-
خلفية:
عقب الثامن عشر من آذار/مارس 2018، وبعدما أحكم الجيش التركي قبضته العسكرية على منطقة عفرين شمال غرب سوريا، بمساندة فصائل “الجيش الوطني السوري/المعارض”، اعتقلت تلك المجموعات المسلّحة الآلاف من أبناء المنطقة ذات الغالبية الكردية، وشاركت الأجهزة الأمنية التركية في عدد من الاعتقالات ونقلت بعض المحتجزين إلى الداخل التركي و/أو أودعتهم في سجونها، بعضهم لا يزال رهن الاعتقال.
وكان 4 من هؤلاء المعتقلين الذين نقلوا من عفرين، إلى الداخل التركي، حيث تمكنت “سوريون” من التواصل مع مُقربين منهم أو من المعتقلين أنفسهم، ممن تعرض هناك إلى تعذيب وسوء معاملة وتغييب القسري عن ذويهم، دون التمكن من التواصل معهم خلال فترة التحقيق. إضافة إلى ذلك، فقد حصلت “سوريون” على إفادة لمعتقل استمر 3 سنوات ونصف، إلى الحدّ الذي اعتقد فيه ذوّه بأنه فاقد للحياة، قبل أن يفاجئوا باتصال هاتفي منه من سجن مركزي في عفرين، نقل إليه بعد فترة تحقيق داخل تركيا، واعتقال وتغييب قسري في سجن الراعي شمال شرق حلب. وتخضع مدينة الراعي التي تطلق عليها تركيا اسم “جوبان باي”، بشكل كلّي لفصائل “الجيش الوطني السوري” برعاية تركية، وتتمركز هناك أكثر المرافق حساسية، ويعتبر فصيل “فرقة السلطان مراد” الأكثر سيطرة فيها، بقيادة “فهيم أحمد عيسى”، وهو من الأقلية التركمانية، المقرّب بشكل كبير للحكومة التركية وتحديداً حزب الحركة القومية المتطرف.
ولم تمتلك الجهات التي نفذت الاعتقالات دلائل تبرر ذلك، باستثناء شكوك واتهامات أو وجود صور لشخصيات كردية من عفرين داخل منازل المعتقلين، حيث كان يجري تمشيط قرى عفرين، تحت ذريعة البحث عن أسلحة، وخلالها كان يجري اعتقال الشبان أو من يشك المسلحون بأنهم قد يكونون متعاونين أو متعاطفين مع القوات الكردية التي كانت موجودة في عفرين منذ العام 2012، وحتى آذار/مارس العام 2018.
وبحسب الشهادات التي حصلت عليها “سوريون” لم تختلف ظروف الاعتقال بين المعتقلين بشكل كبير، إذ عانوا من التعذيب والتغييب القسري عن ذويهم وسوء المعاملة، لكن المعتقلين من خلفيات دينية غير مسلمة (خاصة الكُرد الايزيديون)، كان لهم “نصيب الأسد” في التعذيب، بجانب إجبارهم على نطق الشهادتين وإعلان الإسلام بشكل قسري تحت طائلة التهديد والتعذيب الجسدي والنفسي.
في هذا التقرير الموجز، “تسلط سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الضوء على عدد من عمليات الاعتقال التي تعرض لها أهالي عفرين، إبان سيطرة تركيا على أراضيهم، وما قاسوه خلال اعتقالهم سواء لدى الجانب التركي أو لدى مسلحي “الجيش الوطني السوري”، وفي الوقت الذي حصل فيه البعض منهم على حريته عقب سنوات من الأسر، فإن آخرين لا يزالون قابعين في غياهب السجون، دون أن يدري أحد بمصيرهم.
يستند التقرير على مقابلاتٍ، أجراها الباحثون في “سوريون” مع مصدرين محليين، الأول مُقرّب من أحد المعتقلين، وشاهد على محاكمته مع شابين آخرين اعتقلا بالتوازي معه من ذات القرية، فيما المصدر الثاني هو معتقل سابق جرى نقله إلى الأراضي التركية، ثم أعيد إلى الداخل السوري ليسجن 3 سنوات ونصف بمركز احتجاز سرّي.
أجريت المقابلتان عبر الانترنت باستخدام تطبيق تواصل آمن، وأطلع المصدران على الطبيعة الطوعية للمقابلة وطرق استخدام المعلومات التي شاركوها، ومن ضمنها نشر هذا التقرير، من خلال أخذ موافقاتهم المستنيرة، وطلب المصدران عدم الكشف عن هويتهما أو أي تفاصيل تدل عليهما خوفاً من عمليات انتقامية قد تطالهم أو ذويهم من قبل الفصائل المسيطرة على المنطقة.
-
اعتقال ونقل مدنيين إلى تركيا لمجرد الاشتباه:
في أبريل/نيسان العام 2018، وبعد دخول تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” إلى قرية جَلَمة التابعة لناحية جنديرس بريف منطقة عفرين شمال غرب سوريا، تم تمشيط القرية وتفتيشها بالكامل، ونتيجة ذلك، اعتقل 3 شبان، هم كل من (ك ع خ)، و(ج م ع)، والثالث (م م) من قرية “بعيه”، والذي كان مرتبطاً بفتاة من قرية جلمة، ومتواجداً وقتها في بيت خطيبته، واعتقل من هناك.
أشار وائل سعيد[1] (اسم مستعار) وهو المُقرّب من الشاب (ك ع خ)، إلى أن الشبان الثلاثة اعتقلوا دون سبب، حيث لم يضبط معهم أي شيء، كالأسلحة، كما لم يكونوا مقاتلين ولم يكونوا في الجبهات، بل كانوا مدنيين في بيوتهم، والثلاثة أعمارهم كانت بين 20 إلى 30 عاماً، حيث تم نقلهم من قرية “جلمة” إلى مركز ناحية جنديرس، ومن هناك مباشرة إلى الأراضي التركية، وأضاف لـ “سوريون”:
“بعد فترة، سمعنا عن طريق بعض السجناء الذين كانوا متواجدين معهم، أنهم موجودون في تركيا، في ولاية هاتاي في سجن اسمه “يايلي داغ”، وبعدها اتصل شخص مع والد المعتقل (ك ع خ)، وقال له بأنه محامي، وكان من عرب لواء الإسكندرونة (أنطاكيا)، حيث تحدث معه باللغة العربية، وذكر له بأنه يعلم بأن ابنه موجود في السجن، وأنه التقى معه، وسأل الوالد إن كان يريد توكيله بغية الدفاع عن ابنه”.
تمت محاكمة (الشبان الثلاثة) بعد عام تقريباً من اعتقالهم، وحوكموا في أول محاكمة بعقوبة قدرها 4 سنوات وشهرين سجن لكل واحد منهم على حدى، وأوضح وائل بأن أعداد المعتقلين من عفرين وباقي المناطق الكُردية في شمال سوريا كانت كبيرة، فقال:
“ذكر (ك ع خ) بأنه كان معهم في سجن يايلي داغ، عدد كبير من المعتقلين من عفرين وقراها، ومن كوباني، بعضهم خرج من السجن قبله، وقد زاروا والده وأوصلوا له سلام ابنه من السجن، وبعد خروج (ك ع خ) من السجن، كان لا يزال عدد من هؤلاء المعتقلين مسجوناً، حيث حُكم على بعضهم بأحكام تصل إلى 8 سنوات أو 10 سنوات وأكثر”.
وخلال تواجد هؤلاء الشبان في السجن، تعرض ذوهم إلى الابتزاز المالي من المحامي، الذي استحوذ الأموال منهم بذريعة تخفيف الحكم عن أبنائهم، لكنه لم يخض في ذلك أمام المحكمة، حيث زعم لدى مواجهة ذوي المعتقلين له بذلك بأن قضية أبنائهم تتعلق بـ”الإرهاب”، وأنه لا يستطيع الدفاع عنهم في هذه الحالة، على الرغم من علمه بطبيعة التهم الموجهة للشبان عند تلقيه الأموال، حيث وصل مجموع ما تلقاه من والد (ك ع خ) إلى 2500 دولار.
وبعد الإفراج عن المعتقلين الذين أمضوا 4 سنوات وشهرين تقريباً، لم تمنحهم السلطات التركية الأوراق الثبوتية الخاصة بهم لمدة عام كامل، اضطروا خلالها للبقاء داخل الأراضي التركية فيما يشبه الإقامة الجبرية، وحولها ذكر وائل:
“بعد الإفراج عنهم، حيث لم يجري اعطائهم هوياتهم الشخصية، وظلوا عاماً كاملاً فيما يشبه الإقامة الجبرية داخل تركيا، إذ منعوا من العودة إلى سوريا، ولا الذهاب لأي دولة أخرى”.
ووفقاً لـ وائل، فإن المحاكمات التي عقدت للشبان كانت شكلية/صورية، مؤكداً ذلك بالقول:
“قال (ك ع خ) أنهم حين اعتقالهم في قرية جلمة، كان يوجد كيس لبعض “المضبوطات/أسلحة صيد” في القرية، وقد توقع الشبان أن يجري اتهامهم بمحتوياته، لكنهم لم يتعرضوا لذلك، حتى أنه لم يتم الاستفسار منهم إن كانوا يملكون أسلحة أو غيرها، بل كانت المحكمة شكلية ولم تضم لا أسئلة ولا أجوبة ولا محامي دفاع أو غيره”.
ولا تؤثر عمليات اعتقال الشبان الكرد على المعتقلين فقط، بل تؤثر بشكل مباشر على ذويهم، الذين يتعرضون لنكسات صحية ونفسية مرتبطة بفقدان أبنائهم وعدم قدرتهم على الدفاع عنهم، وانقطاع أخبارهم عقب الاعتقال مع إخفاء الجانب التركي أمكان وجود أبنائهم أو مصيرهم أو سبب اعتقالهم، ولجملة الأسباب تلك، يعتقد بأن والد (ك ع خ) قد تعرض إلى نكسة صحية، وحولها بيّن وائل:
“كان (ك ع خ) عريساً جديداً لدى اعتقاله، وأثّر اعتقاله على أهله جميعاً، خاصة والده، الذي لم يمض عام على اعتقاله حتى أصيب بسرطان الرئة، وأجريت له عملية جراحية، أزيل خلالها جزءً من رئته، كما تعرض للعلاج بالجرعات الكيماوية، ولا يزال يتلقى العلاج منذ 5 سنوات”.
-
اعتقال ونقل إلى الأراضي التركية بعد عدم النزوح:
وكما في حالة (ك ع خ) والشابين الآخرين المعتقلين معه من قرية جلمة، فقد حصلت عمليات اعتقال مماثلة في باقي قرى عفرين، ومنها قرية “شيه/شيخ الحديد” وهي مركز الناحية أيضاً، حيث تعرض الشاب[2] (م ح) للاعتقال بتاريخ 6 آذار/مارس 2018، وكان عمره وقتها 21 عاماً، إذ قُبض عليه في حيّه التي كان يتواجد فيه مع مجموعة من المدنيين، حيث لم تكن القرية فارغة بالكامل خلال سيطرة الجيش التركي وفصائل “الجيش الوطني السوري” عليها، فاعتقل مع آخرين.
قال الشاب (م ح) لـ”سوريون” بأنه بعد اعتقاله نقل إلى تركيا، لكنه لا يعرف اسم المنطقة التركية، بيد أنه أدرك ذلك بسبب وجود الكهرباء، حيث لم يكن هناك كهرباء في عفرين (خلال فترة الحرب)، بجانب أن الحراس والمحققين كانوا جميعاً يتحدثون باللغة التركية، وتابع:
“بقيت في تركيا نحو أسبوع إلى عشرة أيام، أمضيتها في المنفردة، وتعرضت خلالها للتعذيب عقب أن كان يجري تجريدي من كامل لباسي وسكب المياه الباردة عليّ، بجانب منع الطعام عني وتوجيه الشتائم لي، كان يوجد معتقلون كثر من عفرين، من بينهم نساء، وبعد التحقيق معي لمدة عشرة أيام، تم تحويلي إلى سجن الراعي”.
وفي سجن الراعي، أمضى (م ح) شهرين في المنفردة كذلك، تم خلالها التحقيق معه، ثم نقل إلى المهجع الجماعي المكتظ بالمعتقلين، وحولها سرد (م ح):
“كان يجري التحقيق مع أي معتقل جديد وتعذيبه ثم نقله إلى المهجع الجماعي، وهو ما حصل معي حيث نقلت إلى المهجع الجماعي بعد شهرين من وصولي إلى السجن”.
وأردف:
“كان المهجع الجماعي بطول ثلاث عشر متراً وعرض 3.5 متر، وكنا نحو 150 إلى 160 شخص بداخله، إضافة على وجود مهاجع كثيرة أخرى”.
ولا يعتبر سجن الراعي، سيئ الصيت، الذي نُقل إليه المحتجز بمعزل عن الجانب التركي الذي يتولى الإشراف عليه عبر فصيل “فرقة السلطان مراد”، ولعل أسوأ ما في ذلك المعتقل أنه يعتبر مركز اعتقال سري، لا يمكن للمعتقلين فيه التواصل مع ذويهم، حيث يظلون في غياهب السجن ضمن عداد المفقودين، فيما يعتبر الخروج منه ولادة ثانية للمعتقل، وحول ذلك قال (م ح):
“خلال فترة اعتقالنا في سجن الراعي، لم يُسمح لنا بالتواصل مع مُحامين أو مع ذوينا، كنا مخفيين داخل فرع استخباراتي بحت، أنا مثلاً لم تكن عائلتي تملك أي معلومات عني إلى أن خرجت من هناك، علما أن من يخرج من السجن لا يجري تزويده بأي إثبات يمكنه من التنقل، وهو ما يعني بأن أي فصيل آخر يستطيع اعتقالك”.
وفي ذلك المعتقل، كان يجري تعمّد إذلال الشبان الكُرد وإهانة النساء الكُرديات المعتقلات، ومن أساليب الإهانة تلك بيّن (م ح):
“كنا حوالي 1500 سجين في الراعي، كلهم من عفرين أو من أصول كردية، أما النساء فكان مجموعهن نحو 50 إلى 60 سيدة”، و”كان التعذيب يتضمن الكثير من الطرق، منها الإهانة، عبر جلب النساء وإمساكهن من شعرهن، حيث كان المسلحون يقولون لهن هؤلاء هم رجالكم في عفرين، بينما كان يجري الدعس على رؤوسنا”.
ووصف المعتقل السابق ظروف الاعتقال ضمن ذلك السجن السري، مع أقرانه من أبناء عفرين، مقاسياً الأمراض وقلة الاهتمام المتعمدة بالغذاء والنظافة، فذكر (م ح):
” لم أرَ الشمس خلال 3 سنوات ونصف، كان المهجع أسفل الأرض بـ22 درجة، يسمح لنا فيها بالاستحمام مرة واحدة كل 21 يوماً دون منظفات، كنا ندخل كل 5 سجناء معاً إلى الحمام، عقب أن يجري تجريدنا من ثيابنا في المهاجع، بعملية مرافقة بالضرب والإهانة والشتائم”.
وضمن المهجع الجماعي، ونتيجة لظروف التعذيب وقلة الاهتمام بالغذاء وعدم معالجة المرضى أو الذين جرى تعذيبهم، خسر عدد من السجناء حياتهم، لكنهم ورغم ذلك لم يحظوا بتعامل إنساني خلال عملية دفنهم، التي لا يزال الكثير من خيوطها مفقوداً، إذ لفت (م ح):
“كنا في الصيف، وتوفى معنا سجين في الساعة التاسعة صباحاً، فأخبرنا السجانين بغية إخراجه قبل أن تخرج منه رائحة تحلل جسده بسبب الحرّ، وعوضاً عن ذلك، جلبوا للمهجع “كالون/بيدون” وبداخله قالبا بوظ/ثلج، حيث تم وضع جثة المتوفي فيه حتى الليل، إذ كانوا يمتنعون عن إخراج الجثث صباحاً، وينتظرون حتى الساعة الواحدة أو الثانية ليلاً، ليقدموا ويأخذوا جثث المتوفين، لكن لا نعرف أين كان يجري دفنهم”.
وبعد نحو 3 سنوات ونصف أمضاها في سجن الراعي، تم تحويل (م ح) إلى المحكمة إعزاز، ومن هناك حوّل إلى سجن معراتيه المركزي في عفرين، ليسمح له هناك بالتواصل مع ذويه للمرة الأولى منذ اعتقاله من بلدته “شيه/شيخ الحديد”، كي يخبرهم بأنه حيّ يرزق، لكن وقبل أن يجري الاتصال، حاول (م ح) أن يقنع السجانين بالتحدث بالكُردية مع أمه الستينية، كونها لا تعرف العربية، لكنهم منعوه، قبل أن يصدم بوفاتها، فقال:
“كان يجري منعنا من التحدث باللغة الكُردية، كانوا ينعتون كل كُردي بالإرهاب، وهو أمر كان في المعتقل داخل تركيا، وفي سجن الراعي، وأيضاً في سجن معراتيه، ففي سجن معراتيه حاولت الحصول على أذن للحديث مع والدتي باللغة الكُردية كونها كبيرة بالعمر (60 عام) ولا تعرف اللغة العربية، لكن تم منعي من ذلك، قبل أن أفاجئ فيما بعد بأن والدتي متوفية، وبأن ترجيّ لهم كان بلا طائل، وكثيراً ما تم تعذيب البعض منا لحديثه باللغة الكردية، نتيجة أنهم من أهالي القرى ولا يعرفون اللغة العربية”.
وكما في حالة (ك ع خ)، فقد تعرض ذوو (م ح) للابتزاز المالي، حيث دفع فدية مالية عند خروجه من السجن، بلغت 8000 ليرة تركية، وحيالها سرد (م ح):
“خلال تواجدي في سجن معراتيه، تم تحويلي إلى المحكمة التي حكمت علي بالسجن لمدة 5 سنوات، مع غرامة مالية قدرها 8000 ليرة تركية، عدى أتعاب المحامي، أمضيت منها 4 سنوات نتيجة حساب سنة السجن بـ9 أشهر، حيث تقدمت بطلب الإفراج بعد مرور أربع سنوات للإفراج عني في آخر ربع المدة، وخرجت من سجن معراتيه بعد قضاء فترة 5 شهور فيه”.
وكل ما قيل في منقلب وأن يكون المعتقل ايزيدياً في منقلب آخر، فالإيزيديون عليهم “خط أحمر” وفقاً لـ(م ح)، وإن صادف السجّانون معتقلاً أيزيدياً، كانوا يشددون عليه عمليات التعذيب، نوّه (م ح) حيالها فقال:
“كان المعتقلون الايزيديون يجبرون على الصلاة والصيام وشهادة أن لا إله إلا الله،، وطبعاً كانت الصلاة إجبارية على كل السجناء تحت طائلة التعذيب والحرمان من الأكل والشتم لعائلته وزوجته وأخته، بجانب استخدام أساليب تعذيب كثيرة كإذابة النايلون على البطن، أو جلب الحجر وربطها بالعضو الذكري للمعتقل وإجباره على الوقوف مما كان يتسبب له بآلام كبيرة، وبالتالي حتى الأيزيدي أصبح يصلي في السجن بسبب الخوف”.
-
رأي وتعليق قانوني:
إن تصرفات الحكومة التركية بحق المحتجزين السوريين وفق ما ورد في هذا التقرير تتناقض مع الالتزامات المفروضة عليها بموجب قواعد القانون الدولي، حيث تعتبر تركيا دولة احتلال في المناطق التي تسيطر عليها في الشمال السوري وفقا للمادة 42 من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية (اتفاقية لاهاي) لعام 1949، التي اعتبرت إن أرض الدولة تكون محتلة عندما تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو، وبحسب المادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، فإن جميع حالات الاحتلال، سواء كانت كلية أم جزئية وبغض النظر فيما إذا كانت قد واجهت مقاومة مسلحة أم لا، يحكمها القانون الإنساني الدولي للنزاعات المسلحة الدولية.
لذلك، فإن قيام الحكومة التركية باعتقال أشخاص سوريين ونقلهم إلى أراضي الدولة التركية واعتقالهم ومحاكمتهم، يتعارض مع ما ورد في المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي منعت عمليات النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت الأسباب، كما إن محاكمة البعض منهم أمام المحاكم التركية ووفقاً للقوانين التركية، يخالف ما تم النص عليه في المواد 64 و66 من الاتفاقية المذكورة، حيث أن التشريعات الجزائية الخاصة بالأراضي المحتلة تبقى نافذة، ولا يجوز لدولة الاحتلال الغائها أو تعطيلها إلا إذا كان فيها ما يهدد أمنها، أو يمثل عقبة في تطبيق هذه الاتفاقية وذلك لضمان الاحترام لأحكام هذه الاتفاقية، ولضرورة ضمان تطبيق العدالة على نحو فعال تواصل محاكم الأراضي المحتلة عملها، ويشترط ان تُعقد المحاكم في البلد المحتل، وعلى فرض صحة الاتهامات الموجهة للمعتقلين فإنه من الواجب محاكمتهم أمام المحاكم السورية وبموجب التشريعات السورية، وهذا ما أكدته أيضاً المادة الثالثة من قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري لعام 1953 التي نصت على أنه “تقام دعوى الحق العام على المدعى عليه أمام المرجع القضائي المختص التابع له مكان وقوع الجريمة أو موطن المدعى عليه أو مكان إلقاء القبض عليه”، ونصت المادة 15 من قانون العقوبات السوري لعام 1949على أنه “يطبق القانون السوري على جميع الجرائم المقترفة في الأرض السورية”
إن عدم توفير الظروف الصحية المناسبة للمعتقلين وعدم معالجة المرضى منهم، وفق ما ورد على لسان مصادر هذا التقرير، سواء في السجون التركية أو سجون فصائل المعارضة السورية التي تتحكم بها تركيا، يتعارض مع الالتزامات الواردة في المادة 76 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تفرض على دولة الاحتلال توفير نظام غذائي وصحي يكفل المحافظة على صحة المعتقلين وتوفير الرعاية الطبية التي تتطلبها حالتهم الصحية.
وتمارس السلطات التركية والفصائل العسكرية الخاضعة لسيطرتها الفعلية الاختفاء القسري بحق هؤلاء المعتقلين، حيث امتنعت عن الكشف عن هوية ومصير المعتقلين لديها، وهذا الأمر محظور بموجب المادة الأولى من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006، ولا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري، ووفقاً للمصادر فإن المعتقلين كانوا عرضة للتعذيب والاهانات المتكررة، وهذا يتعارض مع الالتزامات المفروضة بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984.
إضافة إلى ما ذكر، فإنَّ المادة الثامنة من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 اعتبرت إن أعمال التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، والإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع، وكذلك قيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر، بإبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها، من ضمن جرائم الحرب.
_________________________________________________________________________________________________________
[1] تم استخدام اسم مستعار بناء على طلب المصدر خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بتاريخ 3 حزيران/يونيو 2024.
[2] تم استخدام اسم مستعار بناءً على طلب المصدر، خلال مقابلة عبر الإنترنت أجراها الباحث في “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” أواسط تموز/يوليو 2024.