لم يكن بمقدور محمد علاج والدته التي كانت تعاني من مرض "السرطان" في إحدى مشافي العاصمة دمشق، بل إن الأطباء عمدوا إلى الصراخ في وجهه ووجه والدته وقاموا بطردهما، بسبب كونهما من الكرد السوريين الذين لا يتمتعون بالجنسية السّورية وتحديداً من فئة "أجانب الحسكة"، وكانت هذه الحادثة إحدى المشاهد التي مازالت عالقة في ذاكرة "محمد"، والتي رواها للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة خلال شهر آذار/مارس 2018.
"محمد أمين رمضان المحمد"، من مواليد منطقة "حاصود" في مدينة القامشلي عام (1962)، متزوج ولديه سبعة أبناء وكلهم من فئة "أجانب الحسكة". تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، عن عدم تمكنه من دراسة المجالات التي كان يودها نتيجة حرمانه من الجنسية، قائلاً:
"كنت أحبّ دراسة التاريخ والإعلام، وكان لدي آمال كبيرة، إلا أنني لم أكمل دراستي، وحتى من تمكن من إكمال دراسته من أقاربي لم يتم توظيفه، فقد درس أحدهم الأدب العربي، كما درس آخر الطب البيطري، لكن لم يتم توظيفهما باعتبار أنهما من فئة الأجانب، بعد تركي للدراسة رغبتُ بالعمل في (العتالة/حمل الأغراض) في مركز للحبوب، إلا أنهم لم يقبلونني في البداية لأنني مجرّد من الجنسية، استطعتُ بعدها العمل في المركز عن طريق الواسطة، ولكن لم يكن يشملني أية تأمينات اجتماعية أو صحية أو غيرها."
في العام 2005، عانت والدة محمد من مرض السرطان، فاضطر إلى أخذها لمشفى البيروني في مدينة دمشق وهو المشفى الوحيد من نوعه المخصص لعلاج مرضى السرطان في سوريا، إلا أنّ المشفى لم يقبل علاجها، بل إنّ العاملين قاموا بطردها ورمي أوراقها في وجهها، قائلين للأم وابنها "اذهبوا إلى المكان الذي أتيتم منه"، وفي هذا الخصوص تابع محمد قائلاً:
"ما زلت أذكر كيف طلبوا لنا رجال الأمن في المشفى، وكيف خارت قوى أمي وسقطت أرضاً حينها، بكيتُ بعدها وفكرت أن أرمي بنفسي من إحدى طوابق المشفى، إلا أنّ أخي منعني من ذلك، وعن طريق الواسطة أدخلنا أمي آخر الأمر إلى المشفى على أنها قريبة لأحد الأطباء، وخلال ثمانية أيام لم يكن يدخل عليها أي طبيب ليعطيها الإبرة، حتى أننا كنا نشتري الإبر من خارج المشفى بأسعار عالية جداً."
لم يكن بوسع محمد تسجيل أي ملكية أو عقار باسمه باعتبار أنه واحد من المجرّدين من الجنسية، حتى عندما اشترى دكّانًا متواضعًا لم يتمكن من تسجيله باسمه حتى الآن، وأشار محمد أنه ولمدة أربعة أعوام كان يحاول تسجيل أطفاله باسمه في دائرة الأحوال المدنية في مدينة القامشلي، وحول المصاعب الأخرى التي كانت تعترضه تابع قائلاً:
"عملتُ لفترة في أحد مطاعم مدينة دمشق، وتعرضتُ لمضايقات كثيرة من صاحب العمل باعتبار أنني مجرّد من الجنسية، فقد كانوا يفضلون توظيف المواطنين علينا، كما أنّنا كنا محرومون من السفر، فمثلاً لم يكن بمقدورنا السفر إلى لبنان على الرغم من أنّ ذلك سهلٌ ولا يحتاج سوى للبطاقة شخصية، وأنا شخصياً كنت أود السفر إلى لبنان للعمل هناك غير أنّني لم أتمكن من ذلك."
عقب إصدار المرسوم (49) والقاضي بتجنيس فئة الأجانب عام 2011، تمكن محمد أخيراً من أن يصبح مواطناً متمتعاً بالجنسية السّورية، إلا أنّ ذلك جاء متأخراً حسب وصفه، وأضاف قائلاً:
"كان الموضوع أشبه بأنّ تموت فيبنوا لك منزلاً، فكيف يستطيع الميت الاستفادة من منزل بعد موته، لقد عملتُ عشر سنوات في العتالة دون أن يكون لي تأمينات، كما أنني اضطررتُ للانتقال والعمل على الحدود التركية بسبب وضعي، أريد أن أفهم شيئاً واحداً كيف لا يمكن لإنسان أن يأتي بطفل ويسجله على اسمه، فضلًا عن مسألة الزواج التي كنا نعاني منها، فقد كان لديّ ثلاث أخوات وكنّ في المرحلة المناسبة للزواج، إلا أنّ أحداً لم يوافق على الزواج منهنّ بسبب وضعهنّ القانوني، كذلك الأمر بالنسبة لنا نحن الذكور، فقد تقدمتُ مرة لخطبة ابنة خالتي لكنهم رفضوني بسبب وضعي القانوني."