نفذت محكمة "إسلامية شرعية" و"لجنة تحكيم شرعية" في منطقة معرة النعمان جنوب إدلب وريف حماه الشمالي أربعة أحكام بالإعدام رمياً بالرصاص وأصدرت حكمين مماثلين غيابياً بحق مدانين بجريمة قتل عمد، حيث أوكلت تلك المحاكم مهمة تنفيذ الأحكام التي أصدرتها بناءً على "اعتراف الجناة" إلى بعض الفصائل العسكرية المعارضة، وذلك خلال الفترة الواقعة بين شهري آب/أغسطس وكانون الأول/ديسمبر 2018، حيث قامت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بجمع شهادات حول عمليات الإعدام والقضايا المتعلقة بها.
أحكام الإعدام صدرت عن "الهيئة الإسلامية للقضاء/محكمة معرة النعمان"، وعن "لجنة تحكيم شرعية" تم إنشاؤها بشكل خاص من أجل قضية قتل واحدة في ريف حماه الشمالي، وقام الباحثون الميدانيون لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بالتحدث إلى عدد من ذوي الضحايا وقاضٍ سابق في إحدى المحاكم الإسلامية، إضافة إلى كاتب محكمة وقائد عسكري في فصيل "جيش العزة" الذي نفذ أحد أحكام الإعدام تلك، كما اطلعت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة على محاضر القضايا والحكم الصادر عن تلك المحاكم، كما ستوضح أسس تشكيل هذه المحاكم والقوانين التي تستند إليها في إصدار أحكامها.
تجدر الإشارة إلى أن "الهيئة الإسلامية للقضاء/محكمة معرة النعمان" تم إنشاؤها أواخر عام 2016 والقضاة العاملين فيها بعضهم من المدنيين وبعضهم يتبعون لـ"حركة أحرار الشام الإسلامية"، وكانت القوة التنفيذية لهذه المحكمة مستمدة من "المجلس العسكري لمعرة النعمان" والذي يضم عدة فصائل أبرزها "أحرار الشام" و"فيلق الشام" و"صقور الشام"، وأيضاً "محكمة ترملا الشرعية" التي تأسست عام 2014 وفيها قضاة بعضهم مدنيون وآخرون يتبعون لـ"أحرار الشام" أيضاً، وتتحذ المحكمتان المذكورتان من أحكام الشريعة الإسلامية مصدراً تشريعياً وحيداً دون الرجوع إلى أي قانون وضعي، وتنظران في القضايا الجنائية والأحوال الشخصية، وقد نفذت هذه الفصائل المذكورة أحكام الإعدام الصادرة عن تلك المحاكم، أما في حالة حكم الإعدام الذي صدر عن "لجنة التحكيم الشرعية" في ريف حماه الشمالي، فإن فصيل "جيش العزة" قام بتنفيذه.
الباحث الميداني أوضح أن عمل الفصائل العسكرية في عموم المناطق المذكورة قد توقف وكذلك باتت هذه المحاكم تتبع بشكل مباشر لهيئة تحرير الشام منذ تاريخ 20 كانون الثاني/يناير 2019 .
أولاً: قضية إعدام "لقمان عوض اليوسف" التي حكمت بها "لجنة التحكيم الشرعية" ونفذ حكمها "جيش العزة":
أصدرت "لجنة تحكيم شرعية" مؤلفة من خمسة رجال دين/ علماء/شيوخ -تم التوافق عليها من قبل ذوي القاتل والمقتول- حكماً مبرماً بالإعدام غير قابل للطعن بحق المدني "لقمان عوض اليوسف"، وذلك بتاريخ 10 أيلول/سبتمبر 2018 وتم تنفيذ الحكم عليه من قبل "فصيل جيش العزة" بتاريخ 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، وذلك بعد اعتراف "اليوسف" بارتكابه جريمة قتل عمد بحق المدني "مدحت السلو" بتاريخ 20 آب/أغسطس 2018.
تفاصيل الحادثة: تحدث الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى شقيق القتيل مدحت السلمو وهو "منير السلمو" الذي روى تفاصيل مقتل أخيه قائلاً:
"كان شقيقي مدحت يعمل بتجارة السيارات مع شريكه لقمان الذي طلب من شقيقي أن يبيعه عدداً من السيارات بقيمة 12 ألف دولار أمريكي على أن يقوم بسدادها خلال موعد محدد، وانقضت المهلة وبدأ مدحت بمطالبة لقمان بالمبلغ في حين كان الأخير يقوم بالتسويف والتأجيل، وفي يوم 20 آب/أغسطس 2018 اتصل لقمان بمدحت وأخبره أن لديه جزءاً من المال قدره ألفي دولار أمريكي وطلب منه القدوم إلى منزله لاستلام المبلغ، وتوجه أخي بسيارته إلى منزل لقمان الواقع في مدينة كفرزيتا، وبعد أن وصل إلى منزله
قال لقمان إن المبلغ عند صديقه المقيم قرب الآراضي الزراعية بمحيط المدينة، وصعدا بالسيارة معاً. وعندما وصلا إلى إحدى الأراضي الزراعية البعيدة عن المدينة تحجج لقمان أنه يريد قضاء حاجته ونزلا معاً من السيارة وتوجه لقمان إلى مدحت وأطلق النار على رأسه بواسطة مسدس من عيار 8,5 كان بحوزته وقام بسرقة هاتفه المحمول و200 ليرة سورية كانت بحوزته ومن ثم رماه في بئر قريب وغادر المكان، وبعد يوم من الحادثة رأى أحد المدنيين آثار الحادثة وقام بتبليغ الجهاز الأمني التابع لفصيل جيش العزة الذي يسيطر على المنطقة، وبعد التحقيق بالأمر تم اعتقال مدحت واعترف بما جرى."
تشكيل اللجنة الشرعية واصدار الحكم وتنفيذه:
قال "منير السلمو" شقيق المقتول:
"لقد توافقت عائلتنا مع عائلة لقمان على تشكيل لجنة شرعية مؤلفة من خمسة شيوخ معروفين باستقلالهم وعدم تبعتيهم لأي جهة عسكرية للنظر بالقضية والحكم بها، وتم التوافق على محمد النعمان وعبد الحليم حموية وعبد الكافي الصالح وخالد الحسين وابراهيم درويش، وقد أصدرت اللجنة حكم الإعدام ونفذه فصيل جيش العزة في أحد مقراته العسكرية."
وصدر الحكم بتاريخ 10 أيلول/سبتمبر 2018 وتم تنفيذه من قبل "فصيل جيش العزة" بتاريخ 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، حيث قامت اللجنة الشرعية بإمهال لقمان اليوسف مدة زمينة لانهاء التزاماته المالية وأموره العالقة.
وحول الحادثة، تحدث الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى قائد عسكري في "جيش العزة" حول تنفيذ حكم الإعدام ، حيث قال :" قمنا بتنفيذ الحكم بناء على طلب اللجنة الشرعية المكلفة بالنظر بالقضية وهذه المرة الوحيدة التي نفذنا فيها حكماً مماثلاً."
أشار الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في المنطقة إلى أن السكان المحليين يفضلون أن يقوم فصيل عسكري بتنفيذ أحكام الإعدام الصادرة عن اللجان أو المحاكم الشرعية بدلاً من أن ينفذها عائلة المقتول وذلك تجنباً لوقوع عمليات ثأر مستقبلية ولضمان انتهاء الخلاف بين العائلات بهذه الطريقة.
أيضاً لفت الباحث الميداني أنه من النادر تشكيل لجان شرعية للنظر بقضايا وخلافات السكان في ريف حماه الشمالي، حيث أن النظر بقضاياهم يتم ضمن "محكمة ترملا الشرعية" التي تتبع لـ"محكمة أريحا" والتي كان فصيل "حركة أحرار الشام الإسلامية" بإمدادها بالقوة التنفيذية قبل أن تتبع مؤخراً لهيئة تحرير الشام.
نسخة عن قرار الإعدام الصادر بحق "لقمان اليوسف" يحمل توقيع أعضاء لجنة التحكيم الشرعية، مصدر الصورة: شقيق المقتول "مدحت السلمو".
"محكمة ترملا الشرعية" وأحكام الإعدام الصادرة عنها:
تحدث الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى قاض سابق في "محكمة ترملا الشرعية" -رفض كشف اسمه لأسباب أمنية- حيث قال ما يلي:
"تصدر محكمة ترملا الشرعية ما بين 3 إلى 6 أحكام إعدام في السنة الواحدة بحق متورطين بقضايا قتل، ويتم إصدار الحكم بناء على اعتراف القاتل أو مجموعة القتلة ويتم بعد مشاورات طويلة مع ذوي القتلى لمحاولة إرضائهم بقبول الفدية أو العفو، المحكمة تستمد أحكامها من الشريعة الإسلامية ويعمل بها 6 أشخاص يتنوعون بين كونهم قضاة منشقين عن النظام وبين علماء دين بعضهم حائز على شهادة جامعية ودرجة ماجستير وبعضهم تخرّج من معاهد شرعية مثل الأزهر."
يشار أن القاضي المذكور كان قد ترك العمل مؤخراً في "محكمة ترملا الشرعية" بعد أن سيطرت هيئة تحرير الشام على المنطقة، وأن مدة عمله في المحكمة كان لعام واحد حيث بدأ العمل أواخر عام 2017.
ثانياً: قضية إعدام أربعة شبان حكمت بها "الهيئة الإسلامية للقضاء" ونفذها أربع فصائل عسكرية:
نفذت "محكمة معرة النعمان التابعة للهيئة الإسلامية للقضاء (مقرها الأساسي في بلدة بنش)"حكم الإعدام بحق كل من "عبد الكريم مروان الديبان" (19عاماً) و"طارق ثابت وسوف" (18عاماً) وذلك بتاريخ 1تشرين الأول/أكتوبر 2018، وأيضاً "زين الدين وسوف" (18عاماً) بتاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر 2018، إضافة إلى حكمي إعدام صدرا ولم ينفذا بحق شهصين هاربين هما "محمد ملائكة" (22عاماً) وشخص يدعى "أبو خالد" (25 عاماً مجهول الاسم والشكل للمحكمة) وذلك بعد إدانة جميع المذكورين بجريمة قتل الشابين "عبيد راشد الوسوف" (28عاماً) و"شحادة راشد الوسوف" (26عاماً) حيث وقعت الجريمة بتاريخ 21 شباط/فبراير 2018.
تفاصيل الحادثة:
تحدث الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى "راشد وسوف" والد القتيلين "شحاد وعبيد" حيث روى تفاصيل ماجرى قائلاً:
"توجه عبيد وشحادة بتاريخ 21 شباط/فبراير2018 إلى عملهم على سيارتهم بنقل الركاب الساعة 10 صباحاً بعد ورود اتصال هاتفي لعبيد لم أعرف هوية المتحدث يطلب منه التوجه إلى أوتوستراد جسر الشغور-أريحا لنقل المتصل وبناته إلى منطقة حارم، وعلى الفور استقل الأبناء السيارة وتوجهوا إلى المكان المحدد وفي عصر ذات اليوم علمنا بأن عبيد وشحادة مقتولين بالقرب من قرية البالعة بسهل الروج بمنطقة جسر الشغور حيث وجدنا جثثهم ملقاة على الأرض ومضرجة بالدماء. وفي صباح اليوم التالي وأثناء مراسم التشييع لاحظت أن ابن أخي طارق بكى كثيراً وبنواح مع أنه عاد إلى القرية مؤخراً بعد غيابه لعدة سنوات حيث كان مبايعاً لتنظيم داعش هو وأخيه الذي لم يحضرا الدفن لأنه توجه منذ الصباح إلى منطقة دركوش، وفي ذات الوقت كنا قد نشرنا صورة السيارة التي كان أبنائي يستقلونها على وسائل التواصل ليتصل بي أحد الأشخاص ويخبرني أن السيارة موجودة في بلدة معرزيتا جنوب إدلب، وعلى الفور توجهنا لهناك ليتبين أن المتصل هو أيضاً كان قد عاد مؤخراً من مناطق تنظيم داعش، وعند سؤالنا له عن سبب وجود السيارة لديه وأنها لأبنائي المقتولين أجابنا أنه اشتراها ثم قال إن شخصاً وضعها عنده وبعد جلسة استمرت لأكثر من ساعتين اعترف أن كلاً من طارق وزين أبناء إخوتي وضعا السيارة عنده بعد قتلهم لأشخاص معادين لتنظيم داعش وطلبا منه بيعها بناء على المعرفة الوطيدة التي تجمعهم منذ أن كانوا معاً بتنظيم داعش."
ويتابع "راشد": "بعد كل ذلك طلبت من أخوتي؛ والدا المجرمين تسليم أو إحضار طارق وزين إلى جلسة تجمع كل أفراد العائلة وبالفعل تم ذلك وصورنا الجلسة بطريقة سرية حيث اعترف طارق بجرمه وعلى الفور سلمناه للأمنية وقدمت شكوى بحقهم بتهمة القتل العمد لمحكمة معرة النعمان فيما اعتقلت اللجنة الأمنية المدعو عبد الكريم الديبان بذات اليوم وبعد عدة أشهر اعتقلت اللجنة الأمنية زين الدين الوسوف."
مجريات التحقيق والحكم:
تحدث الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى عامل في ديوان محكمة معرة النعمان وكاتب التحقيقات فيها، ويدعى "أبو العلاء" حيث شرح مجريات التحقيق في القضية قائلاً:
" قامت المفرزة الأمنية التابعة لحركة أحرار الشام الإسلامية بتسليم قضية مقتل راشد وعبيد الوسوف إلى محكمة معرة النعمان، حيث كانت المفرزة قد أجرت تحقيقات تم خلالها اتهام كل من طارق وزين الوسوف وعبد الكريم الديبان ومحمد ملائكة بارتكاب الجريمة، وعندما بحثت المحكمة عن خلفية المتهمين تبين أنهم جميعهم عائدون حديثاً من مناطق تنظيم داعش، حيث كانوا في منطقة عقيربات في ريف حماه الشمالي، بعد مضي ثلاث سنوات على التحاقهم بتنظيم داعش.
لقد تقدم والد القتيلين بدعوى للمحكمة بعد عشر أيام من تاريخ ارتكاب الجريمة، وبتاريخ 10 نيسان/أبريل 2018 أصدرت المحكمة كتاباً إلى المفارز الأمنية لملاحقة واعتقال المتهمين المذكورة أسمائهم، وتم اعتقال عبد الكريم وطارق وبعد ست جلسات تحقيق معهما اعترفا بقتل الشابين بسبب أنهما كانا قد شتما تنظيم الدولة وتطاولا عليها، حيث قال المجرمان أنهما لديهما أمر بقتل كل من يشككون بعداءه للتنظيم ويحق لهم قتله وسلب ماله. بعد الجلسات الستة تم إصدار حكم بالإعدام بتاريخ 1 تشرين الأول/أكتوبر 2018 وتم إعدام طارق وعبد الكريم في اليوم ذاته، وتمت ملاحقة زين واعدامه بتاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر 2018، في حين ما يزال كل من محمد ملائكة وشخص يدعى أبو خالد هاربين."
وعن سرعة المحكمة في التحقيق وإصدار الحكم قال "أبو العلاء":
"إن الإحاطة بالجريمة كانت كاملة لاسيما بعد اقرار طارق الوسوف وعبد الكريم الديبان بالجرم كما أن والد المغدورين الذي يكون عم لاثنين من المتهمين أتى بتسجيلات مصورة للمجرمين وهم يعترفون بعملية القتل أمام ذويهم بعد أن عقدت العائلة اجتماع موسع وأحضرت المجرمين الذين اعترفوا بالجريمة وبناء على ذلك واعترافهم تم تنفيذ الحكم حسب أصول الشريعة الإسلامية بشكل كامل وتم تنفيذ الحكم في مدينة معرة النعمان بحضور اللجنة الشرعية التي بتت بالحكم و هي لجنة مؤلفة من علماء دين كبار ومحققين عسكريين في اللجنة الأمنية المركزية بحركة أحرار الشام."
صادق على الحكم القاضي عبد الباسط حبوب العامل في محكمة معرة النعمان المدعومة اثنائها من فصائل "أحرار الشام وصقور الشام والفرقة 13."
نسخة عن محضر قضية مقتل عبيد وراشد وسوف.