-
مقدمة:
انتهجت الحكومة التركية منذ بداية العام 2022، إجراءات أشدّ قسوة في ملاحقة وترحيل طالبي اللجوء وبشكل خاص اللاجئين/ات السوريين على أراضيها واحتجزت المئات منهم بشكل تعسفي.
كما استمرت السلطات التركية بعملية الإعادة القسرية بحق لاجئين/ات سوريين/ات، حيث أعادة آلاف اللاجئين تعسفاً وبشكل غير قانوني إلى سوريا، رغم حيازة البعض منهم على أوراق قانونية تخولهم البقاء في تركيا تحت بند “الحماية المؤقتة”.
وتزامنت عمليات الإعادة تلك، مع مجموعة من الإجراءات والسياسات الحكومية التركية الجديدة، منها الإعلان عن توجه الحكومة التركية نحو عدم منح “إقامة سياحية” أو بطاقة “الحماية المؤقتة” للسوريين الوافدين حديثًا إلى تركيا بشكل مباشر، بل سيتم نقلهم إلى مخيمات جماعية من أجل “التحقق” من أوضاعهم.
إلاّ أنّ ما حدث على الأرض كان مختلفاً، فبحسب الشهادت التي حصلت عليها “سوريون” فقد نُقل المئات من طالبي اللجوء/اللاجئين إلى هذه المخيمات الجماعية، رغم وصولهم إلى الأراضي التركية قبل صدور القرارات الأخيرة، وأمضوا فترات طويلة في تركيا، أي أنهم ليسوا من الفئات التي كان من المفترض أن تشملها الإجراءات الجديدة.
إلى ذلك، وبحسب إحصائيات رسمية صادرة عن إدارة المعابر الحدودية بين سوريا وتركيا، وتحديداً معابر “باب الهوى” ومعبر “باب السلامة” ومعبر “تل أبيض”، بلغ عدد المرحلّين قسراً إلى سوريا حوالي 11 ألف شخص، منذ بداية العام 2022. علما أن هذا الرقم لا يشمل أعداد المرحلين الذين يتم القبض عليهم في أثناء محاولتهم اجتياز الحدود نحو تركيا بطريقة غير شرعية.
وسبق أن أعدت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تقريراً موسعاً، احتوى على شهادات وأدلّة وافرة حول عمليات الترحيل القسرية بحق سوريين/ات في الأعوام 2019 و2020 و2021، وخلص التقرير إلى أنّ عدد المرحلين/ات قسراً بلغ أكثر من 155 ألف شخص.
اتبعته “سوريون” بتقرير آخر عن موجة أخرى من عمليات الترحيل القسرية في بداية العام الحالي (2022).
ولم تقتصر عمليات الترحيل إلى الشمال السوري على السوريين فقط، إذ شملت طالبي لجوء أجانب، سواء قدموا للجوء على الأراضي التركية، أو كانت تركيا عبارة محطة لانتقالهم باتجاه القارة الأوروبية. حيث رحّلت السلطات التركية في آب 2021، 57 طالب لجوء ينحدرون من إقليم كردستان العراق إضافة إلى تسعة إيرانيين إلى مدينة اعزاز شمالي حلب. استطاعت حكومة إقليم كردستان العراق استعادة العراقيين بعد عدة أيام، بينما إيران أعلنت استعادتهم بعد حوالي ثلاثة أشهر وذلك بتاريخ 1 كانون الثاني/يناير 2022. كما رحلت السلطات التركية أربعة طالبي لجوء أفغان إلى محافظة إدلب في آذار/مارس 2022.
تدل عمليات ترحيل غير السوريين إلى الشمال السوري على عشوائية هذه العمليات. ورغم محاولة المرحلين الغير سوريين إقناع القوات الأمنية التركية بأنهم غير سوريين إلا أنها لا تنصت إليهم أو تستجيب لطلباتهم.
-
إجراءات تركية مشددة:
بتاريخ 11 حزيران/يونيو 2022، أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو عن اتخاذ الحكومة التركية حزمة إجراءات مشددة بحق المهاجرين بشكل عام واللاجئين السوريين بشكل خاص.
تضمنت هذه الإجراءات تخفيض عدد الأجانب المقيمين في مختلف المدن التركية من 25 بالمئة إلى 20 بالمئة، ما يعني ارتفاع عدد الأحياء التي يُمنع منح الأجانب تراخيص للإقامة فيها من 781 إلى 1200 حي في 54 ولاية. وبذلك يمنع حالياً على السوريين الانتقال للعيش ضمن هذه الأحياء.
أما فيما يتعلق باللاجئين السوريين فقال “صويلو”: إن بلاده تسعى للسيطرة على تدفق المهاجرين، حيث سيتم إرسال السوريين القادمين حديثاً والراغبين بالبقاء في تركيا إلى مخيم في منطقة هاتاي لدراسة أوضاعهم.
أما بالنسبة اللاجئين الجدد الذين ينحدرون من دمشق فلن تقبل طلبات لجوئهم أو إقاماتهم وسيعادون إلى سوريا. ومُنح سائقي سيارات الأجرة في تركيا صلاحية التحقق من إذن السفر للأجانب وذلك من أجل عدم نقل مهاجرين غير شرعيين.
المصادر التي تحدثت معها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” أشارت إلى أن الحكومة التركية خصصت عدة مخيمات جنوب البلاد لاحتجاز اللاجئين السوريين فيها وهي: مخيم مرعش في ولاية كهرمان مرعش، ومخيم في أورفا، ومخيم في كلس جنوبي تركيا.
-
احتجاج في “مخيم مرعش” المخصص للاحتجاز:
بتاريخ 16 حزيران/يونيو 2022، اندلعت احتجاجات للاجئين السوريين في مخيم مرعش في ولاية “كهرمان مرعش” جنوبي تركيا. بالمقابل فرّقت قوات مكافحة الشغب وحرس المخيم الاحتجاج عبر استخدام المياه والقنابل المسيلة للدموع. وقال شاهد كان أحد المحتجزين في المخيم لـ”سوريون”:
“كنت أقيم في منطقة إسنيورت، وفي طريقي للعمل أوقفتني الشرطة التركية وطلبوا رؤية بطاقة الحماية المؤقتة وأنا لا أحمل واحدة. فأوقفوني ومن ثم نقلوني إلى مركز توزلا مع حوالي 40 شاباً.
وبعد يومين نقلونا بحافلات تحميها الشرطة إلى ولاية كهرمان مرعش. احتجزنا في مخيم مرعش وأخبرونا بأننا سنبقى محتجزين هنا حتى يأتي دورنا لإجراء المقابلة، ثم يتبين وضعنا فإما البقاء وإعطائنا بطاقة الحماية المؤقتة أو الترحيل.
وخلال مكوثنا في المخيم كانوا يحضرون فتيات وعوائل أيضاً، وأصبح عدد المحتجزين في المخيم أكثر من 1500 شخص. الوضع في المخيم ليس جيداً، فالطعام واللباس والدواء على حسابنا الشخصي، حيث تأتي سيارة وتجلب لنا الطلبات. وكان هناك أشخاص كثيرون لا يملكون المال فاختاروا أن يتم ترحيلهم إلى سوريا نتيجة التضييق عليهم.”
أما عن الاحتجاج في المخيم فيضيف الشاهد:
“المشكلة نشبت عندما كان هناك شاب سوري يناقش الحرس بأن هذه الإجراءات غير مفهومة، وفي أثناء ذلك تجمع الحرس واعتدوا عليه بالضرب. هنا حاول عدة شبان سوريين سحب الشاب من بين أيدي الحرس، ليرد الحرس بإطلاق النار بالهواء لتفريقهم. عندها هاجمهم بعض الشبان الحرس وأخذوا بندقيتين منهم، لكن سرعان ما أعادوا البنادق إلى الحرس، وهدأت الأوضاع. ثم تفاجأنا بدخول قوات مكافحة الشغب للمخيم، وبدأت بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وفتح خراطيم المياه علينا، استمرت المواجهة لساعتين حتى انسحبت قوات مكافحة الشغب وعاد الهدوء للمخيم.”
وبتاريخ 16 حزيران/يونيو 2022، أصدر والي كهرمان مرعش بياناً بعد الاحتجاجات جاء فيه:
“بعض الاضطرابات اندلعت في التاسعة مساءً (من مساء أمس الأربعاء) بين مجموعة من السوريين الذين تم نقلهم إلى مركز كهرمان مرعش للإيواء المؤقت، بعدها تدخلت وحدات حفظ النظام وفعلت ما يلزم، وتم إعادة الهدوء إلى المخيم، ولا وجود لمشكلات الآن.”
-
مخيم العثمانية ليس أفضل حالاً:
لم يكن حال السوريين الذين قبضت عليهم السلطات التركية وأرسلتهم إلى مخيم في “ولاية عثمانية” جنوب البلاد أفضل حالاً مما حصل في مخيم مرعش.
فنتيجة للتضييق وعدم وضوح ما ستؤول إليه أحوالهم، فرّ مجموعة من الشبان السوريين من المخيم/مركز إيواء. لتستنفر قوات الأمن عناصرها في الولاية وتبدأ في البحث عنهم، حتى تمكنت من إلقاء القبض عليهم. وبسبب استخدامها العنف في ملاحقتهم جرح وأصيب بعض الفارين.
وقال مكتب والي عثمانية عبر “تويتر“: إنّ مجموعة من الأجانب في “مركز سيفديتي للإيواء المؤقت” حاولوا الهروب، مساء أمس الجمعة، وتمت السيطرة على الوضع بالتدخل من قبل الأمن والدرك، التي قبضت على جميع الفارين والبالغ عددهم 35 شخصاً.
إلى ذلك، فقد وثقت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” اعتداءات لمواطنين أتراك على لاجئين هاربين من ذلك المخيم، قبل تسليمهم إلى السلطات التركية وإعادتهم للمخيم.
-
آلاف المرحلين منذ بداية 2022:
بحسب ما نشرت المعابر الحدودية الرسمية فقد قامت السلطات التركية بترحيل أكثر من 11 ألف لاجئ سوري من تركيا منذ بداية العام الجاري، وكان العدد الأعلى للمرحلين عبر معبر “باب الهوى” في إدلب، ويليه معبر “باب السلامة” في حلب ومن ثم معبر “تل أبيض” في الرقة.
فمن معبر باب الهوى جرى ترحيل 6401 منذ بداية العام وتوزعوا على الشكل التالي:
- كانون الثاني/يناير: 1139.
- شباط/فبراير 1396.
- آذار/مارس 1321.
- نيسان/أبريل 1323.
- أيار/مايو 1222.
أمّا من معبر باب السلامة فقد جرى ترحيل 3548 لاجئاً وتوزعوا على الشكل التالي: كانون الثاني/يناير 421، شباط/فبراير 398، آذار/مارس 577، نيسان/أبريل 796، أيار/مايو 1356
أمّا من معبر تل أبيض فقد جرى الإعلان عن ترحيل 1245 لاجئا توزعوا على الشكل التالي: شباط/فبراير 480، نيسان/أبريل 765، فيما لم يتم الإعلان عن إحصاءات المرحلين في باقي الأشهر.
-
خاتمة:
ازداد مستوى التضييق على السوريين طالبي اللجوء السوريين خاصة الذين قدموا إلى تركيا خلال العامين الماضيين، وأخذ عدة أشكال أبرزها:
- حصر عملية استخراج بطاقة الحماية المؤقتة في ولايات محددة من قبل السلطات التركية، بحجة توزيع اللاجئين على الولايات التركية وعدم تمركزهم في ولايات محددة.
- عرقلة عمليات استخراج بطاقة الحماية المؤقتة بإجبار اللاجئين على حجز موعد عبر رابط معتمد من قبل دائرة الهجرة. علماً أن اللاجئ غير ملم باللغة التركية وأصلاً الرابط لا يعمل رغم تكرار المحاولات، بالمقابل يستطيع السماسرة (أصحاب المكاتب) خلال ساعة أو ساعتين حجز موعد.
- المواعيد البعيدة التي تعطى خلال عملية استخراج البطاقة، علماً أنها تأخذ مرحلتين أو ثلاث مراحل، فاللاجئ قد يبقى بين 3 إلى 9 أشهر حتى يستخرج البطاقة أو المصدقة (ورقة تدون فيها كامل المعلومات ويمكن استخدامها لشهر واحد فقط)، وبالتالي لا يستطيع اللاجئ في هذه الفترة الحصول على الرعاية الصحية المخصصة له، وحتى استئجار منزل وتوصيل الخدمات له من قبل شركات الماء والغاز والكهرباء.
- تجميد بطاقة الحماية المؤقتة لآلاف السوريين فجأة ودون سابق إنذار في آذار/مارس 2022، إذ أرسلت دائرة الهجرة رسائل نصية تعلم متلقيها بتوقف بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بهم بعد انتهاء الفترة المسموحة لتحديث عناوينهم، وتطالبهم بتحديث عناوين سكنهم، رغم أنّ العديد كان قدم قام بتحديث تلك البيانات في الفترة المحددة.
هذا التضييق دفع بطالبي اللجوء السوريين إلى التوجه لمكاتب السمسرة، الذين يطلبون مبالغ أقلها حوالي 100 دولار أمريكي مقابل تثبيت عنوان السكن لحامل بطاقة الحماية، وتفوق 600 دولار لمن يريد استخراج بطاقة، ومن لا يستطيع الدفع فهو معرض لخطر الترحيل بعد القرارات الأخيرة.