أصدرت وزارة المالية التابعة للحكومة السورية/دمشق، قرارات بوضع الحجز الإحتياطي[1] وإشارات حجز[2] على عقارات تعود ملكيتها لأشخاص معارضين سياسياً لها. في الوقت نفسه، قامت أجهزة أمن سوريّة بالاستيلاء على عقارات أخرى تعود ملكيتها لقادة عسكريين سابقين في فصائل عسكرية معارضة، وتحدياً في منطقتي الغوطة الشرقية ووادي بردى[3] في محافظة ريف دمشق، وتبيّن أنّ قرارات الحجز كانت قد صدرت خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018، لكنّها عُمّمت مؤخراً؛ كما أن بعض مالكي العقارات المحجوزة تفاجئوا بوجود إشارة الحجز على أملاكهم لاحقاً عن طريق الصدفة، وذلك أثناء إجراءهم معاملات متعلقة بتلك العقارات خلال شهر شباط/فبراير 2019.
الباحثون الميدانيون لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة تحدثوا إلى عدد من مالكي تلك العقارات؛ حيث كان المالك الأول من أصحاب العقارات التي تمّ “الحجز عليها احتياطياً”، وكان المالك الثاني من الذين تم وضع إشارة حجز على ممتلكاتهم، وقد حدثت تلك القرارات دون إخطارهم بها، والتي جاءت على خلفية نشاطهم السياسي المعارض للحكومة السورية بحسب المالكين، وكونهم مقيمين خارج المناطق الخاضعة لسيطرتها. أمّا المالك الثالث فكان أحد الأشخاص/العسكريين الذين تمّ الاستيلاء على عقارات خاصّة به.
- الاستيلاء والحجز على العقارات في مدينة دوما:
تحدّث الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى أحد أصحاب العقارات الذين تم الحجز على أملاكه وتسبب ذلك الحجز في عرقلة إنجاز معاملة حصر إرث[4] تخصّ عائلته، حيث قال:
“خرجت من مدينة دوما خلال حملة التهجير التي حدثت في العام 2018 وأقمتُ بريف حلب الشمالي في حين بقي معظم أقاربي وأفراد عائلتي داخل دوما، ومؤخراً بدأت العائلة بإنجاز معاملة حصر الإرث لـ15 عقاراً وقاموا بتسليم الأمر إلى أحد معقبي المعاملات في المدينة، والذي بدأ بدوره بعملية استكمال الأوراق المطلوبة، وعندما وصل إلى الأوراق الخاصة بيّ أخبره عنصر في شعبة المخابرات العسكرية أني مطلوب لها ولا يمكن إكمال المعاملة دون وجودي بالمدينة، كما أخبره أنه لا فائدة من إجراء توكيل رسمي عبر قنصيلة سوريا في تركيا، وذلك لأني مطلوب بشكل شخصي وتم الحجز على كامل العقارات لهذا السبب.”
وأشار الشاهد أنه تلقى من أقاربه ورقة رسمية حول الحجز على أملاكه وسببه وتتضمن الجهة التي وضعت إشارة الحجز، ولكنه تحفظ عن كشف معلوماتها حفاطاً على سلامة ذويه.[5]
الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة أشار إلى وجود حالات عدة مشابهة، حيث تقوم أجهزة أمن بوضع إشارة حجز على عقارات لأشخاص معارضين كانوا قد نزحوا من المنطقة في وقت سابق، ولا يعرف المالكون المرتبطون بهذه العقارات بالوضع القانوني لها إلا عندما يحاولون إجراء أي معاملة عقارية، حيث أن إجراء تلك المعاملات يتطلب موافقات أمنية من عدة أجهزة.
وفي حادثة أخرى، أفاد شهود عيان للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في مدينة دوما أن عناصر يتبعون لأجهزة أمنية عدة قاموا بالاستيلاء على أبنية ومنازل تعود ملكيتها لـ”عصام بويضاني/ أبو همام”[6] قائد جيش الإسلام وعائلته (الأصول والفروع)[7]، وشمل الاستيلاء منازل يملكها وعائلته وسيارات لهم، كما تم الاستيلاء أيضاً على بناء كامل تعود ملكيته لعائلة “سمير كعكة”[8] وهو “شرعي/مفتي” للفصيل المذكور.
يشير الباحث الميداني إلى أن الأملاك التي تم الاستيلاء عليها من عائلتي “بويضاني” و”كعكة” هي أملاك أصلية لهم يملكونها منذ زمن طويل قبل العام 2011.
وفي حادثة استيلاء أخرى، نقل الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة عن أحد شهود العيان المتواجدين في مدينة دوما أن عناصر من الجيش السوري يترأسهم ضابط قاموا بالاستيلاء على أرض زراعية في منطقة الريحان (2 كم بمحيط مدينة دوما)، وقاموا بحفر بئر فيها (غرز) وبدأوا بزراعتها -لم تتمكن سوريون من أجل الحقيقة والعدالة من تحديد نوع المزروعات- حيث تعود ملكية هذه الأرض إلى عامل طبي سابق لدى “جيش الإسلام” وهو معالج فيزيائي.
- الاستيلاء على الأملاك في وادي بردى:
أصدرت وزارة المالية التابعة لرئاسة مجلس الوزراء في الحكومة السورية قراراً ينصّ على وضع الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة والتي تعود ملكيتها إلى 11 شخصاً من محافظة ريف دمشق، بحجة “ثبوت تورطهم في الأعمال الإرهابية التي يشهدها القطر”، وصدر القرار بتاريخ 28 تشرين الأول/أكتوبر 2018، ولكنّه عُمم وتم تعليقه على المباني المحجوزة مؤخراً، وبحسب شهادات جمعتها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة فقد تبين أن بعض الأشخاص المعنيين بالحجز هم مدنيون شاركوا بأعمال إغاثية وطبية وشمل القرار عائلاتهم بشكل كامل.
وبحسب نصّ القرار فإنه صادر عن وزارة المالية بناء على كتاب من مكتب الأمن الوطني، وقد حمل رقم 3169 و وصدر بتاريخ 28 تشرين الأول/أكتوبر 2018، بناء على المرسوم التشريعي رقم /63/ تاريخ 16 أيلول/سبمتر 2012، وكذلك أحكام المرسوم رقم /203/ لعام 2016 والمرسوم رقم /1684/ بتاريخ 7 آب/أغسطس 1977 وبناء على كتاب مكتب الأمن الوطني رقم 9/4257 بتاريخ 24 تشرين الأول/أكتوبر 2018، وعلى قرار رقم 257/و بتاريخ 30 آب/أغسطس 2018 المتضمن التفويض بالصلاحيات.
ونص القرار على إلقاء الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة لكل من؛ محمد حمزه القادري ومحمد تميم القادري وهيثم القادري، مع زوجاتهم وأولادهم التالية أسمائهم؛ أمانة حبيب وإياد القادري وأحمد القادري وإسراء القادري وإيمان ظلي ومالك القادري ومعاذ القادري وجنى القادري، وجميعم من أبناء منطقة أشرفية وادي بردى التابعة إداريا لقدسيا بمحافظة ريف دمشق.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة فإن محمد تميم القادري هو عامل إغاثة سابق وناشط إعلامي، أما أحمد القادري فهو سائق سيارة إسعاف سابق، وهيثم القادري؛ طبيب وهو وباقي الأشخاص المذكورين بالقرار لم يكن لهم أي نشاط متعلق بالأحدث الجارية في سوريا، وحتى أنّ بعضهم يقيمون في مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة السورية.
أحد الأشخاص المذكورين -مقيم خارج مناطق سيطرة الحكومة- في قائمة الحجز الاحتياطي قال للباحث الميداني ما يلي:
“لقد تفاجئت أنا وأفراد عائلتي بالحجز على أملاكنا على خلفية مشاركتي في الحراك السلمي المعارض للنظام، أنا لم أنخرط في أي أعمال عسكرية وكان نشاطي يقتصر على العمل الإغاثي والطبي.”
نسخة عن قرار الحجز الإحتياطي على أملاك عدد من أهالي وادي بردي في ريف دمشق، معلقة على أحد المباني التي تم الحجز عليها، زود سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بها أحد الأشخاص الذين شملهم القرار.
يشار أن قرار الحجز على أملاك أشخاص من وادي بردى ليس الأول، حيث سبق أن أصدرت وزارة العدل في الحكومة السورية قراراً حمل رقم 33 بتاريخ 4 شباط/فبراير 2018 بتجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة شمل ما لا يقل عن 117 شخصاً بينهم أشخاص من منطقة وادي بردى ومضايا وداريا ومن محافظات أخرى.
وسبق أن أصدرت وزارة المالية السورية العديد من قرارت الحجز الاحتياطي المماثلة طالت معارضين للحكومة السورية، حيث أعدت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة تقريراً عنها[9]، وكذلك سبق أن أعلن معاون وزير المالية التابع للحكومة السورية أنهم أصدروا أكثر من 27 ألف قرار حجز احتياطي خلال عامي 2016 و 2017 حيث بلغت قيمتهم نحو 13 مليار ليرة سورية.[10]
[1] الحجز الاحتياطي هو وضع أموال المدين تحت تصرف القضاء ويكون عادة من اختصاص المحكمة، ولكن تم تعديل ذلك بموجب مرسوم رقم 63 لعام 2012 حيث تم منح وزير المالية الصلاحية لوضع الحجز الاحتياطي وإشارة الحجز الاحتياطي على أموال مرتكبي جرائم متعلقة بأمن الدولة والجرائم الواردة بالمرسوم رقم 19 لعام 2012. تشير المستشارة القانونية لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى أن المرسوم المذكور قد نقل إحدى صلاحيات اختصاص القضاء إلى سلطة تنفيذية غير مؤهلة قانونياً بها، كما أن الجرائم الواقعة تحت إطار أمن الدولة والإرهاب تحمل معنى فضفاض جداً وغير محددة بشكل صريح في القانون كما يصعب تقديرها.
[2] إشارة الحجز الاحتياطي توضع على أملاك المدين للدلالة على وجود قضايا قضائية متعلقة بها، وتعد إشارة الحجز هذه هي المرحلة الأولى من الحجز على الأملاك، حيث توضع الإشارة أولاً ومن ثم تتحول للحجز التنفيذي/الحجز الاحتياطي الذي يصدر عن المحكمة المعنية بالقضية. للمزيد إنظر المرجع الأول.
[3] تقع منطقة وادي بردى غربي العاصمة دمشق وتتبع إدارياً إلى محافظة ريف دمشق وتضم 13 قرية وبلدة.
[4] حصر الإرث؛ ورقة تصدر عن المحاكم لبيان من هم ورثة المتوفى وما هي حصة كل منهم ونصيبه في التركة حسب درجة القرابة، وله نوعان: حصر إرث شرعي: وهو الذي يصدر عن القاضي الشرعي في المنطقة، وفيها يحدد من هم الورثة وحصصهم الشرعية حسب القانون ويتم بالحصر الإرث الشرعي تقسيم الأموال المنقولة وغير المنقولة (أي العقارات المنظمة)، وحصر إرث قانوني: وهو الذي يصدر عن محكمة الصلح المدني في المنطقة لتقسيم العقارات الأميرية (أي غير المنظمة من قبل الدولة).
[5] تحققت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، أنّ هذا المالك لم تكن له ارتباطات مع أي فصيل مسلّح، وكان ناشطاً في إحدى المنظمات الإنسانية السورية.
[6] عصام البويضاني المعروف باسم “أبو همام البويضاني” من مواليد (1971)، وهو القائد الحالي لفصيل “جيش الإسلام” التابع للمعارضة السورية المسلحة. عيّن في 25 ديسمبر 2015، خلفا لزهران علوش الذي قُتل مع اثنين من مرافقيه في غارة استهدفت موكبه بريف دمشق. تقلد بويضاني عدة مناصب في جيش الإسلام أهمها قائد العمليات وقائد الألوية.
[7] وهي ما يسمى بالقرابة المباشرة للشخص وذلك بحسب المادة 37 من القانون المدني السوري، والصلة ما بين الأصول والفروع هي الصلة بين أفراد ينحدر بعضهم من البعض الآخر. الأصل: هو من انحدر من غيره؛ فهو الأب وأبو الأب وإن علا، وأم الأب وإن علت، والأم وأبو الأم وإن علا، وأم الأم وإن علت. أما الفرع: فهو من انحدر منه الشخص؛ أي الابن والبنت وأولادهما مهما نزلوا.
[8] اشتهر سمير كعكة بلقب أبو عبد الرحمن وهو من مواليد مدينة دوما 1963، ويعد من أكبر القادة في جيش الإسلام ويتقلد منصب “رئيس الهيئة الشرعية العامة” فيه.
[9] وزارة المالية في الحكومة السورية تصدر قرار حجز احتياطي على أموال ووممتلكات 13 شخصاً من محافظة درعا، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بتاريخ 19 تشرين الأول/أكتوبر 2018، آخر زيارة بتاريخ (16 كانون الثاني/يناير 2019). https://stj-sy.org/ar/view/891.
[10] عبد الهادي شباط، صحيفة الوطن، الحجز على 13 مليار ل.س لرجال أعمال وفاسدين في العامين الماضيين لمصلحة 86 جهة حكومية بتاريخ 27 شباط/فبراير 2018، آخر زيارة بتاريخ (16 كانون الثاني/يناير 2019). http://alwatan.sy/archives/141237.