تقديم: "أعمل خبازاً في أحد الأفران المحلية في مدينة القامشلي، وكما في كل صباح استيقظت باكراً وتوجهت إلى مكان عملي. كانت الساعة التاسعة وعشرون دقيقة تقريباً عندما سمعت صوت انفجار قوي هزّ المدينة، نظر شقيقي من خارج الفرن وقال أظنّ أن هذا التفجير وقع بالقرب من مدينة الشباب -وهو مكان يبعد حوالي الكيلومتر عن مكان التفجير الحقيقي- ولكنّني نظرت إلى الدخان المتصاعد من مكان التفجير عندها أخبرته أنّ هذا التفجير وقع في شارع عامودا ويبدو أنّه قريب جداً من منزلنا …
على الفور أخذت سيارة تعود لأحد أصدقائي وحاولت الوصول إلى مكان التفجير، لكن قوات "الأسايش" كانت قد أغلقت جميع الطرقات، فأكملتُ طريقي سيراً على الاقدام إلى مكان التفجير الذي كان يبعد بضعة مئات من الأمتار عن مكان توقف السيارة. عندما وصلت إلى مكان التفجير نظرت مباشرة إلى منزلنا الذي أسكن فيه أنا وعائلتي- وهو عبارة عن مبنى مؤلف من عدّة طوابق- ولكنني لم أر أي منزل، رأيت الشارع الذي يقع وراء منزلنا فقط، أمّا منزلي فكان قد تحول إلى كتلة من الرماد، بحيث لم يبقَ منه شيء قط.
حاولت إيجاد سيارة والدي على أمل أنّه قد ركبها وذهب باتجاه السوق كما يفعل عادة، ولكن عندما أمعنت النظر قليلاً في إحدى السيارات وجدتها وهي تحترق. بقيت قليلاً أتمعن في ذلك الخراب الذي أحدثه التفجير، وبعد برهة جاء ابن عمتي وأخبرني بأنّه قد أخذ والدتي إلى مشفيين اثنين ولكن كلاهما أكّدا له بأنّها قد فارقت الحياة، قال لي بأنه قد وضع جثمانها في إحدى مساجد المدينة. بحثت عن بقية أفراد عائلتي فوجدت ابنتي الصغيرة وقد وضعوها في إحدى سيارات الإسعاف وهي بحال خطرة، وبعد حوالي عشر دقائق قام بعض الأشخاص باستخراج ابني من تحت الأنقاض فأخذته وذهبت إلى مشفى "فرمان" لكنه كان قد فارق الحياة . فعدت إلى مكان الحادث لألتقي بعمّي الذين أخبرني بأنّ زوجتي وابنتي موجودتان في مشفى "نافذ" ولكنّهم فارقوا الحياة أيضاً … جاء أخي بعد ذلك وقال لي أنّ إحدى شقيقاتنا قد نجت من التفجير ولكنها تعرّضت لبعض الكسور في الحوض والكتف.
حملت جثمان زوجتي وابنتيّ وأخذت جثمان ولدي وجمعتهم جميعاً بالقرب من جثمان والدتي في المسجد الذي تم وضعها فيه، توجهت بعد ذلك إلى "المشفى الوطني" للبحث عن بقية أفراد العائلة فوجدت أختي الصغيرة وقد احترقت بشكل كامل، أمّا زوجة أخي فقد انشطرت إلى نصفين بسبب التفجير. وبقي والدي الذي بحثت عنه في المشافي وبرادات الموتى والمساجد وفي كلّ مكان دون أن أجده.
في اليوم التالي بحثت مرة أخرى في جميع المشافي والمساجد ولكن دون جدوى، فعدت إلى مكان التفجير حيث كانت فرق الانقاذ ما تزال تعمل وأخبرتهم أنني لم أعثر على والدي الذي كان هنا في هذا المكان أثناء التفجير، أخبرتهم بأنني أتوقع أن تكون جثته ما تزال هنا تحت الأنقاض. وبالفعل فقد وجدوا الجثّة بعد مضي يوم كامل على الحادثة وكان قد فارق الحياة.
فقدتُ في هذا التفجير ثمانية من أفراد عائلتي، وفي البناء المجاور لمنزلنا فقدَ عميّ الذي كان يقطن مع أفراد أسرته ابناً وثلاثاً من زوجات أولاده، أمّا في قبو منزلنا فكانت تقيم عائلة خالي الذي فقد شخصين هما الطبيب "كاسترو" وشقيقته "بلشين" الطالبة في كلّية الطب البشري.
فقدنا كل شيء في هذا التفجير، الأهل والمال وجميع ما نملك … جميع ما نملك.
"الناجي سمير عبد الكريم أحمد شيخ موسى" القامشلي آب 2016
لقراءة هذا التقرير كاملاً أو تحميله كملف (PDF) يرجى الضغط على هذا الرابط.