تعرّض 13 مدنياً من عائلتين مختلفتين للاختطاف من قبل أجهزة أمن وميليشيات موالية لها في محافظة حماه، وتم إطلاق سراح المختفطين جميعاً بعد دفع فدية مالية لكل عائلة منهم على حدى، وذلك خلال شهري كانون الأول/نوفمبر 2018 وشهر شباط/فبراير 2019، حيث انتقل 11 شخصاً من الناجين بعد الإفراج عنهم إلى محافظة إدلب واستقروا فيها.
الباحثون الميدانيون لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة تحدثوا إلى عدد من ذوي الأشخاص الناجين من عمليات الاختطاف وأوضحوا أن بعضهم قد تعرض للتعذيب الشديد والحرمان من الدواء ما تسبب بأزمة صحية حادة لأحدهم.
حادثة اختطاف الأخوين "جهاد وعبد الجبار الصالح":
ينحدر الأخوان "جهاد" (28 عاماً) و عبد الجبار (25 عاماً) من قرية الثروث/ريف حماه الشرقي، ونزحا من المنطقة بعد سيطرة القوات النظامية السورية عليها أواخر عام 2017 واستقرا في مخيم للنازحين في مدينة سرمدا، ومن ثم قرر الأخوان إجراء تسوية أوضاع/مصالحة مع الحكومة السورية بهدف استخراج جوازت سفر والانتقال إلى السعودية حيث تعيش عائلتهما.
شقيق المختطفين "حمدون" روى للباحث الميداني تفاصيل ما حدث حيث قال:
" في مطلع شهر شباط/فبراير 2019 تواصت مع أحد المهربين العاملين في قلعة المضيق يدعى أبو محمد النيروزي واتفقت معه على دفع مليون و200 ألف ليرة سورية مقابل إخراج أخواي من سرمدا إلى مدينة حماه، وفي منتصف شهر شباط توجه أخواي إلى بلدة قلعة المضيق وجلسا في منزل أبو محمد النيروزي الذي من المفترض أن يؤمن نقلهم عبر معبر قلعة المضيق، وقام أبو محمد بإيصالهم إلى نقطة التسليم بين القسم الخاضع للنظام والقسم الخاضع للمعارضة بعد قلعة المضيق بمسافة قصيرة، حيث انتقلوا إلى سيارة أخرى مع ثلاثة مهربين، وقبيل وصولهم إلى مدينة السقيلبية قامت سيارة -تويوتا بيضاء- باعتراض طريقهم وأنزولهم منها وعصبوا أعينهم، وبعدها تواصل معي المهرب أبو محمد وأخبرني أن عصابة تتبع لميليشيا الدفاع الوطني قامت باختطافهم، وانقطعت أخبار إخوتي لثلاثة أيام، وبتاريخ 18 شباط/ فبراير أخبرني أبو محمد أن هناك شخص قادر على تحرير إخوتي يدعى أبو حيدر؛ وهو معروف بأنه مهرب وله سمعة بأنه يقود عصابة خطف في السقيلبية."
وتابع "حمدون":
"تواصت مع أبو حيدر وحاول إظهار نفسه بأنه وسيط وطرف محايد بيني وبين الخاطفين، وطلب مبلغ 10 ملايين ليرة سورية مقابل إطلاق سراحهم، وبدأت المفاوضات حتى وصلنا لدفع مبلغ 5 ملايين و200 ألف ليرة سورية وذلك بعد أن قام الخاطفون بإرسال مقاطع فيديو وصور تظهر تعذيب إخوتي وتهديدهم بالقتل، ومن ثم قمت بتحويل المبلغ المطلوب من السعودية إلى أحد الصرافين في مدينة حماه وطلبت من صديق قديم لي في بلدة قمحانة أن يستلم المبلغ ويسلمه للخاطفين ويستلم إخوتي منهم، فقبل صديقي (س.ع) مقابل أن يأخذ هو مبلع نصف مليون ليرة سورية لقاء العملية، وبالفعل ذهب إلى السقيلبية بتاريخ 28 شباط واستلم إخوتي من إحدى المزارع المحيطة بها وهما بحال صحية سيئة للغاية ونقهلم إلى مشفى."
وتحدث الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى أحد الأشخاص المطلعين على الحادثة حيث قال:
"أبو محمد النيروزي هو مهرب وقائد عصابة خطف وعائلته معروفة علاقاتها الوطيدة مع القوات النظامية السورية ومع فصائل المعارضة بآن معاً، كما أنه متورط بالعديد من قضايا القتل والتهريب ولكنه محمي من قبل الفصائل، وأيضاً فإن أبو محمد وأبو حيدر هما شريكان في تجارة تهريب الحديد والممنوعات من وإلى مناطق النظام، حيث أن أبو حيدر يتزعم مجموعة من عناصر ميليشيا الدفاع الوطني في السقيلبية."
صورة مأخوذة من مقطع فيديو، يُظهر الأخوين المختطفين (جهاد وعبد الجبار) وهما يتعرضان للضرب والإهانة من قبل الخاطفين. مصدر الفيديو: ذوي المخطوفين.
حادثة اختطاف 11 مدنياً من عائلة واحدة بحماه:
أقدمت مجموعة عناصر من "جهاز المخابرات الجوية" في مدينة حماه، مكونة من عشرة عناصر وضابطين برتبة نقيب ورائد على اقتحام منزل عائلة واختطافهم واحتجازهم في مكان قرب مطار حماه العسكري لمدة 72 يوماً، وأطلقوا سراحهم بعد أن دفع ابنهم المقيم في محافظة إدلب 20 مليون ليرة سورية فدية لهم.
المختطفون كانوا ثلاث سيدات وأربعة أطفال ورجل عجوز وثلاثة رجال جميعهم مدنيون، وتم اقتحام منزلهم واختطفاهم من قبل عناصر في "جهاز المخابرات الجوية" يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر 2018 وتم إطلاق سراحهم يوم 27 كانون الأول/نوفمبر 2018، وذلك على خلفية النشاط السياسي المعارض لأحد الأبناء والذي يقيم في إدلب منذ عام 2012.
الناجية من حادثة الاختطاف (ف.أ) أخبرت الباحث الميداني لدى لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول ما حدث معها قائلة:
"جرى اعتقالنا صباحاً عبر مداهمة المنزل من قبل قوة كبيرة عددها حوالي عشرة عناصر من الأمن الجوي، قاموا بالطرق على باب المنزل بقوة سببت رعباً كبيراً لنا، ثم اقتحموا المنزل وقاموا باعتقال كل من في المنزل ولم يتركوا أطفالي الأربعة حتى، وقاموا باقتيادنا إلى السيارات حيث وجدت أبي وأمي وباقي اخوتي الذين كانوا في الشقة العلوية من المنزل معتقلين أيضاً، وأخذونا جميعاً إلى شقة سكنية عبارة عن قبو سكني بالقرب من سكة القطار على أطراف مدينة حماة، ولم نعلم أبداً ماهي تهمتنا، وعند وصولنا كانت الشقة شبه فارغة باستثناء بعض الاسفنجات وكانت أبواب الغرف مقفلة، بدأت بعدها حلقات التعذيب والابتزاز حيث حرموا والدي من دواء السكر والضغط ولم يستجيبوا ابداً لرجائنا المستمر بجلب الدواء، ما أدى الى ارتفاع السكر لمستويات كبيرة لدى أبي ودخل بمرحلة هذيان وفقد ذاكرته، كان الطعام مرة واحدة باليوم يحتوي غالباً برغل مطبوخ أو رز، سوء الطعام أدى إلى إصابة ابني الأصغر بالتجفاف، كما قاموا عدة مرات بضربنا بالأحزمة مع السباب والشتائم".
لم تستطع الشاهدة تحديد ما إذا كان هناك مختطفين آخرين في البناء ذاته وذلك بسبب الحراسة الشديدة على باب شقتهم وقيام عناصر الأمن بإغلاق جميع النوافذ بغطاء حديدي يحجب الضوء والرؤية، كما قام العناصر بإقفال جميع غرف الشقة البالغ عددها أربع غرف واحتجزت العائلة ضمن ممر في الشقة وأبقت لهم باب الحمام مفتوحاً فقط.
في يوم الخميس 27 كانون الأول/ديسمبر 2018، أطلق سراح العائلة بعد قيام الابن المقيم في إدلب بدفع الفدية عبر حوالة مالية لأحد الأشخاص في مدينة حماة بناء على طلب الضباط الذين اختطفوا عائلته، ومن ثم قام بنقل جميع أفراد العائلة من مدينة حماة إلى مدينة قلعة المضيق بريف محافظة حماة ومنها نحو محافظة إدلب.
من جانبه تحدث عبد الله (اسم مستعار بناء على طلب الشاهد) عن عملية التفاوض التي جرت بينه وبين الضباط حيث روى ما يلي:
"في صباح يوم الأربعاء 17تشرين الأول/أكتوبر 2018، وردتني رسالة عبر واتساب من أحد جيراننا في الحي يبلغني فيها أن قوة كبيرة من الأمن الجوي قد داهمت منزل العائلة فجراً واعتقلت كل من كان في المنزل حتى الأطفال والنساء ووالدي الكهل، دون معرفة الأسباب، لم أصدق ما سمعت للمرة الأولى، وظننت أنه يمازحني، إلا أن الأمر كان صحيحاً بعد تكرار الرواية من عدة أشخاص أعرفهم تواصلت معهم في الحي، لم أعلم ماذا عليّ فعله بالضبط، أو ما هو سبب الاعتقال، كانت صدمتي كبيرة، فأنا قليل التواصل مع عائلتي وابتعدت عنهم كي لا أسبب لهم الأذى، وفي اليوم الثالث من الحادثة قام ضابط في المخابرات الجوية بالتواصل معي عبر هاتف أمي وأرسل مقاطع صوتية لأبي وأمي يطلبان مني تلبية جميع مطالب الضباط، وكان المطلب الأول هو تسليم نفسي عند أقرب حاجز للنظام بحماه وكنت على وشك فعل ذلك لكن منعني أصدقائي بقوة، خاصة أنه لا يوجد ضمانة لإطلاق سراح عائلتي في حال قمت بتسليم نفسي، ومع مرور الأيام، زادت المناشدات من عائلتي للانصياع لطلبات الضباط وازداد الضغط النفسي."
وتابع:
"أخبرتني أمي أن أبي فقد ذاكرته أو أصابه الخرف (أبوك ضيّع) ولا يوجد لديهم لا طعام ولا دواء وأنهم لم يعد بمقدورهم احتمال هذا الوضع، هنا بدأت المفاوضات الجدية وكان طلبهم الضباط المباشر إطلاق سراح 8 ضباط من الجيش السوري من الطائفة العلوية الذين تم أسرهم سابقاً لدى فصائل عسكرية خلال معارك مطار أبو الظهور في العام 2015، أخبرتهم بأني لا أملك قرار تسليمهم أو اطلاق سراحهم، فزادوا الضغط علي عبر ارسال فيديوهات ومقاطع صوتية لأمي وأبناء أخوتي الصغار، واستمر هذا الوضع قرابة 12 يوماً، كنت خلالها قد تواصلت مع عدة فصائل لتلبية طلب المخابرات الجوية وإنقاذ عائلتي لكن لم يستجيب أحدا منهم لندائاتي."
بقي عبد الله يفاوض الضابط الذي يتحدث معه عبر رسائل نصية على تطبيق الوتساب بعد عجزه عن تحقيق مطالبهم في الإفراج عن أسرى من الجيش السوري لدى فصائل المعارضة، حتى توصلا لاتفاق إطلاق سراح عائلته مقابل دفع مبلغ 20 مليون ليرة سورية.
"عندما طلبوا مني مبلغ 20 مليون ليرة سورية، هنا أدركت أن الحل قد اقترب، وقمت بعرض منزل العائلة للبيع، وتم بيعه وتمكنت من تأمين نصف المبلغ، وأما باقي المبلغ فقد قمت بجمعه واستدانته من الأصدقاء والمعارف وحولت المبلغ للعنوان والشخص الذي طلبوه مني بمدينة حماة."