نشرت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) في الأول من آذار/مارس 2019، تقريرها النهائي حول مزاعم استخدام أسلحة كيميائية في الهجوم الذي استهدف مدينة دوما بتاريخ 7 نيسان/أبريل 2018 وأبرز التقرير العديد من النتائج.
أولاً: يكشف التقرير أنًّ الإفادات/التقارير التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى المعلومات المستقاة من المصادر المفتوحة، كانوا الدافع وراء فتح التحقيق في الحادثة. حيث اتفقت آراء المدنيين والنشطاء الذين بدؤوا بتوثيق آثار الهجوم بُعيد ساعات قليلة من حدوثه، بأن الأعراض التي ظهرت على الضحايا والأضرار التي خلفها الاعتداء كانت غير اعتيادية.
وكانت الصور والتعليقات المرفقة بها التي تصف الحادث إلى جانب أشرطة الفيديو التي تبين حجم الخسائر المادية والبشرية، هي الشاهد الأول على حجم الانتهاك.
هذه الشهادات كانت الدافع الرئيسي وراء حسم منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قرارها بفتح تحقيق بالحادثة، وكانت أيضاً الأساس الذي استندت إليه المنظمة لإجراء تحقيقات ميدانية بعد أن قامت خلية المعلومات التابعة للأمانة الفنية للمنظمة بالتحقق من هذه الشهادات والتأكد من صحتها.
بعد التقارير العديدة التي بثتها وسائل الإعلام حول الحادثة المزعومة في 7 نيسان، أبلغت خلية المعلومات التابعة للأمانة الفنية فريق بعثة تقصي الحقائق على الفور وبدأت بالبحث عبر مصادر المعلومات المفتوحة عبر الانترنت لتقييم صحة هذه الإفادات وكانت المصادر الرئيسية التي اعتمدت عليها في بحثها هي وسائل الإعلام الإخبارية، المدونات الالكترونية، وعدة مواقع تابعة لمنظمات غير حكومية (الملحق رقم 2). أثبت التقييم النهائي مصداقية الادعاءات وبناء عليه شرع الأمين العام بإجراء تحقيقات ميدانية.
وبدورها بدأت المنظمات العاملة في مجال التوثيق وتقصي الحقائق في وقت لاحق بنشر تحليلاتها للأحداث التي تم توثيقها من قبل المدنيين والناشطين. وبعد أيام قليلة من الهجوم، قامت مجموعة "بلينغكات Bellingcat-" التي تعتمد على المعلومات مفتوحة المصدر في تحقيقاتها، بمعاينة اسطوانة كانت قد اخترقت الدور الأرضي لأحد المباني، ورجحت افتراضية أن تكون اسطوانة كلور تم اسقاطها من مروحية من طراز HIP "هيب" كانت قد أقلعت من قاعدة الضمير الجوية العسكرية. وفي تقرير لاحق قارنت "بلينغكات Bellingcat-" الهياكل الخارجية لأسطوانتين تم اسقاطهما يوم الهجوم على موقعين مختلفين ووجدت أنهما مشابهتان لاسطوانات كلور سبق أن تم تأكيد استخدام الحكومة السورية لها في هجمات سابقة على مناطق المعارضة.
وفي حزيران الماضي أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" بالتعاون مع "مشروع علم العمارة الجنائية" استخدام غاز الكلور في هجمات 7 نيسان/أبريل وذلك استناداً إلى المعلومات المستقاة من المصادر المفتوحة.
قامت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بإرسال باحثيها الميدانيين على الفور إلى موقع الهجوم تماماً كما فعلت عند وقوع الهجوم الكيميائي على خان شيخون وأيضاً عند إجرائها تحقيقات بخصوص استخدام مواد "ألمانيّة الصنع" داخل صواريخ محمّلة بغاز الكلور السام في مدينة دوما. وفي شهر حزيران/يونيو 2018 قدمت المنظمة تقريراً استندت استنتاجاته على عدّة مصادر تمثّلت ببلاغات تصف حالات اختناق، وخروج الزبد من فم الضحايا، وتتحدث عن روائح معينة انتشرت أثناء الهجوم. وقد وثّق باحثو المنظمة وفاة 43 مدنياً ، معظمهم من النساء والأطفال.
يبين التقرير الذي أصدرته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية اعتماد المنظمة بشكل أساسي على التقارير المذكورة والتي سبقت عملها، في التخطيط للعمليات التي أجراها فريقها، بما فيها جمع العينات البيئية من المواقع التي يزعم أنها قد تعرضت للهجوم وتلقي وتوثيق العينات الطبية والبيئية التي قدمها الضحايا المزعومون أو الشهود، إضافةً إلى التقاط الصور وجمع البيانات عن الأسطوانات التي تم العثور عليها.كما يبين التقرير قيمة المعلومات المأخوذة من المصادر المفتوحة لاستخدامها لأغراض المقارنة:
كان من ضمن المواد الأساسية التي أخذت من مصادر المعلومات المفتوحة، على سبيل المثال لا الحصر، مقاطع الفيديو والصور، واستخدمت للتخطيط للعمليات ولأغراض المقارنة إلى جانب المواد التي تم جمعها مباشرة من قبل فريق بعثة تقصي الحقائق أثناء التحقيق. بيد أن نتيجة التحقيق لم تعتمد فقط على البيانات والمعلومات التي تم جمعها من المصادر العلنية.
لقد قدم التقرير الذي أعدته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية فائدتين كبيرتين للضحايا في سبيل معرفة مرتكب الهجوم، حيث أن الموارد البشرية والمالية والتكنولوجية للمنظمة بالإضافة للعينات التي استطاعت جمعها من الموقع المستهدف مكنتها من إجراء دراسة شاملة وعلمية للأحداث في وقت وقوعها وضمنت المنهجية الدقيقة الواضح اتباعها في إعداد التقرير، صحّة النتائج التي خلص إليها.
تولى فريق بعثة تقصي الحقائق مهمة أخذ العينات البيئية من المواقع التي يُعتقد أنّها استُهدفت بالمواد الكيميائية، باستخدام أدواته الخاصة محافظاً على تسلسل حجز الأدلة وفقاً لكلّ من: قوانين إجراءات العمل الموحدة وتعليمات العمل والمبادئ التوجيهية الخاصة بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
ونظرًا لكون المنظمة منظمة حكومية دولية وكونها أيضاً الجهاز المنفذ لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، والتي صادقت عليها 193 دولة طرفًا، فإنها تتمتع بشرعية راسخة، تجعل من نتائج تحقيقاتها حجّة قوية يمكنها التأثير على موازين الحكم في حال تم فتح قضيّة جنائيّة بخصوص الهجوم.
يبرز هذا التقرير تكامل جهود الناشطين والمنظمات المحلية والمؤسسات الدولية الذين كشفوا عن حدوث انتهاكات وقاموا بتحليلها، مع جهود منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي أعطت الثقل المصداقية والصيغة الرسمية لهذه التحليلات.