الرئيسية تحقيقات مواضيعية مخيم عين عيسى .. وجهة للهاربين من معارك دير الزور وقبلها معارك الرقّة

مخيم عين عيسى .. وجهة للهاربين من معارك دير الزور وقبلها معارك الرقّة

"أكثر من خمسة آلاف نازح آخر وصلوا إلى المخيم بعد معارك محافظة دير الزور"

بواسطة wael.m
594 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

مقدمة: مازال آلاف النازحين في مخيم عين عيسى الواقع شمالي مدينة الرقة بنحو (55) كيلو متراً، يعانون ظروفاً إنسانية صعبة للغاية، وذلك بسبب قلة الخدمات الأساسية المقدمة لهم، كنقص المواد الغذائية وسوء الوضع الطبي، ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة فإنّ عشرات العائلات توافدت يومياً إلى المخيم ومازالت، وذلك هرباً من العمليات العسكرية التي شهدتها وتشهدها محافظة دير الزور[1] ضد تنظيم الدولة الإسلامية أو كما يعرف باسم تنظيم "داعش"[2]، إلى جانب أنّ المخيم يشكّل مأوى لآلاف العائلات التي نزحت من مدينة الرقة أثناء المعارك الطاحنة في المدينة قبيل السيطرة عليها من قبل قوات سوريا الديمقرطية[3] وطرد مسلحي التنظيم منها بتاريخ 21 تشرين الأول/أكتوبر 2017.

تمّ افتتاح مخيم عين عيسى شمال بلدة عين عيسى من قبل الإدارة الذاتية في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2016، وذلك من أجل إيواء النازحين الفارين من مدينة الرقة وريفها قبيل طرد مسلحي تنظيم "داعش" منها، ووفقاً لإدارة مخيم عين عيسى، فإنّ المخيم يحوي (1135) خيمة، إضافة إلى (9) خيام من الحجم الكبير لاستقبال النازحين الجدد، كما بلغ عدد العائلات النازحة إلى المخيم منذ تأسيسه حوالي (1500) عائلة، أي نحو (8) آلاف نازح من مختلف المناطق، وذلك حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.

وعلى الرغم من وجود تجمعات أخرى للمدنيين النازحين، سواء بالقرب من بلدة الشدادي الكائنة في الريف الجنوبي لمدينة الحسكة، كمخيم قانا، أو حتى قرب بلدة الكرامة شرقي مدينة الرقة كمخيم الكرامة، واللذان يعتبران نقطتي الوصول الأولى للنازحين، إلا أنّ ولئك النازحين دائماً مايفضلون الوصول إلى مخيم عين عيسى، نظراً لبعده عن مناطق التوتر، وباعتبار أن الخدمات التي يقدمها أفضل بقليل، مقارنة مع تجمعات المدنيين الأخرى، وذلك حسبما أكدّ العديد من أهالي المخيم لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في أواخر شهر أيلول/سبتمبر وبدايات شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017.

وتعمل إدارة المخيم على توسيع مخيم عين عيسى، بغية استيعاب المزيد من نازحي محافظة دير الزور ومدن الميادين والبوكمال وغيرها، وبحسب مجلس الرقة المدني، فقد بلغت أعداد نازحي محافظة دير الزور نحو (5) آلاف نازح منذ تاريخ 18 أيلول/سبتمبر 2017، غالبيتهم من النساء والأطفال والمسنين وذوي الاحيتاجات الخاصة، وقد نصب لهم المجلس حوالي (100) خيمة مؤقتة لاستيعابهم.

موقع مخيم عين عيسى – الرقة

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الخيام المتواجدة في مخيم عين عيسى شمالي مدينة الرقة، وقد التقطت هذه الصورة في اواخر شهر أيلول سبتمبر2017.

أولاً: خيم الإستقبال في مخيم عين عيسى:

ويبلغ عددها (9) خيام، إذ أنّ طول الواحدة منها يبلغ (10) أمتار، أما عرضها فيبلغ (3) أمتار، وهي تأوي النازحين ممن وصلوا حديثاً إلى المخيم، وفي كل خيمة يجلس قرابة ( 7-10) عائلات بخدمات قليلة وسيئة جداً، ولاسيما مع تدفق النازحين بشكل كبير من مناطق محافظة دير الزور، إذ يصبح استيعاب المخيم لأولئك الهاربين من بطش الحرب أكثر صعوبة.

هدية محمد (40) عاماً، هربت برفقة عائلتها المؤلفة من (8) أفراد من بلدة معدان الكائنة في محافظة دير الزور، وذلك بسبب شدة العمليات العسكرية مابين القوات النظامية السورية من جهة وتنظيم "داعش" من جهة أخرى، ومن ثمّ وصلت إلى مخيم عين عيسى بتاريخ 2 آب/أغسطس 2017، وذلك بعدما عبروا نهر الفرات بصعوبة إلى الجانب الآخر، في حين بقي زوجها خلف النهر ولم يتمكن من اجتيازه، وفي هذا الصدد تحدثت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:

"يقدم لنا القائمون على المخيم وجبة واحدة يومياً وتحديداً في فترة الظهيرة، كما أننا لانملك مايكفي من فرش وأغطية للنوم، لذا دائماً مايضطر أطفالي النوم على الأرض، بينما نستخدم لباسنا كوسادات تحت رؤوسنا، ومنذ دخولنا المخيم لم نرَ أي أحد من مسؤوليه، وكل مانريده منهم هو أن يساعدونا في تقديم الفرش والأغطية لأطفالنا. لقد أصبحت أفكر جدياً بالخروج إلى قرية الكالطة جنوب شرقي بلدة عين عيسى، حيث يتواجد بعض أقاربي هناك، فالخدمات سيئة هنا للغاية."

أما عبدالله محمد (18) عاماً، فقد نزح هو الآخر من بلدة معدان نتيجة القصف الكثيف الذي شهدته البلدة من قبل الطيران الحربي التابع للقوات النظامية السورية وحلفاؤها، ووصل إلى مخيم عين عيسى بتاريخ 2 آب/أغسطس 2017، حيث أكدّ لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة على أنّ الطيران الحربي لم يكن يستهدف مواقع التنظيم فحسب في بلدة معدان، بل كان يقصف كل مكان في البلدة، سواء بواسطة القنابل العنقودية أو حتى البراميل المتفجرة، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:

"هربت مع عائلتي  المؤلفة من (10) أشخاص من بلدة معدان ووصلنا إلى قرية "بوحمد"، ثمّ قطعنا النهر بواسطة زورق صغير إلى جزيرة في الطرف الآخر، وتابعنا بواسطة سيارة إلى مخيم عين عيسى، فاستقبلتنا إدارة المخيم ولم تقدم لنا أي خدمات، فوضعونا برفقة عائلات أخرى في خيمة كبيرة، ولكن يبقى الخبز والغذاء هنا أفضل بكثير من الموت في معدان."

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة تظهر الشاهد عبد الله وهو أحد النازحين إلى مخيم عين عيسى شمالي مدينة الرقة، وقد التقطت هذه الصورة في أواخر شهر أيلول/سبتمبر 2017.

زهرة عبد الصمد (37) عاماً، متزوجة ولديها (9) أطفال، نزحت هي الأخرى بسبب تسلل البعض من عناصر تنظيم "داعش" إلى بلدتها عين عيسى في منتصف العام 2014، فما كان منها إلا التوجه برفقة عائلتها إلى قرية تشرين بالقرب من مدينة الرقة حيث مكثت هناك مدة عامين، ثم توجهت بعدها إلى مخيم عين عيسى عند تأسيسه أي في أواخر عام 2016،  حيث عملت زهرة إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية في تفتيش النساء، وفي معرض حديثها عن الأوضاع في مخيم عين عيسى تحدثت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:

"تطوعت في قسم التفتيش لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية ومن أجل حماية عائلاتنا أيضاً، فخلال عملي في التفتيش عثرت على امرأة ادعت أنها حامل وبأنها تريد الوصول إلى مشفى تل أبيض الكائن في بلدة تل أبيض شمال مدينة الرقة، واكتشفنا بأنها كانت ترتدي مفخخات على جسدها، وعلى الفور قمنا باعتقالها، كما أننا عثرنا على بعض الأسلحة ومادة الحشيش  إضافة إلى الحبوب المخدرة، في حقائب بعض النساء النازحات إلى المخيم، بما أن تنظيم "داعش" كان يعتقد بأنّ قوات سوريا الديمقراطية لاتتعرض للنساء، لذا كانوا يخبئون سلاحهم وأموالهم وحبوبهم المخدرة في حقائب نسائهم."

وأضافت زهرة بأنها تطوعت أيضاً برفقة أخريات لتقديم الوجيات الغذائية للنازحين في خيم الاستقبال أول وصولهم، حيث كن يطبخن في خيمة صغيرة بداية الأمر، وكن يعملن من الساعة السابعة صباحاً وحتى السادسة مساءً، من أجل تقديم وجبتي طعام لسكان المخيم، ومنذ ثلاثة أشهر تبنت إحدى المنظمات المدنية زهرة وزميلاتها، وأصبحت تصرف لهن مرتباً شهرياً يصل حتى (75) ألف ليرة سورية.

وفي شهادة أخرى أدلت بها إحدى النساء[4] اللواتي نزحن إلى مخيم عين عيسى من مدينة الرقة قبيل السيطرة عليها من قبل قوات سوريا الديمقراطية في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، حيث أكدّت على أنّ عناصر تنظيم "داعش" كانوا يمنعون الأهالي من الخروج، إلا أنها استطاعت الهروب من حي المشلب في محافظة الرقة وتحديداً في ساعات الصباح الباكر وبعيداُ عن أعين عناصر التنظيم، وفي الخصوص تابعت قائلة:

"هربت برفقة عائلتي المكونة من (9) أفراد، ثمّ توجهنا إلى أحد المزارع في قرية القادسية شرقي مدينة الرقة، ومشينا على أقدامنا أربع ساعات متواصلة، بينما كانت عربة الحصان تحمل أغراضنا، وصلنا إلى تلك المزرعة وبقينا فيها لشهرين، ولم نكن نملك أي مال لشراء حاجياتنا من الأكل والشرب، إلى أن سمعنا بمخيم عين عيسى وتوجهنا إليه منذ شهر تموز/يوليو 2017."

ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ العديد من النازحين الذين تمت مقابلتهم، كانوا يتحدثون عن الاستغلال الذي تعرضوا له من قبل مهربي البشر أثناء فرارهم من مناطق سيطرة تنظيم "داعش"، فالمنطقة المليئة بالألغام التي زرعها عناصر التنظيم، إضافة إلى وجود مقرات وحواجز تابعة للتنظيم في أماكن عدة أجبرهم على الاستعانة بمهرب، لإيصالهم إلى نهر الفرات.

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر إحدى العائلات النازحة في خيم الاستقبال في مخيم عين عيسى شمالي مدينة الرقة، وقد التقطت هذه الصورة في أواخر شهر أيلول/سبتمبر 2017.

 

صورة أخرى خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر بعض الأطفال النازحين في خيم الاستقبال في مخيم عين عيسى شمالي مدينة الرقة، وقد التقطت هذه الصورة في أواخر شهر أيلول/سبتمبر 2017.

ثانياً: أوضاع سكان المخيم:

وفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ  الخيام في مخيم عين عيسى تتوزع على (8) قطاعات، وكل قطاع يحوي (130-150) خيمة، يسكن فيها كل عائلة تريد البقاء في المخيم إلى حين تهدئة الأضاع الأمنية في مناطقها أو مغادرتها إلى مكان آخر، ولدى دخول المخيم تحصل العائلة الواحدة على خيمة بمساحة (16) متراً مربعاً، إضافة إلى عدد من الاسفنجات والأغطية وآواني المطبخ ومصباح قابل للشحن، ولكن سوء التنظيم وقلة المواد أدى إلى ظهور فروقات كبيرة في الأحوال المعيشية لسكان المخيم.

عبد الوهاب المحمد (42) عاماً، وهو أحد ساكني مخيم عين عيسى، كان قد نجح في الوصول إلى  المخيم في شهر أيار/مايو 2017، وحول صعوبة الأوضاع الإنسانية في المخيم تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

"نزحت وعائلتي المؤلفة من (7) أفراد من قرية دير حافر شرقي مدينة حلب منذ أكثر من عام، وذلك بسبب اندلاع الاشتباكات العسكرية مابين القوات النظامية السورية وفصائل المعارضة السورية المسلحة، حيث اتجهنا بدايةً إلى قرية المهدوم في ريف حلب ومنها إلى قرية السلحبية غربي مدينة الرقة، وبعد رحلة نزوح طويلة وشاقة وصلنا إلى مخيم عين عيسى، وبمجرد وصولنا إلى هناك قدموا لنا ثلاث اسفنجات وثلاث بطانيات قائلين لنا بأن هذا هو استحقاقنا فقط."

بحسب مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ مخيم عين عيسى يحوي (76) حماماً و(120) دورة مياه، و(46) مطبخاً، ونحو (200) خزان مياه موزعة في أرجاء المخيم، كما أنّ أهالي المخيم يعانون من نقص كبير في المواد الغذائية، فإدارة المخيم تقدم وجبة طعام واحدة لهؤلاء النازحين، ونظراً لحاجة الناس إلى المال من أجل الحصول على الطعام أو اللباس، بات العديد منهم يلجأ إلى بيع المعونات التي تقدمها لهم المنظمات، وفي هذا الصدد تابع عبد الوهاب محمد لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

"تقوم المنظمات الدولية بتسليم المساعدات إلى موظفي مفوضية شؤون اللاجئين المتواجدين في المخيم، وعند عملية التوزيع، تحصل الخيم الأولى على كفايتها، في حين لايحصل قسم كبير من الخيم على أي شيء، فليس هناك آلية معينة لتقديم المعونات والسلل الغذائية، حيث يتم ذلك بشكل عشوائي، ناهيك عن الفساد والمحسوبيات في التوزيع أيضاً."

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر الشاهد عبد الوهاب محمد وهو أحد نازحي مخيم عين عيسى شمالي مدينة الرقة، وقد التقطت هذه الصورة في أواخر شهر أيلول/سبتمبر 2017.

أما حسين علي شريف وهو من مواليد مدينة الرقة (1971)، فقد نجح في الوصول إلى مخيم عين عيسى بتاريخ 21 حزيران/يونيو 2017، وذلك بعد عدة محاولات في الفرار من مدينة الرقة التي كانت خاضعة آنذاك لسيطرة تنظيم "داعش"، حيث قال:

"في يوم 8 حزيران/يونيو 2017، حاولت الفرار برفقة عائلتي من مدينة الرقة، إلا أنّ عناصر التنظيم كشفوا أمرنا وأخذوا بطاقاتنا الشخصية وحوالي ثلاثين ألف ليرة سورية كنت أحملهم معي كمصروف لي ولعائلتي، وقال لي أحد عناصر التنظيم بأن علي أن أحصل على بطاقاتنا الشخصية من أحد المراكز التابعة لهم في مدينة الرقة، ولكنني بحثت عنها في كل المراكز ولم أجدها، إذ أنّ عناصر التنظيم كانوا يأخذون الهويات الشخصية بغية الهروب بها، وحتى لاينكشف أمرهم لدى قوات سوريا الديمقراطية. وفي محاولة أخرى للفرار، اتجهت برفقة عائلتي باتجاه قرية الكسرات في ريف الرقة الجنوبي، وعبرنا النهر بواسطة زورق صغير، ثمّ توجهنا إلى بلدة الكرامة القريبة من محافظة الرقة والتي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، وبقينا في مخيم الكرامة هناك حوالي (4) أيام، وبسبب تردي الأوضاع الإنسانية هناك توجهنا إلى مخيم عين عيسى."

وتابع حسين في معرض حديثه عن أوضاع المخيم المأساوية، بأن هنالك سرقات تتم من قبل أعضاء إدارة المخيم دون يقوم أحد بمسائلتهم، وأشار أيضاً إلى أنّ هنالك سيارات مليئة بالمعدات كان من المفترض توزيعها على سكان المخيم منذ فترة قصيرة، إلا أنها سرقت دون أن يتكلم عنها أحد، وحسبما أكدّ حسين فإنّ المعونة الشهرية تقدم لهم مع بداية كل شهر، حيث أنها تتضمن (6) عبوات زيت، وكيس رز، و(5) كيلو سكر، إضافة إلى بعض المواد الأخرى كالبرغل والبازلاء والملح، موضحاً بأن التمديدات الكهربائية لاتصل إلى الخيم، وإنما فقط تستخدم لإنارة المخيم، الأمر الذي يدفع النازحين إلى استخدام مصابيح يدوية يتم شحنها بواسطة الطاقة الشمسية وتستخدم لإنارة الخيمة في الليل.
 

ثالثاً: روايات النازحين عن" داعش" ودواعي هروبهم:

وتابعت زهرة عبد الصمد، بأنّها اضطرت النزوح من بلدتها عين عيسى باتجاه مدينة الرقة عدة مرات في العام 2014، فعندما سيطرت فصائل المعارضة السورية المسلحة على البلدة وانتزعتها من قبضة القوات النظامية السورية في أواخر نيسان/أبريل 2014، اضطرت زهرة للنزوح باتجاه مناطق سيطرة القوات النظامية السورية في مدينة الرقة، وذلك قبيل السيطرة عليها من قبل تنظيم "داعش" في شهر كانون الثاني/يناير 2014، حيث قالت:

"عقب سيطرة تنظيم "داعش" على الرقة، شهدت المدينة عمليات قصف شديدة، حيث كنا نقطن في الحي المجاورة لمنطقة "دوار النعيم"، وكنا نرى أعمال قطع الرؤوس هناك، وكان أطفالنا يخافون النوم من هول هذه المشاهد، أذكر جيداً كيف كان "دوار النعيم" يمتلئ بالرؤوس المقطعة على قضبان الأسوار، لذا تمّ تسميته لاحقاً بدوار "الجحيم"، إضافة إلى أنّ قوات النظام والطيران الروسي كانا دائماً مايتعرضان لهذا الدوار بالقصف، وفي عدة مرات تعرض منزلنا لتصدعات نتيجة هذا القصف."

وتذكر زهرة بأنّ "دوار الدلة" الكائن في مركز مدينة الرقة، كان هو الآخر شاهداً على عمليات تعذيب من قبل عناصر تنظيم "داعش"، كما كان هنالك سجن  للنساء اللواتي لاتتقيدن بتعاليم التنظيم، كأن تكشف وجهها أو حواجبها وغيرها من التهم، واستدلت بذلك على حادثة وقعت مع إحدى  النساء اللاتي كن في فترة الحمل، حيث اتهمها عناصر التنظيم بأنّ حاجبها مكشوف للناس، فتمّ وضعها في قفص في "دوار الدلة"، وأمضت هناك ليلة بأكملها، وفي اليوم التالي أصيبت المرأة بالجنون وفقدت عقلها بسبب الرعب والخوف الذي عاشته، وتابعت زهرة قائلة:

"لم يكن يجوز للنساء الخروج بلا محرم (رجل)، بينما كان اللباس الشرعي للنساء يكلف حوالي (6) آلاف ليرة سورية، رغم أنّ الحالة المادية لأغلب العائلات في المدينة لم تكن تسمح لهنّ بشرائه، كما كان الجميع في المدينة يتجنب الاحتكاك مع عناصر التنظيم خوفاً منهم، باعتبار أن كل من يعارضهم تنقلب حياته رأساً على عقب، وبقيت على هذا الحال في مدينة الرقة حوالي سبعة شهور، ومن ثمّ عدت وعائلتي إلى بلدتي عين عيسى والتي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية آنذاك بتاريخ 23 حزيران/يونيو 2014، وبقيت هناك نحو (20) يوماً، قبل أن يتمكن عناصر التنظيم من التسلل إلى البلدة بواسطة سيارات غنم مفخخة، ما اضطرني للنزوح مرة أخرى."

وأضافت زهرة بأنها توجهت إلى قرية تشرين[5] بالقرب من بلدة عين عيسى، حيث عانت الأمرين مع عائلتها هناك، إذ أنّ عناصر تنظيم "داعش" اتهموا زوجها بمساعدة قوات سوريا الديمقراطية وتقديم الماء لهم، رغم أن مياه الشرب في تلك القرية كانت غير صالحة للشرب، وفي كل فترة كان الأهالي يشترون صهريجاً بغية تدبر أمورهم، إلا أنّ عناصر التنظيم لم يقتنعوا بتلك الرواية حسب تعبيرها.

مريم سليمان الحمادي (50) عاماً، وهي إحدى النساء اللواتي نزحن من قرية الكبش الخاضعة لسيطرة تنظيم "داعش" آنذاك قرب مدينة الرقة، إذ أنها هربت برفقة ابنها الذي يعاني من الإعاقة، ونجحت في الوصول إلى مخيم عين عيسى في شهر أيار/مايو 2017، وفي هذا الصدد روت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:

"تمكنت من الفرار برفقة بعض أهالي القرية، وذلك عبر الأراضي الزراعية الكائنة غربي مدينة الرقة، ومازلت أذكر جيداً كيف تعرض بعض المدنيين الهاربين لانفجار الألغام على الطريق، إذ أنّ عناصر داعش كانوا يدخلون بيننا باللباس المدني والدراجات النارية مدعين أنهم سيوجهوننا إلى الطريق الصحيح، وفي طريق عودتهم كانوا يزرعون الألغام على الطريق، لمنع هروب جماعات أخرى من نفس الطريق."

ومن جهته، استحضر حسين علي الشريف بعض ممارسات عناصر تنظيم "داعش" في مدينة الرقة، مشيراً إلى أنّ غالبيتهم كانوا من ذوي الجنسية التركية المجنسين من قبل الحكومة الألمانية، إضافة إلى  جنسيات أخرى كالصينينة والشيشيانية وجنسيات عربية أيضاً كالسعودية والمغربية والقطرية، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:

"كانت مهمة عناصر التنظيم الأجانب هي الاقتحامات فقط، وكان لدى بعضهم أموال طائلة ويعملون كتجار، وعلى ما أذكر كان هناك تاجر يطلق عليه اسم "أبو يحيى الألماني" وهو التاجر الأول لدى داعش في تجارة السيارات، كما كان هناك "أبو يونس الألماني" وهو تاجر أيضاً، في حين كان التنظيم يسلم عناصره ممن يحملون الجنسية العربية مقاليد الحكم في مدينة الرقة."

وحسبما أكدّ علي حسين الشريف فإنّ تنظيم "داعش" كان يتخذ من دواري "الدلة" و "النعيم" في مدينة الرقة، نقطتين إعلاميتين له، نظراً للازدحام الكبير فيهما، إضافة إلى تواجد المحلات التجارية بكثرة هناك، موضحاً بأنّ عناصر التنظيم كانوا يضعون في هاتين المنطقتين شاشتين كبيرتين لعرض غزواتهم وأعمال القتل وقطع الرؤوس، كما أشار أيضاً إلى أنّ أغلب عناصر التنظيم كانوا يملكون سبايا يتاجرن بهنّ، فعلى سبيل المثال كانت الفتتيات بعمر (14) عاماً تباع بخمسة آلاف دولار أو ثلاثة آلاف دولار، وتابع حسين قائلاً:

"مع سيطرة تنظيم "داعش" على مدينة الرقة، خرج معظم أهالي المدينة باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري، كمدينة دمشق واللاذقية وطرطوس وغيرها، وقبلها كانت الرقة ملاذاً لأهالي محافظة دير الزور وحماة وحمص وحلب وغيرها من المناطق، فاختلطت الناس ببعضها وكانوا يسكنون في المدارس كنازحين أو كانوا يستأجرون بيوتاً في مدينة الرقة، حيث أن التنظيم كان يجبر الأهالي على البقاء في المدينة وعدم الخروج منها لاستخدامهم كدروع بشرية."

ونوّه حسين إلى أن عناصر تنظيم "داعش" كانوا يمتلكون أسلوباً بارعاً في إقناع الشباب والأطفال للانضمام إليهم، مادفعه إلى إرسال ولديه إلى تركيا خوفاً من انضمامهم إلى التنظيم، كما قال بأنّ التنظيم كان يحتكر مجالات العمل في مدينة الرقة، فإما أن تعمل معه أو أن تبقى بلاعمل، مضيفاً بأنّ عناصر التنظيم كانوا يدفعون أجور العمل بعملة الدولار، ويدفعونها بشكل كامل لإغراء الشباب، بينما كان الفساد سارياً بينهم لأعلى درجاته.
 

رابعاً: الواقع الصحي والطبابة في المخيم:

يتواجد بين النازحين في مخيم عين عيسى، (144) امرأة أرملة و(76) امرأة مطلقة، و(191) معاق، إضافة إلى (706) طفل من سن حديثي الولادة حتى عمر (16) سنة، كما يتواجد في المخيم لجان للتربية الصحية والتوعية لكن بحسب الإمكانات المتوافرة، وهو الأمر الذي أكده جلال العياف رئيس لجنة إدارة مخيم عين عيسى لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، وفي هذا الخصوص تحدث قائلاً:

"يتواجد في مخيم عين عيسى مركز صحي تابع لمنظمة "أطباء بلا حدود" من أجل تقديم الخدمات الصحية للنازحين، لكن هذا المركز يعاني من قلة أعداد الأطباء وأنواع الأدوية، فعلى سبيل المثال هناك طبيب نسائي وطبيب أطفال لكنهما لا يتواجدان إلا مرة واحدة أسبوعياً، وليس هناك أحد يحل مكانهما في بقية الأوقات."

عائلة منى الأحمد، هي إحدى العائلات النازحة أيضاً من مدينة الرقة إلى مخيم عين عيسى منذ شهر تموز/يوليو 2017، ولاتملك هذه العائلة إلا خيمة مهترئة تفتقر لأبسط مقومات العيش، في حين تعمل الوالدة جاهدة لتأمين لقمة العيش لأفراد عائلتها الثمانية، فزوجها المختل عقلياً لايمكنه التصرف بشيء على حد وصفها، وحول الأوضاع الطبية في مخيم عين عيسى تحدثت منى الأحمد قائلة:

"تعرضت إحدى بناتي وعمرها (7) أعوام إلى كسر في رجلها أثناء نزوحنا من الأحياء الشرقية في مدينة الرقة، وبعد أن انجبر كسرها بشكل خاطئ عاد وانكسر مرتين متتاليتين، فلم يشرف على علاج ابنتي الكادر الطبي في المخيم، ووضعنا المادي سيء للغاية، وكان هناك طبيبة فرنسية قالت بأنها ستتولى علاج رجل قدم ابنتي لكنها لم تأتي."

وأضافت منى التي تطوعت اثنتين من بناتها لدى قوات "الأسايش" التابعة للإدارة الذاتية ووحدات حماية المرأة، بأنّ كل ماتملكه هو خيمة وثلاث اسفنجات، حيث اكتفت بالقول:

"لا أحد يسمعني وكأنني أغني في الطاحون، أولادي يأكلون وجبة واحدة ويبقون جائعين حتى وجبة اليوم التالي."

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة تظهر عائلة منى الأحمد وهي إحدى العائلات النازحة إلى مخيم عين عيسى شمالي مدينة الرقة، وقد التقطت هذه الصورة في أواخر شهر أيلول/سبتمبر 2017.

 

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر ابنة منى الأحمد التي تعرضت إلى كسر في ساقها، وتدهور وضعها الصحي جراء سوء الطبابة المقدمة لها في مخيم عين عيسى، وقد التقطت هذه الصورة في أواخر شهر أيلول/سبتمبر 2017.

أما زهرة عبد الصمد، فقد قالت بأنّ ابنها ذو السبع سنوات، يعاني من قصر في أوتار ساقيه، وهو بحاجة ماسة إلى عملية جراحية، إلا أنّ ذلك تعذر عليه بسبب افتقار المخيم إلى الطبابة الجيدة والأدوية، مشيرة إلى أنها إن أردات علاج ابنها خارج المخيم فإن ذلك قد يكلفها حوالي (150) ألف ليرة سورية.

ويبدو أنّ ذات القصة حدثت مع مريم سليمان الحمادي وابنها الذي يعاني من الإعاقة وهو بحاجة ماسة للعلاج، حيث أشارت إلى أنّ الطبابة غير الكافية في مخيم عين عيسى أدت إلى تدهور وضعه الصحي، حيث تابعت قائلة:

"في إحدى المرات أصيب ابني بالاختلاج بسبب ارتفاع حرارة جسمه، إلا أنّ العاملين في المستوصف لم يستطيعوا تقديم المساعدة له، أو حتى حقنه بإبرة خافضة للحرارة، بسبب عدم توفر المواد الطبية اللازمة في المخيم."

وأضافت مريم بأنّ طفلها ابن الثمانية أعوام يعاني من ضمور في الدماغ، لذا فهو يحتاج إلى الأدوية بشكل دوري، إلا أنّ حالتها المادية لا تسعفها لتقديم الدواء اللازم لطفلها، فيما لاتتوفر هذه الأدوية في مستوصف المخيم، وعلاوة على ذلك فهو يحتاج إلى العلاج الفيزيائي، وأنهت حديثها قائلة:

"إضافة إلى مرض ابني فإنّ الخيمة المهترئة التي نقطن فيها بحاجة إلى الإصلاح، ومازلت بانتظار تنفيذ الوعود بذلك، ناهيك عن أنّ تعرض ابني محمد إلى البرد القارس يزيد من وضعه الصحي سوءاً، لكن ليس بيدنا حيلة."

خامساً: احتياجات ووعود:

حسبما أكدّ جلال العياف "رئيس لجنة إدارة مخيم عين عيسى" لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ مايحتاجه سكان المخيم بالدرجة الأولى هو الدفعات النقدية "الكاش"، أما المأكل والمشرب فيتم تأمينه للنازحين، فيما يقع على عاتقهم مهمة شراء اللباس ومستلزمات الأطفال، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:

"تقدم جمعية "المودة" الخيرية مع منظمة "روجا آفا" بدعم من برنامج الغذاء العالمي سلة غذائية كل شهر، تحتوي على(5) كيلو رز و(5) كيلو برغل و(10) كيلو سكر و(7) لتر زيت بالإضافة إلى العدس والفول والحمص، كما أنّ هناك منظمات عدة قدمت لنا وعوداً بتقديم المساعدة في الأيام القليلة الماضية، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري، وهناك وعودٌ أيضاً من منظمات أخرى لتلبية احتياجاتنا من سلات النظافة والسلات التي تحوي بعض المعلبات لتغطية وجبتي الفطور والعشاء، ومن اللافت الإشارة إلى أنّ أعداد النازحين إلى المخيم يوازي الخارجين منه، فبعض العائلات يتخذون من مخيم عين عيسى نقطة عبور لهم، ومن ثمّ يكملون مسيرهم إلى مكان آخر، بينما يفضل البعض البقاء فيه على أمل العودة قريباً إلى مناطقهم ريثما يستبب الأمن."

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جلال العياف وهو رئيس لجنة إدارة مخيم عين عيسى للنازحين شمالي مدينة الرقة، وقد التقطت هذه الصورة في أواخر شهر أيلول/سبتمبر 2017.

ويرى أغلب النازحين الذين التقاهم مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في مخيم عين عيسى، بأنّ تنظيم "داعش" هو "بدعة دولية" خُلقت لتخريب البلاد وقتل الناس، وقد قام عناصره بمهامهم وخرجوا بواسطة الدول الراعية لهم إلى بلادهم أو سيتم استخدامهم في بلاد أخرى.

ومن جانبها تتمنى زهرة عبد الصمد أن يكفّ العالم عن تقديم الدعم لتنظيم "داعش"، حيث اكتفت بالقول:

"هناك داعمون ل"داعش" من الدول، وهم الآن يقاسون منهم. يكفينا دماراً وقتلاً لشبابنا، ويكفي حرمان الأطفال من أمهاتهم ومدراسهم."

ومن الجدير ذكره أن مخيم عين عيسى يعد واحداً من عدة مخيمات شُيدت من قبل الإدارة الذاتية في مناطقها، حتى تصبح مأوى لآلاف النازحين الهاربين من العمليات العسكرية.

 


[1] في 9 أيلول/سبتمبر 2017، أعلن "مجلس دير الزور العسكري" المنضوي تحت قوات سوريا الديمقراطية بدء معركة "عاصفة الجزيرة" وذلك بدعم من قوات التحالف الدولي بغية السيطرة على الريف الجنوبي المتبقي من محافظة الحسكة والخاضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، إضافة إلى مناطق شرقي الفرات والتي تتبع إدارياً لمحافظة دير الزور.

وكانت القوات النظامية السورية قد أعلنت مسبقاً وفي شهر حزيران/يونيو 2017، عن معركة ديرالزور بغية طرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية من الطرف الغربي من نهر الفرات، هذه المعارك كانت مترافقة بعمليات قصف روسية وسورية عنيفة جداً إضافة إلى قصف الطيران التابع للتحالف الدولي، ما أدى إلى نزوح أهالي محافظة ديرالزور وبشكل يومي، حيث وصلت أعدادهم وبحسب باحث سوريون من أجل الحقيقة والعدالة من 1500 حتى 2000 نازح يومياً باتجاه المناطق الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية.

[2] تنظيم "الدولة الإسلامية" والمعروف باسم تنظيم داعش -ظهر لأول مرة بعد إندلاع النزاع في سوريا عام 2011- تحت اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" في شهر نيسان/أبريل من العام 2013 وتم ال

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد