يستمر “الجيش الوطني السوري” المرتبط بالحكومة السورية المؤقتة/الإئتلاف السوري المعارض، والمدعوم من تركيا بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين في منطقة تل أبيض شمالي محافظة الرقة، حيث قام باعتقال ما لا يقل 13 شخصاً بشكل تعسفي وسانده في بعض هذه العمليات دوريات من المخابرات التركية، وذلك خلال شهر كانون الثاني/يناير 2020.
وتنوعت ممارسات الفصيل الذي قام بتلك الممارسات والمرتبط بالجيش الوطني والذي هو “الجبهة الشامية”، حيث شملت حالات خطف وتعذيب مدنيين بهدف الحصول على فدية، إضافة إلى ترويع مدنيين آخرين وتهديدهم بقوة السلاح لانتزاع أغراض عينية ومبالغ مالية منهم، كما قام بإنشاء مراكز احتجاز في أبنية عامة وخاصة تم الاستيلاء عليها ونهبها بعد عملية “نبع السلام”.
ولغرض هذا التقرير التقت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة مع عدد من ذوي المعتقلين وأقارب رجل مدني تعرض للخطف والتعذيب، كما رصدت المنظمة إنشاء مراكز احتجاز مؤخراً وعمل على تحديد موقعها. وقد تمّ إجراء المقابلات عبر الانترنت والهاتف.
خلفية:
بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، أعلن[1] الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدء العمليات العسكرية التركية داخل الأراضي السوريّة، تحت اسم عملية “نبع السلام”، بمشاركة مباشرة من فصائل معارضة سوريّة مسلّحة منضوية تحت مسمّى “الجيش الوطني” التابع للحكومة السوريّة المؤقتة المنبثقة عن الإئتلاف السوري المعارض.
وقبل يوم واحد فقط من بدء العمليات العسكرية أصدر الإئتلاف السوري المعارض بياناً داعماً للتصريحات التركية حول عمل عسكري وشيك في المنطقة وجاء في البيان أنّ الإئتلاف السوري “يدعم الائتلاف الجيش الوطني ووزارة الدفاع ورئاسة الأركان في جهودها، ويؤكد استعداد الجيش الوطني للتصدي للإرهاب بالتعاون والعمل المشترك مع الأشقاء في تركيا.”[2]
وكان “سليم إدريس” وزير الدفاع في الحكومة السوريّة المعارضة، قد أعلن بتاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر أنّ “الجيش الوطني” قد أنهى التدريبات اللازمة في العملية العسكرية المرتقبة في شمال شرق سوريا.[3] سبق ذلك ترتيبات عسكرية أخرى، إذا أعلن “الجيش الوطني” و “الجبهة الوطنية للتحرير” اندماجهم بشكل كامل، وذلك بتاريخ 5 تشرين الأول/أكتوبر 2019.[4]
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد أصدرت بياناً صحفياً، داعية فيه إلى التحقيق في مسؤولية الدولة والأفراد المسؤولين عن الغزو/التوغل التركي في شمال شرق سوريا كونه يشكّل خرقاً للقانون الدولي.[5]
أولاً: عمليات الاعتقال خلال شهر كانون الثاني/يناير 2020:
اعتقل فصيل “الجبهة الشامية” تسعة أشخاص بعضهم لأسباب مجهولة والبعض بتهمة التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية والضلوع بالمسؤولية عن التفجيرات التي ضربت المنطقة مؤخراً وما يزال مصيرهم مجهولاً، في حين أن دورية للمخابرات التركية اعتقلت أربعة أشخاص بتهمة التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية وأطلقت سراحهم لاحقاً.
سوريون من أجل الحقيقة والعدالة وثقت عمليات الاعتقال وتحدثت مع عدد من ذوي المعتقلين، وجاءت الاعتقالات كالتالي:
- في يوم 3 كانون الثاني/يناير، وفي قرية عين العروس المجاورة لبلدة تل أبيض، قامت مجموعة من عناصر “الجبهة الشامية” بقيادة شخص يدعى “شيخ جمعة”، وهو قيادي في المكتب الأمني للفصيل ومسؤول بشكل مباشر عن تنفيذ عمليات الإعتقال التي تطال متهمين بالضلوع بالتفجيرات التي ضربت المنطقة، باعتقال كل من إسماعيل خليل البدراني (18 عاماً) وشاب اسمه عبد الباسط (18 عاماً) من منزلهما بتهمة الإنتماء إلى خلايا تابعة لقوات سوريا الديمقراطية.
- وبتاريخ 7 كانون الثاني/يناير، قامت مجموعة أخرى تتبع أيضاً لـ”شيخ جمعة” باعتقال عبد الرحيم محمد (18 عاماً) و مصطفى حسين الخلف (55 عاماً) وعريف محمد الموسى (30 عاماً) وعبد الكريم الإبراهيم وشقيقه عز الدين الإبراهيم من منازلهم في قرية عين العروس، للتهمة ذاتها.
- بتاريخ 18 كانون الثاني/يناير، قامت دورية من المخابرات التركية باعتقال كل من (مصطفى الأحمد المصطفى وياسين الأحمد المصطفى وعزيز ياسين المصطفى وإسماعيل حسن إدريس)، وذلك بتهمة التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية، حيث تمت مداهمة منازلهم في قرية تل أبيض شرقي المجاورة لبلدة تل أبيض، ودام اعتقالهم مدة أسبوع وتم إطلاق سراحهم في الـ27 من الشهر ذاته.
- وبتاريخ 22 كانون الثاني/يناير، تم اعتقال “جمعة مصطفى الخلف” من منزله، حيث جاءت مجموعة من المسلحين يستقلون سيارة من نوع فان بيضاء اللون وداهمت منزله واعتقلته، وتبين للاحقاً لذوي المعتقل أن المجموعة تتبع للمكتب الأمني لفصيل “الجبهة الشامية”، ولم يتمكن الأهل من معرفة التهم الموجهة له.
- وبتاريخ 27 كانون الثاني/يناير، قامت مجموعة تتبع للمكتب الأمني لفصيل “الجبهة الشامية” يقودها شخص يدعى “أبو عبار” بمداهمة مكتب صرافة/حوالات مالية يملكه “علي العيدو”، حيث طلبوا من علي مرافقتهم للإدلاء بمعلومات حول إحدى الحوالات المالية التي أرسلتها منظمة أطباء بلا حدود وقيمتها 200 ألف دولار أمريكي، ولم يتم إطلاق سراح المعتقل حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
ثانياً: مراكز احتجاز لفصيل “الجبهة الشامية”:
تتبعت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” من خلال الأهالي مراكز احتجاز أنشأها فصيل “الجبهة الشامية” في بلدة تل أبيض، حيث قام بالاستيلاء على عدد من الأبنية السكنية والمباني العامة التي كانت مؤسسات حكومية سابقاً، وقام بتحويلها إلى مراكز احتجاز.
تجدر الإشارة هنا إلى ان مراكز الاحتجاز هذه تعد غير رسمية، حيث أن “الجيش الوطني السوري” المعارض يتخذ وبشكل علني من السجن المركزي في تل أبيض مكاناً لاحتجاز الأشخاص الذين يعتقلهم من المدنيين كما يحتجز فيه عناصر يتبعون له كانوا قد ارتكبوا تجاوزات وانتهاكات على حد قوله، وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أصدرت تقريراً تحدثت فيه عن السجن المركزي.[6]
وبحسب الأهالي والسكان المحليين وبالاستناد إلى شهادات معتقلين سابقين وذوي معتقلين حاليين، فإن مراكز الاحتجاز التابعة لـ”الجبهة الشامية” والتي تمكنا من التحقق منها هي:
- مبنى البريد والمراسلات: يقع المبنى في الطرف الشمالي لبلدة تل أبيض وعلى مقربة من المعبر الحدودي مع تركيا، ويتواجد الحراس في محيطه وأمامه بشكل دائم.
- مبنى الإتحاد النسائي: يقع المبنى في الطرف الشمالي لبلدة تل أبيض وعلى مقربة من المعبر الحدودي مع تركيا، ويقع قبالة مبنى البلدية بشكل مباشر، وتم اتخاذه كمقر أمني للفصيل حيث يتم إحضار المعتقلين إليه ليلاً، كما يتم استخدام المرآب المجاور له كمكان للاحتجاز أيضاً.
- أبنية العنبرجي: تقع هذه الأبنية في وسط المدينة وعلى الطريق الرئيسي للبلدة، وتعود ملكية هذه الأبنية السكنية لسوريين أكراد نزحو من المدنية وكانوا منضوين ضمن قوات سوريا الديمقراطية، وتم الاستيلاء على منازلهم وتحويلها إلى مقر لعناصر الفصيل، وتم تحويل أحد الأقبية في هذه الأبنية إلى مركز احتجاز، ويخضع المربع السكني بالكامل لمراقبة وحراسة شديدة ولا يسمح لأحد بالاقتراب منه.
صورة رقم (1) تظهر موقع ثلاثة مراكز احتجاز في بلدة تل أبيض أنشأها فصيل “الجبهة الشامية”، حيث يشير المربع الأبيض/تركواز إلى موقع مبنى الإتحاد النسائي ويشير المربع الأحمر (بجانبه) إلى موقع مبنى البريد ويشير المربع الأصفر إلى موقع أبنية العنبرجي.
ثالثاً: ممارسات وانتهاكات عناصر الفصيل بحق المدنيين:
ارتكب عناصر من فصيل “الجبهة الشامية” انتهاكات عدة مؤخراً تنوعت بين الاستيلاء على المال العام تحت تهديد السلاح وعملية تعذيب وخطف بدافع المال، ورصد الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة حادثتين وتحدث مع ذوي المتضررين والضحايا، وجاءت الحوادث كالتالي:
- بتاريخ 6 شباط/فبراير 2020 قام عناصر من “الجبهة الشامية” باعتقال الشاب درويش إبراهيم الدرويش على حاجز لهم اسمه “أم البراميل” يقع قرب قرية صكيرو، وبعد اعتقال الشاب قام أحد عناصر الحاجز بالتواصل مع ذوي المعتقل وأرسل لهم صوراً تظهر آذار ضرب وتعذيب على جسد درويش وطلب منهم دفع 1500 دولار أمريكي لقاء إطلاق سراحه.
أحد أقارب الشاب المعتقل قال للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة ما يلي:
“ينحدر الشاب درويش إبراهيم الدرويش من قرية فريعان غربي تل أبيض، وتقع القرية على خط التماس بين الجيش الوطني المعارض وبين قوات سوريا الديمقراطية، قامت قسد باعتقال درويش قبل نحو 15 يوماً وأرسلوه للتجنيد الإجباري، ومن ثم تمكن درويش من الفرار وأراد التوجه إلى تل أبيض، وعند حاجز أم البراميل قام فصيل الجبهة الشامية باعتقاله بتهمة الانضمام إلى قسد.”
وتابع الشاهد:
“لقد قام أحد العناصر من الجبهة الشامية بالتواصل معي وأرسل لي صوراً كثيرة تظهر الضرب والتعذيب الذي تعرض له درويش، وطلب 1500 دولار أمريكي لقاء إطلاق سراحه، لكن قمنا بالتواصل مع المكتب الأمني للفصيل وأخبرناهم بما حدث وزودناهم بالمكالمة المسجلة والصور، المكتب الأمني قال لنا أنه تم تحويل العنصر إلى القضاء العسكري، ولكن حتى الآن لم يتم إطلاق سراح درويش ولم نعلم ماذا حدث”.
صورة تظهر آثار ضرب على جسد درويش ابراهيم الدرويش المعتقل لدى “الجبهة الشامية، قام أحد أقارب المعتقل بتزويد سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بها.
- بتاريخ 26 كانون الأول/ديسمبر 2019، قام قياديان أمنيان في “الجبهة الشامية” واسمهما “محمد الزينو ويلقب بأبو عبار وأبو أبيّ” باقتحام المجلس المحلي في بلدة تل أبيض، وتهديد رئيس المجلس المحلي والموظفين الموجودين بالسلاح، وطلبوا من المجلس دفع تكاليف إصلاح مولدة كهرباء كان الفصيل قد استولى عليها من مؤسسة المياه ونقلها إلى مقره الذي يقع على مقربة من المجلس (المقر تم الاستيلاء عليه أيضاً وكان سابقاً مبنى الإتحاد النسائي).
أحد شهود العيان تحدث للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة حول الحادثة قائلاً:
“قامت مجموعة عناصر يترأسهم “أبو عبار وأبو أبيّ” بمحاصرة مبنى المجلس المحلي وإطلاق النار بشكل عشوائي على المبنى وعلى سيارة قربه تعود لقريب أحد الموظفين، ومن ثم دخل الرجلان وقاما بتهديد الجميع بالاعتقال وإن لم يقم المجلس بدفع 250 ألف ليرة سورية لقاء تكاليف إصلاح مولدة كهرباء موجودة في مقر الفصيل، لقد قام أبو أبي بوضع فوهة بندقيته على صدر رئيس المجلس وطلب منه الإنصياع للأوامر، وتم إجبار الأخير على دفع المبلغ المطلوب.”
وأوضح الشاهد أن المجلس المحلي تقدم بشكوى رسمية للسلطات التركية المسؤولة والمتواجدة في المنطقة ولكن لم يتم إتخاذ أي إجراءات حول الأمر.
[1] التغريدة كاملة: “أقبل كافة أفراد الجيش المحمدي الأبطال المشاركين في عملية نبع السلام من جباههم، وأتمنى النجاح والتوفيق لهم ولكافة العناصر المحلية الداعمة والتي تقف جنبًا إلى جنب مع تركيا في هذه العملية، وفقكم الله وكان في عونكم.”. حساب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على التويتر. 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019. (آخر زيارة 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2019). https://twitter.com/rterdogan_ar/status/1181927322271830016?s=20.
[2] ” ملتزمون بمحاربة الإرهاب وتحرير سورية من الاستبداد والتنظيمات الإرهابية”. بيان صحفي، الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية – سورية، دائرة الإعلام والاتصال. 08 تشرين الأول، 2019. (آخر زيارة للرابط 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019). http://bit.ly/2uBUsoC .
[3] “الجيش الوطني السوري” ينهي استعداداته للمشاركة في عملية شرق الفرات”. موقع يني شفق التركي. 7 تشرين الأول/أكتوبر 2019. (آخر زيارة 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019). https://www.yenisafak.com/ar/news/3438458.
[4] ” دمج “الجيش الوطني” بـ”الجبهة”: خطوة سورية ضد من؟”. العربي الجديد. 5 تشرين الأول/أكتوبر 2019. (آخر زيارة 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019). http://bit.ly/3boBeDD .
[5] ” بيان بخصوص عملية “نبع السلام” التركية في شمال شرق سوريا”. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 19 تشرين الأول/أكتوبر 2019. (آخر زيارة للرابط 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2019). https://stj-sy.org/ar/%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d8%a8%d8%ae%d8%b5%d9%88%d8%b5-%d8%b9%d9%85%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%86%d8%a8%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a9-%d9%81/.
[6] للمزيد انظر:” تسجيل عدة انتهاكات ارتكبها “الجيش الوطني” في تل أبيض بالرقة” – سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. https://stj-sy.org/ar/%d8%aa%d8%b3%d8%ac%d9%8a%d9%84-%d8%b9%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%86%d8%aa%d9%87%d8%a7%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d8%b1%d8%aa%d9%83%d8%a8%d9%87%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b7/.
“عمليات اعتقال وتعذيب من قبل “الجيش الوطني” في تل أبيض” – سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. https://stj-sy.org/ar/%d8%b9%d9%85%d9%84%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%84-%d9%88%d8%aa%d8%b9%d8%b0%d9%8a%d8%a8-%d9%85%d9%86-%d9%82%d8%a8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b7/.