صادف يوم 15 تشرين الأول/أكتوبر 2018، اليوم العالمي للمرأة الريفية، حيث ما تزال المرأة الريفية السورية تعاني من التهميش والجهل بحقوقها، وتضّطر للعمل في بيئة سيئة مقابل أجر أقلّ مقارنة مع الرجل، حيث لا تحميها هذه البيئة من التحرّش والتهديدات الأخرى مثل التهديد الدائم بطردها من العمل.
وفي هذه المناسبة رصدت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بعض الظروف المحيطة بعدد من بيئات العمل للنساء الريفيات وأجرت مقابلات مع عدّة نسوة في محافظتي الحسكة وإدلب.
- التحرش والتهديد بالطرد من العمل:
رصد الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة عدة حالات تحرش تعرضت لها النساء الريفيات العاملات في محافظة الحسكة التي تسيطر عليها "الإدراة الذاتية"، بنوعيه اللفظي والجسدي بدرجة أقل، إذ يتحرش بعض الرجال بالنساء العاملات معهم في نفس المجال، ويوجهون لهنّ ألفاظاً نابية على سبيل الدعابة أو المزاح. ومن بين الحالات التي تمّ رصدها، تلك التي حدثت مؤخراً في قرية "السفح" الواقعة جنوب مدينة رأس العين/سري كانيه، حيث تطور التحرّش اللفظي الذي كانت تتعرض له إحدى الفتيات العاملات بأجر يومي في جني محصول القطن، من قبل مسؤول العمال والعاملات "الشاويش" إلى تحرش جسدي، حيث قالت شقيقة الفتاة لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في لقاء أجري يوم 12 تشرين الأول 2018:
"عملنا أنا واختي البالغة من العمر 20 عاماً سويةً، في جني محصول القطن في القرية، وأخبرتني أختي عدة مرات بأنّ مسؤول العمال يتحرّش بها بكلامه ويحاول التقرب منها، وطلبت منها ألا تعيره اهتماماً، لكن الأمر تطور، فقد اعترفت لي أختي بعدها أنّ مسؤول العمال استغلّ فرصة بقائه معها لوحدهما عدة دقائق وقام بلمس جسدها ومحاولة الاعتداء عليها، لكنها استطاعت ردعه ولم تخبر أحداً، كي لا يعرف ذوينا بالقصة وتتفاقم المشكلة، لذا أضطرت أختي إلى ترك العمل رغم حاجتنا الماسة إلى مردوده."
تظهر الصورة مرأتين ريفيتين تقومان بنقل القش إلى مستودع مخصص له في قرية العزيزية في ريف مدينة رأس العين/سري كانيه في محافظة الحسكة
الصورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
كذلك في محافظة إدلب التي تخضع لسيطرة فصائل معارضة/مناهضة للحكومة السورية، رصد الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة عدّة حالات مضايقات لنساء ريفيات عاملات من قبل أصحاب الأراضي الزراعية و أرباب عملهن، وهذه المضايقات بلغ معظمها عمليات التحرش، وفي معظم الحالات تكون المرأة مجبرة على غض النظر عن الأمر وتجاهله وعدم إخبار أحد حتى تستمر بالعمل نظراً للحاجة والعوز، إلا أنّ القليل من النساء الريفيات العاملات تجرّأن وتحدّثن عن التحرش الذي تعرضهن له وبالمقابل تمّ طردهن من "الورشة" التي يعملن بها.
وبحسب الباحث الميداني في المحافظة، فقد قامت إحدى النساء الريفيات العاملات وهي أرملة (30 عاماً) وأم لطفلين، بالتقدّم بشكوى تحرش لمحكمة في مدينة سراقب، حيث ادّعت على أحد الأشخاص الذين يعملون معها أنه تحرش بها جسدياً مرات عدة أثناء عملية نقل العمال في سيارة العمل التي تقل نحو أربعين امرأة ورجل معاً، ونتيجة للدعوى المقدمة على صاحب العمل والعامل، تمّ حبس صاحب العمل 15 يوماً وأطلق سراحه بعد التعهد بعدم نقل العمال الرجال والنساء معاً، أما العامل فلم تتم محاسبته ولا طرده من العمل وذلك لعدم وجود دليل أو إثبات على ادعاء المرأة التي تم طردها من عملها رغم الحاجة إليه.
- تفاوت في الأجور وتحمل العبء الأكبر من العمل:
في محافظة إدلب، قال الباحث الميداني إنّ معظم النساء الريفيات العاملات تتقاضى أجراً مماثلاً للرجل العامل، حيث يترواح ما بين 200 إلى 400 ليرة سورية للساعة الواحدة، ولكن المهام المطلوب تأديتها من المرأة العاملة هي أصعب وأكثر مشقة من تلك المطلوبة من الرجل، لاسيما في مواسم قطاف الزيتون، حيث يفضل أصحاب الأرض أن تقوم النساء العاملات بالقطاف نظراً لجودة عملهن، ويتطلب ذلك ساعات عمل وجهداً أكثر، في حين يقتصر عمل الرجل هناك على نقل المحصول وحمله.
أما في محافظة الحسكة، فقد أفاد الباحث الميداني أن المرأة الريفية العاملة تتقاضى أجراً أقل من الرجل، ففي أعمال الزراعة يتقاضى الرجل كأجر يومي ما بين4 أو 5 آلاف في حين تتقاضى المرأة لقاء العمل ذاته 3 أو 4 آلا ليرة سورية فقط.
وفي القطاع العام يتساوى أجر المرأة والرجل إذا كانا يشغلان المنصب الوظيفي ذاته، مع الأخذ بعين الإعتبار بأن المرأة لا يسمح لها أن تتبوء جميع المناصب الوظيفية كما الرجل، وكمثال: لا يسمح للمرأة أن تشغل القيادة في الأعمال أو المهمات الميدانية، كما لا يسمح لها أن تشغل اعمالاً "لا تناسب طبيعتها"، كالأعمال الشاقة أو الصعبة.
- المرأة الريفية جاهلة بحقوقها ومحرومة منها:
أجرت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة لقاءات مع العديد من النساء الريفيات العاملات في محافظتي إدلب والحسكة، وبحسب تلك اللقاءات والشهادات فإنّ قسماً كبيراً من النساء الريفيات لم يكملن مرحلة التعليم الأساسي وتمّ إجبارهن على الزواج المبكر والعمل في الزراعة، وذلك من قبل الوالد أو الأخ أو الزوج على حد سواء، كما أن تلك النساء العاملات لا يعرفن ما هي الحقوق التي يتمتعن بها كما أنهن لا يعرفن بالمناسبات العالمية التي أقرتها الأمم المتحدة للتعريف بهذه الحقوق وحمايتها.
في لقاء مع "ليلى سليمان (26 عاماً) من قرية العزيزية في ريف مدينة رأس العين/سري كانيه في محافظة الحسكة، استغربت عندما حدّثها الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة عن اليوم الدولي للمرأة الريفية، وقالت:
"أسمع أن للمرأة حقوق تجعلها متساوية مع الرجل، ولكنني لا أعرف ما هي هذه الحقوق، وكيف يمكن للمرأة الحصول عليها، وأعي أنه حتى لو كان ذلك صحيحاً، فأنه غير موجود في مجتمعنا العشائري، فحقوق المرأة هنا هي ما يحدده لها والدها وأخوتها، ولاحقاً زوجها، والمرأة التي تتعدى ذلك تعتبر جالبة عار لزوجها، أهلها وعشيرتها، وعليه يجوز قتلها لغسل ذلك العار، وها أنا أم لولدين الآن، ولم يأخذ والداي رأيي عندما وافقوا على زواجي منذ سنوات، وقد يكون جلّ ما تبغيه الفتيات هنا هو الحصول على الحق في اختيار شريك حياتهن بحرية ودون قيود."
كذلك لم تعرف "رقية الطويل" (41 عاماً) -من قرية العزيزية في ريف مدينة رأس العين/سري كانيه في محافظة الحسكة- ما هي حقوق المرأة غير أنها حصلت على أحدها، كما روت قائلةً:
"لم أكن أعلم سابقاً أنّ للمرأة حقوق كالرجل، وكنت أعتقد في صغري أنّ المرأة نصف الرجل، أو أن كل رجل يساوي امرأتين، وذلك لأن المرأة لا رأي لها في مجتمعنا العشائري، ولكن في السنوات الأخيرة عرفنا ورأينا أن المرأة لها حقوق كالرجل، وتستطيع المطالبة بحقوقها في حال سلبت منها، عبر اللجوء إلى بيت المرأة "مركز يتبع للإدارة الذاتية، ويُعنى بالدفاع عن حقوق المرأة"، وعلى الرغم من ذلك فأنّ حقوق المرأة لا تزال ناقصة في مجتمعنا، لأن المرأة التي تمارس حقها أو تطالب به تصبح منبوذة بين أهلها وعشيرتها، وأنا شخصياً لجأت قبل فترة للقانون لمنع زوجي من الزواج بأخرى، حيث أرغم القضاء زوجي على طلاق الزوجة الثانية وكتابة تعهد خطي بعدم تكرار ذلك مجدداً، وهذا من شأنه أن يحفظ جزءاً من حقوق المرأة، فمن حق المرأة أن تتعلم، ومن حقها أن تختار لنفسها شريك حياتها، دون أي إجبار أو إكراه من أحد."
صورة تظهر "ليلى سليمان" و"رقية الطويل" أثناء عملهن في الزراعة في قرية العزيزية بريف الحسكة.
الصورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
في محافظة إدلب، "خديجة الخليل" من ريف إدلب (30 عاماً) متزوجة وأم لأربعة أطفال، قالت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة:
"تركت المدرسة منذ أن كنت صغيرة وساعدت أهلي في العمل في الزراعة، لم أسمع أنه هناك يوماً لحقوق المرأة أو للمرأة الريفية، لم نرى هذه الحقوق ولم أعرفها، منذ أن كنت طفلة أعرف أن مهمة المرأة هي إسعاد زوجها فقط، وأنا الآن أعمل في الأراضي الزراعية ومواسم القطاف لكي أساعد زوجي في تدبر المصروف، ولكي يتمكن أبنائي من متابعة الدراسة، إبنى الأكبر عمره 16 عاماً في الصف العاشر أعمل كي لا يعمل هو ويترك المدرسة".
وأضافت: "لقد استغربت كثيراً عندما سمعت بوجود يوم عالمي للمرأة الريفية، حجم معاناتنا كبير ولم نجد يوماً من يهتم بنا لاسيما أننا نعيش في الأرياف!."