Home صحافة حقوق الإنسانقصص وشهاداتقصص مكتوبة “كيف لك أن تكون أجنبياً وأنت تتكلم اللغة العربية”

“كيف لك أن تكون أجنبياً وأنت تتكلم اللغة العربية”

قصة ”محمود المحمد بن اسماعيل“... عمرٌ من المعاناة بسبب الحرمان من الجنسية

by wael.m
73 views تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

كان "محمود" دائم الشعور بالخجل كلما قام بإبراز "بطاقته الحمراء" أمام أحد، إذ كان يدرك بأنها بلا قيمة، لكونه واحداً من الكرد السوريين المجردين من الجنسية، والمحرومين من كافة حقوق المواطنة خلافاً لباقي المواطنين السوريين المتمتعين بالجنسية السورية.

"محمود المحمد بن إسماعيل" من مواليد بلدة القحطانية/تربسييه في محافظة الحسكة عام (1960)، متزوج ولديه تسعة أولاد، ينتمي محمود لعائلة معظم أفرادها من الكرد السوريين المجرّدين من الجنسية وتحديداً من فئة الأجانب، فوالده كان أجنبياً، كذلك الأمر بالنسبة إلى أولاده، وفي هذا الخصوص روى للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في شهر آذار/مارس 2018، حيث قال:

"كان والدي يمتلك دكّانةً متواضعةً في بلدة صوفية في القحطانية، وقد كانت الدكانة الوحيدة من نوعها في القرية، كما كان معروفاً بين أوساط تلك القرية، وخلال فترة الإحصاء أصبح والدي أجنبياً، ولم يعرف حقيقة السبب، وصار وضعنا القانوني مثل وضعه، أذكر في إحدى المرات، كيف تمّ اقتياد أخي على الرغم من أنه كان أجنبياً، إلى الخدمة الإلزامية في صفوف الجيش السوري، حيث أمضى مدة ثلاثة أعوام ونصف في منطقة الضمير بريف دمشق،  ومن ثمّ قاموا بتسريحه وأعادوا له البطاقة الحمراء التي كانت مخصصة للأجانب، وعقب مرور ثلاثة أشهر، جاء اسمه في قوائم الاحتياط، إلا انه أخبر المسؤولين في شعبة التجنيد، بأنه لن يخدم هذه المرة ولو قاموا بتقطيعه إرباً، واشترط عليهم أن يقوموا بمنحه الجنسية السورية، إلا أنّ ذلك لم يُفلح فقد أخذوا منه دفتر الخدمة وطلبوا منه الرحيل."

كان محمود دائم الخجل والحياء من بطاقته الحمراء، خاصةً حينما كان يضطرّ للسفر داخل المحافظات السورية، ففي إحدى المرات، وبينما كان مسافراً إلى مدينة تدمر بواسطة الحافلة، أوقفه عناصر من الشرطة السورية، وطلبوا منه الهوية الشخصية، ولمّا أبرز لهم بطاقته الحمراء، أصبح موضع سخرية، أضاف قائلاً في هذا الصدد:

"أبرزتُ لهم بطاقتي الحمراء، فتساءلوا عن ماهية هذه البطاقة، فأجبتهم بأنني أجنبي، فضحك عليّ أحدهم قائلاً: هل تتحايل علينا كيف لك أن تكون أجنبياً وأنت تتكلم اللغة العربية؟! وحينها أجبته "إن كنتَ لا تعلم معنى (أجنبي) فاسأل من هم أعلى منك مرتبة"، والحمد لله فقد مضت الأمور على خير حينها بعد استهزائي بهم.

كما أذكر في إحدى المرات كيف توجهتُ إلى سوق البلدة فور إصدار المرسوم الخاص بتجنيس فئة الأجانب عام 2011، حيث كان يتجمع العديد من الناس، كما كان إعلاميو قناة الدنيا التابعة للنظام يقومون بإجراء لقاءات مع الأهالي حول هذا المرسوم، وعندما أخبرهم أحد الأهالي بأنني من فئة الأجانب، طلبوا إجراء لقاء معي، فشعرتُ بدايةً بالخوف، لكنني بعدها رحتُ أتكلم عن معاناتي، فقد تجاوز عمري الخمسين عاماً، ولم أحصل على الجنسية، كما أخبرتهم أيضاً بأنني فخور ببطاقتي الحمراء، وبأنّ الهوية لم تعد تعني لي خمس ليرات سورية، إلا أنها قد تكون مفيدة لأولادي."

لم يتسنّ لمحمود اختيار العديد من فرص العمل، باعتباره واحداً من المجرّدين من الجنسية، ففي إحدى المرات عُرض عليه العمل كسائق في "قسم الإطفائية" بمنطقة رميلان في محافظة الحسكة، وقد تمّ رفضه حينما علم القائمون أنه ينتمي لفئة الأجانب، وأضاف قائلاً:

”أذكر أيضاً أن إحدى الشركات عرضت عليّ العمل كسائق على طريق مدينة دمشق، وعندما علموا بأنني أجنبي لم يتم قبولي، وحتى شهادتي كسائق كان مسجّل عليها بأنني من أجانب الحسكة. أذكر أيضاً أنني في إحدى المرات وبينما كنتُ مسافراً إلى مدينة دمشق، حاولتُ المبيت في أحد الفنادق إلا أنهم لم يقبلوا بي وطلبوا مني الحصول على إذن من إدارة شعبة الفنادق، كما كنت أودّ كثيراً السفر إلى لبنان، لكنّني كنت ممنوعاً من ذلك، بينما كان أصدقائي المتمتعين بالجنسية السورية يسافرون إلى هناك بكل سهولة.

 أما بالنسبة لأولادي، فقد كانوا متفوقين جداً في دراستهم إلا أنهم لم يُكملوا تعليمهم، اثنان منهم أكملا حتى نهاية المرحلة الثانوية، وآخر لم يكمل المرحلة الجامعية، فقد كانوا يقولون على الدوام: (لماذا ندرس إذا كنا لن نتوظف).“

تقدّم محمود بأوراقه عدة مرات إلى دائرة الأحوال المدنية في بلدته، على أمل الحصول على الجنسية السورية، وعقب صدور المرسوم رقم (49) والقاضي بتجنيس الأجانب عام 2011، توجّه إلى دائرة الأحوال المدنية في مدينة دمشق، وشرح لهم وضعه، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:

"أخبرتهم عن وضعي وحول المصاعب التي تعترضني، كوني سائق لا يحمل شهادة عمومية بل خصوصية، وكيف تتم مخالفتي في كثير من الأحيان بسبب ذلك، فأعطوني استثناءً وعدتُ إلى مدينة الحسكة فمنحوني شهادة قيادة عمومية من فئة (د) وهي أفضل فئة، وفي إحدى المرات أوقفني شرطي مرور وأبرزتُ له شهادتي القيادة الخصوصية والعمومية، فتساءل كيف لأجنبي أن يحصل على شهادة عمومية، واتهمني بالتزوير والاحتيال، وتمّ سوقي إلى قسم الشرطة، حيث تأكدوا هنالك من صحة كلامي، وطلب الضابط المسؤول من الشرطي الاعتذار مني، إلا أنه قال "هذه أول مرة أرى فيها أجنبي يحمل شهادة قيادة عمومية."

نجح محمود بعد بذل العديد من المحاولات، في الحصول على الجنسية السورية، إلا أنه يقول بأنه حصل عليها بعد فوات الأوان، وخاصة بعدما تقدّم به السن.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد