامت الشرطة اليونانية بإعادتهم إلى الأراضي التركية وإجبارهم على خلع ملابسهم.

  1. إحصائيات رسمية من المعابر حول أعداد المرحلين:

تشكّل الإحصائيات التي تصدرها المنابر الرسمية للمعابر الحدودية الموجودة ما بين سوريا وتركيا، إحدى المصادر الأساسية، لمعرفة أعداد المرحلين قسراً إلى سوريا، حيث يقوم موظفو تلك المعابر باستلام الأشخاص المرحلين من قبل الجانب التركي، وتدوين أسمائهم، قبل السماح لهم بدخول الأراضي السورية، الخاضعة بشكل مباشرة لسيطرة فصائل معارضة وهيئة تحرير الشام.

يستثنى من تلك الإحصائيات أعداد السوريين الذين يدخلون الأراضي السورية تحت مسمّيات مختلفة، منها لقضاء إجازة الأعياد؛ مثل عيد الفطر أو عيد الأضحى، أو لأسباب مختلفة أخرى مثل “حركة الطبابة”، وهي تخص الأشخاص الذين يتلقون العلاج في المشافي التركية مع مرافقيهم في بعض الحالات.

أيضاً، يستثنى من تلك الأرقام الأشخاص الذين يتم القبض عليهم أثناء محاولتهم اللجوء إلى تركيا بطرق غير شرعية، ويتم إعادتهم إلى داخل الأراضي السورية، حيث يتعرّض العشرات منهم إلى الضرب والتعذيب وسوء المعاملة، وهو ما تمّ توثيقه في تقرير نشرته “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بتاريخ 15 شباط/فبراير 2021، تحت عنوان ” سوريا/نبع السلام: مقتل شاب تحت التعذيب ووفاة آخر بسبب الإهمال الطبي”.

تتبعت “سوريون” الإحصائيات التي تصدرها تلك المعابر على منابرها الرسمية، وعلى رأسها معبر “باب الهوى” الحدودي، وهو الذي يربط ما بين الأراضي التركية والمناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب. حيث تبيّن أن السلطات التركية (وبحسب الموقع الرسمي للمعبر) قامت بإعادة (100872) سوري/ة خلال أعوام 2021 و2020 و2019، بينهم نساء وأطفال.

أمّا معبر “باب السلامة“، الذي يربط ما بين الأراضي التركية والمناطق المسمّاة “درع الفرات/جرابلس والباب وإعزاز”، فيقوم بنشر تلك الإحصائيات تحت مسمّى “أشخاص عادوا بشكل طوعي”، وتميّز بينهم وبين الأشخاص الذين عادوا بعد “محاولة دخول تركيا بطريقة غير مشروعة”، بحسب وصف منابر المعبر. فيما يبدو أنّ القائمين على المعبر يتجنبون ذكر عمليات الإعادة القسرية صراحة، بسبب النفوذ التركي المتنامي في تلك المناطق، رغم أنّ الأشخاص العائدين بشكل طوعي، يتم تسليمهم من قبل السلطات التركية لسلطات المعبر. وقد وثقت إدارة المعبر (47310) شخصاً من المرحلين قسراً إلى سوريا، خلال سنوات 2021 و2020 و2019.

أحد المصادر التي إجراء مقابلة معها خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، كشف لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة الأعداد الشهرية للمرحلين قسراً من معبر باب السلامة الحدودي، وقال في إفادته:

“في كل شهر، يتم ترحيل ما يقارب 400 شخص من تركيا إلى سوريا عبر معبر باب السلامة معظمهم تم ترحيلهم بشكل قسري، خلال عملي لاحظت أن نحو 25 بالمئة فقط من الأشخاص المرحلين كانوا قد عادوا بشكل طوعي وبرغبتهم بالفعل، أما القسم الأعظم قد تم إجبارهم على العودة.”

أمّا معبر “تل أبيض” الحدودي، الذي يربط مناطق “نبع السلام” مع الأراضي التركية، فقد بدأ نشر الإحصائيات بعد السيطرة التركية على مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض بحوالي سنة. ووصف المعبر أيضاً الأشخاص المرحلين بوصف “العائدين بشكل طوعي”، رغم عدم دقة الوصف، فيما يبدو أنّ النفوذ التركي في تلك المنطقة يمنع إدارة المعبر من نشر أوصاف دقيقة. وقد تمّ توثيق (9344) سوري/ة، تمّ ترحليهم إلى داخل الأراضي السوري في أعوام 2021 ومنتصف العام 2020. بدوره قال أحد القائمين على المعبر في إفادته لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد ما يلي:

“المعبر لم يستقبل عدد كبير من حالات الإعادة قسرية/ترحيل للاجئين، لأن المرحلين غالباً ما يكون لديهم مشاكل جنائية أو أمنية من وجهة نظر السلطات التركية التي تعتبر أن منطقة نبع السلام هي منطقة آمنة ولذلك لا تريد وقوع مشاكل فيها ولا تقوم بترحيل هؤلاء الأشخاص إليها حسب ما لاحظنا خلال العمل.”

وتابع:

“عملية الترحيل وتحديد أي المعابر التي سيتم ترحيل اللاجئ منها هو أمر تحدده شعبة الأجانب في أنقرة، وغالباً يتم اختيار معبر باب الهوى لأنه معبر إنساني أولاً ولأن إدلب لا تقع تحت نفوذ تركيا.”

 

لقراءة التقرير كاملاً وبصيغة ملف PDF يُرجى الضغط هنا.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد