يقوم العديد من الأطفال من أبناء مدينة الرقة باستخراج الخردة من تحت أنقاض الأبينة المدمرة، حيث تشكّل هذه الظاهرة مصدر خطر على حياة الأطفال، إذ سُجّلت عشرات حالات انفجار للألغام أثناء عمليات استخراج الخردة، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة عدد من الأطفال وسببت حالات بتر للأطراف، وتنتشر هذه الظاهرة وسط غياب الرقابة من السلطات المحلّية وعدم وجود إحصائية رسمية حول عدد الأطفال الضحايا جراء هذا العمل.
أجرت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة لقاءات مع أطفال يقومون باستخراج الخردة من بقايا الركام، كما أجرت لقاءات مع مسؤولين اثنين في المجلس المدني لمدينة الرقة التابع للإدارة الذاتية وفي لجنة إعادة الإعمار المدعومة من التحالف الدولي، وذلك خلال الفترة الواقعة بين 3 و7 تشرين الثاني/نوفمبر 2018.
"حسين" (12 عاماً) أحد الأطفال العاملين في استخراج الخردة من تحت الأنقاض، قال:
"منذ أن تحررت مدينة الرقة من داعش وأنا أعمل في استخراج المواد من تحت الأنقاض، أستخرج حديد وباطون ونحاس وأي شيء آخر نصادفه، تركتُ المدرسة وأعمل من أجل تحصيل بعض المال لعائلتي، في اليوم الواحد أقوم بجمع مواد وبيعها بمبلغ يتراوح بين 1500 و2500 ليرة سورية، لقد رأينا الكثير من الألغام بين الأنقاض وابتعدنا عنها، عملنا خطر ونعرف ذلك لكن نحن مضطرون."
كذلك يعمل مع "حسين" كلاً من أخته (8 أعوام) وأخاه (9 أعوام) كانوا قد تركوا المدرسة أيضاً، أما "محمد" (14 عاماً) فقد قال إنه أثناء عمله في استخراج الخردوات انفجر لغم بقربه وتسبب ببتر يده وساقه.
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة تظهر أحد الأطفال العاملين في جمع الخردوات ينظر إلى أقرانه أثناء إنصرافهم من المدرسة في حي الثكنة بمدينة الرقة يوم 25 أيلول/سبتمبر 2018.
يقدر ناشطون محليون في مدينة الرقة (إحصائية غير رسمية) أن عدد الوفيات بين الأطفال جراء انفجار الألغام أثناء عملهم في جمع الخردوات يقدر بـ12 إلى 15 طفلاً فيما يقدر عدد الأطفال المصابين بنحو 25 طفلاً وذلك منذ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مدينة الرقة.
وحول هذه الظاهرة، قال الناشط المحلي "محمد عثمان"، إن نسبة الأطفال العاملين في مدينة الرقة تقدّر بنحو 25 % يعملون في مهن مختلفة مثل ورشات صيانة السيارات وكباعة جوالين وغيرها، إلا أن قسماً كبيراً منهم يعمل في استخراج الخردوات من تحت الأنقاض وهي ذات مردود مادي أكثر من غيرها من المهن، وبدأ العمل بهذه المهنة منذ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المدينة، وتعد هذه المهنة رغم خطورتها ذات المردود المادي الأكبر للأطفال، حيث يقيمون بجمع المواد من تحت الأنقاض وبيعها لتاجر خردوات اسمه "عمار أبو ردة" (من مدينة سفيرة بحلب ومقيم في الرقة) وهو شخص ذو سمعة سيئة معروف باستغلاله للأطفال وتشغيلهم لحسابه، حيث يشتري منهم المواد وفقاً للوزن، ويتقدر متوسط مردود الطفل الواحد في اليوم بنحو 2000 ليرة سورية، ويقوم "أبو ردة" بدوره ببيع هذه الخردة في مناطق سيطرة القوات النظامية السورية.
من جانبه، قال "عبود الخلف" مدير المكتب الإعلامي في لجنة إعادة الإعمار، إن "اللجنة الداخلية" المعنية بتوثيق حوادث وضحايا انفجار الألغام لا تملك إحصائية دقيقة حول الضحايا، وإنما هناك إحصائية تقريبة حيث يقدر عدد المصابين في انفجار الألغام منذ السيطرة على مدينة الرقة بثلاثة آلاف مصاب والقتلى بنحو 700 قتيل بين رجل وطفل وامرأة، ولا توجد إحصائية دقيقة للقتلى والمصابين الأطفال.
وأشار "الخلف" أن عمل المنظمات المختصة بإزالة الألغام في مدينة الرقة لم ينتهِ حيث أن هناك دائماً ألغام تتم زراعتها حديثاً وليست من بقايا أو مخلفات "تنظيم داعش"، كما أن العمل في إزلة الأنقاض ما يزال مستمرا بسبب ترميم الأهالي للمنازل ووضع الردم في الشوارع الأمر الذي استدعى ترحيل الأنقاض عدة مرات من الشارع ذاته.
وحول الإجراءات التي تتخذها السلطات المحلية للحدّ من الظاهرة ومنع عمل الأطفال في بيئة عمل خطيرة، قال "مصطفى العبد" مدير المكتب الإعلامي للمجلس المدني في مدينة الرقة إن الإجراءات تقتصرعلى حملات توعية للأطفال في المدارس من أضرار العمل للأطفال دون سن الـ12 فقط، وأنه لم تتم حتى الآن اتخاذ أي خطوات بحق مشغلي الأطفال أو ملاحقتهم من قبل جهاز الأمن الداخلي، حيث أن الإجراءات ما تزال في بدايتها.