لم يكن بمقدور "نصر الدين" أن يمارس حقّ التملّك كبقية المواطنين المتمتعين بالجنسية السّورية، وعندما قرر شراء إحدى الآليات الزراعية والعمل عليها من أجل إعالة أسرته، لم يستطع تسجيل تلك الآلية باسمه لأنّه لم يكن يمتلك ذلك الحق، إذ كان أحد الكرد السوريين المجرّدين من الجنسية -نتيجة الإحصاء الإستثنائي- وتحديداً من فئة "مكتومي القيد".
تمّ حرمان "نصر الدين أردام إبراهيم" من جميع حقوقه المدنية والسياسية، ورغم بذله العديد من المحاولات لتعديل وضعه القانوني إلا أنّ جميعها باءت بالفشل.
"نصر الدين آردم ابرهيم" من مواليد مدينة رأس العين/سري كانييه عام (1956) في محافظة الحسكة، متزوج ولديه أطفال، ينتمي نصر الدين لعائلة معظم أفرادها من الكرد السوريين المجرّدين من الجنسية، وتحديداً من فئة "مكتومي القيد"، فوالده مكتوم القيد وكذلك أطفاله وزوجته، وفي هذا الخصوص روى للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قصّته في شهر آذار/مارس 2018 قائلاً:
"عندما تمّ إجراء الإحصاء في منطقة كري مير وشرشك في ريف رأس العين/سري كانييه، لم يتم تسجيل أسمائنا، وحاولنا كثيراً من أجل تعديل وضعنا وتوجهنا عدة مرات إلى دائرة النفوس في مدينة الحسكة من أجل متابعة الموضوع، إلا أنّ ذلك لم يجدِ نفعاً، كما حاولنا دفع مبالغ مالية "كرشوة"، فقبل (25) عاماً، كان هنالك شخص يدعى "أ.ب" يعمل في دائرة نفوس مدينة رأس العين/سري كانييه، وقد حاولنا معه كثيراً من أجل تسوية وضعنا القانوني، لكن ذلك كان دون جدوى، ناهيك عن العديد من المحاولات التي قمنا بها، وكان موظفو النفوس دائماً ما يقولون لنا بأنّ الوثائق/الأوراق ذهبت إلى مدينة دمشق لكنها لم ترجع، وبقينا على هذا الحال حتى قمتُ بشراء منزل للعائلة في رأس العين/سري كانييه، وأردتُ تسجيله على اسم ابن خالي، إلا أنّ هذا الأمر جاء بالرفض من قبل فرع الأمن السياسي، فقررتُ مراجعتهم قائلًا في نفسي إنهم بالتأكيد لن يقطعوا رأسي. توجهتُ إلى الفرع وردّ عليّ أحد المسؤولين بشكل إيجابي وأخبرته عن وضعي وبأنني أريد تسجيل المنزل باسم ابن خالي، وبعد السؤال عن ملفي والتأكد منه، قال لي بأنهم سيقومون بتسيير المعاملة، وطلب مني أن أقدّمها مرة أخرى إلى البلدية وألا أخبرهم بأنني تقدّمت بها من قبل، وبين الأخذ والرد لم تفلح كل هذه الجهود."
أتيحت الفرصة لنصر الدين كي يقوم بشراء إحدى الآليات الزراعية حتى يعمل عليها، إلا أنه لم يتمكن من تسجيلها باسمه، وفي إحدى المرات نشب خلاف بينه وبين أحد الأشخاص الذين يعمل معهم، إلا أنّ الأخير قال له:
"ما الذي تفعله هنا فأنت مكتوم القيد وليس لديك شيء عندنا، فارحل من هنا."
وتابع "نصر الدين" حول المزيد من الصعوبات قائلاً:
"دائماً ما كنت أقوم بالسفر إلى مدن كحلب وحماة وحمص ودمشق، وعندما كنت أستقلّ الباص، كنت بحاجة إلى إبراز شهادة التعريف إضافة إلى إذن من إدارة شعبة الفنادق حتى أستطيع المبيت، وفي إحدى المرات وبينما كنت في حلب، وبعد أن منحتني إدارة شعبة الفنادق الإذن للمبيت، قال لي أحد العناصر: ألن تدفع لي ثمن العشاء؟ إلا أنني أجبته: أنا أبحث عمن يقدم العشاء لي فكيف لي أن أدفع لك ثمنه."
لم يتسنّ لنصر الدين العمل سوى في مهنتي النجارة والبيع في أحد المحلات المخصصة بالدراجات النارية، كما كان يواجه العديد من الصعوبات عندما يقوم بتسجيل أطفاله في المدرسة، إذ أنهم كانوا مطالبين بتقديم شهادة تعريفهم، كما كانوا يطالبونهم أحياناً بورقة موافقة من فرع الأمن السياسي، وأضاف قائلاً:
"بتاريخ 4 أيار/مايو 2012، تقدمتُ بأرواقي مرة أخرى إلى دائرة النفوس في مدينة الحسكة، كما تقدّمتُ بأوراق ثلاثة من إخواني ووالدتي، وقالي لي الموظفون بأنهم سيبعثون بها إلى دمشق وبأنّ عليّ الانتظار حتى ترجع، وفي هذه الدائرة قام أحد المراجعين بإعطائي رقم هاتف أحد موظفي دائرة النفوس في مدينة دمشق، ونصحني بالتواصل معه، وبالفعل هذا ما حدث، إذ قمت بالتواصل مع هذا الشخص وسألته عن ملفي وملف إخواني ووالدتي، فقال لي بأنّ أحد الملفات تمّ تقديمها إلى فرع الأمن السياسي في دمشق، إلا أنها لم ترجع، أما الملف الآخر فقد تمّ إرجاعه إلى الحسكة لاستكمال الأوراق، وبين الأخذ والرد لم تفلح محاولاتي، وحاولت أن أتواصل مرة أخرى مع أحد موظفي دائرة النفوس في دمشق حتى أقوم برشوته علّه يسوّي لي وضعي، إلا أنه أخبرني بأنّ عليّ أن أعاود تقديم الطلب."